كان سبتمبر/أيلول 2014، الشهر الذي احتل فيه الحوثيون العاصمة صنعاء، نقطة تحول سوداء في حياة نساء اليمن، كغيرهن من مكونات الشعب اليمني، الذي يتجرع حتى اليوم تبعات الانقلاب المسلح على السلطة الشرعية.
ولم تسلم المرأة اليمنية، التي عاشت مكرّمة معزّزة على مر تاريخ البلاد، وكانت ملكة حقيقية متوجة منذ أيام دولة سبأ القديمة في شخص الملكة الأشهر "بلقيس".. لم تسلم المرأة من الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها ميليشيا الحوثي الإرهابية في حق اليمنيين عامة، رجالًا ونساءً على السواء.
وارتكبت ميليشيا الحوثي الإرهابية منذ انقلابها عشرات الآلاف من الجرائم والانتهاكات غير المسبوقة، بحق المرأة اليمنية، توزعت بين القتل، والتهجير، ومداهمة المنازل والاختطاف، والإخفاء القسري، والتعذيب النفسي والجسدي، والاغتصاب والتحرش.
وبعد أن زجت ميليشيا الحوثي الانقلابية بمئات الآلاف من رجال اليمن وشبابها في أتون الحرب، فخسرت البلاد الآلاف من شبابها على مذبح الجماعة الطائفية، بدأت الميليشيا الإرهابية باستغلال النساء أيضًا، والزج بهن في أنشطة عسكرية وتحريضية وتدريبات عنيفة تخالف تقاليد وأعراف اليمنيين، رغم أن هؤلاء النسوة أصبحن أرامل وأمهات أيتام، فضلًا عن معاناتهن من قسوة ظروف الحياة وويلات نيران الحرب لتخليص اليمن من أيدي الحوثيين.
شهد عام 2015 عددًا كبيرًا من حالات الانتهاكات الجسيمة ضد المرأة في اليمن، مع اندلاع الحرب حينذاك، حيث تم رصد 105 حالات قتل للنساء بقذائف مسلحي ميليشيا الحوثي، ونحو 248 حالة إصابة لسيدات وفتيات، وذلك عبر القصف العشوائي على الأحياء السكنية في محافظتي عدن وتعز.
وباتت المرأة اليمنية اليوم، وكأنها مدفونة تحت تراب انتهاكات الحوثيين وقمعهم، بسبب تغيير نمط حياتها الطبيعي في ظل مصادرة المليشيات لأبسط أساسيات حقوق النساء في البلاد.
وبلغ التمييز ضد نساء اليمن من قبل ميليشيا الحوثي الإرهابية أقصاه، ضاربًا بالقوانين الإنسانية عرض الحائط، وكأن إرهابه الدامي بات يتلذذ بتفاقم تلك الانتهاكات التي سلبت المرأة أبسط معاني العزة والكرامة، واقتادتها إلى "سجون سرية" خاصة بالسيدات، ومارست بحقها شتى ألوان التعذيب النفسي والجسدي، في انتهاك سافر وغير مسبوق للقيم والتقاليد اليمنية التي تحرم المساس بالمرأة.
ويقول معمر الإرياني، وزير الإعلام اليمني، إن "ميليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران، حولت حياة النساء اليمنيات إلى جحيم لا يطاق، في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والمعيشية والأمنية الكارثية التي فرضها الانقلاب، والجرائم والانتهاكات غير المسبوقة التي ارتكبتها، ومصادرتها للحقوق والحريات".
وأضاف الإرياني عبر حسابه الرسمي في موقع تويتر "الحرب التي فجرها انقلاب الميليشيات الإرهابية خلفت مآسٍ إنسانية لا توصف للمرأة اليمنية، فعشرات الآلاف منهن فقدن أزواجهن في جبهات القتال، إلى جانب آلاف من النساء الذين تعرض أقربائهن للاختطاف والاختفاء القسري، إضافة إلى ملايين النساء المهجرات مع أطفالهن في مخيمات النزوح وخارج الوطن".
وفي فبراير/شباط 2022، وثق تقرير فريق الخبراء المعني باليمن، التابع لمجلس الأمن الدولي، عددًا واسعًا من انتهاكات المليشيات الحوثية بحق النساء في اليمن. ومن بين تلك الأعمال اختطاف وإخفاء الناشطات الحقوقيات، والاغتصاب، وتلفيق اتهامات كيدية ومحاكمات صورية بحق النسوة في القطاعات المختلفة.
وأكد التقرير الأممي أن الحوثيين استخدموا مزاعم "الدعارة" ذريعة للحد من تقديم الدعم المجتمعي للمعتقلات السابقات، ومنع مشاركتهن النشطة في المجتمع المحلي، وضمان عدم تهديدهن لنظام الحوثيين.
وأوضح التقرير، أن "هذه التدابير الحوثية ضد النساء لها تأثير رادع لنشاطهن، إذ يؤثر قمعهن في قدرات القيادة النسوية المشاركة في صنع القرار المتعلق بحل النزاع اليمني، ويشكل بالتالي تهديداً للسلام والأمن والاستقرار في اليمن".
اتخذت ميليشيا الحوثي، مؤخرًا، إجراءات قمعية جديدة ضد المرأة اليمنية في مناطق سيطرتها، في إطار نهج منظم لتقييد حريتها ومصادرة حقوقها، حيث ألزمت الميليشيا شركات النقل، بتعبئة استمارة للنساء المسافرات تفيد بموافقة ولي الأمر على سفرهن.
وفي الرابع من سبتمبر/أيلول 2022، دعت "منظمة العفو الدولية" ميليشيا الحوثي إلى إنهاء شرط المحرم، الذي يحظر على النساء السفر دونه أو دليل على موافقته الخطية عبر المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرتهم، أو إلى مناطق أخرى من البلاد.
وقالت المنظمة في بيان، إن "القيود الحوثية المشددة أعاقت النساء اليمنيات من القيام بعملهن، خاصة اللواتي تتطلب منهن طبيعة عملهن السفر. وهذه القيود التي يفرضها شرط المحرم تنطبق أيضًا على العاملات اليمنيات في المجال الإنساني، اللواتي يعانين من أجل القيام بعمل ميداني، مما يؤثر بشكل مباشر على وصول اليمنيين المحتاجين إلى المساعدات، وخاصة النساء والفتيات".
وأكدت المنظمة أن هذا الشرط التقييدي يشكل شكلًا من أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي، ويرسخ التمييز الذي تواجهه النساء في اليمن على أساس يومي. وأشارت إلى حاجة النساء اليمنيات بشكل عاجل إلى أن يكن قادرات على التنقل بحرية في جميع أنحاء البلاد من أجل العمل، وطلب الرعاية الصحية، وتقديم أو تلقي المساعدات الإنسانية.
وعلى الرغم من أن الجماعة تلقي أحيانا باللوم على "التصرفات الفردية" لعناصرها في الحوادث التي تستهدف النساء، أو تقيد حقوقهن، فإن تواتر هذه الانتهاكات، وعدم اتخاذ خطوات قانونية بحق مرتكبيها، فضلًا عن اتساع القيود المفروضة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، والتي يأتي بعضًا منها كنتيجة لتوجيهات مُعلنة من خلال التعميمات أو التوجيهات، يعطي مؤشرًا خطيرًا بأن تلك الانتهاكات تأتي ضمن سياسة رسمية لميليشيات "الحوثيين" في طريق قمعهم للحريات، وتحديدًا حين يتعلق الأمر بالنساء.
وتقول حورية مشهور، وزيرة حقوق الإنسان اليمنية السابقة، "إن حقوق المرأة تراجعت كثيرًا في مناطق سيطرة الحوثيين، وكل الذي تم بناؤه في الفترة السابقة من إنشاء الهياكل والمؤسسات المعنية بتنمية المرأة، قد انهار".
وأشارت إلى أن الحوثيين غير مؤمنين لا بحقوق النساء ولا بحقوق الرجال ولا بحقوق أي فئة في المجتمع. ولفتت إلى وجود تقارير عن انتهاكات واسعة وتضييق على الفتيات في الجامعات أو نساء في العمل، وتقييد حرية حركة النساء، وفرض قيود لحصولهن على الأوراق الثبوتية كالجواز والبطاقة الشخصية وغيرها، وحتى التضييق عليهن في الشارع والسوق والمواصلات العامة، ووصل الأمر للمجالات الخاصة كالمناسبات والأفراح.
من جهة ثانية، يؤكد أيمن عقيل، رئيس "مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان" المصرية، إن ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران ترتكب انتهاكات واسعة بحق المرأة في اليمن منذ انقلابها على السلطة الشرعية في البلاد عام 2014، إذ تواجه النساء أنماطًا مختلفة من العنف في ظل غياب مؤسسات الدولة ومنظمات الحماية والتوعية المجتمعية، وتتحمل الويلات كافة الناتجة عن النزاعات المسلحة، وهي أكثر ضحايا الصراع معاناة جسديًا ونفسيًا ومعنويًا.
ويوضح عقيل، أن الإحصاءات التي توصلت إليها المؤسسة خلال السنوات الأخيرة، كشفت عن ارتكاب الحوثيين أكثر من 20 ألف حالة انتهاك بحق النساء في اليمن، ما بين القتل والإصابة والاعتداء الجسدي وحالات العنف، وبالأخص في المدن والمناطق التي تسيطر عليها ميليشيا الحوثي.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- اليمن الأخطر على المرأة في العالم.. الحوثي "يئد" النساء أحياء، موقع بوابة العين، 8 مارس/آذار 2022.
2- يمنيات يكشفن: هكذا حولت ميليشيا الحوثي حياتنا جحيمًا، موقع العربية، 18 مايو/أيار 2022.
3- كيف حولت ميليشيا الحوثي حياة المرأة اليمنية إلى جحيم؟، موقع أخبار الآن، 9 مارس/آذار 2022.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية