الصحافة الإيرانية بين عهدين

- 20 يوليو 2024 - 241 قراءة

نبذة تاريخية عن الحركة الدستورية والثورة الإيرانية

 

الحركة الدستورية:  (1850-1906م)

تعد هذه الحقبة أبرز علامات التاريخ الإيراني الحديث، فهي التي حددت معالم الشخصية الإيرانية ومهدت لكل ما تلاها من أحداث، وكانت تُكمن الحركة الدستورية بذرة الثورة الدينية.

كانت إيران تتمتع بقدر من الهدوء النسبي في عهد ناصر شاه؛ حيث بدأ بإجراء إصلاحات مهمة في جهاز الدولة، وفي عهده زاد الإتصال بالغرب؛ وكان ذلك من أهم العوامل التي ساعدت على بدء الإصلاحات، وتم إيفاد مجموعة من الطلاب الإيرانيين للدراسة بأوروبا ، وكان هناك تنافسا بين حكام الأقاليم بعيدا عن أعين الحكومة المركزية، كذلك الصراع بين القوتين العظميين: روسيا وبريطانيا يعد بمثابة أهم عامل رئيسي في إثارة الحركات القومية في إيران؛ لأن الأراضي الإيرانية ذات أهمية استرتيجية بالنسبة لروسيا كممر إلى البحار الدافئة في الجنوب، وبالنسبة لبريطانيا كانت تمثل حاجزا بين روسيا والمستعمرات البريطانية في الهند، وبلغ الصراع العسكري والاقتصادي بين هاتين القوتين ذروته بتقسيم إيران إلى منطقتي نفوذ فيما بينهما.

وفي العقود الأولى من القرن التاسع عشر ظهر اضطراب داخلي في إيران، وظهرت حركات عصيان في البلاد، وكان من أبرز تلك الحركات: الحركة البابية ، وكانت ذات عقائد سرية، وتهدف إلى إقامة مملكة الله في الأرض، وظهرت أيضا مظاهر التحديث. فنجد أن الأفكار والمؤسسات كانت على الطراز الغربي نتيجة الإتصال بالغرب عن طريق الإرساليات والدبلوماسيين الأوروبيين، وخطوط التلغراف، وإيفاد المبعوثين الإيرانيين إلى أوروبا، وأدي ذلك إلي منح الامتيازات الاقتصادية ، وتصاعد حجم المديونية الإيرانية في مقابل التنازل للأجانب عن قطاعات حيوية من اقتصاد إيران، وخاصة الجمارك، وكان هذا التغلغل الأجنبي في البلاد سببا في تصعيد الحركة الوطنية وانتشار السخط بين الإيرانيين.

كان اعتقال ناصر الدين شاه عام 1896م  دليلا قويا على اعتراض الناس على مفهوم ظل الله في الأرض في إيران، وتولى ابنه مظفر الدين شاه العرش ، ولم يكن بالقوة التي تجعله يتصدى لتصاعد نفوذ القوتين العظميين في إيران، وبدأت الأحداث تتصاعد ما بين عامي 1905-1911م؛ حيث تجلت مراحل الدستورية في أربع مراحل كالآتي:

المرحلة الأولى: عبارة عن قيام مظاهرات تطالب البلاد بعزل بعض الوزراء وإنشاء دار للعدل، والمطالبة بإقرار دستور للبلاد.

المرحلة الثانية: وهي توقيع الشاه مظفر على مسودة للدستور؛ وبهذا تحولت إيران نظريا إلى ملكية دستورية.

المرحلة الثالثة: تم حل البرلمان بالقوة وتم الاستيلاء على العاصمة

المرحلة الرابعة: تم افتتاح مجلس نيابي جديد رسميا، وعمت الفوضى والصراعات، ثم تم إغلاق المجلس النيابي على إثر إنذار من روسيا وتهديد بالغزو.

هكذا لم تحقق الحركة الدستورية الكثير، إلا أن ظهور الفكر الدستوري كان يعد في حد ذاته خطوة مهمة في إيجاد تحديث النظام السياسي، ولم تكن الحركة الدستورية حركة قومية شاملة، بمعنى أن غالبية الإيرانيين شاركوا فيها، بل كانت حركة حضرية قادها فئات معينة.

فقدت الأسرة القاجارية الحاكمة أسس شرعيتها مع نمو تيار شديد من المعارضة ضدها من جانب علماء الدين وتجار البازار والشريحة الاجتماعية المستنيرة، وانتهت الحرب العالمية الأولى بانقلاب بقيادة سيد ضياء الدين طباطبائي، وهو صحفي شاب في عام 1921م وكان الانقلاب يستند إلى فرق القزاق  بقيادة الضابط رضا خان ( رضا شاه بهلوي فيما بعد) وتدعمه بريطانيا التي دبرت أمرها للاحتفاظ بموطئ قدم في النظام الجديد، وفي غضون أيام صدر مرسوما ملكيا بتشكيل وزارة جديدة، وتولى رضا خان وزارة الحربية، وبعد ذلك زادت الانقسامات داخل الوزارة الجديدة؛ وأدى ذلك إلى الانقلاب مرة أخرى، ولكن ظل رضا خان محتفظا بمنصبه العسكري.

اهتم رضا خان باستعادة سيطرة الحكومة المركزية على المناطق الإقليمية، وحافظ على صورته كزعيم وطني قوي؛ مما جعل له شعبية كبيرة داخل الجيش النظامي وبين الشباب الإيراني؛ فتولى رئاسة الوزراء بالإضافة إلى منصبه كوزير للحربية، وسرعان ما زاد من تدعيم موقفه، فشدد من قبضته على الجيش وأخمد حركات العصيان ونجح بأغلبية في المجلس النيابي؛ مما ساعده على توليه ملكا على البلاد عام 1925م .

ظهر في تلك الآونة حديث عن فكرة إلغاء النظام الملكي وإقامة جمهورية برئاسة رضا خان، وتظاهر رضا خان بالحياد، وعندما أعلنت الجمهورية التركية الجديدة إلغاء الخلافة، وبدأت في التقليل من دور السلطات الدينية في الحياة السياسية والإجتماعية؛ فعارض رجال الدين في إيران فكرة إلغاء النظام الملكي خوفا من إتخاذ إجراءات مماثلة تحجم من سلطتهم في البلاد، وحينئذ قام رضا خان باستشارة علماء الدين بالأمر، وأعلن أن النظام الجمهوري ينافي شرائع الإسلام، وتتوج رضا خان كأول ملوك الأسرة البهلوية .

عمل رضا شاه على تشجيع الحس القومي الحماسي على يد الشعراء والصحفيين، وهنا بدأت عملية تغريب مكثفة ولكنها غير منظمة، وتحول المجلس النيابي إلي أداة طائعة لتنفيذ طموحات الشاه، وفي عام 1941م تم غزو الأراضي الإيرانية على يد القوات البريطانية والروسية؛ مما جعل رضا شاه يتنازل عن العرش لابنه محمد رضا بهلوي.

ظهرت حركة مصدق  إثر تصاعد النفوذ الأمريكي في البلاد، وهي حركة تهدف إلى تحقيق ديمقراطية دستورية، ونجحت الحركة في زعزعة استقرار نظام الشاه الذي فر إلى خارج البلاد ولكنه عاد مرة أخرى بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية ليبدأ حقبة ديكتاتورية دامت حتى قيام الثورة على يد علماء الدين عام 1979م.

الثورة الإيرانية:  (1979م)

تعد الثورة الإيرانية ثورة شعبية بمعنى الكلمة، فكان هناك إجماع للتخلص من النظام البهلوي، ففي عام 1979م سقط النظام الملكي وتم قيام نظام جمهوري " جمهورية إيران الإسلامية" وكان أهدافها: تصفية الحسابات والقضاء على كل ما يمت لنظام الشاه بصلة، ومناهضة قوى الغرب وخاصة أمريكا، ولكن اعتدل إتجاه الثورة في عهد هاشمي رفسنجاني  الذي انتهى عام 1997م، إلا أن أمريكا فرضت حظرا تجاريا على إيران، ثم الإعتدال والاستقرار في عهد خاتمي.

دخول الطباعة إلى إيران:

كانت بداية دخول الطباعة بشكل فعلي إلى إيران عام 1816م في تبريز  في عهد فتحعلي شاه قاجار، وتم إنشاء المطابع، وتم طباعة المصحف الشريف وبعض الكتب، وكان للمطبعة في إيران الدور الرئيس في إصلاح الأسلوب الأدبي، فقد كان ذلك العهد هو عصر المطبوعات الموزعة على نطاق واسع، وإعادة طبع كتب التراث وترجمة الأعمال الأوروبية؛ وأدي ذلك إلى تطوير الأسلوب الأدبي، وكانت الطباعة عونا لأدباء الحركة الدستورية؛ حيث استخدموا الطباعة كوسيلة لنشر أعمالهم الأدبية التي يدعون فيها إلى تجديد الفكر القومي.

كما اعتمدت الترجمة على الطباعة اعتمادا كبيرا لنشر الأعمال المترجمة على نطاق أوسع، وكان لدار الترجمة الحكومية دور مهم في طباعة الكتب القديمة والحديثة ونشرها.

الصحافة قبل الثورة الإيرانية:

ظهرت الصحافة في إيران كنتيجة مباشرة لدخول الطباعة، فكان أول ظهور للصحافة في إيران عام 1837م تحت عنوان " اعلان نامه" وكانت الصحافة آنذاك تسمي: "كاغذ اخبار" وكانت عبارة عن نشرة شهرية قصيرة تحمل شعار الدولة على صدر صفحتها الأولى ولكن بدون عنوان.

أما الصحافة بشكلها المعروف حاليا، فقد ظهرت في إيران لأول مرة عام 1851م بمجهودات ميرزا تقي خان امير كبير الصدر الأعظم الذي شارك بنفسه في تقديم مواد سياسية على صفحاتها. وكانت الصحيفة تعرف في البداية بعنوان: "روزنامه وقايع اتفاقيه"، ثم تغير عنوانها ليصبح: " روزنامه دولت عليه ايران" ثم تغير للمرة الثالثة ليصبح: " روزنامه ايران" ثم: " روزنامه ايران سلطاني" وكانت تصدر كل شهر، وتطبع على الحجر .

أما بالنسبة لصحيفة: " خلاصة الحوادث" وهي أول صحيفة حقيقية يومية، صدرت لأول مرة عام 1898م، وبدأت الصحف الدورية تنتظم في الصدور فيما بين أعوام: 1906-1911م، أي في سنوات تصاعد الحركة الدستورية، وكان علماء الدين المستنيرين يحثون الناس على قراءة الصحف ويوضحون أهميتها في التنوير وتجديد الفكر القومي.

وكانت الصحف أيام ناصر شاه تحتوي صفحاتها على مدائح الأمراء والحكام وأخبار الشاه ورحلاته ومقابلاته الرسمية، أما الصحف التي كانت تمثل الدستوريين فكانت تصدر جميعها في المنفي وفي القاهرة ولندن واسطنبول وبرلين، ومن أهم تلك الصحف:

1-اختر: وهي صحيفة فارسية كانت تصدر خارج إيران، صدر العدد الأول منها في 16 ذي الحجة 1392 هـ.ق/1875م في اسطنبول ، وقد حققت شهرة واسعة، وكانت بمثابة نقطة تجمع المنفيين من الوطنيين الإيرانيين، وظلت على تماسكها بفضل التعاون الأدبي من جانب علماء الدين الوطنيين.

2- قانون: تأسست عام 1890م في لندن، وكان لهذه الصحيفة أثر بالغ بفضل التعاون الأدبي من جانب جمال الدين الأفغاني، ولم تكن قانون صحيفة لنقل الأخبار السياسية العالمية فحسب، بل كانت تهدف إلى نشر الفكر الليبرالي والتعريف بالحقوق الاجتماعية والحريات والفلسفات، فكانت هذه الصحيفة توجه انتقادات عنيفة للمساوئ الاجتماعية التي سادت في ذلك العهد، وكانت تركز في نقدها على تصرفات الشاه وصدره الأعظم.

3- ثريا: وهي صحيفة أسبوعية صدرت بالقاهرة ، ومحررها ميرزا على خان كاشاني 1898م، وكانت تنشر مقالات مؤثرة، وشاركت بصورة إيجابية في تنوير الرأي العام الإيراني.

4- ﭖرورش: وهي صحيفة أسبوعية حررها أيضا ميرزا على محمد خان كاشاني بالقاهرة عام 1900م، وكانت تنتقد بشكل حاد أساليب الإدارة، وكان لها تأثير بالغ على تطور أساليب الكتابة النثرية .

 

الصحافة الأدبية:

 

   بالإضافة إلى الصحف التي شهدت طفرة في العصر الدستوري، صدرعدد غير قليل من المجلات الأدبية الدورية كوسيلة لنشر الأجناس الأدبية الجديدة: كالقصة القصيرة وترجمات الأعمال الأدبية. وقد تم تشكيل أول جمعية أدبية عام 1916م على يد مجموعة من الشعراء الشبان، تزعمهم الشاعر محمد تقي بهار، عرفت باسم: "حركه دانشوري" أي: دائرة المعرف، ثم عرفت باسم: " دانشكده" أي: دار المعارف، وكانت تنشر هذه الجمعية مجلة أدبية تعرف بالاسم نفسه: "دانشكده"، وقد إهتمت بالتقاليد الأدبية الكلاسيكية كرد فعل لمغالاة المجددين.

      أيضا مجلة: "نوبهار" أي: الربيع الجديد، من المجلات الأدبية السياسية، قام بهار أيضا بتحريرها. صدرت كذلك صحيفة: "كاوه" عام 1916م في برلين، وقد إهتمت بالقضايا السياسية إهتماما بالغا، ثم تحولت إلى الأدب وقضاياه تحولا كاملا عام 1920م، فقامت بنشر مقالات تتعلق بتاريخ الأدب الفارسي، وإهتمت برعاية الثقافة الفارسية خارج إيران؛ حتى أصبحت مركزا رئيسا للحركة الأدبية الإيرانية.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية شهدت الصحافة طفرة سريعة، كما زالت عن الصحافة تلك الروح القومية المتأججة التي ميزت صحف العهد الدستوري؛ حيث كانت تعتمد في مادتها على إسهامات الشعراء والأدباء.

وصحيفة: "سخن" عبارة عن صحيفة أدبية، صدرت عام 1943م، وترأسها برويز ناتل خانلري، وقامت هذه الصحيفة بنشر أعمال كبار شعراء إيران، ونشرت ترجمات للأعمال الأدبية الغربية الحديثة، وخاصة القصة القصيرة والشعر،وإهتمت أيضا بنشر مقالات النقد الأدبي؛ لذا تعد "سخن" أفضل المجلات الأدبية الفارسية.

من المجلات المتميزة أيضا، مجلة: "مهر" وترأسها المؤرخ الأدبي: "إيرج افشار"، وظهررت مجلات أخرى، مثل: "ارمغان" و "يغما" وهما مجلتان أدبيتان، وصحيفة "مردم" التي أنشأها حزب توده اليساري، وإهتمت بالإتجاه المركسي لحل مشكلات الأدب والفن.

دار الفنون:-

هي كلية علمية تم إنشاءها بجهود ميرزا تقي خان امير اكبر، وتم افتتاحها عام  1851، وكانت مناهج هذه الكلية تشتمل على الكثير من فروع العلوم الحديثة، كالعلوم العسكرية والطب الحديث والعلوم الطبيعية والإنسانية والموسيقى، وكان هدفها هو تعلم كل ما وصل إليه التعليم الغربي؛ لذا تم الاستعانة بالمعلمين الأوروبيين بجانب المعلمين الإيرانيين الذين يقومون بتدريس الأدب والشريعة واللغة. وكان يشترط ألا يكون المعلمون الأجانب من رعايا دول لها مصالح سياسية في إيران حتى لا تنشأ علاقة جديدة بين إيران وهذه الدول .

قام هؤلاء المعلمون بترجمة عدد من المراجع العلمية المتخصصة إلى الفارسية، ومن ثم ظهرت كتب ومراجع فارسية في كافة العلوم، وكانت هذه الكتب تطبع بالمطبعة الخاصة بالكلية.

دور الصحافة في النهضة الأدبية في العهد الدستوري:

في تلك الفترة نجد أن النتاج الأدبي كان ينشر في الصحف والمجلات على خلاف ما سبق من نشر كتب ودواوين شعرية؛ لذلك نجد أن الصحافة آنذاك كانت مرآة أدبية لذلك العصر، وكانت عاملا هاما من عوامل نهضة الأدب، وخاصة أن أغلب محرري الصحف آنذاك كانوا من رواد الحركة التجديدية في الأدب.

كان المقال آنذاك يصاغ على شكل حكاية يسخر فيها من الظروف السياسية لعصره  بلغة مستقاة من اللغة الجارية على لسان الناس بشكل ساخر، كذلك نشر بعض الشعراء الصحفيين قصائد يومية، استخدموا فيها التعبيرات العامية واللغة الدارجة؛ لذا يمكننا القول أن ظهور الصحافة أسهم بدور فعال في التعجيل بتطوير الأدب الفارسي على اختلاف أشكاله، ونظرا لاحتياج الأدب إلى التعامل مع ظروف جديدة بمؤثرات مختلفة تماما عما كان عليه الحال في عصور الأدب الكلاسيكي، فقد نشأت مجموعة كبيرة من المصطلحات والتعبيرات الجديدة في الاقتصاد والسياسة ومختلف أنواع العلم. وامتد ذلك ليشمل استخدام اللغة الدارجة والتعبيرات العامية؛ مما ساعد على إثراء اللغة الأدبية وسد الفجوة بين الأدب والمجتمع، وقد استعان أدباء وشعراء العصر بتلك التعبيرات العامية والألفاظ الدارجة لا عن اختيار من جانبهم، بل لافتقارهم إلى البديل؛ حيث كانت الفارسية الكلاسيكية بصورتها القديمة غير مؤهلة للتعبير عن الأفكار والمعاني المستحدثة والأشكال الأدبية الواردة في ذلك العهد .

أما اللغة فقد حاول الشعراء إحلال الألفاظ الفارسية الأصيلة محل الدخيل العربي، بل وحاولوا استبعاد الألفاظ الأوروبية التي دخلت الفارسية من خلال تزايد الإتصال بالغرب. ومن أكثر ممن إهتم بهذا الإتجاه الشاعر " يغما الجندقي" الذي أظهر بغضا شديدا للألفاظ العربية، وكان يرى أن الفارسية قادرة على الاستغناء عن الألفاظ الدخيلة عن طريق الإشتقاق من الجذور الفارسية القديمة والمهجورة، والاستعانة بالسوابق واللواحق التى لا حصر لها في الفارسية.

كذلك الشاعر "بهار" اقتصر على استخدام الألفاظ الفارسية الخالصة في كتاباته، ولكن يمكن القول أن محاولة استخدام لغة فارسية خالصة كان دفعة عصبية تطفو على السطح ثم تخبو من حين لآخر، ثم لا تلبث أن تظهر من جديد.

وبالنسبة لمضمون الأدب في العصر الدستوري، فكان يحمل صبغة سياسية واجتماعية، وحلت فكرة قومية محل العرفان واستبدل النقد بالمديح، وحلت الأمة محل المحبوبة، وبدأ الإهتمام بمشكلات المجتمع من حرية سياسية ومساواة وحقوق ؛ مما جعل القيم الجمالية التقليدية في الأدب تندثر فداء للمضمون، أي أن الأدب على الرغم من بساطته وسلاسته إلا أنه يفتقر إلى الجانب الفني، وكان أكثر صدقا وصراحة في التعبير عن الواقع؛ لأن أغلب الأدباء الصحفيين كانوا في المنفي وغير خاضعين للرقابة.

ولكن في عهد رضا شاه 1925 ظهرت الرقابة على المطبوعات؛ مما جعل الشعراء يتناولون القضايا السياسية عن طريق الرمز؛ خوفا من البطش، ولكن بعد تنازل رضا شاه عن العرش لولده محمد رضا بهلوي 1941م ظهرت حرية نسبية؛ مما جعل الأدب يزداد نشاطا، وزادت حركة النشر، وبدأت حركة النقد الأدبي مع ازدياد عدد الدوريات والمجلات الأدبية، واتسع نشاط مجمع اللغة الفارسية الذي يعرف باسم "فرهنكستان"  ليعرف مصطلحات فارسية للمفردات العلمية الجديدة، وزاد الأسلوب بساطة واللغة وضوحا، كما صدرت أول نشرات لأول مؤتمر لكتاب إيران عام 1946م تشمل كافة جوانب الأدب الفارسي.

الحجاب في إيران:

لقد عرف ارتداء الحجاب تطورا لافتا في عهد رضا بهلوي؛ حيث تميز حكم رضا بهلوى بصراعه الدائم مع المرجعيات الدينية، وقد أصدر الشاه مرسوما ملكيا عام 1936م بمنع ارتداء الحجاب للنساء، وفرض اللباس الغربي  على الرجال في الأماكن العامة؛ حيث كان رضا بهلوي متأثرا بأتاتورك الذي بني جمهورية تركيا الحديثة، واقتنع الشاه أنه قادر على تحطيم النظام السائد دون أي تمرد من الشعب، فأصدر قرار منع الحجاب بعد خمسة وثمانيين عاما من إعدام قرة العين القزوينية ابنة الحاج ملا محمد صالح القزويني التي ولدت عام 1233هـ.ق في قزوين  بسبب رفضها ارتداء الحجاب وتحررها، إلا أن منع ارتداء الحجاب تطلب الكثير من العمل قبل تطبيقه من أجل تغيير عقلية الإيرانيين؛ ومن ثم فمن الخطوات التي اتخذها رضا شاه: تنظيم مؤتمر المرأة في الشرق، والذي ترأسه ابنته شمس بهلوي عام 1932 في طهران، اعتبر حينها أن عدم ارتداء الحجاب رمز للحضارة. وأسست شمس بهلوي عام 1935 جمعية المرأة الإيرانية للبحث عن الحرية، وساهم تأسيس المدرس الحديثة وحث الوزراء وأعضاء البرلمان على خلع حجاب نسائهم في تمهيد الطريق للقرار الملكي.

لاقى قرار خلع الحجاب معارضة كبيرة فكانت الشرطة تحرص على تنفيذ القانون وتعاقب كل من ترتدي الحجاب، إلا أن قرار منع ارتداء الحجاب لم يعد إلزاميا بعد أن أطاحت قوي التحالف برضا بهلوي، ورفع ابنه الذي خلفه " محمد رضا بهلوي" الحظر عن الحجاب.

تغير الوضع مع تدهور الأحوال السياسية وقيام الثورة الإسلامية عام 1979م؛ إذ أصدر آيه الله خميني مرسوما يفرض على النساء ارتداء " التشادر"، وشاركت النساء في التظاهرات المناهضة للنظام على غرار الرجال، وباتت جزءا لا يتجزأ من الحركة المناهضة للشاه، وآمنت النساء بمساواة الحقوق بين الرجال والنساء وحرية التغيير وإلغاء جميع أشكال التميز، إلا أن هذه القيم لم تتغير بعد الثورة؛ إذ حاولت الإيرانيات التأقلم مع الحجاب الإلزامي على خلاف رغبتهن .

دور الأدباء في تطور الأدب في العهد الدستوري:

الشاعر لاهوتي:

ولد لاهوتي عام 1305هـ/ 1887م وهو أحد كبار العهد الدستوري، وكانت أشعاره تحمل مشاعر عدوانية للانجليز وميلا للفكر الاشتراكي، واستخدم شعره في خدمة أفكاره وتحريك مشاعر الناس ، وفي عام 1327هـ/1909م إلتحق بقوات الشرطة، وبعد عامين صدر ضده حكم بالإعدام بتهمة "إدارة أنشطة هدامة" ففر هاربا إلى اسطنبول، ولكنه عاد إلى كرمانشاه في أوائل الحرب العالمية الأولى، ونظم قصيدة يخيم عليها الشعور باليأس، يقول:

-جمن آمد ز دور در نظــرم              قوت آمـــد بزانو وكمرم

-لانه اي ديد جشمهاي نــرم              جون رسيدم كباب شد جكرم

- ديدم اين نيست آشيان داميست            آه من باز هــم اسير شدم

أي:

- رأيت الجنان مـــن بعيد          فجرت القوة في ركبتي وخاصري

-ورأت عيناي الدامعتان عشا          وعندما وصـلت إليه اكتوى كبدي

- فما رأيته لم يكن عشا بل فخا       آهٍ لقد صرت أســيرا مرة أخرى

يتضح في هذه الأبيات مثالب المجتمع آنذلك، وقد جسدها لاهوتي بحرقة صادقة ومعان بارزة بألفاظ سهلة بسيطة.

انتقد كذلك لاهوتي في أشعاره الحاكم والطبقة الأرستقراطية والحياة السياسية، كما تتضح الروح الماركسية الثائرة في أشعاره؛ حيث يدين النظام الرأسمالي، يقول:

-        مرده باد اين عالم ظلم وخيانت كاندروست

                                     بينوا هم اغـــنيا هم بنده هـم آزاد هم

-        زنده بادا بتك وداس نودهء زحمت كه آن

                                سازد از نو عالمي بي صنف وبي اضداد هم

أي:

-الهلاك لعالم الظلم والخيانة الذي يجمع

                                 الفـــقير والـــغني والعـــبد والحـر

-والحياة لمنجل ومطرقة الجماهير

                               الذين ينسجون عالما جديدا دون طبقات وتناقضات

لذا نجد أن للاهوتي دورا فعالا في انتقاد مثالب المجتمع والمناداة بالحقوق ونشر الوعي بين الناس، كما أنه صاحب مذهب وموقف فكري ثابت؛ وذلك لالتزامه بقضيته ودفاعه عنها سواء داخل البلاد أو خارجها.

الشاعرة بروين اعتصامي:

لقد تم اختيار بروين اعتصامي كنموذج من شعراء الإصلاح لكونها امرأة؛ حيث كان للمرأة دور فعال في التجديد والمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة، وتناول القضايا المختلفة المتعلقة بها كقضية الحجاب والطفل. ولدت بروين اعتصامي في 25 اسفند 1285 هـ.ش في تبريز  وتلقت تعليمها الثانوي في المدرسة الأمريكية للبنات  في تهران، ثم عملت بالتدريس في المدرسة نفسها بعد تخرجها، وتلقت بروين دعوة من رضا شاه لتكون معلمة للملكة، لكنها رفضت. أصدرت بروين ديوانا يضم ما يقرب من خمسة آلاف بيت في مجلة "بهار"  التي أسسها والدها يوسف اعتصامي، وتناولت بروين في أعمالها الموضوعات الأخلاقية ةالاجتماعية وتعاطفعا مع الفقراء وحقوق العمال .

  تقول بروين في قصيدة لها بعنوان: "صاعقة ما ستم اغنياست" أي: "مصيبتنا ظلم الأغنياء":

-مردمي وعدل ومساوات نيست                زان ستم وجور وتعدي رواست

-كشته حق كاركــران بايمال                 برصـفت غله كه در آسياست

أي:

-لا يوجد إنسانية ولا عدل ولا مساواة          انتشر الظلم والطغيان والعداوة

-صار حق العمال تحـــت النعال          كما تكون الغلال داخل الطاحونة

يتضح جليا من خلال هذه الأبيات اعتراض بروين على الظلم والطغيان، وتطالب بحقوق العمال التي التهمها الأغنياء.

وإهتمت أيضا بروين بقضايا المرأة والطفل ، واهتمت بقضية خلع الحجاب، ولكن كان اهتمامها بالمرأة على نطاق ضيق، فلا يوجد لها سوى قصيدة واحدة، عنوانها: "زن در ايران" وتؤيد فيها الشاعرة الملك في قرار خلع الحجاب، تقول:

-زن در ايران بيش از ين كوئي كه ايراني نبود

                                    بيشه اش جز نيوه زوزي وبريشـاني نبود

-زندكي ومركش اندر كنج عزلت ميكذشت

                                   زن جه بود آنروزها كر ز انكه زنداني نبود

أي:

-        المرأة في إيران قبل ذلك كأنها لم تكن إيرانية

                                     لم يكن لها مصير سوى التعاسة والقلق

-        كانت حياتها وموتها في عزلة

                                وماذا كانت المـــرأة آنذلك سوي سجينة

لذا نجد أن بروين كانت رائدة من رواد الاصلاح في ذلك الوقت، وظهر ذلك في أشعارها؛ حيث كانت تركز في أشعارها على الطبقات الفقيرة بالريف والحضر وعلى الفوارق الاجتماعية في ظل حكم شاه رضا، وعلى التطلع للحياة النيابية؛ لذا تعد بروين من الشاعرات الرائدات في ذلك العصر.

نيما يوشيج:

ولد عام 1315هـ، والتحق بمدرسة "سان لويس" لكي يتعلم اللغة الفرنسية ، ومن أهم قصائده قصيدة: "آفسانه"، ففي عام 1920م وقعت الانتفاضة الإيرانية المعروفة، وذلك بعد الحرب العالمية الأولى بعامين أو ثلاثة، ودفعت أحداث الانتفاضة السياسية والاجتماعية الشاعر نيما يوشيج إلى العزلة، فإتجه إلى الغابات والهواء الطلق وأخرج إبداعه المعروف باسم " آفسانه" وهي نوع من الغزل الحر ، نشرت هذه القصيدة في أعداد متتالية من مجلة " ميرزاده عشقي" التي عرفت باسم "مجلة القرن العشرين" وكانت من أكبر المطبوعات جرأة وصراحة في هذه الآونة .

يقول نيما في قصيدته آفسانه:

-مي توانســتي اي دل رهيدن

-كر نخوردي فـــريب زمانه

-آنجه ديدي ز خود ديدي وبس

-هر دم از يكـ ده ويكـ بـهانه

            -تا تو اي مست با من ستيزي

-تا به سر مستي وغمكساري

-با "فسانه" كني دوســتاري

-عالمي دايـم از وي كريزد

-با توا او را بود سازكاري

             -مبتلايي نـــيابد به از تو

-افسانه: مبتلايي كه مانندهء او

-كس در ين راه لــغزان نديده

-آه! ديري است كاين قصه كويند:

-از بر شــــاخه مرغي بريده

                -مانده بر جــاي ازو آشيانه

أي:

-        كيف تستطيع النجاة أيها القلب

-إن لم تنــــخدع بالزمـان

-ما رأيته رأيته من نفسك فحسب

-كل لحظــة بطرية وبعــذر

             -إلى أن تشـابكت معي أيها الثمل

-حتى في الســكر والحزن

-تكون صديــقا للاسطورة

-حيث يهرب منها العالم دائما

-لكــنك كـنت معها ودود

            -لا يوجــد مبـتلى أكـثر مـنك

-فالاسطورة ابتلاء لا يــرى

-ولا ترى أحدا في هذا الطريق الغامض

-آه! يقص السلف هـذه القصة:

-طار طـــائر عن الغصن

-وبــقي مكــانه عــش

الصور التي استخدمها نيما في هذه القصيدة صور مبتكرة في الشعر الفارسي، وهي أقرب إلى الصور الرومانسية في الشعر الأوروبي ، وخاصة الشعر الفرنسي، فيبدو تأثره واضحا بكل من لامورتين وألفريد موسيه ، ونجد أن نيما ينسج هذه القصيدة بشكل من التحرر والانطلاق، ويعد هذا رد فعل لوطأة الواجبات التي أثقلت كواهل الناس في الحياة السياسية والاقتصادية.

أضفي نيما على أسلوبه طابعا مميزا عن طريق مسحة من الرومانسية التي تظلل المعاني وتجمع الخيوط برقة ووداعة، فالقصيدة عبارة عن سيرة ذاتية طويلة تتألف من مائة وستة وعشرين مقطعا، يتكون كل مقطع من خمس شطرات، احتفظ فيها الشاعر بالقافية كآخر مظهر من مظاهر المحافظة عنده ، وقد اختار الشاعر لمنظومته وزنا قديما، إلا إنه من الأوزان النادرة الاستخدام، كما إن القصيدة لم تخضع لعاطفة واحدة، والقصيدة كتبت بأسلوب أدبي مبسط، بعيد عن التكلفة والصنعة.

دارت القصيدة على شكل حوار يجريه العاشق مع الحكايات التي تمثل ذكرياته وماضيه، ويصف ما مر به في حياته من مرارة وإحباط، ويسترجع صورا من ذكريات صباه، كإلتفاف الرعاة حول النار في قريته، وذكريات الربيع في الوديان وسفوح الجبال .

استخدم أيضا نيما الرمز في القصيدة، ويظهر ذلك جليا في قوله:

-آه! ديري است كاين قصه كويند:

-از بر شاخــه مرغـي بريده

                     -مانده بر جاي ازو آشيانه

إذ يرمز نيما لنفسه بالطائر؛ حيث عانى نيما آلام الغربة التي دفعته لها تلك الصراعات السياسية والاضطرابات الاقتصادية التي تعرضت لها البلاد آنذاك، وكذلك صراعاته مع معاصريه بسبب دعوته إلى التجديد وتحرير الشعر الفارسي من قيوده القديمة، و يظهر ذلك جليا في قصيدته آفسانه؛ لذا يجسد نيما قصة حياته المؤلمة في هذه القصيدة، ولكنها كانت بعيدة عن انتقاد مثالب المجتمع آنذاك، وهذا هو ما أدى إلى انحسار الأسطورة مؤقتا، ولكنها تعد منعطفا أدبيا لتلك الفترة، فهي بداية لفكرة التحرر في الشعر من ناحية الوزن والقافية  والموضوعات.

أما من الناحية اللغوية، فنجد أن اللغة عند نيما قريبة من عصره، معبرة عن قضاياه ومشكلاته ، فللكلمة لدي نيما قيمة إدراكية ثقافية واجتماعية وشخصية؛ حيث تنقل كلماته الكثير من شخصيته وليس الموضوع فحسب؛ لذا فاللغة عند نيما هي لغة ذات إيحاء، ويرى نيما أن اللغة العامية  ليست معبرة عما يرغب في قوله، يقول نيما: " إن اللغة العامية ليست ثرية إلى هذا الحد الذي يستعين بها الشاعر، فإن استخدمها ففي هذا انحدار لشعره" ، ولكنه يسمح باستخدام ألفاظ عامية، ولكنها يجب أن تتناسب مع الذوق العام .

دور الأدباء في تطور الأدب بعد الثورة الإسلامية:

قصيدة "دموكرات خالي بند" المنشورة بجريدة كيهان، العدد "18140" لعام 1425هـ/2005م:

دموكرات خالي بند

اين حكايت بشنو از يكـ كله شق        كله شـق كـــان بود مردود حق

عنـــصري قلدرمآب وفتنه كر      دشمـــن سرســخت افراد دكـر

در شقاوت سر در آورده برون       بر تر از جنكـــيز وحجاج ونـرون

در زمانه قاتلان را اوستــاد        بـاي تا سر فــتنه وشـر وعنــاد

روز وشب بر مال مردم برده دست     بوي نفتش كرده بيش از بيش مسـت

تا ببيند موزه يا كنجي به جشم         جمله را مي دزدد او از روي خــشم

آدم زشـــت وبليد ونادرست        بد صفــت، بدكيش از روز نخـست

هست دايم در بي جنكـ وجدال         در شرارت داده شيطــانش مــدال

دوخته جشم طمـع بر نفت خام         مي كند دزدي به دســتور خاخـام

خواست تا بنجر كند صـدام را         بــيش او انــداخت ناكـه دام را

نفت را ومــوزه را بالا كشيد          باكـ از راه شــرافت با كشــيد

بعد كـفتا: بن لادن را مي كشم          تا دهم كيــفر به دارش مي كـشم

كرد حمله ناكـهان سوي عراق          كرجه افتــاده كنـون در باتـلاق

خانه ها را كرد ويران سر به سر        داد بر آدمـكشانش بــال وبــر

بي كناهان را به خاكـ وخون كشيد      آن لعــين بدتـر از شمـر ويزيد

ريخت خون مردمان را بر زمين         كرد حـمله از يسـار واز يمــين

بست بر هر مردم وزن راه نفس          قاتلان را راه ورسم اين است وبس

با وجود اين همه جور وجــفا          مي زنـد هر دم دم از صلح وصفا

كرجه كويد از دموكراسي سخن          كرده او صلح وصفا را ريشه كـن

جمله فهميدند او يكـ كاذب است         فتـنه وشر وبـلا را طالب اســت

با همــه لاف وكزاف واشتلم           كشته كيج وخويشــتن را كرده كم

ناتـوان در جنكـ با مـلا عمر         مانــده عاجـز در جدال يكـ نفـر

بن لادن آزاد مي كردد مــدام          ديكران را مي كشد هر صبح وشام

با هـمه اين شيطنتــها وتلاش          بيـن مردم راز او كرديــده فاش

او به يكـ ايمان ثابت بند نيست           بوش جز يك فرد خـالي بند نيست

                                  "ميلاد"

الترجمة:

اسمع مني هذه الحكاية عن عقلية متحجرة

                                  وتحجر العقل يعني رفض الحق وإنكاره

إنه عنصري مستنبد ومحرض على الفتن

                                  شـــديـد العـــداء للبشــــر

فهو في جبروته وعنفوانه يطل برأسه

                                  أكثر من جنكيـز والحجــاج ونيرون

وهو استاذ زمانه من رأسه إلى إخمص

                                  قدمه في الفتنـــة والشـر والعـناد

استولــى على أمــوال الناس

                                  وجعلته رائحة النفط أكثر ثمـالة وانتشاءً

فما أن يرى بعينه متحفا أو كنزا

                                 يسرقهـــا جميعــها وهو غاضـب

هو إنسان سيء وقذر ومنحرف

                               وسيء الطبــع والخــلق منذ أول يوم

دائما ما يتعقب الحرب والنزاع

                                   وأعطـاه شيطانه وساما في الشـــر

نظر بعين الطمــع إلى النـفط الخام

                                  فأصبــح سارقـا ولصا بأمـر الخاخام

يريد أن يغــير عجــل السـيارة

                                 حــتى يضـــع لـــه فـخـــا

شيد المتحــف وإهـتم بالنفــط

                                من باب أن يخطو بنزاهة في طريق الشر

بعد ذلك قيـل: أنا سأقتـل بن لادن

                                وأحضــره إلى داره وألقنــه الجزاء

وفجأة قام بحملـة على العــراق

                               ومــع ذلك وقــع الآن في مستنقــع

وخرب المنازل واحدا تلو الآخر

                               وأطلـــق العنـــان لقتلــة الشـر

وأسقط الأبرياء مضرخين في التراب والدماء

                               على يد ذلك اللعين الأسوء من شمر ويزيد

أسال دمــاء النــاس علــى الأرض

                               وقام بهجــوم من اليسـار ومن اليمـين

وسـد أنفــاس كـل رجــل وامرأة

                               وكــان هذا طريــق ونهـج القتلــة

بالرغم من كل هذا الظلم والجفاء

                           فهو يتحدث كل لحظة عن السلام والـصفح

ورغم أنهم يتحدثون عن الديموقراطية

                            إلا أنهم يقتــلعون جذور السلام والـصفا

وفـــهم الجــميع أنـه كـاذب

                           طالبــا فقــط للفــتن والشر والـبلاء

ورغم كل هذه الأكاذيب والتفاخر وقول الزور

                             كــان مرتــبكا فاقــدا للتــوازن

كان ضعيفا في حربه مع الملا عمر

                             عاجـــزا عن الجــدال مع أي أحـد

طالـما أن بـن لادن حـر طليق

                             يقتـــل الآخريــن صباحــا ومساء

وبرغم جبروته وأعماله الشيطانية

                             أفــشـي ســره بيــن النـــاس

فهم لم يكن متمسكا بعقيدة راسخة

                           سوى أن بوش لم يكن سوى شخص عادي

نجد أن موضوع القصيدة موضوعا سياسيا يتناول قضايا المجتمع في تلك الآونة، واصفا ما يدور من أحداث حول أطماع أمريكا في البترول والآثار وما يدور من صراعات وقتل وهجوم وغارات. وقد أدار الشاعر قصيدته على شكل حكاية، قائلا: " اين حكايت بشنو از يكـ كله شق" وأخذ يسرد في أحداث حكايته، وهي سمة من سمات أشعار تلك الفترة، كما أنه سرد القصيدة بشكل ساخر متهكم.

كتبت القصيدة بأسلوب سلس وبسيط بعيد عن التكلف والصنعة، استخدم فيها الشاعر بعض الصور، مثل: "در شرارت داده شيطانش مدال" وهي كناية عن تفوقه في الشر إلى الحد الذي منحه شيطانه وساما مكافأةً له، وقد نجح الشاعر في هذا الوصف، كذلك قوله: "بست بر هر مرد وزن راه نفس" وهي صورة رائعة في إيصال المعنى؛ حيث يصور درجة اختناق الناس إلى حد سد طريق التنفس.

إلا أن الشاعر في هذه القصيدة يصرح بانتقاده لمثالب المجتمع دون استخدام الرمز، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على حرية الصحافة في إبداء الرأي والرأي الآخر في تلك الآونة على خلاف ما قد سبق في الفترة الدستورية خوفا من الرقابة.

وعلى صعيد اللغة استخدم الشاعر ألفاظا مستحدثة؛ لتلبية حاجة تلك الآونة في التعبير عنها، مثل: دموكرات- بنجر- صدام- دموكراسي" وهي مسميات حديثة تلبي حاجة العصر الحديث، كما استخدم الشاعر لغة مستقاة من اللغة الجارية على لسان الناس، ويبدو هذا جليا في استخدامه لفظة " اشتلم" وهي لفظة محلية تجري على ألسنة العامة في بعض المناطق في إيران؛ ومن ثم نجد أن اللغة في هذه القصيدة قريبة من العصر، معبرة عن قضاياه ومشكلاته، كما أن اللغة تنقل الإيحاء وتجسد قضايا المجتمع

من خلال ما سبق يتضح لنا أهمية الصحافة ودورها في تطور الأدب، بدايةً من ظهور الطباعة وانتشار الصحف مرورا بأحداث الحركة الدستورية والثورة الإسلامية وما تلاها من أحداث؛ حيث كانت الصحف وسيلة لنقل الفكر الليبرالي والتعريف بالحقوق الاجتماعية والحريات والفلسفات، كما كانت وسيلة لنشر الأجناس الأدبية وترجمتها، أي أن الصحافة كانت مرآة أدبية لكافة العصور، وكانت عاملا هاما من عوامل نهضة الأدب.            

 

نتائج البحث

 

أولا: أدى الإتصال بالغرب وإيفاد مجموعة من الطلاب الإيرانيين للدراسة بأوروبا إلى ظهور الطباعة، ومن ثم ظهور الصحافة.

ثانيا: كان للصحافة دور هام وفعال في نقل آراء الأدباء والشعراء قبل الثورة الإيرانية وبعدها؛ حيث كانت أداة فعالة لنشر قصائد تحمل معان جديدة وتجسد مثالب المجتمع.

ثالثا: شهدت الصحافة طفرة في العهد الدستوري، وكان لها دور فعال في نشر كافة الوسائل الأدبية: كالقصة القصيرة والشعر وترجمة بعض الأعمال الأدبية.

رابعا: أصبحت الصحافة تتمتع بقدر كبير من الحرية في التعبير عن الرأي بعد الثورة الإسلامية، على خلاف ما سبق؛ حيث أن شعراء الفترة الدستورية كانوا أكثر حرصا؛ مما جعلهم يستخدمون الرمز في التعبير عن آرائهم المخالفة للسلطة.

خامسا: كان المقال الصحفي يصاغ على شكل حكاية يسخر فيها من الظروف السياسية للعصر بلغة مستقاة من اللغة الدارجة على لسان الناس بشكل ساخر، وقد استمرت هذه السمة بعد الثورة الإسلامية؛ لذا أسهمت الصحافة بشكل كبير في تطوير الأدب الفارسي؛ نظرا لحاجة الأدب إلى التعامل مع ظروف جديدة بمؤثرات مختلفة تماما عما كان عليه الأدب الكلاسيكي.

سادسا: كان للصحافة دور هام في استخدام مصطلحات وتعبيرات جديدة في الاقتصاد والسياسة ومختلف أنواع العلوم؛ مما ساعد على إثراء اللغة الأدبية، وسد الفجوة بين الأدب والمجتمع.

كان للصحافة دور في اهتمام الشعراء بمشكلات المجتمع من حرية سياسية ومساواة وحقوق؛ مما جعل الشعراء يهتمون بالشكل عن المضمون.

سابع:  ابتعد الشعراء والأدباء عن التصنع والتكلف، واستخدموا الأسلوب الأدبي المبسط.

ثامنا: لم يعد أدباء العصر الإسلامي يستخدمون الرمز في التعبير عن مثالب المجتمع، وأصبحت الصحافة تتمتع بقدر كبير من حرية إبداء الرأي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

قائمة المصادر والمراجع

 

أولا: المصادر والمراجع الفارسية:

 

1-اسد الله بقائي، كجاوه سخن: كزيده نظم ونثر بارسي، تهران،1380

2-اسماعيل حاكمي، ادبيات معاصر ايران، جاب بنجم، 1379

3-برويز ناتل خانلري، هفتاد سخن: شعر وهنر، جلد اول، جاب دوم، تهران، 1377

4- تقي بور نامداريان، خانه ام ابري است: شعر نيما از سنت تا تجدد، تهران، 1377

5- حسين فريور، تاريخ ادبيات ايران: تاريخ شعرا، جاب بانزدهم، تهران، 1352

6- خسرو فروشيدورد، دربارهء ادبيات ونقد ادبي، جلد اول، تهران، 1382

7- رضا براهني، طلا در مس، جلد اول، تهران، 1371

8- سيد عطاء الله مهاجراني، افسانه نيما، جاب دوم، تهران، 1377

9- سيروس طاهباز، بركزيدهء شعرهاي نيما يوشيج، تهران، 1378

10- ليلا صوفي، زندكينامه شاعران ايران، تهران، جاب سوم، 1379

11- محمد اسماعيل رضواني، انقلاب مشروطيت ايران، جاب دوم، تهران، 1352

12- محمد جعفر ياحقي، جون سبوي تشنه، تهران، 1375

13- محمد حقوقي، مروري بر تاريخ ادب وادبيات امروز ايران: نظم ونثر، جاب سوم، 1378

14- منصور ثروت، نظريهء ادبي نيما، جاب اول، تهران، 1377

15- يحيي آرين بور، از صبا تا نيما، جلد دوم، جاب هشتم، تهران، 1382

        

         ثانيا: الرسائل العلمية:

 

16- رملة غانم، نيما يوشيج والإتجاه التجديدي في الشعر الفارسي الحديث والمعاصر، رسالة دكتوراه، عين شمس، 1981

        ثالثا: الدوريات:

17- صحيفة كيهان، العدد 18140، عام 1425هـ/2005م

     رابعا: شبكة المعلومات الدولية:

18- أحمد شاكر العلاق، مقال بعنوان: الحركة الدستورية وتداعياتها وخلع محمد على شاه

ahmedalalaq.wordpress.com ⁄⁄ https

19- أحمد شاكر العلاق، مقال بعنوان: دور المؤسسات العسكرية في أحداث إيران الداخلية: انقلاب رضا خان، شباط 1921

ahmedalalaq.wordpress.com ⁄⁄ https

20- باميلا كسرواني، مقال بعنوان: الإيرانيات وقصة التأقلم مع الحجاب

21- مقال بعنوان: ناصر الدين شاه قاجار

www.marefa.org

22- هاني إدريس، مقال بعنوان: الفكر الإسلامي في إيران: مسارات واتجاهات، جدليات وتحولات

www. Kalema.net

23-                                  ar.wikipedia. org                      ⁄⁄  https

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*كلية الآداب - جامعة الإسكندرية

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.