وقائع «مذبحة الإعدامات الجماعية» عام 1988

- 29 يوليو 2023 - 477 قراءة

المراقبون: إعدامات صيف 1988 كانت تهدف إلى التخلص من كل معارضي النظام بشكل نهائي

 

إعدام 30 ألفًا من المعارضين أعضاء "مجاهدي خلق" والتنظيمات اليسارية والنشطاء العرب والبلوش والتركمان

 

أعضاء "لجنة الموت" اتهموا الضحايا بأنهم "مرتدين"... وطبقوا عليهم حد "الحرابة" وساقوهم إلى حبل المشنقة

 

رئيسي: الإعدامات الجماعية كانت "تمثل الشعب"... وهي واحدة من "إنجازات النظام المشرفة"!

 

تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة والأربعين لمذبحة السجناء السياسيين، التي راح ضحيتها أكثر من 30 ألف شهيد من معارضي نظام الملالي، ففي صباح 19 يوليو/تموز عام 1988 ولمدة خمسة أشهر لاحقة، تم إعدام آلاف السجناء السياسيين في جميع أنحاء البلاد، بأوامر مباشرة من موسوي الخميني، وذلك بتهمتيّ "الردة والحرابة" .

أغلب المعارضين الذين جرى إعدامهم بدم بارد، كانوا من أعضاء منظمة "مجاهدي خلق" والنشطاء العرب والبلوش والتركمان، والناشطين اليساريين أعضاء حزب "تودة" الشيوعي، الذين أعلنوا عن تأييدهم للثورة فور وقوعها، غير أن نظام الملالي انقلب عليهم فيما بعد، وأعمل فيهم آلة القتل الجهنمية.

وذكرت وثائق سرية تم كشف النقاب عنها بعد سنوات من المذبحة، وتصريحات إعلامية لمعارضين، أن الخطوات التمهيدية للمجزرة جرى التخطيط لها قبل عدة أشهر من بدء تنفيذ عمليات الإعدام، وأن المسؤولين عن السجون قاموا بخطوة الاستجواب في نهاية 1987، لعدد كبير من المتهمين، الذين اتُهموا بمحاولة "إحداث فتنة في البلاد، وزعزعة استقرار النظام السياسي"، وطبقت عليهم "لجنة الموت" التي كان الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي أحد أعضائها، حد الحرابة.

إعدامات سرية

كانت إعدامات 1988 هي الموجة الثانية من التصفيات التي نفذها مؤيدو الثورة الإيرانية ضد خصومهم من المعارضين. إذا كانت الموجة الأولى التي برز أثناءها اسم القاضي صادق خلخالي، قد شملت رموز ومسؤولي عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وأُعدم خلالها الآلاف في محاكمات سريعة تعرضت لانتقادات المنظمات الحقوقية الدولية. وكانت هذه الموجة الثانية (إعدامات صيف 1988) كانت تهدف إلى التخلص من كل معارضي النظام، بشكل نهائي.

وفي مطلع 1988 تمت إعادة الاستجواب وتفريق جميع السجناء السياسيين حسب انتماءاتهم الحزبية ومدة عقوبتهم. وبدأ التنفيذ الفعلي لعمليات الإعدام في الساعات الأولى من 19 يوليو/تموز، مع عزل السجناء عن العالم الخارجي، فقد أغلقت أبواب السجون وألغيت الزيارات والاتصالات الهاتفية ومنع تلقي الرسائل والطرود البريدية، ومنع أقارب السجناء من التجمهر في الخارج عند بوابات السجن، لكي لا يتسرب نبأ عمليات الإعدام الجماعية إلى الخارج.

الأعداد الدقيقة للسجناء المحكومين عليهم بالإعدام لا تزال محور خلاف. فقد سجلت "منظمة العفو الدولية" أسماء أكثر من 4482 سجينًا سياسيًا اختفوا منذ ذلك الحين، لكن جماعات المعارضة الإيرانية تشير إلى أن عدد السجناء الذين أُعدموا كان أعلى من ذلك بكثير، وربما يصل إلى 30 ألف شخص، من بينهم نساء وطالبات جامعيات، ونشطاء ليبراليين وأكراد ويساريين من الشباب، بما في ذلك أعضاء منظمة "فدائيو الشعب" الماركسية اللينينية، وحزب "توده" الشيوعي، ومنظمة "بيكار" الماوية، ونشطاء آخرين من القوميات غير الفارسية، خاصة عرب الأحواز والأكراد والبلوش والتركمان وغيرهم.

أصدرت هذه الأحكام الجائرة، والتي أعقبها تنفيذ أكبر عدد من الإعدامات الجماعية في التاريخ المعاصر، ما سُمي فيما بعد "لجنة الموت" التي كان أحد أعضائها هو القاضي - آنذاك- إبراهيم رئيسي.

وحرصت السلطات وقتها على أن تتم عمليات الإعدام بتكتم وسرية تامة، وأن تنكر ذلك الحدث، ولكن نظرًا لاتساع نطاق العمليات وبشاعتها، تمكن الناجين ممن بقوا على قيد الحياة أن يدلوا بكلمتهم حول هذه الواقعة الدامية.

كانت الأسئلة الموجهة للضحايا نوعًا من التفتيش في الضمائر، أشبه بـ "محاكم التفتيش" سيئة السمعة في إسبانيا، من قبيل: هل أنت مسلم؟ هل تعتقد بوجود الله؟، هل القرآن كلام الله؟ هل تعتقد في الجنة والنار؟ هل تصوم رمضان؟  هل تصلي؟

الهدف الحقيقي من هذه الأسئلة كان تحديد السجناء المعتبرين كـ "مرتدين عن الإسلام"، والذين سيُطبق عليهم حد "الحرابة" ويُساقون إلى حبل المشنقة.

أسرار مخضبة بالدماء

وضع تقرير "منظمة العفو الدولية" المُعنون «أسرار مخضبة بالدماء - لماذا تعتبر إعدامات 1988 في إيران جرائم مستمرة ضد الإنسانية» والصادر عام 2018، إبراهيم رئيسي ضمن «قضاة الموت» الأربعة الذين أشرفوا على الإعدامات التي يتراوح عدد ضحاياها بين الثلاثة آلاف والثلاثين ألفًا، حسب تقديرات مختلفة. ونسب التقرير إلى رئيسي قوله في محاضرة ألقاها في الأول من مايو/آيار 2018 نفيه أن يكون رئيس المحكمة التي نظمت الإعدامات، والتي قال إنها كانت تمثل الشعب. لكنه وصف عمليات القتل تلك بأنها "واحدة من إنجازات النظام المشرفة".

وفي سياق كشف هذه الأسرار المخضبة بالدماء، نشر أحمد منتظري، نجل المرجع الشيعي الراحل حسين علي منتظري، عام 2016، شريطًا صوتيًا، تضمن جزءًا من لقاء والده مع أعضاء "لجنة الموت" التي ارتكبت مجازر بإعدام عشرات الآلاف من السجناء السياسيين في صيف 1988.

وتطرق منتظري، حسب ما جاء في الملف الصوتي خلال لقائه مع أعضاء "لجنة الموت" المسؤولين عن إعدامات 1988 إلى قضية المحاكمات غير العادلة والفعل الانتقامي من خلال الإعدامات الجماعية، وقال مخاطبًا إياهم: "إنكم ارتكبتم أكبر جريمة في تاريخ الجمهورية الإسلامية"، محذرًا من أن "التاريخ سيعتبر الخميني رجلًا مجرمًا ودمويًا"، وهذا هو الموقف الذي أدى إلى إقالته من منصبه من قبل الخميني.

وكشف عن مضمون تسجیل صوتي یتعلق باجتماع والده مع مسؤولي ملف إعدامات 1988، أو ما عرف بـ "لجنة الموت"، مشيرًا إلى أن التسجيل يكشف تورط 4 أشخاص في تلك الإعدامات التي طالت معتقلين في السجون الإيرانية. وقاموا في يناير عام 1989 بزيارة لوالدي، وهناك ملف صوتي مسجل لهذا اللقاء".

أضاف نجل منتظري أن والده قال للحاضرين، خلال الاجتماع: لماذا أخبرتم أحمد الخميني (نجل المرشد وقتها) بالقضايا المهمة التي تمت في اجتماع 15 أغسطس/آب عام 1988 الذي عقد بشأن الإعدامات، ولم تخبروا الخميني نفسه؟ فردوا عليه بالقول إنه "لم تكن أمامهم طريقة أخرى". كما لفت إلى أن هؤلاء الأشخاص أخبروا أحمد الخميني بالقضايا التي نبه إليها منتظري، ولكن أحمد الخميني قال: "استمروا في عمليات الإعدام".

ممثلو السلطات القضائية والأمنية التي حضرت هذا الاجتماع مع حسين علي منتظري، هم: حسين علي نيري، حاكم الشرع آنذاك، ومرتضى إشراقي، مدعي عام طهران، آنذاك، وإبراهيم رئيسي، مساعد المدعي العام، آنذاك، ومصطفى بور محمدي، ممثل وزارة الاستخبارات في سجن إيفين.

من جهة أخرى، وفي يناير/كانون الثاني من العام الماضي 2022، دعا مسؤولون أمميون سابقون، وفريق من الفائزين بجائزة "نوبل" مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، للتحقيق في مذبحة الإعدامات الجماعية.

ودعت رسالة مفتوحة تم نشرها، مجلس حقوق الإنسان إلى "إطلاق تحقيق دولي في مقتل نحو 30 ألف معتقل في 1988". وأشارت الرسالة بالاسم إلى "الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي ورئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إيجائي بوصفهما من المتهمين بالوقوف وراء الإعدامات والذين "يستمرون في الإفلات من العقاب".

وقالت الرسالة إن "آلاف السجناء السياسيين الذين رفضوا التخلي عن معتقداتهم أعدموا، لقد دفن الضحايا في مقابر جماعية منتشرة في أنحاء البلاد. ونعتقد أن الوقت حان منذ فترة طويلة لكي يحقق مكتب مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه في مجزرة 1988".

ــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- إبراهيم رئيسي وإعدامات 1988 (تحليل)، موقع الشرق الأوسط، 19 يونيو/حزيران 2021.

2- إيران.. محاكمة مسرّب وثيقة "لجنة الموت" بدون محامٍ، موقع العربية، 20 أكتوبر/تشرين الأول 2016.

3- تسجيل لفرقة الموت يرعب إيران.. ويكشف فظائع إعدامات 1988، موقع العربية، 22 ديسمبر/كانون الأول 2019.

4- الأمم المتحدة تدعو للتحقيق في إعدامات طالت معارضين إيرانيين عام 1988، موقع روسيا اليوم، 27 يناير/كانون الثاني 2022

.

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.