نقد الذات: آية الله حسين علي منتظري في حوار نقد ومكاشفة للتجربة الإيرانية

- 20 نوفمبر 2021 - 598 قراءة

تحتمل شخصية آية الله حسين علي منتظري الكثير من الكلام، قيل فيه الكثير ولأنه لم يكن المنتصر فقد حُرم من حصته في كتابة التاريخ. لكنه لم يستسلم للغياب، فترك بعده روايته لزمنه، نقده لذاته، زبدة إعادة قراءة مفصلة لما مرّ به وعليه خلال ما فات من سنوات عز وقحط.

في كتاب “نقد الذات” لنجله سعيد منتظري، حوار نقد ومكاشفة للتجربة الإيرانية. يجيب المرجع الراحل على ١٤ سؤالا كانوا كافيين لصناعة كتاب مثير للجدل، كما كل شيء في إيران. إلى العربية نقلته د. فاطمة الصمادي، الباحثة الأولى في معهد الجزيرة للدراسات والمتخصصة في الشأن الإيراني. لم تكتف الصمادي بترجمة تنقل الكتاب فيه من الفارسية إلى العربية، سخرت قدراتها البحثية لصناعة شبكة من الهوامش التي بدورها ترسم سياقا كاملا للكتاب وتجعله مفهوما حتى لمن ليس لديه اطلاع على إيران وكواليس سياستها. صدر الكتاب ضمن سلسلة ترجمان عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ويتألف من ١٩٦ صفحة.

صفقة إيران كونترا

عشية صفقة إيران كونترا التي جرى وصفها في الولايات المتحدة الأميركية بالفضيحة، كان آية الله حسين علي منتظري ثاني أقوى رجل في إيران بعد مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام روح الله الخميني. إذ كان يمثّل حينها، إلى جانب رئيس الحكومة مير حسين موسوي، الجناح المتشدد في الثورة، كما كانا يوصفان، جناح تصدير الثورة والمشاريع العابرة للحدود، في المقابل ظهر الجناح البراغماتي المتمثل برئيس البرلمان القوي حينها الراحل هاشمي رفسنجاني، ورئيس الجمهورية علي خامنئي. في نهاية المطاف انتهى دور نائب الولي الفقيه وتساقطت حجارة البنيان الذي شيده منذ ما بعد الثورة وحتى تنحيته، مات حسين منتظري الذي كانت صوره ترفع في أنحاء الجمهورية الإسلامية كثاني اثنين، مات وهو ممنوع من التصوير.

ولأن فضيحة إيران كونترا محورية في صناعة مآل مصير منتظري فالأولى البدء منها ومحاولة قراءة رواية الرجل لها، لا سيما وأنه يقول إنه دفع ثمنها غاليا جدا. يسأله الكاتب عن حقيقة تسريبه خبر زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت ماكفارلين لمجلة الشراع اللبنانية والذي أدى حينها إلى زلزال دولي.

يقول منتظري إن تحفظه الرئيس كان بسبب سرية المفاوضات وإخفائها عن الشعب الإيراني ونواب الشعب وبعض المؤسسات الرسمية الرئيسية. يضيف “شراء الأسلحة من أميركا أيضا وتدخل إسرائيل في الأمر بعد تحرير مدينة خرمشهر. لم أكن موافقا على استمرار الحرب العراقية الإيرانية وطرحت رأيي في لقاءات مع الإمام والمسؤولين.” يكشف منتظري عن تفاصيل ما جرى في اللقاء بينه وبين رفسنجاني حيث سأله رفسنجاني من أين عرف بالقضية وهي شديدة السرية، ليجيبه “من أي جهة كانت لماذا لم تخبرني، فأجابه مرتبكا: قررنا أن نخبركم بالقضية لاحقا.”

في رواية رفسنجاني لكيفية كشف القضية أمام منتظري يقول “تبين أن الكلفة باهظة، لم يدفعوا ستة ملايين دولار، وهو ما يظهر تفاوتا بين القيمة الفعلية التي وضعها الأميركيون وما أدعوه” يكمل رفسنجاني “اشتكى الوسيط السيد قرباني فر لدى منتظري ويبدو أنه امتعض من ذلك.”

يكمل منتظري سرده “كنت أقول إن أميركا وإسرائيل لا تريدان قطعا أن تنتصر الجمهورية الإسلامية في الحرب، لا تبيعان السلاح لإيران في سبيل الله دون مصلحة (…) وطبقا للوثائق الموجودة، قال الرئيس الأميركي رونالد ريغان (…) إن الأسلحة التي نعطيها لإيران هي قطعا أسلحة ذات طبيعة دفاعية، ولا يمكن أن تحدث تغييراً جوهريا في جبهات الحرب.”

من تلك الفقرة يستنبط منتظري أن هدف أميركا من خلال إعطاء الضوء الأخضر لإيران “وإرسال عدد من صواريخ التاو عبر إسرائيل، هو أن تستمر الحرب اعتمادا على السلاح الأميركي، ليتحقق هدفهم النهائي، وهو إضعاف البنية الإنسانية والعسكرية كليا في كلا البلدين اللذين يشكلان قوتين رئيستين في المنطقة.”

ينفي نائب الولي الفقيه المعزول معرفته باطلاع الإمام الخميني على موضوع المفاوضات مع الأميركيين، لكنه يتهم هاشمي رفسنجاني بشكل واضح بأنه كذب بشكل بائن عندما نسب إليه، أي منتظري، أنه كان من ضمن الموافقين على استمرار التفاوض مع الوفد الأميركي. ويختم رده على هذا السؤال حول زيارة ماكفارلين بنوع من الإقرار غير المباشر بأنه كان وراء تسريب القصة إلى الصحافة “لاحظت بعض التحليلات لمحللين في الخارج إن سبب إفشاء زيارة ماكفارلين هو الصراع على السلطة بعد الخميني مع أشخاص مرتبطين بي، أقول وليس لدي اطلاع على هدف الآخرين ونياتهم، لو كنت أريد الحفاظ على السلطة، لكان بمقدوري وبأقل التكاليف والوسائل.”

في فصل آخر مخصص للحديث عن اعتقال ومحاكمة مهدي هاشمي، شقيق صهر منتظري، يقول الأخير إن قضية إيران كونترا وزيارة ماكفارلين كانت باب لتصفية سياسية له وأن هاشمي رفسنجاني أرسل إلى الأميركيين عبر ابنه، مع إشارته إلى عدم تأكده من ذلك، أرسل لهم تأكيدا بأنه سيعمل على إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في لبنان وتقديم ضمانات حول مستقبل القيادة والنظام، والحد من تصدير الثورة وتدخل إيران في شؤون البلدان الأخرى.

قضية مهدي هاشمي

في قضية مهدي هاشمي يورد منتظري الكثير من الأسباب التي جعلته يتعاطى مع الملف بتشكيك كبير، يرجع ذلك أولا لاعتقاله بتهمة قتل عالم الدين أبو الحسن شمس آبادي خلال فترة حكم الشاه ومن ثم فتح ملفات أخرى مرتبطة بالصراع الذي اشتعل بين الحرس الثوري والحزب الجمهوري ومكتب حركات التحرر الذي كان يتولى مسؤوليته مهدي هاشمي نفسه.

يقول منتظري في مورد رده على السؤال الخامس في الكتاب، إن تلك المرحلة من حكم الشاه شهدت قيام السافاك، وهو جهاز الأمن الخاص بالنظام الملكي، بالاستفادة من بعض الوجوه الحسنة السمعة، وأوجد لديها قناعة بأن هناك تيارا منحرفا وهابيا في إيران وهو في طور النضوج والوصول إلى القمة، وان حسينية إرشاد (التي كانت يلقي فيها علي شريعتي محاضراته) ومؤيدي كتاب صدر بعنوان الشهيد الخالد، هم معسكرات وهابية مهمة. يضيف منتظري أن شمس آبادي تعرض للتهديد من قبل التيار المؤيد للخميني بسبب تعرض رجل الدين المذكور بشكل دائم للمناضلين، لكن ذلك لم يصل إلى حد الأذى الجسدي. كما يدافع عن اتهام البعض له بأنه كان مدافعا عن قتل شمس آبادي بالإشارة إلى أنه كان ضد القتل والعنف مستشهدا بموقفه من البهائيين في إيران “كنت ووالدي مقتنعين بنقدهم فكريا، لا بمصادمتهم جسديا بالعنف، بل إن والدي لم يسمح بالتعرض لمراسمهم وأموالهم.”

يعود منتظري للحديث عن قضية هاشمي فيشير إلى أنه عارض تسييسها والتعامل معها خارج إطار الشرع والقانون، مستعرضا بالتفصيل دوره في الثورة وما قبلها وعلاقته بمسؤولي الثورة وبدفاع خامنئي عن هاشمي في بداياتها عندما اتهمه البعض في الحوزة في قضية اغتيال شمس آبادي. في العلاقة مع خامنئي يشرح منتظري أن القائد الحالي للثورة في إيران أوصى بتعيين هاشمي في الحرس الثوري، ولاحقا تولى الرجل مسؤولية قسم حركات التحرير في الحرس الثوري. في هذا الإطار يقول “سعى قادة حزب الجمهورية لجعل الحرس الثوري ساعدهم التنفيذية والعسكرية، إلى درجة أن السيد خامنئي، يوم تحادث في بيتي في حي عشق علي مع السيد سعيديان فر أول قائد للحرس في قم، بشأن الاشتباك بين الحرس والحزب، خاطبه بالقول: “الحرس يجب أن يكون كالخاتم في يد الحزب.”

يشرح منتظري بشكل مفصل كيف تحول الخلاف إلى سبب للشقاق، وانعكاس ذلك على العلاقة الشخصية مع خامنئي. ثم في مسألة القضية واعتقاله يقول إن الأجهزة بدأت بتحويل مهدي هاشمي إلى شماعة تلقي عليها المسؤولية عن أي تخريب، “ومن أمثلة ذلك البارزة، دس مواد متفجرة في حقائب ما يقرب من مئة حاج على أيدي أناس من الحرس، وعندما فضح الأمر في مطار جدة (السعودية) وتسبب بحرج بالغ لإيران، أشيع أن مهدي هاشمي والعاملين معه قاموا بهذا الفعل.”

تسببت هذه القضية بشقاق بين الخميني ومنتظري إذ أن نائب الولي الفقيه حينها كتب رسالة قاسية للإمام وحصل رد مماثل من الخميني عليه، يتهم منتظري وزير الاستخبارات السابق محمد ري شهري بأنه لعب دورا محوريا في “إيغال صدر الإمام” ضده وكان يقابل الخميني كل يوم بينما منع النائب من ملاقاته، وفي كل مرة يزور ري شهري بيت قائد الثورة يقدم له تقريرا مفصلا من مكالمات مكتب منتظري، على حد قوله، تتضمن كل شيء حتى النكتة والسخرية والجد والانتقاد، ويعرضها عليه ويقول هذا وضع نائبكم.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.