إيران والأمريكان.. أعداء العلن أصدقاء السر

- 10 فبراير 2022 - 458 قراءة

• التنسيق بين الأمريكان وإيران لم ينقطع يومًا.. والمحادثات السرية بينهما استمرت حتى بعد رحيل الخميني

• هاشمي رفسنجاني: لولا مساعدة إيران لما تمكنت الولايات المتحدة من غزو العراق وأفغانستان

• القوات الإيرانية قاتلت حزب "البعث" وحركة "طالبان".. ولولا ذلك لغرق الأمريكيون في المستنقعيّن العراقي والأفغاني

• "كلمة السر" أن تتفق أمريكا مع الشيعة على أن عدوها الرئيسي هو الحركات الإسلامية السنية

• العلاقة بين واشنطن وطهران مُرتبكة في ظاهرها ومُنسجمة في جوهرها.. عدائية في الإعلام وسلمية تحت الطاولة!

 

 

لم ينقطع التنسيق بين الأمريكان والإيرانيين يومًا، واستمرت علاقات حكام طهران السرية مع واشنطن حتى بعد رحيل الخميني، في عهد هاشمي رفسنجاني، حيث تم التنسيق بينهما خلال احتلال العراق للكويت "حرب الخليج الثانية"، فكانت الفرصة مواتية للقضاء على العراق العدو اللدود لإيران. ثم كان الانفتاح الأكبر بين الجانبين في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي.

وفي تلك الفترة، قال السفير الأمريكي السابق لدى قطر جوزيف جوجاسيان، إن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون سيلغي قرار حظر تعامل الشركات الأمريكية مع طهران قبل نهاية عام 1999.

 

اقرأ أيضًا...

ثورة الخميني الأمريكية

 

 

ولفت جوجاسيان إلى أن كلينتون وضع "على الرف" قرارًا كان أصدره الكونجرس، منع تعامل شركات غربية مع إيران، مشيرًا إلى أن هذا القرار سينتهي تلقائيًا عام 2001. وأعرب عن اعتقاده بأنه لن يتم تجديده. وقال إن الشركات الأمريكية ستعود قريبًا للعمل في إيران. أعقب ذلك تقديم الرئيس الأمريكي اعتذارًا لإيران في أبريل/نيسان عام 1999، من "ظلم" السياسات الأمريكية تجاهها.

 

التنسيق السري

 

بلغ التنسيق السري بين واشنطن وطهران قمته بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة، ومساعدة إيران الكبيرة لأمريكا على احتلال أفغانستان 2001، ومن بعدها غزو العراق 2003. اعترف بذلك قادة إيران أنفسهم، وفي مقدمتهم محمد خاتمي، حينما كان رئيسًا للبلاد في نهاية عام 2004، وقاله قبل ذلك نائبه محمد علي أبطحي في مطلع عام 2004 خلال ندوة دولية عقدت في دبي.

كما اعترف الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني في خطبة جمعة في فبراير/شباط 2003 قائلًا: إنه "لولا مساعدة إيران لما تمكنت أمريكا من غزو العراق وأفغانستان"، مؤكدًا أن القوات الإيرانية قاتلت حزب "البعث" العراقي وحركة "طالبان"، وساهمت في دحرهما، ولولا ذلك لغرق الأمريكيون في المستنقعين العراقي والأفغاني!

وآنذاك، تم تقسيم العراق بين أمريكا وإيران، حيث حازت إيران كامل النفوذ داخل العراق الذي لم تكن تحلم بالحصول عليه يومًا ما، مقابل النفط والنفوذ السياسي الأمريكي في العراق والخليج. وتمت الصفقة بين الحكومة العراقية الشيعية وبين كبرى شركات النفط الأمريكية، التي كانت تجمعها شراكة منذ عقود بـ "شركة نفط العراق"، والتي انضمت إليها شركة "شيفرون" وشركات صغيرة أخرى، لتجدد امتياز النفط الذي خسرته عند التأميم أثناء الأعوام التي سيطر فيها منتجو النفط على مواردها الخاصة.

وتمت السيطرة الكاملة للشركات الأمريكية، واستبعاد أكثر من 40 شركةً من دول أخرى مثل الصين والهند وروسيا، ما يعزز القول بأن احتلال العراق لم يكن إلا لالتهام ثروة البلاد في صفقة استغلالية غير مسبوقة، وكان كل ما يهم الساسة الأمريكان أن يبقى العراق خاضعًا لأقصى حدّ ممكن للسيطرة الأمريكية بصفته "دولة مطيعة"، تأوي كذلك قواعد عسكرية كبرى في قلب أهمّ احتياطيات الطاقة في العالم، ولن يكون ذلك إلا بمساعدة إيران والشيعة العراقيين.

وتضمّنت وثيقة "إعلان المبادئ" التي وقعت بين البلدين وقتها، بنودًا صريحة لاستغلال ثروات العراق، فقد نصّت على أنّ اقتصاد العراق وموارده النفطية لا بد من أن تكون مفتوحة أمام الاستثمار الأجنبي، "خاصة الاستثمار الأمريكي".

 

اقرأ أيضًا...

عندما أصبح «الشيطان الأكبر» صديقًا!

 

 

وكانت "كلمة السر" في هذه العلاقة أن تتفق أمريكا مع الشيعة في أن عدوها الرئيسي هو الحركات الإسلامية السنية، التي تقف في وجه الإمبريالية الأمريكية في العالم الإسلامي بأسره، خصوصًا أن الوضع الجديد في المنطقة رُسم بعناية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول وبعد احتلال العراق، حيث أعطتهم أمريكا الضوء الأخضر لضرب الحركات السنية في العراق وسوريا، وتحقيق إيران حلمها بتصدير الثورة وتوسيع الحزام الشيعي ومحاصرة العالم الإسلامي السني، تمهيدًا لقيام الإمبراطورية الفارسية من جديد!

والحقيقة أن أمريكا لم تدخل مع إيران في صراع حقيقي، فبمجرد محاولة العراق إنشاء مفاعل نووي تم ضرب منشآته في 1981، وهذا ما لم يحدث مع إيران، وغاية ما في الأمر أن العلاقات السرية بين البلدين تحولت للعلن، حتى تتم الاتفاقيات على مسمع ومرأى من العالم.

 

صفقة كبرى

 

في مايو/أيار 2003، وبعد وقت قصير من الغزو الأمريكي للعراق، قامت عناصر من الحكومة الإيرانية بقيادة محمد خاتمي بتقديم اقتراح سري عن "صفقة كبرى" من خلال القنوات الدبلوماسية السويسرية، وعرضت بشفافية كاملة برنامجها النووي الإيراني والانسحاب من دعم «حماس» و«حزب الله»، في مقابل حصولها على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وتطبيع العلاقات الدبلوماسية.

وقالت طهران إن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، لم تستجب لهذا الاقتراح، كما شكّك مسؤولون أمريكيون كبار في أصالتها. وبورك الاقتراح على نطاق واسع من قبل الحكومة الإيرانية، بما في ذلك المرشد الأعلى علي خامنئي.

وفي مرحلة لاحقة، بدأ الحديث عن توافق بشأن السلاح النووي الإيراني، وبروز العلاقات الإيرانية - الأمريكية إلى العلن، ووصولها لأعلى درجات الانسجام ومباركة أوروبا لها؛ كل هذا يعني أن اتفاق تقسيم المنطقة بات واضحًا. فإيران بسلاحها النووي ستلتهم مناطق خليجية بأكملها، ولن تستطيع قوة أن تقف بوجهها بعد تدمير الجيش العراقي.

وأصابت هذه التحولات في العلاقة المستمرة بين واشنطن وطهران بعض دول الجوار، وتحديدًا دول الخليج، بالقلق البالغ، لتيقنها من سعي إيران للسيطرة على المنطقة، ومدّ نفوذها خارج حدودها بعد سيطرتها على العراق، ودورها الخطير في مساندة نظام بشار ومشاركتها العسكرية له.

ويقول الباحث رأفت صلاح الدين: "في عالم السياسة كل شيء ممكن؛ أعداء الأمس أصدقاء اليوم، وأصدقاء الأمس أعداء اليوم.. هكذا يراد لنا ترجمة ما حدث من تقارب واتفاق بين إيران وعدوتها اللدود أمريكا، التي ما برئ شعار “الشيطان الأكبر” وأخوه “الموت لأمريكا” يغادر حناجر القوم في إيران"!

 

اقرأ أيضًا...

كيف أعطت واشنطن «الضوء الأخضر» للثورة؟

 

 

يضيف صلاح الدين: والمتابع والمدقق والمتفحص في طبيعة العلاقة بين الغرب بصفة عامة وأمريكا بصفة خاصة، مع إيران؛ يعرف أن العلاقات بينهما لم تنقطع على مدار التاريخ من صراع نفوذ إلى توافق في الأهداف والطموحات والتوسع. فلم تنقطع العلاقة بين الشيعة والغرب حتى قبل ميلاد أمريكا، وتحول بلاد فارس إلى العقيدة الشيعية، ثم تسميتها "إيران".

تطورت العلاقة بتحالف الشيعة مع الصليبيين زمن الحروب الصليبية، ثم تحالف الدولة الصفوية مع الدول الأوروبية التي كانت في صراع مع الدولة العثمانية، مثل المجر والنمسا ثم فرنسا وبريطانيا، وفي عهد الدولة البهلوية في بداية القرن الماضي قويت العلاقة بينها وبين بريطانيا، القوة العظمى في ذلك الوقت، وكان لهذه الدولة دور في إسقاط الخلافة العثمانية.

وأخيرا، يرى المحلل السياسي عبد الله السويجي، أنه يمكن وصف العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران بأنها "علاقة غامضة" ومثيرة للتساؤلات، وهي مُربكة للمحلل والمراقب؛ مرتبكة في ظاهرها منسجمة في جوهرها؛ عدائية في الإعلام، سلمية تحت الطاولة. ولا يمكننا الجزم بما إذا كانت هذه الاستراتيجية متفقًا عليها، أم إنها تأتي بشكل طبيعي في سياق المصالح السياسية والاقتصادية للبلدين.

ـــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- حقيقة التقارب الأمريكي الإيراني، موقع "مجلة البيان"، العدد 320 ربيع الثاني 1435هـ، فبراير/شباط 2014م.

2- أرشيف إيران يكشف الغدر الأمريكي مع الشاه، موقع "اليوم السابع"، 3 فبراير/شباط 2019.

3- غموض العلاقة بين أمريكا وإيران، موقع "جريدة الخليج"، 14 يونيو/حزيران 2021.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.