متغيرات شرق أوسطية: سياسات ملء الفراغ الاستراتيجي

- 23 مارس 2022 - 686 قراءة

 

المقدمة

 

تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر المناطق اضطراباً في العام، منذ مطلع القرن الحالي، نتيجة عوامل داخلية وأخرى إقليمية وثالثة دولية، دفعت بتلك المنطقة إلى أن تشهد مجموعة متغيرات باتت تشكل أحد معالم النظام الدولي القائم/قيد التغيير.

وإن كانت المنطقة الجغرافية لما يسمى بـ MENA، منطقة متسعة، فإننا سنكتفي بمنطقة الشرق الأوسط المتمثلة في المشرق والخليج العربيين وما يحيط بهما من قوى إقليمية متفاعلة ومؤثرة في هذه المنطقة، إلى جانب التوقف عند التنافس الدولي في مياه شرق المتوسط.

من المعلوم في أساسيات تحليل العلاقات الدولية، استخدام أطر التحليل الثلاثة: الدولي، الإقليمي، المحلي. ابتداءً من تحليل الإطار الدولي كونه الأيسر في فهمه، ثم نزولاً إلى الإقليمي فالمحلي، ولكننا سنفضل عوضاً عن ذلك، التنقل بين هذه الأطر الثلاثة حسب الحاجة التي تفرض ذاتها، حيث ساهمت المنطقة في استقرا النظام الدولي حيناً، وحيناً كانت انعكاساً لاضطراباته، وبيئة للمساهمة في عملية إعادة تشكيله، تلك العملية الجارية في السنوات الأخير، ونلحظ تداعياتها واضحة اليوم، في مناطق عدة من العالم.

وبداية، علينا التذكير بأن هذه المنطقة، تتشارك في سمة رئيسة مع منطقة شرق أوروبا، وهي أنها منطقة عبور/فصل حضاري بين مجموعة من القوى، وهو ما جعلها بيئة عالية المخاطر من جهة، وبيئة تنافس دولي من جهة ثانية، وهي سمة تمتد لقرون ماضية، جعلت المنطقة دائمة الاضطراب. ولكن عوضاً عن أن نستهلك الوقت الضيق المتاحة أمامنا في استعراض تاريخي، يعلمه جميعكم، سننتقل مباشرة إلى تقديم المخرجات/التغيرات، مع استعراض بالغ المحدودية لبعض المحطات التاريخية إن لزم الأمر. وذلك بعد المرور على تكوين المنطقة على مستوى القوى وعلى مستوى أبرز الإشكاليات القائمة.

ونطلق على هذه الدراسة عنوان "مل الفراغ الاستراتيجي"، والتي يقوم منهجها البحثي على منهج بنيوي لتبيان البنى الرئيسة المشكلة لسياسات الشرق الأوسط (قوى وإشكاليات ومصالح وتحالفات)، ودراسة سلوكها، لفهم واقع الشرق الأوسط.

 حيث نفترض أن هناك فراغاً استراتيجياً، نتيجة:

  • فراغ حاصل داخل الشرق الأوسط على منحيين: فراغ قيادي من داخله، وفراغ هيمنة من خارجه، سنشرحهما لاحقاً.
  • وأنه لا يمكن ترك فراغ "مصلحي/أمني" في العلاقات الدولية، دون تعبئة مباشرة من القوى القادرة على تعبئة هذا الفراغ (الأواني المستطرقة).
  • وأن الفاعلين الأكثر قوة (دول، وغير الدول)، ستقوم مباشرة، كل حسب مصلحته وقدرته، بعملية ملء لهذا الفراغ.

فالسياسات الدولية متشابكة مع بعضها البعض، أمنياً ومصلحياً، ولا يمكن الفصل بينها، فزيادة حصة دولة من مصالح ما في البيئة الدولية، سيعني زيادة قوتها، التي ستعيد ترتيب موازين القوى مرة أخرى (تغذية رجعية). وبالتالي، فإن الدول تهتم دوماً بالبحث عن مصلحة سائبة (فراغ)، أو خلق فراغ لملئه، لتعظيم قوتها ومجمل مصالحها وتصحيح موازين القوى بما يخدم قوتها الإجمالية.

وعموماً تعتبر مناطق النزاعات، والدول المنهارة والضعيفة، أفضل بيئات لتوليد فراغ تسعى القوى الكبرى والإقليمية لملئه.

 

أولاً-في مفهوم الفراغ الاستراتيجي:

 

يمكن بداية تسجيل أربعة أشكال أساسية من الفراغ الاستراتيجي، الذي نبني عليه هذا البحث:

أولاً، أدت ثورات الربيع العربي إلى تداعيات سلبية في عدة دول عربية، حولت بعضها إلى دول فاشلة وأخرى إلى دولة منهارة (فراغ ذاتي)، وهو ما جعل هذه الدول (الدولة بكاملها)، مصلحة متاحة للتنافس الدولي بين القوى (الدول وغير الدول)، لتعظيم منافعها من جهة، وحماية أمنها من جهة ثانية، وهو ماسيتضح لاحقاً.

أتى ذلك ثانياً، في وقت لم يكن هناك قيادة عربية مشتركة لقضايا الشرق الأوسط، ولم يكن هناك تفاهمات أساسية لحماية الأمن القومي العربي، أي كان هناك غياب للفعالية العربية على مستوى الإقليم كاملاً، وليس على مستوى مناطق في الإقليم شرق الأوسطي. (فراغ قيادي)

ترافق هذا الفراغ المحلي والعربي، مع صعود إقليمي لكل من تركيا وإيران، وحضور دائم لإسرائيل، وعودة روسية إلى السياسات الدولية ومنها شرق الأوسطية. فيما يؤدى فك ارتباط الولايات المتحدة عن المنطقة ثالثاً، والذي بدأ في ظل رئاسة أوباما وتسارع في ظل ولاية ترامب ثم بايدن، إلى خلق فراغ يتمثل في أن الولايات المتحدة لم تعد الضامن الأمني في الشرق الأوسط، كما يتضح من مسارها الغامض في سورية خلال السنوات القليلة الماضية. بالإضافة إلى ذلك، أدى التقارب الواضح لترامب مع قادة أقوياء وغير ديمقراطيين مثل بوتين وأردوغان إلى خلق حالة من عدم اليقين لحلفائه الأوروبيين وفرصاً لفاعلين جدد. (فراغ دولي)

كما ظهر نوع رابع من الفراغ في أوائل عام 2020، إثر استحواذ جائحة كوفيد-19 على طاقات معظم الحكومات الغربية، وبطريقة ما، جمّد أعمالها جزئياً في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وهو ما ستستغله تركيا وروسيا مباشرة، وبحزم، وخصوصاً في منطقة البحر المتوسط ([1]). (فراغ دخيل)

 

ثانياً-طبيعة الاضطراب المولِّد للفراغ الاستراتيجي، في الشرق الأوسط، أمنياً وعسكرياً:

 

كما أوردنا، بات الشرق الأوسط، أكثر المناطق اضطراباً على مستوى العالم، سواء في داخله، أو في محيطه على السواء. وذلك على عدة مستويات أولها الإشكال الأمني طويل الأمد، ففي داخله تقبع ثلاث دول منهارة تتمثل في: الصومال واليمن وسورية، وأخرى فاشلة، تتمثل في السودان والعراق وليبيا، بينما يتجه لبنان نحو الفشل مؤخراً. وفي محيطه هناك دول فاشلة كأفغانستان وجنوب السودان، وعدد من الدول بالغة الهشاشة أبرزها إثيوبيا وإريتيريا.

هذه البيئة مُنتِجةٌ للفوضى بحد ذاتها، وتهديدٌ أمني لمحيطها، ومحطّ أطماع الدول ذات القدرة على التدخل فيها (فراغ). وهي ما يمكن أن نطلق عليها تعبير المفكر السوري طيب تيزيني: "ليس لخارج ما أن يتدخل في داخل ما إلا من خلال أقنيته". أي أن البيئة شرق الأوسطية، منهارة إلى درجة ستسمح فيها بتدخل قوى متعددة بغية تعظيم مصالحها وحماية أمنها.

لكن مع ملاحظة أننا في هذه الورقة، لا نناقش أسباب انهيار الدول وفشلها، بقدر ما نرنو إلى تبيان المتغيرات الواقعة في الشرق الأوسط، ومآلاتها وفق ذلك.

شكل رقم (4)

خريطة مؤشر الاستقرار/الهشاشة في الشرق الأوسط (The Fund of Peace)

 

 

شكل رقم (5)

أسوء الدول على مؤشر الاستقرار/الهشاشة (The Fund of Peace)

 

 

أما الإشكال الثاني، فهو إشكال عسكري، حيث تشهد المنطقة سباق تسلح متصاعد بين عدة قوى، يشمل سباقاً نووياً متصاعداً، وآخر تقليدي.

فعلى مستوى السلاح النووي، يحاط الشرق الأوسط بعدة قوى نووية: باكستان والهند والصين وروسيا، فيما يضم دولة نووية واحدة: إسرائيل. ومن المتوقع أن إيران باتت على حافة الانضمام إلى النادي النووي، وتشتغل تركيا على امتلاك قدرات نووية عسكرية على المدى المتوسط. وفيما تمتلك الإمارات قدرات نووية سلمية، فإن تسريبات عدة ترى أن السعودية تعمل على تطوير قدرات نووية عسكرية خاصة بها مستقلة عن "المظلة الباكستانية النووية" الافتراضية.

شكل رقم (6)

القوى النووية حول العالم (Arms Control Association)

 

 

 

أما على مستوى القدرات التقليدية، فإن القوى الإقليمية متقاربة فيما بينها، وهي في حالة سباق متصاعد، وفق الجدول التالي:

شكل رقم (7)

أبرز القوى العسكرية في الشرق الأوسط، تقليدياً (Global Firepower)

 

 

شكل رقم (8)

الإنفاق العسكري في بعض دول الشرق الأوسط (Global Firepower)

 

 

ثالثاً-مدخل الطاقة في شرق المتوسط، لبناء فراغ استراتيجي مصلحي:

 

تعتبر إشكالية جيوبولتيك النفط في الشرق الأوسط، إشكالية قديمة، يمكن أن نحدد تاريخ تمشكلها مع أزمة النفط عام 1973، وإن كانت الحدود الجغرافية لعدد من دول المنطقة كان قد تم رسمها بناءً على اكتشافات نفطية، وتثقيلاً لمصالح دولة غربية على أخرى. وامتدت هذه الإشكالية طيلة العقود الماضية لتتمظهر في إشكالات هويتية وسياسية وتمويلية وعسكرية وبنيوية وثقافية، لا يمكن حصرها.

وحيث كان للنفط، وتحديداً مشاريع الغاز في المنطقة، دوراً في المتغيرات الدافعة نحو الثورات العربية، إلا أنه يبقى دوراً محدوداً مقارنة بإشكالية الغاز في شرق المتوسط، والتي بدأت بالتمظهر تدريجياً منذ الاكتشافات الإسرائيلية الأولى عام 1999، ولتبلغ ذروتها في الفترة الحالية.

فعلى مدى العقد الماضي، تم اكتشاف احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط. وهي من الناحية النظرية، قادرة على إفادة دول المنطقة من خلال تلبية احتياجاتها من الطاقة وتوليد عائدات تصدير، ومساعدة الاتحاد الأوروبي على تنويع إمدادات الطاقة الخاصة به. يمكن للغاز أيضاً أن يدعم اقتصاد قبرص الموحدة يوماً ما، في حال تم حل النزاع الذي قسم الجزيرة منذ عام 1974. فيما يتم بالفعل استغلال بعض احتياطيات الغاز في المنطقة، حيث تستخدم مصر وإسرائيل مخزوناتهما للاستهلاك الداخلي، كما تقوم إسرائيل بتصدير الغاز إلى الدول المجاورة. وفي السنوات العشر الماضية، تم اكتشاف احتياطيات كبيرة منه في المياه العميقة لشرق البحر المتوسط. وبحسب تقديرات الخبراء فإن حجم الاحتياطيات القابلة للاستخراج لعشرة حقول غاز طبيعي مكتشفة تصل إلى 2.24 تريليون متر مكعب. حيث يعتبر أكبرها: حقل ظهر المصري Zohr باحتياطي 850 مليار متر مكعب، وحقل ليفياثان الإسرائيلي Leviathan باحتياطي 623 مليار متر مكعب، وحقل أفروديت Aphrodite القبرصي باحتياطي 170 مليار متر مكعب ([2]).

ومع اكتشاف المزيد من الغاز بالقرب من قبرص، منحت الدولة المزيد من تراخيص الاستكشاف للشركات. فيما سعت تركيا إلى عرقلة الجهود المبذولة لتطوير وتسويق الغاز القبرصي، ونشرت قواتها البحرية لتعطيل جهود الاستكشاف، وأرسلت سفنها الخاصة للبحث عن الغاز في المنطقة المتنازع عليها. وقال وزير الخارجية التركي في مؤتمر أعمال في فبراير 2020: "لا يمكن فعل أي شيء على الإطلاق في البحر الأبيض المتوسط ​​بدون تركيا". وقد أدت الرغبة المشتركة في تطوير واستغلال الغاز في المنطقة، ومواجهة إصرار تركيا المتزايد، إلى توطيد تحالف غير رسمي بين قبرص ومصر واليونان وإسرائيل. حيث تتمتع قبرص واليونان بعلاقة متوترة مع تركيا منذ عقود، وتشعران بالتهديد من تصرفات أنقرة في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط​​، والتي تضمنت عمليات توغل في المجال البحري اليوناني. كما أدت الشراكة المزدهرة بين قبرص واليونان وإسرائيل إلى توثيق العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث تجري الدول الثلاثة تدريبات عسكرية مشتركة بانتظام ([3]).

وفي يناير 2019، أطلق وزراء الطاقة من سبع دول منتدى دولياً: منتدى غاز شرق المتوسط ​​(EMGF)، لتولي زمام المبادرة في التعاون في مجال الغاز حول شرق البحر الأبيض المتوسط، من كل من: مصر وإسرائيل وجمهورية قبرص وفلسطين وإيطاليا والأردن واليونان. بالإضافة إلى ذلك، حضر ممثلون من فرنسا والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي ووزير الطاقة الأمريكي الاجتماع الوزاري الثاني لـ EMGF في يوليو 2019. وفي سبتمبر 2020، وقعت الدول الأعضاء ميثاقاً يمنح المنتدى وضعاً رسمياً كمنظمة حكومية دولية ([4]).

ومن الواضح أن هذا المنتدى، كان في أحد جوانبه، رداً على الاتفاق الذي وقعته حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس، في أواخر نوفمبر 2019، مع تركيا، مقابل قيام الأخيرة بمساعدتها في معركتها ضد القائد العسكري خليفة حفتر. وحددت الاتفاقية التركية-الليبية حدوداً بحرية بين البلدين لا تأخذ في الاعتبار جزيرة كريت، وتتداخل مع المنطقة الاقتصادية الخالصة لليونان. ووفرت حافزاً لقبرص واليونان وإسرائيل لإبرام صفقة في يناير 2020 لبناء خط أنابيب بطول 1900 كيلومتر لنقل الغاز من الرواسب في إسرائيل وقبرص إلى اليونان وإيطاليا: "خط أنابيب شرق البحر المتوسط" ([5]).

 

شكل رقم (9)

الحدود البحرية في شرق المتوسط

 

 

شكل رقم (10)

الحدود البحرية في شرق المتوسط، وفق الترسيم التركي، والاتفاقية مع ليبيا

 

 

رابعاً-موقع ليبيا في إشكال الطاقة (ليبيا باعتبارها فراغاً استراتيجياً) ([6]):

 

أثّر الربيع العربي في الاستقرار الجيوسياسي للدول التي شهدت أحداث تغيير النظام والفوضى التي أعقبت ذلك. وأدى هذا الوضع إلى نشوء أحزمة جيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسبب انهيار هياكل الدولة وإنشاء دول فاشلة.

وعلى الرغم من وجود تحالفات مصالح متعارضة في ليبيا بين تركيا وروسيا، في شكل مستشارين رسميين من كلا البلدين، إلا أن هناك أيضاً استخداماً للقوات بالوكالة (القوات العسكرية غير النظامية، والمتعاقدين العسكريين الخاصين، وإمدادات الأسلحة للجانبين المعنيين)، وامتد ذلك ليشمل مصالح عربية متعارضة في ليبيا عبر ذات الأدوات.

يتعلق الجانب الآخر بطرق إمداد الغاز، والتي قد تؤدي السيطرة عليها إلى تعزيز الإمكانات الجيوسياسية لأي بلد بشكل كبير. ويؤدي هذا في بعض الأحيان إلى اختلافات تتفاقم عادةً بسبب العداء التاريخي والجغرافي والثقافي والديني والجيوسياسي بين مختلف الموضوعات في العلاقات الدولية. وقد يصبح إعادة تشكيل ممر الطاقة الجنوبي الشرقي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، واحدة من أهم العمليات التي ستؤثر نتيجتها في توازن إمدادات الطاقة، وفي التوزيع الجيوسياسي للقوة في دول هذه المنطقة.

حيث تستفيد تركيا من موقعها الجغرافي من أجل التحكم في الحد الأقصى لعدد خطوط الأنابيب الممتدة إلى دول الاتحاد الأوروبي من الاتجاه الجنوبي الشرقي، ويأتي دعم قطر للإخوان المسلمين، بما في ذلك في ليبيا ومصر ليكمل استراتيجية تركيا في المنطقة.

ونظراً لأن حكومة الوفاق الوطني تدعمها وحدات شبه عسكرية من جماعة الإخوان المسلمين، فإنها تعزز مواقف تركيا فيما يتعلق بمنعها لمشاريع الطاقة التي طورتها اليونان وقبرص وإسرائيل وربما مصر. كل هذا يلبي مصالح قطر. كما يرتبط التصعيد في ليبيا ارتباطاً وثيقاً بتقاطع معقد إلى حد ما لمصالح مجموعة واسعة من الدول، على الأقل تلك الموجودة في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

خامساً-القوى الفاعلة في الشرق الأوسط (الدول المتحكمة بالفراغ الاستراتيجي):

 

يمتلك الشرق الأوسط مجموعة من القوى الفاعلة فيه من الدول، ويمكن وضعها وفق الشكل التالي:

 

 

 

 

شكل رقم (11)

القوى الفاعلة وبيئات الفراغ الاستراتيجي في الشرق الأوسط

 

 

  • القوى العربية:
    • تقليدياً، كانت هناك أربع قوى عربية تعتبر مراكز القوة في الشرق الأوسط، متمثلة في: مصر، العراق، سورية، السعودية.
      • تمت تنحية أدوار مصر الحقيقية منذ اتفاق كامب ديفيد، لتتحول أدوارها إلى أدوار وساطة عربية منذ عام 1990، وهي أدوار ستنخفض أهميتها كثيراً عقب عام 2011، لتصبح دولة محدودة الفاعلية حتى في أزمات محيطها القريب (السودان وليبيا وفلسطين)، عدا عن عدم فعاليتها في أزمات محيطها شرق الأوسطي الأوسع (سورية، العراق، لبنان، اليمن، الصومال، جنوب السودان، أفغانستان).
      • فيما تم إخراج العراق نهائياً من معادلات القوة العربية منذ عام 1991، في مقدمة لتحويله إلى بيئة فراغ استراتيجي.
      • وتم خروج سورية منذ 2011، وسنعود لذلك لاحقاً، باعتبارها مركز الفراغ الاستراتيجي.
      • وتبقى السعودية الفاعل التقليدي العربي الوحيد في منطقة الشرق الأوسط، وهو عبء لن تكون السعودية قادرة على إدارته بمفردها، حتى مع القوى العربية الجديدة. وبالتالي لن تكون قادرة على ملء الفراغ الاستراتيجي القائم في عدة بيئات معاً، في وقت ستنشغل فيه انشغالاً طويل الأمد في بيئة الفراغ اليمنية.
      • في المقابل، تم دخول قوى/فاعلين جدد (دول)، إلى الساحة الإقليمية منذ عام 2011، متمثلين تحديداً في قطر والإمارات، ورغم أنها دول هامشية الموقع الجغرافي، ومحدودة القوة البشرية، إلا أن الفراغ الحاصل في البيئة الإقليمية من جهة، والقدرات المالية لهاتين الدولتين من جهة ثانية، سمح لهما بتثقيل أدوارهما السياسية، وفي مواجهة بعضهما البعض طيلة العقد الماضي، وعلى امتداد البيئة الإقليمية.
      • وعليه فقد تغيرت خارطة التحالفات العربية، وعوضاً عن أن تكون تحالفات دولية، أي بين دول، أصبح هناك شكلان رئيسان لها:
        • تحالفات دولية، سواء بين دول عربية فيما بينها: السعودية والإمارات والبحرين ومصر على سبيل المثال. أو مع دول إقليمية كالتحالف مع إيران وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة، والانفتاح العربي مؤخراً على الصين وروسيا تحالفياً.
        • وتحالفات بين دول وفاعلين من غير الدول، مثل التحالفات مع جماعات الإسلام السياسي وقوى المعارضة.
      • وهذا قاد أيضاً، إلى اختلاف أدوات العمل في البيئة الإقليمية، حيث أصبحت:
        • أدوات تقليدية، متمثلة في الدبلوماسية، والأدوات الاقتصادية (المساعدات والقروض، والمقاطعة والحروب التجارية).
        • وأدوات مستحدثة كالحرب بالوكالة، عبر استخدام وكلاء محليين في الدول المنهارة، أو عبر أدوات الحرب عبر المرتزقة المستقدمين عبر الحدود. عوضاً عن الحرب التقليدية التي كان آخرها في الشرق الأوسط: الغزو الأمريكي للعراق، والحروب الإسرائيلية مع الجماعات المسلحة في لبنان وفلسطين.
        • إلى جانب بروز الإعلام أداة رئيسة في النزاعات الإقليمية.
  • القوى الإقليمية: وهي فواعل أكثر أهمية وفعالية في الشرق الأوسط، متمثلة في ثلاث قوى رئيسة: إيران، تركيا، إسرائيل، والتي ستكون أكثر قدرة على ملء الفراغات الحاصلة.
  • القوى الدولية: وهي الفواعل الأكثر قوة وضبطاً للشرق الأوسط، وإن كانت تقليدياً متمثلة الولايات المتحدة، إلا أننا سنشهد ولوج روسيا عسكرياً منذ عام 2014، عدا عن ولوج الصين اقتصادياً في ذات الفترة عبر مشروع الحزام والطريق، لتملأ فراغات أكثر أهمية استراتيجية من سواها.
  • قوى محدودة الفاعلية، وتتمثل في بعض القوى الأوروبية، مثل بريطانيا وفرنسا، لكن يبقى لها تأثير وحضور عسكري على شكل قواعد وقوات واستشارات ومبيعات عسكرية.

 

سادساً-القوى الفاعلة في الشرق الأوسط (من غير الدول):

 

يعتبر وجود الفاعلين المسلحين من غير الدولة رغم إرادة الدولة، بل إنها غير قادرة على تحجيم هذا الوجود أو إلغائه إلا باستخدام القوة المسلحة، والتي قد يترتب عليها نزاعات محلية طويلة الأمد. لذا فإن هذا الفاعل قادر على تحدي سلطة الدولة بشكل حقيقي.

وتتنوع أشكال هذا الفاعل وفق التقسيم التالي:

  • الإرهاب العابر للحدود: متمثلاً بشكل رئيس في القاعدة والتنظيمات التي تفرعت عنها بالأساس، كما داعش في سورية، والقاعدة في العراق، وجبهة النصرة في سورية، والقاعدة في اليمن، وحركة الشباب في الصومال، وجماعات جهادية أصغر.
  • المتمردون Insurgents: وهم جماعة مقاومة منظمة، تستخدم التخريب والتدمير، وأحياناً النزاع المسلح لتحقيق أهدافها. وتستخدم عنفاً موجهاً ضد نظام ديكتاتوري أو قوى أجنبية محتلة، أو في مواجهة قوات حكومة لدعم نزعة انفصالية، والأمثلة هنا كثيرة: الثورات، مقاتلو الحرية، الانفصاليون، الثوار، المحتجون، المعارضة المسلحة. وأبرزها:
    • المعارضة المسلحة/الثوار، في كل من سورية واليمن وليبيا.
    • جماعات انفصالية في كل من سورية واليمن وليبيا والسودان والصومال.
    • ويمكن أن نضيف الحركات التحررية رغم الإشكال الذي سنقع فيه كثيراً، كالجماعات الفلسطينية، والجماعات التي تناهض الاحتلالات الجديدة في العالم العربي.
  • الميليشيات Militias: وهي قوى عسكرية تتنوع في أشكالها وأهدافها، لكنها بالأساس مستندة إلى العمل لصالح جهات أخرى، وليس لصالح أهداف هي تضعها لذاتها. وغالباً ما تستخدم الميليشيات للقيام بالعمليات العسكرية "القذرة"، بمعنى تلك التي تتحاشى الحكومات والجيوش النظامية التورط فيها خشية المحاسبة الدولية، كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. فيما يتمثل هدف هذه الميليشيات الأساس في تحقيق المنافع المادية للتنظيم ولأفراده. وأبرز أشكالها:
  • قوات شبه عسكرية، تنشؤها الحكومات لدعم عمليات العسكرية.
  • ميليشيات أيديولوجية، هذه الجماعات تخلق لنا مشكلة على المستوى المفاهيمي (التعريف)، مع التنظيمات الإرهابية. ويمكن أن نحل هذه المشكلة، من خلال حصر مجال نشاط الميليشيات الأيديولوجية بأنها لا تعمل منفردة أو مستقلة، بل هي جزء من سياسات دول أخرى، وتعمل بإمرتها وبتنظيم من تلك الدول أو من مؤسسات شبه حكومية في تلك الدول. (الميليشيات الإيرانية العابرة للحدود: حزب الله، زينبيون، فاطميون، منظمة بدر، حركة النجباء).
  • الشركات العسكرية الخاصة (PMCs): وهي تعمل إما في مجال حماية المنشآت أو في تنفيذ مهام عسكرية محددة، عبر عقود توقعها مع أطراف حكومية غالباً، أو شبه حكومية. (Wagner الروسية، Black Water الأمريكية)
  • المرتزقة: وهو أفراد مسلحون، يتم تنظيمهم من قبل جهات حكومية أو شبه حكومية، للمشاركة في الحروب بالوكالة التي تجري في عدة مناطق من الإقليم.

 

سابعاً-الصراعات في الشرق الأوسط، وتشكيل الفراغ الاستراتيجي:

 

طالما كان الشرق الأوسط محطة صراعات محلية أو إقليمية أو دولية، مترافقاً مع بروز الدولة الوطنية في النصف الأول من القرن الماضي، والتي عانت من إشكالية الهوية الوطنية من جهة، وإشكالية حدودية مع دول الجوار من جهة ثانية، وإشكاليات تتعلق بالبيئة العربية والإقليمية لا مكان لذكرها. لذا فإن ما شهده الشرق الأوسط في العقدين الماضيين لم يكن استثناءً في تاريخ الاضطراب شرق الأوسط، وبالأخص شرق المتوسطي. وهو ما سيخلق لدينا منطقة فراغ استراتيجي، سينظر إليها بأنها منطقة جذب مصلحي-أمني عالية الأهمية، وستتدافع القوى المحيطة بها والقوى الدولية إلى اكتساب حصة من المصالح في هذه المنطقة.

وأبرز معالم هذا الفراغ الاستراتيجي:

  • انهيار الدولة العراقية بعد عام 2003، وتحولها إلى مناطق نفوذ وتعزيز مصالح لكل من: الولايات المتحدة، إيران وميليشياتها، تركيا، الحركة الانفصالية الكردية، القاعدة وما سيتفرع عنها.
  • رغم أن اتفاق الطائف أنهى الحرب الأهلية، لكنه لم يُعد إنتاج الدولة الوطنية، وظلت لبنان منطقة نفوذ بين: إيران، سورية، فرنسا، السعودية، وفق أدوات طائفية.
  • أدت تداعيات الثورة السورية، إلى انهيار الدولة السورية، وتحولها إلى مناطق نفوذ لكل من: الولايات المتحدة، روسيا، إيران وميليشياتها، تركيا، إسرائيل، والسعودية لفترة محدودة، إلى جانب الجماعات الجهادية والحركات الانفصالية، بل ومرتكز إعادة تشكيل النظام الإقليمي وما بعد الإقليمي (الفراغ الأكثر تعقيداً/مركز الفراغ الإقليمي).
  • كما أدت تداعيات الثورة اليمنية، إلى انهيار الدولة اليمنية، وتحولها إلى مناطق نفوذ لكل من: إيران وميليشياتها، السعودية، الإمارات، عدا عن وجود القاعدة فيها تقليدياً، إلى جانب حركات انفصالية.
  • وهو ما تكرر في ليبيا نتيجة تداعيات الثورة، وتحولها إلى مناطق نفوذ تركي وأوروبي وخليجي، إلى جانب جماعات الإسلام السياسي والجماعات الجهادية والحركات الانفصالية، ثم نفوذ روسي.
  • يترافق ذلك، مع نفوذ إيراني في المجتمعات الخليجية، تحت لواء الهوية الطائفية الشيعية.
  • ونفوذ تركي في كثير من المجتمعات العربية (وإن كان نفوذاً ناعماً في معظمه)، تحت لواء الاستحضار/النكوص التاريخي للدولة العثمانية.

هذا النفوذ سيشهد تبايناً في حدته ومدى انتشاره من دولة إلى أخرى، وفق الشكل التالي:

  • نفوذ إيراني بدأ في لبنان منذ ثمانينيات القرن العشرين، عبر ميليشيا حزب الله، سيتسع إلى العراق بعد عام 2003، ثم سورية بعد عام 2005 ليصبح راسخاً بعد 2011، وهو ما كان حذر منه الملك الأردني عبد الله الثاني "الهلال الشيعي"، لكنه سيمتد إلى اليمن ليحاصر دول الخليج من كل جهاتها، وما يزال قيد التوسع إلى بيئات جديدة، ولم يُسجَّل أي تراجع فيه. وهو ما يمكن أن نطلق عليه "طريق القدس" التي ستمر عبر أكبر عدد ممكن من المدن العربية، ويبدو أنها أنجزت مرحلة مهمة من مسارها، وتتحول إلى مسار جديد عبر تكثيف استهداف السعودية والإمارات، اللتين ربما تكونان محطتين جديدتين على هذه الطريق. وهو نفوذ يرمي إلى استيطان وتغيير ديموغرافي وديني شامل، وله عدة أشكال، هي:
    • نفوذ عسكري مباشر، كما في العراق وسورية واليمن، عبر حضور كبار ضباط ومستشاري الحرس الثوري الإيراني/فيلق القدس، لتوجيه العمليات العسكرية.
    • نفوذ عسكري غير مباشر، عبر ميليشيات محلية متعددة، أو عبر ميليشيات مستقدمة من الفضاء الشيعي الأوسع (زينبيون مثلاً).
    • نفوذ اقتصادي وسياسي، عبر اتفاقيات واسعة مع حكومات الدول التي توجد فيها إيران، يسمح لإيران بالهيمنة طويلة المدى رسمياً على الدول المستهدفة.
    • نفوذ اجتماعي، عبر عمليات تغيير ديموغرافي/هويتي/ثقافي/ديني متعدد الأشكال.
    • نفوذ بنيوي، من خلال استملاك كثير من البنى التحتية والسكنية خصوصاً في العراق وسورية.
  • نفوذ تركي، سيبدأ ناعماً في العقد الأول من هذا القرن، ثم سيتحول إلى نفوذ متعدد الأشكال. وقد وصل إلى حدود ثابتة في العامين الأخرين، ولا يمكن تسجيل تراجع ملحوظ وإن كان موجوداً، لكنه عموماً نفوذ مستمر من خلال محاولة ملء أي فراغ يقع في المنطقة. من خلال:
    • نفوذ عسكري مباشر، من خلال حضور ضباط رفيعي المستوى في سورية وليبيا، إلى جانب عمليات عسكرية في شمال العراق، وقاعدتين عسكريتين مهمتين في قطر والصومال.
    • نفوذ عسكري غير مباشر، من خلال دعم قوى مسلحة محلية أو استجلاب قوى مرتزقة.
    • نفوذ اجتماعي عبر العنصر التركماني، وتحديداً في سورية والعراق وليبيا، يترافق مع نفوذ ثقافي. وبالاستناد أيضاً إلى جماعة الإخوان المسلمين.
    • ونفوذ سياسي واقتصادي مع بعض الحكومات العربية، وخصوصاً ليبيا وقطر والصومال.
  • نفوذ أمريكي، بلغ ذروته عام 2003، مع احتلال العراق، لكنه سينحسر بشكل تدريجي، إلى أن يصل إلى أدناه في هذه اللحظة، عبر وجود عسكري بات محدوداً في العراق (من المرجح أن ينتهي قريباً)، ووجود محدود للغاية في سورية (وهو مرجح أن ينتهي قريباً كذلك)، وتراجع الوجود في الخليج العربي (الانسحاب الأمريكي من الخليج باتجاه الأردن، بعد انخفاض قيمته الاستراتيجية).
  • نفوذ روسي متصاعد بدأ منذ عام 2014، لإنقاذ نظام الأسد بعد أن أخفقت إيران في هذه المهمة، وهو نفوذ عسكري مباشر إلى جانب نفوذ غير مباشر عبر مرتزقة فاغنر في سورية وليبيا خصوصاً، وحضور سياسي واقتصادي عبر اتفاقيات طويلة الأمد مع النظام السوري تسمح لروسيا بتحويل سورية إلى قاعدة عسكرية متقدمة في المتوسط (مطار حميميم وميناء طرطوس).
  • أما النفوذ العربي، فهو متنوع بين:
    • نفوذ سعودي كان ضعيفاً في سورية والعراق ولبنان، قبل أن ينتهي فعلياً. فيما هو نفوذ عسكري مباشر في اليمن عبر عمليات عاصفة الحزم وما تفرع عنها، ونفوذ سياسي من خلال الحكومة اليمنية "الشرعية، إلى جانب نفوذ في ليبيا لموازنة النفوذ التركي.
    • نفوذ إماراتي واضح ويتزايد في كثير من مناطق العالم العربي، عسكري وسياسي واقتصادي.
    • نفوذ قطري واضح في كثير من مناطق العربي، لكنه تراجع في السنوات الأخيرة.

 

ثامناً-تحالفات ملء الفراغ في الشرق الأوسط:

 

نتيجة ضخامة حجم الفراغ الاستراتيجي، المصلحي والأمني، في الشرق الأوسط، شهدت عمليات التنافس الدولي صداماً مباشراً بين بعض القوى، كادت أن تؤدي إلى حروب بينية، كما حصل بين القوات الروسية والتركية، وبين التركية والإيرانية، وهو ما دفع هذه القوى لتنسيق مصالحها تجنباً لمثل تلك الاشتباكات في سورية والعراق، لكن ستظل على صدام غير مباشر في ليبيا حتى الاتفاق الداخلي الليبي. فيما لا تزال القوات الإسرائيلية تستهدف القوات الإيرانية في المنطقة، وما تزال الولايات المتحدة تستهدف تنظيم داعش. ورغم هذه الاتفاقيات، إلا أن هذا لا يعني استهداف إحدى تلك الدول لجماعات مدعومة من دولة أخرى، كما يحصل في سورية مثلاً.

ويمكن الحديث عن عدة أشكال من التحالفات القائمة في الشرق الأوسط، تبلورت في العقد الماضي، وهي على الشاكلة التالية:

  • التنسيق الثلاثي، وأعضاؤه كل من: روسيا، إيران، تركيا. ورغم أن البعد التاريخي يمنع تأطير هذه الدول الثلاثة في حلف/تقارب مشترك، إلا أن طبيعة التنافس بين هذه الدول، على توزيع المصالح في مناطق الفراغ الاستراتيجي، وما انبنى عليه من صدامات بين هذه القوى، دفعهم منذ عام 2016، إلى بدء تنسيق أعمالهم، بحيث تم توزيع حصص المنافع بينهم، في سورية، التي باتت مركز الفراغ والتنافس في الشرق الأوسط. ويعمل هذا التنسيق على منع الصدام المباشر بين أصحابه من جهة، وعلى التنسيق فيما بينهم لملء أي فراغ يقع نتيجة الانسحابات (مثل تراجع النفوذ العربي، والانسحاب الأمريكي المستمر، وسواها). ورغم أن لروسيا اليد الطولى، إلا أن إيران أيضاً طرف قوي في هذا التنسيق الثلاثي، فيما تبقى تركيا الطرف الأضعف على مستوى المكاسب الجغرافية، وإن كانت مكاسبها قوية فيما يتعلق بالمسائل الديموغرافية والأمنية. ويحاول أصحابه التنسيق خارج حدود سورية (ليبيا واليمن)، لكن لا يبدو أن ذلك غير ممكن حتى الآن.

 

شكل رقم (12)

التنسيق الثلاثي التركي-الإيراني-الروسي

 

 

  • حلفاء الولايات المتحدة التقليديون: وهم دول الخليج العربي وتركيا ومصر، لكن رغم التزام الولايات المتحدة بأمن حلفائها، إلا أنها لم تقدم لهم ما يضمن أمنهم وخصوصاً في مواجهة إيران وميليشياتها من جهة، عدا عن تراجع التزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة، نتيجة انشغالها بملف المحيط الهادي، ومؤخراً بشرق أوروبا (ما عدا الالتزام الأمريكي طويل الأمد بأمن إسرائيل).

شكل رقم (13)

حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط

 

 

  • التحالف العربي، المكون بغرض مواجهة ميليشيا الحوثي في اليمن، لكنه تحالف محدود الأبعاد الاستراتيجية، عدا عن عدم انخراط مصر فيه عسكرياً، ومن المتوقع أن ينتهي في حال التوصل إلى حل للمسألة اليمنية، ولا يبدو أنه قادر على التحول إلى حلف مستدام.

شكل رقم (14)

أعلام الدول المشاركة في التحالف العربي

 

 

  • قوى عربية على تنسيق مستمر مع إيران، وأخرى مع تركيا، وثالثة مع إسرائيل، إلى جانب تقارب بعض القوى العربية من روسيا، بعد تراجع أدوار الولايات المتحدة.
  • فيما تحافظ باكستان على علاقات جيدة مع كل الأطراف، وتميل الهند إلى تقارب مع بعض الدول العربية وإسرائيل، بينما تأثرت علاقتها بإيران نتيجة العقوبات الأمريكية في عهد ترامب.
  • أما في المشهد الليبي، فنرى تنسيقاً بين السعودية ومصر والإمارات وفرنسا من جهة، وتركيا وقطر من جهة ثانية، حتى صيف 2021.

 

تاسعاً-المتغيرات/العقدة السورية (مركز الفراغ شرق الأوسطي):

 

تعتبر سورية إحدى الدول المنهارة في العالم، وثالث أفشل دولة على مستوى العالم، والأكثر سوءاً في شرق المتوسط، ومنطقة جذب كل القوى الخارجية (دول وفاعلين من غير الدول). وباتت منطقة تقاطع كل القوى المشتغلة في الشرق الأوسط، أو ما نطلق عليه مركز الفراغ شرق الأوسط، حيث تلتقي فيها كل حدود التنافس المصلحي الدولي، ونعتقد أن هذا التعقد في المشهد السوري يتسبب في تعقيد كامل المشهد شرق الأوسطي، والعكس صحيح، أي أن كافة التعقيدات شرق الأوسطية تزيد من تعقيد المشهد السوري، حتى بات مستعصياً على الحل في المدى المنظور.

وذلك نتيجة لما تشهده البلاد، وأبرز ملامحه:

  • سلطة مركزية منهارة، غير قادرة على فرض شرعيتها في المساحة التي تحكمها (أقل من ثلثي البلاد)، ولم تعد قادرة على تلبية السلع الأساسية، وتتعرض لعقوبات ومحاكمات دولية ([7]). عدا عن انسداد أفق الحل السياسي، وعدم امتلاك السلطة الحاكمة سيادة مركزية فعلية داخل المناطق التي تحكمها.
  • رغم الإعلان الأمريكي منذ سنوات عن القضاء على داعش، إلا أنها ما تزال موجودة وتظهر للعلن بين فينة وأخرى، وإن كانت فعاليتها في أدنى مستوياتها على الإطلاق.
  • يسيطر متمردون أكراد (حركة انفصالية)، على ربع مساحة سورية تقريباً، وهي الربع الغني بالنفط والقمح، وذلك بدعم أمريكي، وآخر من بعض الدول العربية.
  • فيما يسطر متمردون عرب سنة (ثوار)، على قرابة 15% من شمال سورية، مقسمين بين جماعات مدعومة من تركيا، وأخرى متفرغة من القاعدة (جبهة النصرة/تحرير الشام).

شكل رقم (15)

ميزان القوى المحلي في سورية

 

 

  • أما السيادة الوطنية فهي موزعة بين خمس قوى أجنبية رئيسة: الولايات المتحدة، روسيا، إيران، تركيا، إسرائيل. لكل منها مستوى من الحضور العسكري والسياسي والاقتصادي والبشري، يطول شرحه في هذه العجالة محدودة الوقت.
  • ويمكن القول إن هذا الشكل قد استقر منذ نهاية 2019، مع تغييرات طفيفة لصالح روسيا شمالاً وشرقاً، وقد نشهد تغييرات لاحقة بعد الانسحاب الأمريكية المتوقع من شرق سورية، وهو ما سيخلق فراغً جديداً ستسعى جميع القوى لملئه.

شكل رقم (16)

ميزان القوى الدولي في سورية

 

 

 

عاشراً-التوازنات الإقليمية شرق الأوسطية (توازن الفراغ):

 

رغم أن المشهد السوري هو الأكثر تعقيداً، ولا يمكن توقع إيجاد مخارج فعلية له في المدى المنظور، إلا أن المشهد الإقليمي بأسره هو الآخر بالغ التعقيد، بل يمكن القول: إن تعقيد الملف السوري يساهم في تعقيد الملفات الإقليمية الأخرى، والعكس صحيح. وفق نظريات تأثير الدولة الفاشلة ([8])، وهذا ما نلاحظه في التهديدات الأمنية المنبثقة من داعش والميليشيات الإيرانية، واستخدام سورية ساحة لتعديل ميزان القوى الدولي/الإقليمي، أو محطة انطلاق إقليمي لهذه القوى، عدا عن استمرار سورية كعبء بشري وأمني على جوارها.

فيما يزال العراق يقع بين توازنات طائفية تثقّل مكانة القوى الشيعية السياسية والعسكرية الموالية لإيران، وتضمن نفوذ إيران طويل الأمد في العراق، بينما انحدرت قوات تنظيم داعش إلى أدنى مستوياتها، لكنها تبقى حاضرة في المشهد العراقي. يضاف إلى ذلك، تعزيز خصوصية إقليم كردستان العراق، ضمن نظام الحكم الذاتي، بعيداً عن المركز بغداد.

ويتجه لبنان نحو مزيد من التدهور، وقد يتحول في المدى المنظور إلى دولة فاشلة، وخصوصاً عقب إدراك سعد الحريري عدم جدوى الجهود التي استهلكت منه 17 عاماً، وخذلان الحلفاء في تقديم دعم حقيقي في مواجهة هيمنة ميليشيا حزب الله على البلاد.

أما في اليمن، فيمكن الحديث عن شمال تهيمن عليه القوات الحوثية المدعومة من إيران، ويشهد مأساة إنسانية بالغة الحدة، وحرب مستمرة مع قوات التحالف العربي. وجنوب موزع بين عدة قوى: الحكومة الشرعية، الانفصاليون الجنوبيون وهم عدة فرقاء، القاعدة، والسعودية والإمارات.

وبينما كادت ليبيا أن تنتقل إلى مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي، يبدو أن المشهد تمت إعادة حرفه نحو الفوضى من جديد، بعد فرض روسيا حضورها في المشهد الليبي، وتعثر الانتخابات النيابية والرئاسية ([9]).

ولا يبدو أن الوضع السوداني متجه نحو استقرار فعلي، بل من المرشح أن يشهد انفجارات متتالية، فيما يبرز تهديد القاعدة/الشباب من جديد في الصومال المقسم بالأساس إلى عدة كيانات. أما أريتيريا فمن المتوقع أن تتخذ مسارات مقاربة لمسارات دول الجوار في حال وفاة زعيمها (انهيار دولة الفرد).د". ([10]) في يوليو 2021 أقرَّ وزير الدفاع الروسي، بأنَّ الجيش

ويبقى الاحتقان الطائفي حاضراً في البحرين والسعودية، وقد نشهد إعادة تفجيره من قبل إيران في أية لحظة. يترافق ذلك مع تكثيف الاستهداف الإيراني (بالوكالة) للسعودية والإما

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.