«محور المقاومة».. إيقاظ الفتنة النائمة (1)

- 7 ديسمبر 2021 - 380 قراءة

• الملالي أيقظوا «الفتنة النائمة» بين المسلمين عندما عمدوا إلى إحياء مفاهيم الصراع التاريخي على مركزية السلطة

• اختلاق «هويات طائفية» تسعى نحو تعزيز نفوذ إيران «الجيوسياسي" تحت ما يُسمى «محور المقاومة الإسلامية»

• النظام نجح في تحويل بعض الشيعة إلى ظهير جماهيري مساند لمواقفه السياسية.. وبعضها الآخر إلى «ظهير مسلح»

• العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني كان أول من نبّه عام 2004 إلى خطورة «الهلال الشيعي»

• حكم «الولي الفقيه» أعاد المنطقة برمتها إلى حقبة «الفتنة الكبرى» التي كان من المفترض أن تسكن كتب التاريخ!

• الغاية الاستراتيجية من «المحور» أن تصير إيران قطبا إقليميا لا تنازعه قوة سياسية.. ولا تنافسه طاقة روحية

• طهران نجحت في «إعادة انتاج» هوية العراق ولبنان واليمن على أسس أيديولوجية.. لتحقيق مكاسب كبرى

• الإبقاء على أي صراع محتمل في الجوار العربي خارج أراضي إيران منعًا لتكرار مأساة «حرب الثماني سنوات» مع العراق

• «العمق التفاعلي الاستراتيجي» يمكّن الدولة من الاستخدام الأمثل لقوتها الناعمة لتحقيق نفوذها الإقليمي

 

أيقظ نظام الملالي "الفتنة النائمة" بين عموم المسلمين، عندما عمد بعد قيام ثورة 1979 إلى إحياء مفاهيم الصراع التاريخي على "مركزية السلطة"، والدعوة إلى الثأر ممن اغتصب "حق الأئمة" في الولاية على المسلمين، فأعاد المنطقة برمتها إلى الوراء، وتحديداً إلى حقبة "الفتنة الكبرى" التي كان من المفترض أن تسكن كتب التاريخ!

وهكذا، اعتمدت إيران يوما بعد يوم تحت حكم الملالي، على توظيف الجماهير في بناء وتعزيز "محور المقاومة الإسلامية"؛ من أجل تحقيق الغاية الاستراتيجية منه، ألا وهي أن تصير إيران "قطبا إقليميا" لا تنازعه قوة سياسية، ولا تنافسه طاقة روحية.

وفي هذا الصدد، استحدثت إيران مقاربة أيديولوجية لمنطقة الشرق الأوسط، استندت فيها إلى كل مكونات قدراتها الجيوسياسية، وقيمها الثورية، واصطحبت معها مفاهيم الصراع التاريخي على مركزية السلطة، والثأر ممن اغتصب "حق الأئمة" في الولاية على المسلمين.

اختلاق هويات طائفية

أفضت هذه المقاربة الاستراتيجية، إلى نجاح إيران في خلق عمق استراتيجي لها بمنطقة الشرق الأوسط؛ أعادت فيه "انتاج الهوية" في كل من العراق ولبنان واليمن على أسس أيديولوجية؛ أو اختلاق هويات طائفية تسعى من تلقاء ذاتها نحو تعزيز نفوذ إيران الجيوسياسي بالمنطقة تحت ما يسمى "محور المقاومة الإسلامية".

وما كان لهذه المقاربة أن تحقق أهدافها المنشودة إلا لأنها انتهجت مسارين متكاملين في هذا الشأن، مسار اعتمدت فيه على الاستثمار الأمثل لـ "قواها الناعمة" في تكوين قاعدة جماهيرية متماسكة ومؤهلة لاستقبال قيم الثورة الإسلامية بل ومؤمنة بأهدافها أيضا.

ويعود الفضل في تحقيق هذه الغاية الاستراتيجية إلى نجاح الأجهزة الإيرانية، فيما يلي:

أولا: تبني خطاب جماهيري من شأنه ترسيخ الصورة الذهنية للنظام الإيراني بوصفه نظام معاد لإسرائيل، ومجابه للهيمنة الأمريكية؛ لن تسمح بخضوع إيران أو إذعانها لهذين البلدين، خاصة أن هذه الهيمنة كانت سببا لإصابتها بوهن استراتيجي قبل الثورة.

ثانيا: تحديد الأهداف وترتيب الأولويات؛ بهدف تعظيم مردود المصالح الإيرانية العليا، وتوطيد مرتكزات نفوذها الإقليمي، مع ضمان أمنه وسلامته. فضلا عن تعزيز مكانتها الروحية التي تكسبها حق الدفاع عن حقوق جميع المسلمين (وفق المادة 153 من الدستور) ودعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم (وفق المادة 154).

ثالثا: الإبقاء على أي صراع محتمل نشوبه في جوارها العربي، خارج أراضيها، منعا لتكرار تجربة حرب الثماني سنوات مع العراق (1980 ـ 1988م) وذلك من خلال تقديم الدعم والمساندة للأقليات والطوائف الشيعية بالمنطقة، وتحويل بعضها إلى ظهير جماهيري مساند لمواقفها السياسية، وبعضها الآخر إلى ظهير مسلح دأبه إبقاء ميزان القوى في صالح طهران على الدوام.

وهكذا، نجحت إيران في إيجاد عمق استراتيجي واسع، يمتد من طهران إلى لبنان وفلسطين مرورا ببغداد ودمشق، ثم اليمن مؤخرا. وهو العمق الذي سبق أن نبه إليه مبكرا العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين، في حديث له مع صحيفة واشنطن بوست، عام 2004م، محذرا فيه مما أسماه في ذلك الوقت بـ "الهلال الشيعي". وهو المسمى الذي احتوى في جوهره توصيفا أيديولوجيا واعيا، كشف فيه مدى إدراك هذا الملك العربي لخطورة التوجهات الإيرانية؛ من كونها "سوف تؤثر على مستقبل الاستقرار الإقليمي، نظرا لأنها تحمل في طياتها إدخال تغيرات واضحة على خريطة المصالح السياسية والاقتصادية لبعض دول المنطقة"

وعلى الرغم من تحذير الملك "عبد الله" المشار إليه؛ إلا أن إيران نجحت، بفعل جملة من العوامل التي سيتم التطرق إليها لاحقا، في تحويل أبناء بعض الطوائف الشيعية بالمنطقة، من مجرد مؤيدين لمواقفها السياسية، إلى عناصر منضوية تحت ألوية المليشيات والفصائل والجماعات المسلحة التي كونها الحرس الثوري؛ لتخوض المعارك نيابة عن إيران، وطاعة لوليها الفقيه، تحت مظلة واسعة تسمى محور المقاومة الإسلامية، كما سبق الإشارة سلفا. ولعل هذا ما يمثل في حد ذاته أحد مبررات القيام بهذه الدراسة، ويعزز من أهميتها.

ويجسد "محور المقاومة الإسلامية" تصورات إيران الاستراتيجية لدورها الإقليمي وآليات تعظيم نفوذها داخل منطقة الشرق الأوسط، ولاتجاهات حركتها نحو بناء عمق استراتيجي يحقق لها مصالحها العليا.

حدود "العمق الاستراتيجي"

لعلنا نرى ضرورة لأن نعرّف بمفهوم "العمق الاستراتيجي" بشكل موجز، قبل أن نعرج إلى معالجة محور المقاومة الإسلامية على مستوى المفهوم وعوامل النشأة، وذلك على النحو التالي:

تشير التعريفات التقليدية لمفهوم "العمق الاستراتيجي" إلى نجاح دولة ما في استخدام ما تمتلكه من أدوات سياسية ودبلوماسية، وميزات جغرافية، وكتلة حيوية، ومعتقدات وقيم تاريخية وثقافية، إلى جانب قدراتها الدفاعية، سواء الفعلية أو المحتملة، في الدفاع عن نفسها ضد الدول المعادية لها.

كما يُعرف العمق الاستراتيجي في الأدبيات العسكرية، بالمسافة الفاصلة بين خطوط المواجهة العسكرية، وبين المناطق الرئيسية بقلب الدولة المعادية. وبناء عليه، فإن الدولة التي تنجح في خلق عمق استراتيجي لها داخل بلد آخر، سوف تحقق لنفسها التفوق في أي مواجهة محتملة بينهما، بعيدا عن خطوط المواجهة العسكرية مع هذا البلد.

وعادة ما يتضمن العمق الاستراتيجي أيضا بعدا آخر، يتمثل فيما يمكن أن يطلق عليه العمق التفاعلي الاستراتيجي الذي يمكن الدولة من الاستخدام الأمثل لقوتها الناعمة لتحقيق نفوذها الإقليمي، أو لتعزيز علاقات التفاهم المتبادل بينها وبين دول الجوار. وبهذا المعنى يتضح لنا أن العمق الاستراتيجي يتمتع أيضا بدرجة تأثير روحي واسع، يمكن أن نطلق عليه العمق الاستراتيجي الثقافي. وهذا هو الذي وفر لإيران فرصا مواتية لأن تتمتع بعمق ثقافي وروحي ملموس في العراق وسوريا ولبنان واليمن، أدارت من خلاله عمليات التفاعل الثقافي والسياسي وحتى الاقتصادي داخل هذه الدول، ومن ثم الأخذ بزمام المبادرة لتحقيق مصالحها الخاصة حتى ولو حساب سلامة هذه الدول ووحدة أراضيها.

مفهوم "محور المقاومة"

بما أن محور المقاومة الإسلامية يمثل تجسيدا لمقاربة إيران الأيديولوجية لمنطقة الشرق الأوسط، فإن مفهومه ينصرف، وفق التصورات الإيرانية، على كل نظام أو منظمة أو جماعة أو طائفة تقف إلى جنب إيران في رفض الهيمنة الأمريكية على المنطقة، ومقاومة الاحتلال الإسرائيل للأراضي العربية. مثل "حزب الله" اللبناني، وبعض فصائل المقاومة الإسلامية بفلسطين، وأنصار الله باليمن، ومليشيات الحشد الشعبي بالعراق، والطائفة الشيعية بسوريا والبحرين.

وعلى الرغم من أن مصطلح محور المقاومة الإسلامية يبدو كما لو كان ابتكارا إيرانيا؛ نظرا لكثرة استخدام أجهزة الدعاية الإيرانية له، إلا أن الباحث الإيراني "محمدی ‌سیرت" ذكر أن جريدة "الزحف الأخضر" الليبية هي أول من استخدمه، في 29/1/ 2002، ضمن مقال لها بعنوان: "محور الشر أم محور المقاومة"؛ ردا منها على الكلمة التي كان قد ألقاها الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، وصف فيها كل من إيران والعراق وكوريا الشمالية بأنها "محور الشر" بالعالم؛ وأن أنظمتها تدعم الإرهاب وتسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل. منوهة أيضا إلى أن "القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع بين هذه الدول الثلاث هو مجابهة الهيمنة الأمريكية".

ومن ساعتها، أصبح مصطلح "محور المقاومة" واحدا من أوسع المصطلحات استخداما في الأدبيات السياسية الإيرانية، فاستخدمته مثلا جريدة "جمهوري إسلامي" أثناء معالجتها لانتفاضة الشيعة بجنوب العراق (مارس 1991م)، كما استخدمه "علي أكبر ولايتي" مستشار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية ووزير الخارجية الأسبق، في أغسطس 2010م، ضمن تصريح قال فيه: إن سلسلة (محور) المقاومة ضد إسرائيل تضم إيران وسوريا وحزب الله والحكومة العراقية الجديدة وحماس، وتتمتع فيها سوريا بدور ذهبي. واستخدمه أيضا "سعيد جليلي" الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، خلال محادثاته مع الرئيس بشار الأسد، في أغسطس 2012م، عندما قال: "إن ما يحدث في سوريا ليس شأنا داخليا، بل هو معركة بين محور المقاومة وأعدائه بالمنطقة والعالم؛ ولذلك لن تتسامح إيران تجاه أي تحرك مناوئ لهذا المحور".

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.