اندلعت موجة عارمة من الاحتجاجات والمظاهرات الغاضبة في جميع أنحاء إيران، احتجاجًا على خفض الدعم الحكومي للمواد الغذائية، وتدهور الوضع المعيشي، بعدما رفعت الحكومة سعر الطحين والخبز، قبل أن تعلن عن رفع أسعار الألبان والزيت والبيض والدجاج بنسبة وصلت إلى 300 بالمائة دفعة واحدة، وهو ما أثار غضب المواطنين الذي يعانون من الفقر والجوع بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة.
ووصلت "احتجاجات الجوع" التي انطلقت من إقليم "الأحواز" العربي المحتل، منذ نحو أسبوعين، إلى مدينة نيسابور في محافظة خراسان شمال شرق، وقبلها بيوم وصلت إلى مدينة أردبيل شمال غربي البلاد. ومن ثم تسعت رقعة الاحتجاجات لتصل إلى معظم أنحاء البلاد.
وخوفًا من تجدد الاحتجاجات، التي بدا واضحًا أنها سلطت الضوء على ضعف المؤسسة الحاكمة أمام الغضب الشعبي حيال الاقتصاد، وصفت الحكومة قرارها بأنه «إعادة توزيع عادلة» للدعم على أصحاب الدخل المنخفض.
وقررت الحكومة وقف الدعم للدولار المخصص للسلع المستوردة، كما قررت وقف المعونات المالية التي تقدمها لذوي الدخل المحدود. وتعتزم الحكومة طرح قسائم إلكترونية خلال الشهرين المقبلين لكميات محددة من الخبز بالسعر المدعوم، في حين ستطرح البقية بسعر السوق. وسيجري إضافة سلع غذائية أخرى في وقت لاحق.
في الأول من مايو/أيار 2022، والذي يصادف "يوم المعلم الإيراني"، نُظمت تجمعات احتجاجية مشتركة بين العمال ومنتسبي وزارة التعليم، احتجاجًا على تداعيات التضخم الذي تجاوز أربعين في المائة على رواتبهم، وسط ظروف اقتصادية صعبة، وهو ما دفع قوات الأمن إلى إطلاق حملة اعتقالات في صفوف هؤلاء المحتجين كما أعلنت ذلك اللجنة التنسيقية للمعلمين ونقابات عمالية، وطالبت منظمة "هيومان رايتس ووتش" السلطات الإيرانية بالإفراج عن هؤلاء المدرسين.
واتخذت الاحتجاجات الأخيرة بعد أيام من اندلاعها منحى سياسيًا، إذ ردَّد المحتجون شعارات تدعو "الملالي" من قادة البلاد إلى التنحي عن الحكم، هاتفين بشعارات مناهضة لرأس النظام من قبيل "يسقط حكم المرشد"، وذلك وفقًا لمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفرّقت قوات مكافحة الشغب ووحدات "الباسيج" التابعة لـ "الحرس الثوري" بالهراوات والغاز المسيل للدموع، مظاهرات ليلية في مختلف المدن الإيرانية، احتجاجاً على تدهور الوضع المعيشي والقرارات الحكومية الجديدة لرفع الأسعار. ووصلت الاحتجاجات إلى قلب العاصمة طهران التي تشهد شوارعها، وميادينها الرئيسية، أجواء أمنية مشددة، بعدما حاول المحتجون الوصول إلى مقر البرلمان.
وأظهرت التقارير والصور المنتشرة هيمنة الأجواء الأمنية المشددة في منطقة "صادقية" وسط العاصمة طهران، بالتزامن مع قيام المتظاهرين في شهركرد، بتمزيق صورة المرشد الإيراني، علي خامنئي، في هذه المدينة.
وتداول ناشطون مقاطع فيديو من احتجاجات في بلدة "كاروان" في ضواحي العاصمة طهران، وأظهرت المقاطع إطلاق وابل من الرصاص على المحتجين في مدينة هفشجان بمحافظة تشار محال وبختياري. وقال شهود عيان إن إطلاق الرصاص جاء بعدما حاول محتجون اقتحام مركز تابع لقوات "الباسيج".
وعمدت قوات الأمن التابعة للنظام في وسط محافظة شهرمحال وبختياري، إلى إطلاق النار في الهواء والقنابل المسيلة للدموع واستخدمت الهراوات لتفريق المتظاهرين، وأطلقت عدة أعيرة نارية على المحتجين. كما قام متظاهرون في مدينة "جنقان" جنوب غربي البلاد بحرق مقر لـ "الباسيج".
وردد المتظاهرون في مدينة جنقان عدة مرات شعارات ضد السلطات الإيرانية مثل: "الموت لخامنئي"، و"عار على رئيسي"، و"عليك أن ترحل".
وزعمت بعض وسائل الإعلام التابعة للدولة أن "الهدوء" عاد إلى البلاد، ولكن الاحتجاجات استمرت فيما لا يقل عن 40 مدينة وبلدة في أنحاء إيران، بما في ذلك مدينة قوتشان، بالقرب من الحدود مع تركمانستان ومدينة رشت الشمالية ومدينة همدان غرب البلاد، وفقًا لمقاطع فيديو نُشرت على وسائل التواصل.
وحاولت قوات الشرطة صد المتظاهرين بنشر وحدات مكافحة الشغب في الطرق الرئيسية، فيما حاول المحتجون الوصول إلى ساحات المدن، أو التجمهر أمام مقار الدوائر الحكومية.
وبعد تكتم على الاحتجاجات، أقرت وكالة «أرنا» الحكومية بوجود احتجاجات. وقالت إن «ارتفاع أسعار الخبز أدى إلى اندلاع الاحتجاجات وإضرام النار في بعض المتاجر»، مما دفع الشرطة إلى اعتقال عشرات «المحرضين».
وتحدثت وكالة "إرنا" عن توقيف أكثر من 20 شخصًا على هامش احتجاجات في دزفول، وياسوج بمحافظة كهكيلويه وبوير أحمد، حيث طالب المحتجون بالعودة عن رفع الأسعار. كما هاجم محتجون في مدينة إيذه متاجر استهلاكية وأضرموا النيران في مساجد، وفق ما أفادت الوكالة الرسمية كذلك.
وبينما أقرت سلطات النظام بسقوط قتيل واحد، قال ناشطون إن خمسة أشخاص على الأقل قتلوا بنيران قوات الأمن التي انتشرت بشكل موسع في معظم المناطق، خصوصًا في العاصمة طهران.
جاء ذلك، بعد أيام من تداول مقاطع على احتجاجات ضد ارتفاع السلع الغذائية، بالتزامن مع تصاعد التجمعات النقابية بسبب تدهور الوضع المعيشي. وردد المحتجون هتافات تندد بالمرشد الإيراني علي خامنئي، والرئيس إبراهيم رئيسي، وضد غلاء الأسعار.
وصدمت مقاطع مصورة انتشرت على مواقع التواصل مئات الإيرانيين. فقد أظهر العديد منها "تقاتل" المواطنين على المواد الغذائية والسلع، فضلًا عن تكسير ونهب بعض المحال بهدف الحصول على سلع غذائية، لاسيما بعد رفع أسعارها بشكل مفاجئ من قبل السلطات. كما بينت الفيديوهات الزبائن المذعورين يجتاحون المتاجر ويعبئون السلع الأساسية في أكياس بلاستيكية كبيرة.
ويبلغ معدل التضخم الرسمي في إيران نحو 40 في المائة، ويتجاوز 50 في المائة في بعض التقديرات. ويعيش أكثر من نصف سكان إيران البالغ عددهم 82 مليون نسمة "تحت خط الفقر".
في أول بوادر الاستياء على رفع الأسعار، ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن خدمات الإنترنت انقطعت، في محاولة على ما يبدو لمنع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم مسيرات ونشر مقاطع مصورة.
وأفاد مرصد «نتبلوكس» الذي يرصد حجب الإنترنت عالميًا، بحدوث انقطاع استمر ساعات طويلة في إيران وسط الاحتجاجات، وهي خطوة ربما اتخذتها السلطات لمنع المتظاهرين من التواصل مع بعضهم، ومشاركة المقاطع التي تصور مزيدا من المحتجين الغاضبين.
ووفقا لتقارير ميدانية، فإن الرقابة على أخبار الاحتجاجات الشعبية الإيرانية في وسائل الإعلام مستمرة، واستدعت وزارة المخابرات عددًا كبيرًا من الصحافيين لتحذيرهم، واصفة التغطيات الإعلامية للأحداث بأنها "تؤدي لاتساع رقعة الاحتجاجات".
وتجري عملية الرقابة والتضييق مع تعطل الإنترنت فيما لا يقل عن 15 محافظة إيرانية، واشتداد التشويش على شبكات الأقمار الصناعية، ويزداد هذا التشويش بشكل خاص في المدن التي تندلع فيها الاحتجاجات الشعبية.
وتزيد الاضطرابات الأخيرة من الضغوط المتصاعدة على النظام في طهران، والذي يكافح من أجل إبقاء الاقتصاد واقفًا على قدميه في ظل العقوبات الأمريكية، التي أعيد فرضها منذ عام 2018، عندما انسحبت واشنطن من اتفاق طهران النووي لعام 2015 مع القوى الكبرى.
وكان المرشد علي خامنئي عقد اجتماعًا الأسبوع الماضي مع النقابات العمالية، واعترف صراحة بوجود مشاكل عمالية وتدنٍ في الأجور وتوقف عدد من المصانع نتيجة العقوبات الاقتصادية.
من جهة أخرى، وفي بيان مشترك، أعلنت 6 منظمات وأحزاب إيرانية عن دعمها للاحتجاجات الشعبية في مختلف المدن الإيرانية، محذرة مسؤولي النظام من "القمع والعنف وقطع الإنترنت وحجب المعلومات ورفض مطالب المتظاهرين".
وذكر البيان المشترك أن "المتظاهرين خرجوا إلى الشوارع، ورددوا هتافات، انطلاقًا من شعورهم بالمسؤولية، للاحتجاج على سياسة النظام المعادية للشعب، والتي تسببت في مزيد من الفقر والحرمان". وأكد البيان أن مزاعم الحكومة والجهاز الدعائي للنظام الإيراني، بوجود علاقة بين الاحتجاجات الشعبية و"الخارج" و"الجماعات المعارضة"، لا أساس لها من الصحة.
وجاء في البيان أيضًا أن "المنظمات الجمهورية الديمقراطية الست التي تؤكد على التغيير غير العنيف لنظام الجمهورية الإسلامية، تدعم مطالب المحتجين والدفاع المطلق عن الحق في الاحتجاج والتجمع والإضراب عن طريق التأكيد على المطالب العامة والمشتركة، وترى ذلك أمرًا ضروريًا"، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن تمتد الاحتجاجات إلى مدن إيرانية أخرى في الأسابيع المقبلة، بعد أن تتجلى الآثار التضخمية للخطة الحكومية الجديدة.
ويؤكد المراقبون أن حقيقة الأوضاع الإيرانية في الداخل؛ تتمثل خطاب ديني يدغدغ المشاعر، وحكومة تخفق في أداء مهامها وتكليفاتها، و"حرس ثوري" يمارس أقصى درجات الانتهازية في الداخل والعدوان في الخارج، وشعب يئن ويضحي بحياته تارة وحرياته تارة أخرى في سبيل المطالبة بكسر تلك الحلقة المغلقة التي يدور فيها، دون أمل في مستقبل يعيد بناء الدولة الإيرانية لأجيال قادمة، لم تعد ترى في العمائم إلا أدوات للهيمنة وآليات للسيطرة على مقدرات الشعوب المقهورة خداعًا لها تحت شعار "الدفاع عن الدين"، وهو ما لم يعد قائمًا كما كان سابقًا.
ويمثل الحراك الاحتجاجي الذي يعيشه الشارع الإيراني، الآن، إنذارًا لمن يدرك صعوبة الموقف وخطورة تداعياته، إذا انفجرت الأوضاع وتفاقمت الظروف، فلم يعد أمام الشعوب الإيرانية المضطهدة سوى اللجوء إلى الشارع، للتنفيس عن حالة الغليان المتزايدة والغضب المكبوت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الاحتجاجات على ارتفاع الأسعار في إيران تتسع وتأخذ منحى سياسيًا، موقع الشرق الأوسط، 16 مايو/أيار 2022.
2- احتجاجات إيران: هتافات بـ"الموت لخامنئي".. والقوات الأمنية ترد بالرصاص، موقع إيران إنترناشيونال، 15 مايو/أيار 2022.
3- احتجاجات جوع في إيران.. مشاهد صادمة من محال السلع الغذائية، موقع الحدث، 13 مايو/أيار 2022.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية