العلاقات المصرية ـ الأفغانية «1922 ـ 1979م» (1)

- 28 ديسمبر 2022 - 502 قراءة

المقدمة

 

تتمتع أفغانستان بمكانة مهمة بالنسبة لمصر ومصالحها القومية؛ نظرا لأنها واحدة من دول آسيا الوسطى، التي تعاظم ارتباطها بمنطقة الشرق الأوسط؛ بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في أواخر ديسمبر من عام 1991م، وما ترتب عليه من سقوط التنافس القطبي وتحول الولايات المتحدة إلى قطب أوحد يطرح مشروعاته للشرق الأوسط على الساحة، كيفا يشاء وأنى اقتضت مصالحه، لتشمل المنطقة كلها بما فيها أفغانستان بالمفهوم الواسع للجغرافيا السياسية. ومن ناحية ثانية، تعد أفغانستان دول متاخمة لإيران الواقعة بدورها على خط التماس لحدود نطاق الأمن القومي المصري؛ حيث منطقة الخليج العربي، التي لم تخُف طهران مطامعها في الهيمنة عليها، والتي لم تألُ جهدا في تعزيز نفوذها في أفغانستان توطئة لإحياء حلمها القديم بقيام خراسان الكبرى. وفضلا عن هذا، فإن أفغانستان تتاخم أيضا باكستان، التي تعد نفسها بوابة آسيا الوسطى، ومن ثم فيه تعمل دائما على تعزيز موقعها الجغرافي الذي يقف على مفترق طرق آسيا الوسطى وجنوب آسيا ومنطقة الخليج العربي، بهدف مواجهة السيطرة الهندية والروسية والإيرانية على هذه المنطقة، وبما يعزز مكاسبها الاقتصادية أيضا.

وبناء على هذا، يمكن القول إن المصالح القومية المصرية في آسيا الوسطى تستوجب على القاهرة أن تُفعل دورها وتعظم من مصالحها في أفغانستان، بوصفها مدخلا بديلا لآسيا الوسطى عن إيران وتركيا، فضلا عن عدم ترك الفرصة لكل من إيران وباكستان للانفراد بالسيطرة عليها، أو توغل المذاهب الأخرى داخل المجتمع الافغاني بما يهدد أمنه ووحدته الوطنية. ولعل ما يدعم هذا القول، أن مصر تمتلك رصيدا إيجابيا كبيرا لدى الشعب الأفغاني حتى أنه ينظر لها على أنها نموذجها الذي ينبغي عليها الاحتذاء به، سيما أنها لم تتورط في أي وقت من الأوقات في التسبب إراقة دماء الشعب الأفغاني على غرار كل من باكستان وإيران، كما لم تتورط أيضا في تأجيج الصراع الداخلي أو المذهبي ولا الحرب الأهلية فيها، بل كانت دائما وسيط خير بين فرقاء الداخل لماً للشمل.

واستنادا إلى ما سبق ذكره، تجلت أهمية دراسة تاريخ تطور العلاقات المصرية الأفغانية، منذ نشأتها عام 1922م، وأنماط تطورها، حتى قطعها بين البلدين عام 1979م، وقد مرت العلاقات المصرية الأفغانية، على ما يقارب الستين عاما، بمرحلتين مهمتين، الأولى كانت فيها هذه العلاقة بين البلدين المسلمين تقليدية من جميع الجوانب، وامتدت لثلاثين عاما، من عام 1922م، وحتى عام 1952م، والثانية كانت مزدهرة في جميع المجالات، وامتدت لربع قرن تقريبا من عام 1952م وحتى عام 1979م،أي أن هذ العلاقة، محل الدراسة، لم تشهد تحولات كبرى؛ ولعل مرد ذلك إلى سببين: السبب الأول أن كلا البلدين لا يجمعهما جوار جغرافي مشترك يمكن أن ينجم عنه بروز خلافات بينمهما على غرار ما حدث بينها وبين إيران وباكستان أو بينها وبين الاتحاد السوفييتي السابق؛ إذ تفصل بينهما مسافة تبلغ 3,579,70 كم، كما لم تكن مصالحهما المشتركة قد اتسعت أو تشابكت إلى الحد الذي قد يفضي إلى توتر أو صدام بينهما. والسبب الثاني أن العلاقات بينهما لم تكن قد تعرضت لمحك عملي على مستوى السياسة الخارجية المباشرة تجاه بعضهما البعض، ومن ثم فقد اكتفى البلدان بمجموعة من السياسات والتحركات الدبلوماسية التقليدية والمعتادة، التي قامت على مجموعة من القواسم المشتركة التي أفضت إلى حرصهما الدائم على تعزيز علاقات التعاون.

ولم لا وقد تماثل كفاح البلدين ضد بريطانيا، وعاني كل منهما من ويلات الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1919م) كما تلمسا أيضا نيل مطالبهما المشروعة في مؤتمر الصلح بباريس، فنالت أفغانستان استقلالها عام 1919م، بعد خوضها الحرب الثالثة مع القوات البريطانية، كما نالت مصر استقلالها عن بريطانيا عام 1922م، بموجب تصريح 28 فبراير. كذلك الأمر، فقد عانا أيضا من ويلات الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945م). ومن ناحية أخرى، فقد تزامن قيام ثورة 23 يوليو 1952م، مع وجود حكومة وطنية أفغانية برئاسة الأمير محمد داود خان، الأمر الذي مثل أحد أسباب التوافق في التوجهات الوطنية للبلدين، خاصة أن كابل بادرت بالاعتراف بهذه الثورة ورحبت بقيام النظام الجمهوري في مصر.

وانطلاقا من هذا، تبلورت مجموعة من العوامل الأخرى التي أفضت إلى مزيد من التقارب بين القاهرة وكابل، كان أهمها إيمانهما بمجموعة من المبادئ السياسية المشتركة، مثل الحياد الإيجابي، والمشاركة في مؤتمر باندونج عام 1955م، وتأسيس منظمة التضامن الأفرو آسيوية، وحركة عدم الانحياز. فضلا عن رفضهما الانضمام لأي من الأحلاف أو التكتلات العسكرية، فمثلما رفضت مصر قيام حلف بغداد عام1954م، من المبدأ، فقد رفضت أفغانستان أيضا جميع المحاولات التي سعت لضمها إلى هذا الحلف، خاصة أنه كان يُعد أحد أوجه عملية الاستقطاب التي كانت تتعرض لها منطقة الشرق الأوسط على امتدادها الجغرافي وصولا لمنطقة وسط آسيا. وقد كان من شأن هذه العوامل أن تعززت العلاقات المصرية الأفغانية، حتى بلغت حد تطابق رؤاهما ومواقفهما السياسية تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية، مثل عدم اعتراف أفغانستان بإسرائيل، وهو الأمر الذي سبب تقديرا مصريا، إذا ما قورن بالموقف التركي الذي اعترف بها عام 1949م، والإيراني الذي اعترف بها أيضا عام 1960م، وتأييد كابل الكامل لنضال القاهرة الوطني بدءا من تأييد حقها في تأميم قناة السويس، وأثناء تصديها للعدوان الثلاثي، وصولا إلى تأييدها لمبادرة الرئيس السادات بزيارة للقدس عام 1977م، لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. فضلا عن مساندة أفغانستان الدائم للقضايا العربية التي مثلت محور اهتمام القاهرة، مثل مناصرة القضية الفلسطينية، وثورة التحرير الجزائرية. وفي المقابل، قدمت القاهرة كل ما في وسعها من الدعم والمساندة الكاملة لأفغانستان، سواء في تحقيق التنمية أو مساندة نضال شعبها، على جميع المستويات، لمجابهة الغزو السوفييتي عام 1979م

 

إشكالية الدراسة

 

انطلاقا مما سبق ذكره، يمكن القول أيضا، إنه إذا كانت دراسة العلاقات السياسية بين القاهرة وكابل تمثل محور هذه الدراسة، في ضوء الوثائق المصرية غير المنشورة، فإنه يمكن صياغة إشكاليتها في التساؤلات التالية: ماهي خطط مصر الحالية والمستقبلية لتعزيز أوجه التعاون مع أفغانستان، وما هي برامجها لتعزيز علاقاتها مع هذه الدولة المهمة في آسيا الوسطى، خاصة في ظل تزايدت الأولوية الاستراتيجية المنوطة بعلاقات مصر مع أفغانستان من حيث الأهمية والارتباط، شأنها شأن دول آسيا الوسطى الأخرى؟ وماهي محاور التحرك المصري لتفعيل دورها المستحق في أفغانستان؟

تساؤلات الدراسة

يتفرع عن الإشكالية السابقة عدة تساؤلات أخرى، أهمها:

1- متى بدأت العلاقات السياسية بين مصر وأفغانستان في التاريخ الحديث والمعاصر؟

2- ما هي العوامل التي أدت إلى تطور هذه العلاقات، وما هي أنماط هذا التطور؟

3- كيف تعامل البلدان مع القضايا التي واجهت البلد الآخر؟

4- إلى أي مدى أسهمت المواقف السياسية المشتركة في تطور العلاقات السياسية بينهما؟

أهمية الدراسة

ارتباطا بما سبق، فإن هذه الدراسة تتمتع بأهمية من حيث تؤكد على:

1- أن التنسيق والتعاون بين البلدين يمكن أن يزيد من مكاسبهما إزاء النظام الدولي الراهن

2- أن التطورات الدولية تفرض على مصر البحث عن صيغة أو منظومة جديدة لعلاقاتها، التي تمكنها من مواجهة التحديات والتعقيدات التي تواجهها المنطقة.

3- أن المصالح المشتركة سياسيا وثقافيا واقتصاديا سوف تكون من العوامل المؤثرة على علاقات التقارب بين مصر وأفغانستان، وتعزز دور مصر في آسيا الوسطى على جميع المستويات.

4- أنه يمكن لمصر، بما لها من ريادة إسلامية منشودة وسمعة طيبة، أن تعيد صياغة الواقع الثقافي الأفغاني بما يجعلها نموذجا مكملا بين دول آسيا الوسطى

الإطار الزمني للدراسة

يتحدد الإطار الزمني لهذه الدراسة في الفترة من 1922 حتى 1979م، ويأتي تحديد نقطة البداية بعام 1922م، نظرا لأنه العام الذي شهد مبادرة أفغانستان بالاعتراف باستقلال مصر وإقامة علاقات دبلوماسية معها، بينما جاءت نقطة الانتهاء بعام 1979م، نظرا لأنه العام الذي قطعت فيه كابل علاقاته مع القاهرة.

تقسيم الدراسة

تنقسم هذه الدراسة إلى:

المقدمة

التمهيد

المبحث الأول: العلاقات المصرية ـ الأفغانية (1922 ـ 1952م)

المبحث الثاني: عوامل تعزيز التقارب المصري ـ الأفغاني

المبحث الثالث: العلاقات الثنائية بين مصر وأفغانستان (1952 ـ 1979م)

الخاتمة والتوصيات

ملحق الوثائق

 

التمهيد

 

أفغانستان، دولة إسلامية تقع في قلب آسيا الوسطى، تبلغ مساحتها حوالي 652,230 كيلومترا مربعا. وهي دولة حبيسة جغرافيا، أي لا منفذ لها على البحار؛ إذ تحيط بها اليابسة من الجهات الأربع، التي تشغلها خمس دول، بطول حدود دولية تبلغ 5529 كم، إذ تحدها من جهة الشمال كل من: تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان، ومن الجنوب باكستان، من الغرب إيران، من الشرق الصين. وعلى الرغم من أنها دولة معزولة جغرافيا إلا أنها مثلت عبر التاريخ، بفضل موقعها الاستراتيجي، ملتقى للقوافل التجارية العابرة بين الشرق والغرب، بوصفها جسراً يربط بين أربع كتل استراتيجية مهمة بوسط آسيا، فتربط روسيا الواقعة شمالا، بشبه القارة الهندية جنوبا، كما تربط الصين الواقعة شرقا، بإيران غربا. الأمر الذي جعلها، منذ القدم، منطقة جذب بشري ومعبرا للغزاة من الشمال والجنوب الشرقي، منذ الغزو المغولي عام 1221م وحتى المحاولات البريطانية الثلاث لاحتلالها 1840م، و1880م، و1919م، مروراً بالاجتياح السوفييتي عام 1979م، ثم الغزو الأمريكي لها أيضا عام 2001م،(1)

وقد عانت أفغانستان من صراع الإمبراطوريات، التي كانت تتسابق للتوسع في آسيا طيلة القرن التاسع عشر، فقد حاولت روسيا القيصرية الوصول إلى المياه الدافئة في المحيط الهندي عبرها، كما حاولت الإمبراطورية البريطانية تعزيز مواقعها في الهند، من خلال السيطرة عليها، عندما قامت القوات البريطانية بغزو الأراضي أفغانية ثلاث مرات. الأولى، كانت بذريعة محاولة الحد من التوسع الروسي في المنطقة، فدارت المعارك البريطانية الأفغانية في الجزء الجنوبي ومن وادي هلمند عام ۱۸۳۹م، واستمرت حتى انسحاب هذه القوات الغازية عام 1842م، والمرة الثانية، كانت بسبب وصول بعثة روسية إلى كابول لعقد معاهدة مع أمير أفغانستان "شير علي خان" (حكم من 1863 إلى 1879 م)، في نوفمبر 1878م، فاندلعت الحرب الثانية بينهما. ثم نشبت الحرب الثالثة بينهما على مدى أربعة أشهر، بدءا من 6 مايو إلى 8 أغسطس عام 1919م، وانتهت بتوقيع معاهدة راولبندي، التي أنهت الوجود البريطاني كلية في أفغانستان، والاعتراف باستقلالها التام، الذي أعلن رسميا في يوم 19 أغسطس 1919م، في عهد الأمير أمان الله خان. (1892 ـ 1960م)(2)

وقد بدأ أمان الله عهده بإصلاحات سياسية واسعة استهدفت تحديث أفغانستان، فوضع أول دستور للبلاد في عام 1923م، وحولها نظام الحكم فيها من إمارة إلى مملكة عام 1926م، ومن ثم كان أول من نودي ملكا عليها. وقاد انفتاحا في علاقات بلاده الخارجية، فتبادلت التمثيل الدبلوماسي مع كثير من دول العالم، وأبرمت حكومته معاهدات صداقة مع عدد من الدول منها الاتحاد السوفييتي وإيطاليا وإيران عام 1921م، ومصر عام 1929م،كما قام بالاطلاع بنفسه على تجارب عدد من  الدول الأخرى في التنمية أثناء قيامه برحلته الطويلة التي استمرت ستة أشهر، زار خلالها تسع دول، هي: الهند ومصر وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا وتركيا وإيران، ومن ثم قام بمحاولة إدخال إصلاحات اجتماعية، بدأها بتطوير التعليم فأنشأ المدارس والمعاهد العليا، وأولى اهتماما بتعليم المرأة وأرسل عددا منهن إلى أوروبا في بعثات تعليمية. غير أن المجتمع، في ذلك الوقت، لم يتقبل مثل هذه الجرعة الكبيرة من الإصلاحات، خاصة زعماء القبائل الذين قاوموها بشده، حتى أُجْبِرَ على التنازل عن العرش عام 1929م، ليقضي بقية عمره حتى وفاته في منفاه بمدينة زيورخ السويسرية يوم 25 ابريل 1960م(3).

وقد خلفه على عرش أفغانستان الملك محمد نادر شاه، بعد أن تمكن من استعادة الحكم مرة أخرى لأسرة البركزاي والقضاء على تمرد "حبيب الله كلكاني" المعروف بـ "ابن السقا"، الذي كان من بين من تمردوا على إصلاحات أمان الله خان حتى سيطر على الحكم معلنا نفسه ملكا على البلاد، فيما بين شهري يناير وأكتوبر 1929م، وقد تبني محمد نادر شاه دستورا جديدا للبلاد عام 1931م، ولكن سرعان ما تم اغتياله يوم 8نوفمبر عام 1933م، على يد أحد أنصار "ابن السقا"، ليتولى الحكم من بعده ابنه محمد ظاهر شاه.(4)

وقد بذل محمد ظاهر شاه جهودا كبيرة لتعزيز مكانة أفغانستان الدولية، حتى أصبحت في عهده عضوًا في عصبة الأمم المتحدة عام 1934م، وانضمت إلى ميثاق سعد آباد عام 1937م، الذي ضم أيضا من كل من إيران والعراق وتركيا، ثم أصبحت عضوًا في هيئة الأمم المتحدة 1946م، فضلا عن أنها سجلت حضورا فعّالا ضمن الدول الـ 29 التي شاركت في مؤتمر باندونج عام 1955م، وباتت عضوا أيضا في منظمة تضامن الشعوب الآفروآسيوية وحركة عدم الانحياز.(5)

وفي ضوء ما سبق، بادرت أفغانستان بتعزيز علاقاتها مع مصر منذ عام 1922م، فأوفدت رجلا مرموقا ليكون أول وزير مفوض لها لدى القاهرة. صحيح أن العلاقة بينهما كانت في بدايتها مجرد علاقات تقليدية تربط بين بلدين مسلمين، تفصل بينهما مسافة تبلغ 3,579,70 كم، إلا أنها شهدت تطورا ملموسا، بعد قيام ثورة يوليو في مصر عام 1952م، إذ رُفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما من درجة المفوضية إلى درجة السفارة، ثم كانت العلاقات المصرية الأفغانية، منذ ذلك الوقت، شاهدة على جهود البلدين لتعزيز أواصر الأخوة والتعاون البناء بينهما.(6) حتى قُطعت عام 1979م؛ عقب انقضاض الشيوعيين على الحكم في أفغانستان، لتبدأ مصر من فورها ممارسة دورها التاريخي في مساندة نضال الشعب الأفغاني لدحر الغزو السوفييتي، ونيل استقلاله.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.