في العشرين من يناير/كانون الثاني الماضي، كشف تقرير إخباري نشرته صحيفة "آسيا تايمز"، ومقرها هونج كونج، عن أن طائرات شحن إيرانية مُحملّة بالأسلحة والعتاد العسكري، هبطت في دولة ميانمار (بورما سابقًا)، لتعزز الشكوك بشأن وجود تعاون عسكري سري بين إيران وهذه الدولة التي قتلت عشرات الآلاف، وشردت مئات الآلاف من مسلمي "الروهينجا"، وارتكبت جرائم ضد الإنسانية وأعمال إبادة جماعية بحق أبناء هذه الأقلية، على مدار الأعوام الماضية.
هذه الواقعة الجديدة تؤكد النفاق والكذب الإيراني الصريح على مسلمي العالم، حيث سبق أن دعت حكومة الملالي في عام 2017، الدول الإسلامية لتشكيل قوة عسكرية مشتركة، لوقف موجة الاضطهاد التي طالت أقلية الروهينجا المسلمة!
وذكرت "آسيا تايمز" أن التعاون العسكري بين الجانبين قد يشمل مبيعات أسلحة إيرانية حساسة، ذلك وسط تصاعد الدعوات الدولية لفرض حظر أسلحة على المجلس العسكري الحاكم في هذه الدولة الآسيوية.
وكتبت "آسيا تايمز" في تقريرها أنه بحسب المعلومات المتعلقة بتتبع الرحلات الدولية، فقد حلقت طائرة شحن تابعة لشركة طيران "قشم فارس إير" من مشهد في شمال شرقي إيران إلى ميانمار. وأظهرت المعلومات أن الطائرة عادت إلى إيران في اليوم التالي.
في سرية تامة، زار وفد عسكري إيراني رفيع المستوى ميانمار مؤخرا، لبحث خطط التعاون في مجال التسلح والتدريب بين الجانبين. وذلك على الرغم من الحظر الدولي المفروض على الجيش في تلك الدولة المضطربة. وهو الأمر الذي اعتبر المراقبون أنه يأتي ضمن مساعي طهران للخروج من عزلتها الدولية والإقليمية، وفي إطار البحث عن مشترين جدد للأسلحة، حتى لو كان الثمن هو قتل المسلمين وإبادتهم أمام أعين العالم أجمع!
وقالت مصادر دبلوماسية في جنوب شرق آسيا، إن الوفد الإيراني الذي هبط في ميانمار في 13 يناير/كانون الثاني الماضي، ربما يكون الثاني أو الثالث الذي يزور الدولة منذ استيلاء الجيش على السلطة في انقلاب عسكري في الأول من فبراير/شباط عام 2021.
وإلى ذلك، ذكر "فلايت رادار 24" الذي يرصد حركة الطيران في العالم، أن الطائرة الإيرانية الأخيرة مملوكة لشركة الشحن الجوي "قشم فارس"، وأنها أقلعت من مدينة مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية، موضحًا أن الطائرة عادت في وقت لاحق إلى إيران.
وأكدت زن ماري أونج، وزير الخارجية في حكومة الظل في ميانمار، أن "هذه هي المرة الثانية التي تلاحظ فيها رحلة طيران قادمة من إيران"، مرجحة أن يكون الأمر متصلًا بالتكنولوجيا العسكرية. واعتبرت أن الأمر مثير للقلق، ليس بسبب الفظائع التي ترتكب ضد شعب ميانمار، بل من منظور إقليمي ودولي.
وأضافت "أونج" أن "العلاقات العسكرية بين الطغمة العسكرية في ميانمار، التي تسعى إلى تبني استبداد عسكري، ودولة مثل إيران، يمكن القول إنها حالة مقلقة، ليس فقط بسبب الفظائع ضد شعب ميانمار، ولكن أيضًا من منظور الأمن الإقليمي والدولي".
لم يكن معروفًا في السابق وجود علاقة عسكرية بين إيران وميانمار، التي تعتمد غالبًا في تسليحها على الصين وروسيا والهند، ولكن بعد أن كشفت "آسيا تايمز" عن هذه الفضيحة الدولية، ازدادت التكهنات حول تعاون عسكري بين "الحرس الثوري" والنظام العسكري في ميانمار، بما في ذلك بيع أسلحة إيرانية لهذا البلد الذي مارس ويمارس القمع ضد مواطنيه، بما في ذلك أقلية الروهينجا المسلمة.
ومن جانبها، ذكرت قناة "تجهيزات نظامي" (الأجهزة العسكرية) الناطقة بالفارسية على موقع تلجرام، أنه من المرجح إرسال طهران مسيرات من طراز "مهاجر 6"، التي تعد من أفضل المسيرات الإيرانية.
وأوضحت القناة أنه لو صح نبأ تزويد العسكريين في "نايبيداو" بهذه المسيرة، فإن ذلك يسلط الضوء على "طابور شراء هذه المسيرة الإيرانية الطويل"، مشيرة إلى العراق وإثيوبيا والجزائر وبيلاروس وميانمار كـ "زبائن".
ونقل تقرير "آسيا تايمز" عن دبلوماسيين أجانب في جنوب شرقي آسيا، قولهم إن زيارة الوفد إيراني ميانمار في 23 يناير/كانون الثاني، ربما تكون الثانية أو الثالثة لمسؤولين إيرانيين منذ الانقلاب العسكري في فبراير/شباط 2021 واستلام الحكم في ميانمار.
وعلى الرغم من أن إيران لديها تعاون عسكري علني مع النظام السوري وميليشيات عراقية، و"حزب الله" في لبنان و"الحوثيين" في اليمن، فإن تعاونها مع الحكم العسكري في ميانمار، والتي تزودها الصين وروسيا والهند بالأسلحة، يثير الكثير من التساؤلات.
وبهذا تزداد التكهنات حول إمكانية التعاون العسكري لـ "الحرس الثوري" مع جيش ميانمار، في الوقت الذي يتهم فيه هذا الجيش بارتكاب أعمال عنف واسعة النطاق ضد معارضيه، خاصة مسلمي الروهينجا، وضلوعه في ارتكاب جرائم قتل جماعية ضدهم، مما تسبب لحد الآن إلى نزوح أكثر من 620 ألف مسلم من ميانمار إلى بنغلاديش وبلدان أخرى.
وحسب تقرير لإذاعة "فردا" الناطقة بالفارسية، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عام 2019، عقوبات على شركة "قشم فارس" للطيران لنقلها أسلحة لصالح "فيلق القدس"، ذراع التدخل الخارجي لـ "الحرس الثوري"، ومنه إلى الميليشيات المدعومة من إيران في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
في نفس السياق، كشف موقع إخباري في ميانمار في يناير/كانون الثاني الماضي، قبل الانقلاب العسكري، أن طائرة إيرانية هبطت في مطار العاصمة "نايبيادو" وسط ميانمار، وأن شحنتها قد تكون معدات عسكرية. وأشار الموقع إلى أنه لم تتحدث أي وسيلة إعلامية إيرانية عن زيارة الوفد الإيراني لميانمار، لذا لا تستطيع أن تؤكد على وجه اليقين مهمة الوفد الذي زار ميانمار.
من جهته، قال محلل سياسي إيراني، طلب عدم ذكر اسمه في التقرير، إن الأشخاص المُدرجين في قائمة الركاب مرتبطون بمؤسسات عسكرية إيرانية، بما في ذلك "فيلق القدس"، وأن بعضهم خبراء عسكريون متخصصون في تشغيل الطائرة المسيرة.
وتكهنت بعض المصادر التي أجرى الموقع مقابلة معها، أن إيران قد ترسل شحنة صواريخ موجهة إلى حكومة ميانمار العسكرية، الأمر الذي سيثير القلق في الدول المجاورة، بما في ذلك تايلاند والهند.
ودعا "الاتحاد الأوروبي" إلى فرض حظر الأسلحة على الحكم العسكري في ميانمار، كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي قرارًا غير ملزم، دعت فيه جميع الدول لوقف تصدير شحنات الأسلحة إلى ميانمار.
ويذكر أنه في عام 2017 شن جيش ميانمار حملة تطهير عرقي وإبادة وحشية ضد أقلية الروهينجا المسلمة، ما أسفر عن مقتل آلاف المدنيين وتنفيذ عمليات قتل وتعذيب واغتصاب جماعي وانتهاكات لحقوق الإنسان، ونزوح ما يقرب من مليوني مسلم من ميانمار إلى بنجلاديش كلاجئين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية