هل «تتغير» إيران حقًّا؟!

- 28 إبريل 2023 - 539 قراءة

أدى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران مؤخرًا، إلى طرح عدة تساؤلات مصيرية بشأن إمكانية تراجع النظام الإيراني عن مخططاته العدوانية تجاه المنطقة، وخصوصًا إزاء دول الخليج العربي التي عانت الأمرين بسبب سياسات طهران التوسعية خلال العقود الأربعة الأخيرة.

إلى ذلك، يطرح العديد من المراقبين السياسيين والمحللين "سؤال الساعة" على المستوى الإقليمي، بل والدولي: هل يعني الاتفاق السعودي- الإيراني، أن "تتغير" إيران؟ وهل بدأت طهران الانسحاب حقًّا من "الحلم الإمبراطوري"، نحو حلم أكثر واقعية، في أن تكون دولة إقليمية رئيسية في هذه المنطقة؟

لقد كان الاتفاق السعودي- الإيراني نتاج ضغوط كبرى على إيران، خلال الفترة الماضية، حيث واجهت طهران ضغوطًا دولية متزايدة بسبب انخراطها في الحرب الروسية ضد أوكرانيا لصالح موسكو، بالإضافة إلى ملف حقوق الإنسان في ظل قمع السلطات الأمنية للاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ عدة أشهر متواصلة، فضلًا عن إخفاقها في التوصل لتسوية بشأن الاتفاق النووي مع الغرب، الأمر الذي دفعها إلى تحقيق إنجاز بحجم إعادة العلاقات مع السعودية، بهدف "تسويق" النظام الإيراني لنفسه داخليًا وخارجيًا.

 

اتساع دائرة الفوضى

 

من المعلوم للكافة أن إيران هي أكثر دولة على مر التاريخ، سعت إلى التدخل في شؤون المنطقة العربية، الأمر الذي قاد إلى قدر أكبر من التأزم في الحسابات الإقليمية، وأسهم في اتساع دائرة الفوضى والاضطرابات وعدم الاستقرار، جراء اعتماد طهران منذ عام 1979 سياسة "تصدير الثورة" إلى دول الجوار الجغرافي، وشروعها في تنفيذ استراتيجيتها التوسعية، الرامية إلى فرض الهيمنة الإيرانية على المنطقة بطرق شتى.

وقاد التدخل الإيراني المباشر في شؤون الدول العربية، ودعمها الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، المنطقة إلى كارثة كبرى، تمثلت في خلق الميليشيات المسلحة وأشباه الجيوش وفق أسس مذهبية، ناهيك عن زرع الخلايا الإرهابية النائمة في بعض الدول، للنيل من استقرارها عند الحاجة، وانتهاءً بتهديدها للسلم والأمن الإقليمي من خلال برنامجها النووي وتطوير قدراتها في مجال الصواريخ الباليستية، وكذلك الطائرات من دون طيار وتزويدها للميليشيات التابعة لها بالسلاح والعتاد العسكري.

وخلّفت إيران كارثة إنسانية كبرى في اليمن بعد اندلاع الحرب بين ميليشيات "الحوثي" الموالية لإيران والقوى الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في عام 2015، كما تسبّبت طهران في حالة مزمنة من انعدام الاستقرار في العراق، وأشعلت أزمات سياسية مستمرة في لبنان، وحالت دون التوصل إلى حل سياسي تفاوضي للنزاع في سوريا.

ولكن ثمة طروحات تدعو إلى "التفاؤل"، حيث يرى بعض المراقبين أن تؤدي الضغوط الداخلية والخارجية الهائلة على إيران لدفع الملالي إلى "تجرع السم" مجددًا، كما فعل موسوي الخميني لإيقاف الحرب الدامية مع العراق عام 1988، ومن ثم السعي إلى العيش في سلام مع جيرانها العرب.

في المقابل، يشكك بعض المحللين في صدقية نظام الملالي في طهران رغم ذلك، وهو الذي ينص دستوره على "تصدير الثورة"، وتقوم أيديولوجيته على التدخل في شؤون جيرانه والمنطقة العربية.

معنى ذلك، أن إيران لن تتخلى عن مشروعها الخارجي، فهو جزء من "سياسة النظام" التي بُني عليها، والدستور الإيراني خير شاهد على ذلك، لكن دول المنطقة لا تستطيع أن تقف متفرجة على هذا الجانب، ولهذا لا بد من الضغط لدفع إيران إلى الداخل والتنازل عن بعض مشاريع الهيمنة في الخارج، ومن ذلك الميليشيات الإيرانية في الخارج، بخاصة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان.

وكل المؤشرات الراهنة، تؤكد أنه رغم استعادة العلاقات بين الرياض وطهران، فإن النظام الإيراني سيظل أكبر وأخطر تهديد لاستقرار المنطقة وأمن الخليج العربي، سواء بهذا الاتفاق أو بدونه. فليس من المنتظر أن يغيّر الملالي نهجهم العدواني التوسعي تجاه جيرانهم العرب، لمجرد أنهم أعادوا علاقاتهم الدبلوماسية مع السعودية، الأمر الذي لا يعدو كونه مهربًا لإيران من عزلتها الإقليمية الطويلة.

لقد سعت طهران إلى استعادة علاقتها الدبلوماسية مع الرياض، ليس لأن نظام الملالي بدأ "يجنح إلى السلم" ويعود إلى التعقل، بل لعدة أسباب جيوسياسية ذات أبعاد إقليمية ودولية، أهمها أن المخطط الإيراني التوسعي تجاه المنطقة العربية في الوقت الراهن بات يواجه جملة من التحديات، التي فرضتها التطورات الدولية والإقليمية والسياسات الإيرانية العدائية تجاه شعوب المنطقة، إذ تهدد هذه التحديات مستقبل إيران في الإقليم، بما قد ينهي سيطرتها على العواصم العربية الأربع، بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء، أو على الأقل قد يُنهي سيطرتها على بعضها، لا سيما العراق الذي يمثل الامتداد الأهم والأخطر في الحسابات الإيرانية.

وهناك سبب مهم آخر لاستعادة العلاقات مع السعودية، وهو أن السيطرة الإيرانية على المستوى الإقليمي لم تحقق أي فائدةٍ لشعوب المنطقة، بما فيهم المكون الشيعي منهم، بل على العكس أدّت السيطرة الإيرانية، من ناحية أولى، إلى تصدّع المجتمعات وإحداث نزاعاتٍ طائفيةٍ طويلة لا تنتهي، أنهكت جميع شرائح المجتمع وفئاته، ماديًا وبشريًا ومعنويًا، كما ساهمت في تدمير البنى السياسية والاقتصادية الوطنية.

تراجع قوة إيران، يفرض عليها أحد خيارين لا ثالث لهما، إما مراجعة سياساتها وممارساتها تجاه الإقليم بسرعة وبفاعلية كبيرة، أو استمرار سياسة الاعتماد على "قوتها الخشنة" غير المباشرة؛ أي الأذرع الإقليمية الموالية لها.

 

«انقلاب سياسي» في إيران

 

من المؤسف أنه إذا دققنا في سياسات إيران الداخلية والخارجية، سنجد أن مراجعة سياساتها وتعديلها أمر شبه مستحيل، إذ لم تؤد الاحتجاجات الشعبية الإيرانية المتعاقبة إلى حدوث أي تغييرٍ في سياسات إيران الداخلية، بل على العكس دفعتها نحو مزيدٍ من التشدّد، وإلى نهب ثروات الشعوب الإيرانية وإفقارها، وتشديد قبضة المرشد الأمنية والعسكرية الداخلية.

كذلك، تكشف الممارسات الإيرانية في سوريا عن السياق ذاته، إذ لم تعمل إيران على تلبية أيٍّ من مطالب الشعب السوري، بل على العكس تكشف الأحداث عن ضغط إيران باتجاه تشدّد النظام مع الثورة الشعبية مهما كان الثمن، وهو ما سار عليه النظام بدعم وتعاون إيراني كامل، مباشر وغير مباشر.

ويختلف المراقبون بشأن إمكانية تغيّر السياسة الإيرانية، لكن المؤكد أنه لا مقاربات للانخراط الدبلوماسي والسياسي لحل "المسألة الإيرانية" أثمرت، ولا اللجوء إلى أسلحة العقوبات وغيرها من أشكال الضغط نجحت في تغيير سلوك نظام الملالي. فبعد إبرام الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والقوى الكبرى عام 2015، زاد السلوك الإيراني التخريبي في الشرق الأوسط. وبعد الانسحاب منه عام 2018 واغتيال "عرّاب التدخلات الإقليمية" قاسم سليماني، زاد الانكفاء الإيراني إلى الداخل لتعزيز قبضته على الدولة، بمعنى أن إيران لا تفهم سوى لغة القوة!

والمشكلة الحاكمة لسياسات إيران، هي أن النظام قائم على مشروع عقائدي من دونه ينهار هيكل المعبد. وأي محاولة للتحول إلى دولة طبيعية يعني مواجهة الشعوب الإيرانية الغاضبة بخسائر 44 عامًا من الاستثمار في هذا المشروع التوسعي، ومحاسبة القائمين عليه حسابًا عسيرًا. إن أي تغيير في سياساتها، إزاء بلدان الخليج واليمن والمشرق العربي، سوريا ولبنان والعراق، هو بمثابة تغيير، أو "انقلاب سياسي" في إيران ذاتها.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.