صادق شرفكندي... عاشق الحُرّية وشهيد القضيّة

- 28 فبراير 2024 - 373 قراءة

الدكتور شرفكندي كان كرُديًا وفيًا لقوميته ونزعته الإنسانية وهي الصّفة الغالبة على شخصه إذ تربّى على يد أخويه الشّاعرين الكبيرين "هيمن وهجار موكرياني"

 

بعد اغتيال الدكتور عبد الرحمن قاسملو أجمع أعضاء الحزب على تعيين صديقه الدكتور صادق شرفكندي والذي كان عضوًا ثوريًا ومتفانيًا في الحزب وتلميذًا ورفيقًا مقربًا للشهيد قاسملو

 

اضطُر "شرفكندي" أن يستقيل من عمله إثر تعرضه مع عائلته (زوجته وأطفاله الثلاثة) لتهديدات من قبل نظام الملالي وسياساته القمعية والتّكفيرية التي عُرفت "بالحرب المقدسة" ما أجبره على العودة للمنفى

 

 

أن يُغتال الدكتور صادق شرفكندي على طاولة المفاوضات؛ فهذا يدعونا إلى التّفكر والقراءة الموضوعية للاغتيالات، والعمليات الإرهابية التي كانت ولازالت تستهدف المثقفين والسّياسيين الكُرد، خاصةً مَن يناقشون مطالبهم المشروعة وحقوقهم وحقوق غيرهم من القوميات، بالحُجة والمنطِق مع الأنظمة الإقصائية والتّهميشية التي ما برحت تستخدم الدّين، والفتاوي لتكفير وتصفية المثقفين المسالمين باعتبار أن أقلامهم الحرّة وأصواتهم النّزيهة تهدد الأمن العام والوجود لمثل هذه الكيانات الراديكالية، والرجعية .

 

مَن هو الشهيد صادق شرفكندي؟

 

بعد الاغتيال المفجع للدكتور عبد الرحمن قاسملو في 13 يوليو/تموز 1989 بالنمسا، وهو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني  PDKI)) أجمع أعضاء الحزب على تعيين صديقه الدكتور صادق شرف كندي المولود عام 1938 في مدينة بوكان في كردستان إيران، والذي كان عضوًا ثوريًا ومتفانيًا في الحزب، إذ التقيا في باريس وكانا ذوي تفكير متماثل وإيمان بحرية الشّعب الكُردي، ما جعل الراحل شرفكندي تلميذًا ورفيقًا مقربًا للشهيد قاسملو .

 

مسؤولية ثقيلة

 

 لا يُمكن إنكار أنّ الدكتور شرفكندي كان كرُديًا وفيًا لقوميته ونزعته الإنسانية، وهي الصّفة الغالبة على شخصه، إذ تربّى على يد أخويه الشّاعرين الكبيرين والمشهورين في الأوساط الكُردية، "هيمن وهجار موكرياني" فبعد أن توفي والداهما في قرية "ترخه موكريان" القريبة من مدينة مهاباد، لعب المرحومان هيمن وهجار دور الأب بجدارة؛ إذ ربّاياه على أخلاق الشهيد الإمام "قاضي محمد" (مؤسس، ورئيس جمهورية مهاباد 1945)، فقد كانا مقربيّن منه واعتبروه قدوة ومعلمًا يُحتذى به في طريق النّضال السّلمي .

كان الأخوان يحثّان شقيقهما على التّعلم والاجتهاد حتى يصنعا منه إنسانًا مثقفًا وكُرديًا شهمًا؛ ففي عام 1959 بعدما أنهى دراسته الثانوية في مهاباد انتقل الشّهيد شرفكندي إلى طهران عاصمة إيران، لدراسة الكيمياء، وهناك بدأت معالم أنشطته الثّقافية والسّياسية تتضح وتُعرف بين الأوساط الثقافية، فقد كان يجالس المثقفين والمتعلمين الآذريين والأحوازيين والفُرس، ويتبادلون الأفكار ويناقشون الكُتب خاصةً تلك التي تدعو إلى حرّية الشّعوب، حتى إنّه بات يتكلم إلى جانب الكُردية والفارسية؛ التركية الآذرية والعربية ولغات أجنبية كالإنجليزية والفرنسية، وهذا إن دلّ على شيء فهو عطشه للعلم والمعرفة وتقديره لثقافة الآخر .

وبعد تخرّجه عمل مدرّسًا مساعدًا في المعهد العالي للتعليم في طهران، وكان يحظى بمحبة واحترام كبيرين من قِبل المعلمين والطلبة؛ فقد عُرف عنه بأنه معلم فاضل وعطوف، حتى إنّه قام بتسهيل امتحانات القبول في المعهد بُغية زيادة المتعلمين الكُرد وغير الكُرد، لكنّ المضايقات من أعوان النّظام البهلوي لم تهدأ، وباتت التهديدات تكثر بسبب أنشطته الثقافية الكثيفة، وسرعان ما تم نقله ومعلمين آخرين تعسفيًا إلى مدن كـ "أراك و كرج" وغيرها بعيدًا عن العاصمة طهران بحجة أنّ أفكارهم خطر على المراكز العلمية .

 

باريس ولقاء رفيق القَدر

 

حصل "شرفكندي" بسبب كفاءته التدريسية على منحة إلى باريس عام 1972 سعى إليها من وزارة العلوم لإكمال دراسته في مجال الكيمياء التحليلية، وهناك تعرّف على الدكتور الشهيد عبد الرّحمن قاسملو، وتقدّم بطلب عضوية في الحزب الديمقراطي الكُردستاتي؛ فقد كانت سياسات الحزب التّحررية التي شرحها له الراحل قاسملو تتوافق مع مبادئه ومن هناك توطدت علاقتهما، وبات شرفكندي محلّ ثقة كبيرة، وعضوًا فاعلًا في الحزب، بل وحلقة وصل بين أعضاء الحزب في خارج وداخل إيران، ومسؤولًا عن النّشر والدّعاية وخطيبًا في المؤتمرات التي تناقش حرّية الشّعب الكُردي، وكافة المكونات الإيرانية، وأهمية حصولها على حقوقها السّياسية والثّقافية بما فيها حرية ممارسة اللغة والدّين .

وبعد حصوله على الدكتوراه من باريس عام 1976 عاد إلى إيران، وتم تعيينه مدرّسًا مُحاضرًا في المعهد العالي للتعليم في طهران، ولم يشغله عمله عن تثقيف شباب الكُرد، ودعوتهم للانضمام للحزب الديمقراطي، رغم كلّ المضايقات والضغوطات المستمرة عليه.

 وبعد سقوط نظام الشاه عام 1979، تأمل الدكتور شرفكندي خيرًا بالنّظام الجديد كما بقية الشّعب الكُردي والشعوب الإيرانية المؤمنة بالتّغيير، إذ كان الحزب الديمقراطي الكردستاني يسعى لكسب حقوقه المشروعة بإدارة مناطقه بطريقة ديمقراطية وسلمية والدّفاع عنها، لكن لم تنجح المحاولات؛ فالنظام الجديد أبى أيّ حوار مع الكُرد ما اضطُر "شرفكندي" أن يستقيل من عمله إثر تعرضه مع عائلته (زوجته وأطفاله الثلاثة) لتهديدات من قبل نظام الملالي وسياساته القمعية والتّكفيرية التي عُرفت "بالحرب المقدسة"، ما أجبره على العودة للمنفى، واستكمال واجباته الحزبية والإنسانية إلى جانب رفاقه .

 

"شرفكندي" يكمل ما بدأه "قاسملو"

 

عُيّن "شرفكندي" كزعيم للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني عقب استشهاد صديقه د. عبد الرحمن قاسملو عام 1989، ووضع خططًا سياسية كبيرة، سعيًا لتحقيق مصالح الكُرد وجميع القوميات في إيران، بل وفتح باب المفاوضات مع النظام الإيراني، الذي أظهر في بادئ الأمر حُسن نيّة واستعداده لسماع مطالب الكُرد، ولكن لم يكن الأمر إلّا للتخلص وتصفية جميع أعضاء الحزب الديمقراطي. ورغم اتفاق "شرفكندي" على الحوار واللقاء على طاولة واحدة مع مبعوثي النظام؛ وثقته بالأمن في أوروبا وشجاعته الكبيرة وإيمانه بالقضية الإنسانية لشعبه؛ ذهب مع رفاقه؛ السيد "فتاح عبدلي" عضو اللجنة المركزية للحزب، و"همايون أردلان" أحد الكوادر البارزة للحزب، ومعهم مترجم يدعى نوري ديكوردي، و كان اللقاء في مطعم يوناني في برلين العاصمة الألمانية، وما إن دخل شرفكندي ورفاقه حتى شعر بشيء مريب فالمطعم كان فارغًا تمامًا، بعدها بلحظات دخل أشخاص مسلحون وبوحشية لا تعرف أي مبادئ إنسانية أردوهم بوابل من الّرصاص. ونال الدكتور شرفكندي الشّهادة في السابع عشر من سبتمبر/أيلول 1992، مع رفاقه الشّرفاء، ودُفِن في مقبرة العظماء بباريس إلى جوار الزعيم الشهيد د. عبد الرحمن قاسملو .

وأقيمت محاكمة في ألمانيا أسموها (ميكونوس) على اسم المطعم الذي وقعت به الحادثة الأليمة، وأُدين بقّال إيراني بالاغتيال يدعى "كاظم دارابي" إلى جانب آخرين متواطئين معه وحُكِمَ عليهم بالسجن المؤبد، ولم يُكشف عن تفاصيل الاغتيال بشكل واضح تمامًا .

وحتى الآن، لازالت الأنظمة الغاشمة تهدد المثقفين والسياسيين الكُرد وتغتال الكثيرين منهم، رغم كلّ محاولات الحوار وأخذ الضمانات الأمنية من الدول الأوروبية المتواطئة والتي تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية في كلّ التصفيات الحاصلة، والتهديدات التي تطال الكُرد والناشطين من جميع المكونات الإيرانية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- الموقع الرسمي للحزب الديمقراطي الكردستاني  PDKI.

2- كتاب "حلم الدولة من مهاباد إلى أربيل"، مسعود فوزي محمد .

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.