المقاتلون العرب كتفًا بكتف مع الكُرد في قوات «قسد»

- 21 ديسمبر 2023 - 274 قراءة

 

مصادر سورية: تعدادهم يزيد على 60 في المئة من أصل نحو 100 ألف مقاتل ينتمون لقوميات مختلفة

 

مسلحون عرب ينتشرون بكثافة عبر نقاط وتمركزات "سوريا الديمقراطية" في منطقة شمال شرقي سوريا

 

معركة "كوباني" الأولى عام 2014 شكلّت تحولًا نوعيًا في اندفاع المقاتلين العرب نحو "قسد"

 

 

تأسست قوات سوريا الديمقراطية في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2015، بمدينة "القامشلي" شمالي سوريا. وأصدرت القوات عند تأسيسها بيانًا للتعريف بنفسها جاء فيه "إنها قوة عسكرية وطنية موحدة لكل السوريين، تجمع العرب والكرد والسريان وكافة المكونات الأخرى".

وتم تشكيل هذه القوات في أعقاب إعلان الولايات المتحدة في ذلك الوقت عن نيتها تقديم أسلحة لـ "مجموعة مختارة" من قوى كُردية وعربية مسلحة، بغرض محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي.

وجاء في البيان أن "هذه القوات تضم القوى العسكرية التالية: التحالف العربي السوري، وجيش الثوار، وغرفة عمليات بركان الفرات، وقوات الصناديد، وتجمع ألوية الجزيرة، والمجلس العسكري السرياني، ووحدات حماية الشعب الكردية ووحدات حماية المرأة الكردية". وتعرّف القوات عن نفسها بأنها "تحالف يضم قوى من كل المكونات السورية، العربية والكردية والآشورية والسريانية والتركمانية والأرمينية".

ومنذ الإعلان عن تشكيلها، كان ثمة تكهنات حول نسبة المقاتلين العرب في صفوف "قسد"، خصوصًا مع تولي وحدات حماية الشعب، وحماية المرأة، قيادة "سوريا الديمقراطية"، ما أثار التساؤلات حول حجم العنصر العربي الحقيقي في هذه القوات.

 

تنوع عرقي- قومي

 

الحقيقة أن المقاتلين العرب ينتشرون بكثافة في كافة نقاط وتمركزات "قوات سوريا الديمقراطية" في المنطقة التي تسيطر عليها شمال شرقي سوريا، في الحواجز الأمنية المنصوبة والفاصلة بين مراكز المدن والبلدات والدوريات الراجلة وداخل المؤسسات العسكرية والأمنية وحتى الاستخباراتية والمدنية لهذا التنظيم العسكري.

وهناك تنوع "عرقي- قومي" في كل تلك الهياكل، يمكن ملاحظته من الملامح العامة للمقاتلين والمشرفين على تلك المؤسسات، مرورًا باختلاف اللهجات ومناطق الانحدار؛ فالمنطقة الشاسعة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية شرق نهر الفرات، الممتدة على أكثر من 50 ألف كيلومتر مربع، تشكل ثُلث مساحة سوريا تقريبا، تقطنها أغلبية سكانية عربية، تقول بعض المصادر الأكثر واقعية إنهم يبلغون قرابة 75 في المئة من أصل 5.5 مليون نسمة مقيمين في تلك المنطقة. أما النسبة الباقية فهي من الأكراد بالأساس، وأقليات صغيرة أخرى، السريان والشيشان والتركمان والأرمن والجركس.

وهناك قراءتان متعارضتان بالنسبة لموقع وسلطة وحتى تعداد المقاتلين العرب ضمن قوات سوريا الديمقراطية، وهي "قوات كردية" بالأساس.

واحدة تقول إن وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ) اللتين تأسستا خلال عامي 2012 و2013 على التوالي، وكانتا ذات صبغة وهوية كردية خالصة، بسبب نشاطهما الأولي في المناطق ذات الأغلبية الكردية في أقصى شمال سوريا، ما تزالان النواة الصلبة والفاعلة ضمن "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تشكلت كاتحاد بين كثير من المجموعات العسكرية في خريف عام 2015، تحضيرًا لمعركة تحرير مُدن نهر الفرات من تنظيم "داعش"، وعلى رأسها مدينتا الطبقة والرقة. وإن حضور وتعداد المقاتلين العرب ضمن تلك القوات لا يعني مساواتهم وسلطتهم مع العناصر الكردية ضمن نفس القوات.

من جهة ثانية، لا تتوقف الآلة الدعائية للنظام السوري عن تحريض الزعامات العشائرية والأهلية العربية ضد الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، متهمة إياها بـ "الانفصالية"، و"العمالة" للولايات المتحدة، وتنظم لأجل ذلك مؤتمرات شعبية دورية، وتشكل ألوية عسكرية عشائرية في المناطق المحاذية لوجود تلك القوات. يحدث ذلك بدعم عسكري وتغطية مالية إيرانية، حيث تسيطر الميليشيات السورية والعراقية الموالية لها على كامل الشريط "الحدودي" الجنوبي المجاور لجغرافيا سيطرة قوات سوريا الديمقراطية شرق نهر الفرات.

ويذهب المدافعون عن تلك الرؤية إلى أن وجود العناصر العربية ضمن قوات سوريا الديمقراطية "شكلي"، على الرغم من تعدادهم الذي يزيد - وفق بعض المصادر- على 60 في المئة، من أصل أكثر من 100 ألف مقاتل، تعداد هذه القوات؛ فهم غير موجودين في المفاصل الحساسة حسب تلك الرؤية، وليس لهم دور في اتخاذ القرار السياسي المُحدد لتوجهات هذه القوات، ولا يسيطرون على أية بقعة جغرافية بذاتها وحدهم.

كما أن التنظيمات السياسية والعسكرية السورية المقربة من تركيا تستند إلى الرؤية نفسها، و"تحرض" العشائر والشخصيات العربية في تلك المنطقة على مناهضة قوات سوريا الديمقراطية.

الواقع، يكذب تلك الرؤية تمامًا، فالمقاتلون ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية منحدرون من كافة القوميات والأديان والحساسيات التي تشكل مجتمع منطقة شمال شرقي سوريا، ونسبتهم ضمن هذه القوات مطابقة لنسبتهم السكانية في هذه المنطقة.

وبالنسبة لوضع "المقاتلين العرب" تحديدًا، ترد مصادر قيادية من قوات سوريا الديمقراطية على تلك الرؤية بالقول إن طبيعة تنظيمهم العسكري ليست مركزية، فهي فعليًا تحالف بين عدد من التشكيلات العسكرية، ولأجل ذلك ثمة تشكيلات "عربية بالكامل"، مثل "قوات الصناديد"، و"جبهة ثوار الرقة"، وإلى جانبهم مجالس محلية تمثل السكان المحليين في كل منطقة، مثل "مجلس دير الزور العسكري"، و"مجلس منبج العسكري"، و"مجلس الرقة العسكري"، تديره وتشرف عليه تمامًا قيادات عربية.

 

تحالف عسكري سياسي

 

على المستوى السياسي، ترى قوات سوريا الديمقراطية أن استراتيجيتها وعقيدتها العسكرية تم بناؤها ورعايتها على أساس هذا التحالف العسكري/السياسي بين مكونات المنطقة. إذ ليس ضمن أجندتها أية نزعات قومية كُردية انفصالية أو مناهضة للجوار العربي، وهم مؤمنون تمامًا بهويتهم السورية، ويسعون جاهدين لإيجاد حلول عامة لكل المسائل السورية، بما في ذلك المسألة الكُردية، والوضع الإداري الخاص الذي يجب أن تتمتع به منطقة شرق الفرات مع السلطة المركزية وباقي المناطق السورية، وأن تلك النزعة مبنية على الشراكة ضمن هذه القوات.

إلى جانب ذلك، فإن هياكل قوات سوريا الديمقراطية مبنية على أساس مراعاة هذه الشراكة، فاللغة العربية رسمية ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية في كافة المناطق ذات الأغلبية العربية، في كل المؤسسات العسكرية والأمنية المرتبطة بها. والرموز والشعارات وعقيدة القوات والأنظمة الداخلية التي تحكمها تراعي تمامًا هذه الشراكة. كذلك لا يوجد أي تعامل تمييزي على أساس العرق أو القومية أو اللغة أو المنطقة، كما تقول مصادر قوات سوريا الديمقراطية، فالحقوق والواجبات موزعة بين أفراد القوات ومتساوية تمامًا، وثمة عقوبات أدبية ومحاكمات عسكرية تواجه كل المتجاوزين لهذه الأسس.

 

معركة "كوباني" الأولى

 

يلاحظ المراقبون بوضوح كيف أن "اندماج" المقاتلين العرب ضمن قوات سوريا الديمقراطية لم ينمُ حسب وتيرة واحدة، بل تحول حسب مجريات الوقائع السياسية والعسكرية السورية، بالذات خلال الأعوام الأولى لانطلاق الثورة السورية (2011-2015).

وقد حدثت تلك التحولات حسب أربعة معطيات؛ فمع انتشار فصائل المعارضة السورية في مناطق شرقي سوريا، منذ أواسط عام 2012، تحديدًا التنظيمات المتطرفة مثل "غرباء الشام"، و"أحفاد الرسول"، التي سيطرت على مدينة رأس العين والأرياف الشاسعة الفاصلة بينها وبين مدينتي الرقة ودير الزور، وفرضت أنواعا مختلفة من الأحكام الأمنية والاجتماعية "الشمولية" على السكان المحليين "العرب"، مما أحدث مسافة نفسية و"سياسية" بين القواعد الشعبية العربية في تلك المنطقة وتلك الفصائل.

ساهم تصدي "وحدات حماية الشعب الكردية" لفصائل المعارضة "المتطرفة" في خلق نوع من الثقة بقوات سوريا الديمقراطية، خصوصًا وأنها دشنت مجموعة من المؤسسات البديلة عما كان للنظام السوري، ولم تتدخل في الشؤون الحياتية والعلاقات الاقتصادية للبيئات العربية التي سيطرت عليها.

وشكلّت معركة "كوباني" الأولى، في خريف عام 2014 تحولًا نوعيًا في علاقة واندفاع المقاتلين العرب نحو قوات سوريا الديمقراطية. فـ"القوات الكُردية" أثبتت خلال تلك المعركة الطويلة امتلاكها لقدرات قتالية وإمكانية عسكرية "هائلة"، تمكنت لأول مرة من هزيمة تنظيم داعش، مما زاد القناعة بها. تضاعف الأمر جراء الدعم العسكري واللوجستي الذي حصلت عليه من الولايات المتحدة وقوى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، خلال وبعد تلك المعركة. فالتصريحات الصادرة عن "وحدات حماية الشعب" وقتئذ، كانت تتحدث عن وجود خمسة آلاف مقاتل عربي فحسب ضمن صفوفها، من أصل 30 ألف مقاتل.

ومع بدء التحضيرات الفعلية لمعركة "تحرير الرقة" من تنظيم داعش، وتأكد الدعم والرعاية الدولية لقوات سوريا الديمقراطية، أواخر عام 2015، ساهم عاملان متراكبان على زيادة زخم انتماء واندماج المقاتلين العرب ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية؛ فالتأسيس الأولي لهذه القوات كان على أساس تحالف عسكري، بينها وبين كثير من الفصائل العسكرية "العربية"، مثل "قوات الصناديد"، و"قوات النخبة"، التي كانت امتدادات عسكرية لزعماء العشائر العربية المحلية.

وأدى ذلك الحدث إلى نزع السمة الكُردية التي كانت لوحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة، وأحدث تحولًا في الهوية والعقيدة السياسية للتشكيل العسكري، ودفع المزيد من العوائل والأفراد العرب للقبول بالانتماء إلى تلك القوات. خصوصًا وأن تلك المرحلة ترافقت مع زخم عسكري أمريكي في تلك المنطقة، متمثلًا تحديدًا في التغطية الجوية وبناء كثير من القواعد العسكرية في مختلف مناطق شرق الفرات.

خلال تلك الفترة نفسها، كان تنظيم داعش يحكم مدينة الرقة وكامل السهب المحيط بنهر الفرات، ويمارس أعتى أنواع الاستبداد الاجتماعي والسياسي بحق القواعد الاجتماعية العربية في تلك المناطق، ومن ذلك، تعرض "صالح البوش"، تاجر العقارات والشخصية الاجتماعية المعروفة من عشيرة العفادلة في مدينة الرقة، لعقوبة الجلد الجسدي وسط السوق المركزية في مدينة الرقة، بسبب التدخين، فقرر مغادرة المدينة بـ"أي ثمن"، ودفع ثلاثة من أبنائه للانتماء إلى قوات سوريا الديمقراطية، طلبًا للخلاص من تنظيم داعش بـ"أي ثمن"، راح واحد منهم ضحية "تحرير مدينة الرقة" من مقاتلي التنظيم، ومثله فعل كثير من أبناء المدينة والريف المحيط بها.

وساهم عامل الزمن في لعب دور رئيس في آليات انضمام "الشبان العرب" إلى صفوف قوات سوريا الديمقراطية؛ ففي المحصلة، تمكنت هذه القوات من تأسيس إدارة ذاتية تتحكم في كل شؤون الحياة العامة في مناطق شمال شرقي سوريا، تشرف على طيف واسع من المؤسسات الاقتصادية والإدارية والخدمية والعسكرية والأمنية، بديلة عن كل ما كان للدولة/ السلطة المركزية من قبل، وقدمت نموذجًا أفضل نسبيًا، مقارنة بمناطق حُكم النظام السوري أو تلك المحكومة من فصائل المعارضة السورية. هذه الإحاطة ومؤسسات الحكم البدلية، دفعت كثيرًا من أبناء الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة لأن يندمجوا في هياكل حكمها، العسكرية منها بالذات، لأنها مصدر جديد للسلطة الاجتماعية والنفوذ المادي.

راهنت كثير من القوى السياسية المحلية والإقليمية، وعلى رأسها تركيا والنظام السوري، على إمكانية حدوث "انشقاق جماعي" من قِبل المقاتلين العرب ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية، خصوصًا أثناء المعارك الكبيرة التي خاضتها تركيا ضد تلك القوات، إلا أن ذلك لم يحدث بأي شكل. ومعها لم تذكر الأحداث اليومية للحياة العامة في المناطق المحكومة من قوات سوريا الديمقراطية أي "صِدام قومي" بين كُرد وعرب المنطقة، سواء اجتماعيًا أو عسكريًا، والسبب الجوهري وراء ذلك هو التماسك الداخلي النسبي في قوات سوريا الديمقراطية.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- نبذة عن قوات سوريا الديمقراطية، موقع بي بي سي عربي، 8 يونيو/حزيران 2017.

2- ما نسبة العنصر العربي بقوات سوريا الديمقراطية؟.. باحث يجيب، موقع عربي 21، 20 يوليو/تموز 2017.

3- مقاتلون عرب في "جيش كُردي"، موقع المجلة، 23 يوليو/تموز 2023.

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.