علاقات الغنّوشي القوية بالشّيعة:
1- في شبابه خلال إقامته بباريس (1968/1969) كان الغنّوشي يفتخر بعضويّة فاعلة في جمعيّة طلاّبيّة يُشرف عليها شيعيّ إيرانيّ وكان الغنّوشي يُعين الإيراني في ترجمة خطب الخميني من الفرنسيّة إلى العربيّة ، والغريب أنّ الغنّوشي يعترف أنّه هو ومن معه من السّنّة آختاروا هذا الإيراني رئيسا لهم ثمّ يفتخر كاتبا:” وإنّ ممّا يلفت النّظر أنّ ذلك الطّالب الإيراني الذي اخترناه لرئاسة جمعيّة الطّلبة المسلمين بفرنسا كان الإيرانيّ الوحيد، وكان شديد التّديّن على المذهب الجعفري، وما اعترض أحد على تشيّعه أو أثار هذا الموضوع جدلاً أو شكّل عائقاً أو مصدر حرج لاختياره لموقع الرّئاسة في جمعيّة كلّ أعضائها سنّيّون شدّهم إليه تديّنه وكفاءته“(34).
2- تعانق الغنوشي مع إيران في فتح أبواب تونس للتّشييع منذ سنة 1979 على الرّغم من تحذيرات بعض مشايخ تونس مثل عبد القادر سلامة من مخاطر الشّيعة، والتي تحقّقت الآن في بلدنا.
3 - تعزّز ذلك التّعانق وصار له رصيد كبير من العلاقات مع الشّيعة خاصّة بتواجده في لندن حيث مقرّ تواجدهم قبل خياناتهم بعد إسقاط صدّام حسين. كان كلّ الشّيعة العراقيّين المقيمين في لندن والذين حكموا العراق بعد غزوها سنة 2003 أصدقاء له، وتواصلت تلك العلاقات الحميمة بينه وبينهم رغم أنّهم دخلوا بدبّابة أمريكيّة واستهدفوا أهل السّنّة، حتّى أنّه لمّا ألقت ميليشيّات نوري المالكي على الشّاب التّونسيّ يسري الطّريقي ـ المُتّهم بتفجير مراقد شيعيّة اتّصل الغنوشي ـ وبآعتراف منه ـ بالطّاغية المالكي لإطلاق سراح الشّابّ، فوعده المالكي بإعادة دراسة ملفّ القضيّة، ولكنّه لم يفعل حيثُ وقع إعدام يسري الطّريقي في شهر نوفمبر2011.
المعضلات الغنّوشية هي نفسها معضلات أئمّة الشّيعة:
1 - فساد العقيدة: لأنّ الغنّوشي ليس من أهدافه نصرة الإسلام ـ ولو آدّعى ذلك ـ وإنّما هدفه الحقيقيّ هو السّلطة، ولذلك فقد صرّح بكلّ وقاحة أنّ مسائل العقيدة من الخلافات الجزئيّة وأن ”العقيدة في العمل السّياسي صخرة تتحطّم عليها آمال الشّعب التّونسيّ في الحرّيّة والانعتاق“(35)، ولذلك يرى أنّ العلماني هو أقرب إليه من السّلفي والتّحريري والتّبليغي لأنّ العلماني غير عقائديّ في حين أنّ الإسلاميّين يعطّلون مسيرة الإصلاح الدّيمقراطيّ بطرحهم مسائل العقيدة من مثل مسائل الولاء والبراء.
ليس من انشغالات الغنوشي أبدا ولا من أولويّاته مطلقا البحث عن مسائل العقيدة أو محاربة أعداء العقيدة، لأنّها لم يُخلق كما صرح لمقاومة الشيوعية كما صرح:” لقد تغيّرت نظرتنا إلى الأمور وصرنا نعي أنّ اللّه لم يخلقنا لنقاوم الشّيوعيّة“(36)، ويقول: ”إنّ الصّراع في تونس ليس بين حداثة ورجعيّة ولا بين عقل ودين بقدر ما هو بين أقلّيّة متسلّطة مدعومة من الخارج وبين شعب يطمح إلى التّحرّر وامتلاك دولته ومصيره”(37). وقال: ”الصّراع في تونس ليس بين الإسلاميّين والعلمانيّين”(38). وقال: ”فإذا اختار مجتمعنا أن يكون يوما ملحدا أو شيوعيّا فماذا نملك نحن؟“(39).
والعقيدة عنده ليست هي جوهر الصّراع في تونس فيقول: ”مطلوب مزيد من الحوار والتّلاقي والبحث عن المشترك والإعراض عن الخلافات الجزئيّة أو الّتي لا تمسّ جوهر مشكل البلاد اليوم ألا وهو الاستبداد والفساد فإليه وحده يجب أن تتّجه كلّ جهود التّغيير”(40).
إن العقيدة عند الغنّوشي تحطّم رغبته الوصول للسلطة، ولذلك لا تعجب من أقواله تلك، كما لا تعجب أن قَاتَلَ صديقُه في العراق الإخواني طارق الهاشمي رئيس الحزب الإسلامي العراقي جنبا إلى جنب مع بريمر ثمّ مع الصّحوات ثمّ مع الحشد الشّيعي. كما لا تعجب أيضا إبقاءه على التّرخيص الذي مكّنه الطّاغية ابن علي للشّيعة في تونس، في حين يمنع التّرخيص لمشايخ السلفية، كما لا تستغرب صمته الرّهيب إذا طعن علمانيّو تونس في السّنّة وفي أبي بكر وعمر وعثمان، بل رأينا قيادات حزب النّهضة يُوادّونهم فيعودون مريضا يسخر من الإسلام ويُهدونه باقة ورود، كما فعل عبد الفتّاح مورو وسمير ديلو مع الشّاعر أولاد أحمد الذي هددهم بالقتل والسحل إن لم يسلموا السلطة للانقلابيين، أو يُهاتفونهم إذا مرضوا، وهو ما فعله الغنّوشي مع الرويبضة محمّد الطّالبي الذي أُنكر عصمة النّبي ونزول الوحي عليه، واتّهم الرّسول بشرب الخمر وقال ـ لعنه الله ـ عبر قناة تلفزية وعلى المباشر: إنّ عائشة ـ وحاشاها ـ ” كحبة ” كتبتُ الكاف بدل القاف، وطعن في الصّحابة وخاصّة الخلفاء الأربعة منهم واتّهمهم باغتصاب الخلافة ونهب أموال الدّولة، ووصف عمر بن الخطّاب بالدّكتاتور، كما اتّهم عثمان بأنّه أوّل من كفّر المسلمين وأباح الخمر وأحلّ البِغاء، وأنكر الصّلاة والسّنّة وفرضيّة الحجاب والصّلاة على رسول الله و مصطلح الشّريعة في القرآن، ونفى حرق الله الكفار بالنّار.
2 - الضّحالة الفكريّة التي جعلت الغنّوشي يتنقل بين الأشخاص: ولذلك قلبت ”ثورة” الخميني كيانه وزلزلت قناعاته السلفية فقال: ”لقد تغيّرت نظرتنا إلى الأمور وصرنا نعي أنّ اللّه لم يخلقنا لنقاوم الشّيوعيّة “(41)، ومن ثم لا تعجب أن تجده كل يوم مع رجل فيوم مع جمال عبد النّاصر ويوم آخر مع الألباني ويوم ثالث مع حسن البنّا ويوم رابع مع سيّد قطب ويوم خامس مع مالك بن نبيّ ويوم سادس مع المودودي وسابع مع حسن التّرابي ويوم سابع مع الخميني ثمّ مع عبّاسي مدني ثمّ مع صدّام حسين ثمّ أردوغان ثمّ ناصري كما صرح بذلك عندما زار القاهرة بعد حكم الإخوان في إحدى تلك المؤتمرات قال:” أنا أعتبر نفسي ناصريا“(42). ثم حلّ ركبه الآن مع الباجي قايد السبسي وهكذا دواليك. إن تنقلاته هذه بين الرجال تكشف عن حقيقتين: أولاهما ضحالة وخفة فكر الرجل وشدة تعلقه بأي ” زعيم ” يوصله إلى السلطة، وإليك ما سطره هو بنفسه ما يكشف ذلك:” لقد جاءت الثورة الخمينية في وقت مهم جداً بالنسبة إلينا، إذ كنا بصدد التمرد على الفكر الإسلامي التقليدي الوافد من المشرق. فجاءت الثورة الإيرانية لتعطينا بعض المقولات الإسلامية التي مكنتنا من أسلمة بعض المفاهيم الاجتماعية اليسارية.. فلما جاءت الثورة الخمينية علمتنا درساً آخر من الكتاب العزيز لخّصته هذه الآية من سورة القصص” وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ“(43)، وجدنا فيها الحل وكأننا نقرأها لأول مرة.. شعرنا كما لو أن الفكر الإسلامي من قبل لم يقرأ هذه الآية، وكأنما هي كشف خميني. من هنا اشتد حماسنا للثورة الإيرانية وأصبحت وسائل إعلامنا تنشر صور الخميني، ودروسنا أصبح فيها نفس جديد“(44). إن خطاب الغنوشي يكشف عن حقيقة مؤلمة وهي الرخاوة الفكرية التي كان عليها الغنوشي والكثير من قيادات الحركة الإسلامية وخاصة الطلبة الذين أقبلوا على كتب الشيعة من مثل مرتضى مطهري و الصدر وعلي شريعيتي، فنهلوا منها البدع الشيعية التي حرفتهم بعيدا عن أصول وثوابت أهل السنة والجماعة، ولذا وجدنا الغنوشي يُقرر في أكثر من موضع أن أدبيات ايران هي الملهمة لطلبة الاتجاه الاسلامي في الجامعة.
3 - الطّغيان السّياسي: يكاد يكون وحده الذي يقرّر في الحركة ابتداء أو انتهاء بمعنى أنّ الكلمة الأخيرة هي له، لأنه كبّل جماعته ببيعة شرعيّة تُحرّره من إلزاميّة الشّورى، ولذلك ليس له أيّ حرج ولا وخز ضمير في أن يُخالف المؤسّسات ويستخفّ بها.
4 - احتفاظه بمصادر ثروة الحركة وعدم تداولها في أهمّ مؤسّسات القرار لا مؤتمر ولا مجلس شورى تماما كما يفعل أئمّة الشّيعة في الاستيلاء على خمس ثروات الشّيعة حتّى صاروا من أبرز أثرياء العالم.
5 - الزّعامة والهالة والأبّهة والمرجعيّة الفكريّة والوحيدة التي حضي بها الغنوشي بين أتباعه، فهو يتمتع بصلاحيات مطلقة حيث بلغ رتبة ”ولاية الفقيه“، باعتبار أن مُريديه ملزمون دينيا بقيادة الولي الفقيه صاحب السلطة العليا، وهي نفس عقيدة إيران.
اقرأ أيضًا:
«الإخوان» وإدخال التّمدّد الشّيعي إلى تونس.. راشد الغنّوشي نموذجًا (1)
ترنّح الغنّوشي في مواقفه من الشّيعة:
لا نُنكر أن الغنّوشي انتقد في مرات قليلة إيران وسياساتها في المنطقة، ولكن تغيّر موقفه في نقده الشّاذّ والنّاعم لا تُحدده العقيدة ومصلحة الأمة، بل هو يخضع لمصلحته الشّخصيّة وبوصلته الإخوانية السّياسيّة، وتجد هذا في مناسبات قليلة جدّا لا تُحسبُ أمام مواقفه الأصليّة المُساندة لإيران. ومن المواقف القليلة التي وقف فيها ضدّ الشّيعة لهذه الأسباب:
أولا: المصلحة السياسية: ويُثبتُ الغنوشي حقيقة أن حماسته المفرطة للثورة الإيرانية لم تُرض إيران، التي لا ترضى بالتأييد فحسب بل هل تُطالب بالتبعية الكاملة للولي الفقيه، فكتب مُستغربا:” وما أن أسفر هذا التوجه الديمقراطي للحركة عن نفسه حتى انتقدنا الإيرانيون بعد أن كانوا قد استبشروا بتأييدنا العارم لهم، فشنت بعض دورياتهم مثل دورية ” الحرس الثوري” علينا هجوماً إذ رأوا في هذه الأبعاد الديمقراطية ” تأثرا بالقيم الغربية الزائفة “، فرددنا بأننا وإن كنا نعتبر الثورة الإيرانية ثورة عظيمة ونساندها ولكننا لا نعتبرها نموذجاً“(45).
ثانيا: ورغم الخدمات العظيمة التي قدمها الغنوشي لإيران فإنه ما إن غادر تونس إلى المنفى واستطاع ابن علي أن يقضي على حركة النهضة حتى أرجع النظام الإيراني علاقاته مع ابن علي وتغزل الإيرانيون باسم المخلوع أنه مسلم ينتمي إلى آل البيت أليس اسمه زين العابدين بن علي، وساهمت قناة المنار بشكل سافر في تبييض نظام ابن علي الفاسد. قال الغنوشي:” إنّ جهات شيعية استغلت محنة الحركة الإسلامية في تونس لنشر التشيع.”(46). كما صرّح أيضا في بداية الثّورة أنّ:” المذهب الشّيعي في تونس فتنة “(47). ولا يمكن أن نعلق على هذه الأقوال إلا بقولنا: لا يُعذر من علِم، وللمرء أن يتساءل على هذه التصريحات: لماذا تتغير موقف الغنّوشي؟ هل يدرك أنّ الشّيعة هم خطر حقيقيّ على الإسلام وعلى المسلمين وبأنّهم مشروع فتنة واحتلال؟ فإن كان يدرك ذلك فلماذا يُجاري إيران ويتعامل معها؟
ثالثا: عندما رفضت إيران استقبال الغنوشي سنة 2007 اهتز موقفه فرد على إيران بشكل متوتر، فقال في ” قدس برس “: هذا موقف انتهازي وغير مبدئي، ويعطي الأولوية لعلاقة مع نظام ديكتاتوري … الرهان على نظام ديكتاتوري هو انتهازية، وموقف متحيز يقدم غطاء للمحاولات الإيرانية لنشر التشيع في تونس. وهو بهذا المعنى رشوة يقدمها النظام الإيراني للنظام التونسي مقابل نشر الفكر الإيراني”، وتحدث الغنوشي على أن هناك تقاربا غير طبيعي بين النظامين الإيراني والتونسي، كما أن هناك بعض الرموز المحسوبة على التيار الشيعي في تونس تقوم بزيارات منتظمة إلى طهران، إلى جانب ذلك هناك تأكيدات بأن النظام التونسي يسمح بدخول العديد من الكتب الشيعية إلى البلاد، لا سيما في إطار معارض الكتاب، بينما يحظر كل الكتابات التي تحسب على تيار الاعتدال الإسلامي مثل كتب يوسف القرضاوي أو محمد الغزالي أو غيرها“(48).
رابعا: مُساندته المُثيرة لشيخه يوسف القرضاوي في مقال كتبه أثناء أزمة عابرة بين الإخوان والشّيعة تحت عنوان ”كلّنا يوسف القرضاوي”(49)، تعصّب فيه لشيخه القرضاوي ما لم يغضب عُشُرَه لعائشة وعثمان فضلًا عن مُعاوية، فحاول أن يُفنَّد في مقاله الاتهامات التي وجهتها إحدى الوكالات الإيرانية لشيخه ”إمام الوسطية” فقال: ”لقد اشتد غضبي على مقالة سفيهة سافلة صدرت عن وكالة أنباء إيرانية تجرأت على شيخ الأمة ورأسها، رمته بأوصاف نذلة من صهيونية وماسونية رددتها بما يستحق صاحبها”(50). إن غضب الغنوشي الشديد ودفاعه المستميت على القرضاوي يفضح ضحالة عقيدته وتعصبه الحزبي فلماذا يُفجر هذه الألغام ويُخرج مخزونه العدائي دفاعا عن القرضاوي ويصمتُ عن تهجمات الشيعة للصحابة فضلا عن صمته عن جرائم إيران في المنطقة.
ماذا حقق الغنوشي للإسلام وللتونسيين بعد نصف قرن من حوار مع الشيعة؟ لا تجد إخوانيا بمثل راشد الغنوشي قد ساند إيران بحماسة منقطعة النظير تعلقا وتبشيرا بشعاراتها ورموزها تطورت بعد ذلك إلى علاقة طويلة وقناعات مشتركة بينه وبين الشيعة، وقد عمل عملا مستمرا وكتب كتابات متواصلة في تلميع إيران وسياساتها، ورغم كل ذلك، فإن إيران أبت إلا أن ترد علاقاتها مع الدكتاتور ابن علي سنة 1990 لتستغل فراغ الساحة التونسية من الحركة الإسلامية لتنشر عقيدة الرفض المرفوضة، ثم تمنع إيران الغنوشي و محمد سليم العوا ومنير شفيق من دخول إيران في شهر كانون الثاني (يناير) 2007.
وإن أنسى فلا أنسى تذلل الغنوشي وصغاره أمام حسن نصر الله في اتصال هاتفي في برنامج تلفزي على قناة الجزيرة يقدمه غسان بن جدو المتشيع، فما كان من نصر الله إلا أن احتقره ولم يكترث به!
أسباب تنامي التّشيّع في تونس:
لا ننكر أن أسبابا أخرى ساهمت في نشر التشيع في تونس زيادة على جهود الغنوشي التي انطلقت منذ 1979 وفي زمن لم يكن في تونس شيعي واحد، خاصة وأن العلاقات السياسية بين تونس وإيران قُطعت منذ 1981 بسبب غلو ولاء الغنوشي للخميني وإيران، ولسبب العثور على تحويلات أموال من سفارة إيران بروما لقيادي من حزب النهضة في باريس.
وهذه أبرز الأسباب الأخرى التي أعانت على نشر التشيع في تونس:
1 - استغلت إيران طحن ابن علي للحركة الإسلامية وتصفية التدين في تونس لتحسن علاقاتها معه لتخترق الساحة السنية في البلاد. فوثقت علاقاتها بالنظام التونسي على كل المستويات من تعاون سياسي وثقافي خاصة، ففسح المجال أمام الدعوة الشيعية، ورخص لهم ولأول مرة في تاريخ تونس الحديث بتأسيس أول جمعية شيعية في شهر أكتوبر 2003 وهي ” جمعية أهل البيت الثقافية ” وقد طرحت على نفسها ” المساهمة في إحياء مدرسة آل البيت ونشر ثقافتهم “، كما أذن الدكتاتور ابن علي بتوزيع الكتاب الشيعي هذا فضلا عن الاتصال المفتوح والمكثف بين رموز التشيع وإيران، كما وافق الدكتاتور على التحاق طلبة تونسيين بجامعات ومراكز شيعية في إيران. فالحاصل أن التشيع وجد في تونس في عهد المخلوع مجالا للنشاط دون أية مضايقة أو اعتراض بل وجد تشجيعا ودفعا له.
2 - ما قامت وتقوم به البعثات الثّقافيّة الإيرانيّة من خلال سفارتها في تونس من اختراقات لوحدة البناء السّنّي وإرساء فتنة التّفريق بين المُكوّن المذهبي وذلك عبر نشر لمطبوعات تُشكّك وتنال من عقائد السّنّة وتُؤسّس لعقائدها الفاسدة. مثل الطّعن في الصّحابة ….
3 - الدور الكبير الذي لعبه جماعة ” الإسلاميون التقدميون ” ومن أبرزهم إحميدة النيفر وصلاح الدين الجورشي في نشر كتب مرتضى مطهري وعلي شريعتي وباقر الصدر في مجلتهم 15/21 ومكتبتهم المُسماة ” الجديد “.
4 - مزايدة الغنوشي على ” الإسلاميين التقدميين ” الذين بدؤوا منذ سنة 1978 يمثلون مشكلة ربما يكونون المزاحم الخطير والمنافس الأبرز الذين سيختطفون الساحة الإسلامية والشباب الهائج الذي تماهى مع ” الثورة ” الإيرانية وشعاراتها البراقة، فراح الغنوشي يُزايد عليهم في مواقفه خطاباته وكتاباته.
5 - الأثر الكبير الذي تمتع به حزب الله بسبب ما يُروج ما قام به من عمل ” بطولي ” ضد المحتل اليهودي.
6 - تأثير القنوات الشيعية في التونسيين ومن أبرزها قناة ”المنار” الفضائية حزب الله اللبناني.
ولكن أيضا نُثبتُ أنّ الغنّوشي كان ولا يزال السبب الأبرز وراء اختراق وخرق ونقض الوحدة الدّينيّة في تونس واستهدافها عن طريق الجهود المنظّمة لنشر التّشيّع في بلدنا خاصّة وفي بلاد العالم عامّة منذ سنة 1979، وهو الذي يعترف أنه لم يكن شيعة في تونس قبل ذلك التاريخ، فمن الذي غرس التشيع في تونس دونه في تلك الفترة؟ يقول الغنوشي: ”أما بالنسبة لما جذبنا في الثورة الإيرانية، فنظراً لعدم وجود شيعة في تونس تعاملنا مع الثورة على أنها ثورة إسلامية”(51). وقد غرس الغنّوشي نبتة التّشيّع في تونس ومهّد لها من خلال دروسه العامّة وكتاباته بعد ثورة الفرس التي أشرتُ إلى بعضها في مجلة المعرفة خاصة. ولأنه أيضًا دخل في منافسة ومُزايدة مع ” الإسلاميين التقدميين ” الذين ساهموا في نشر كتب الشيعة وأفكارهم عبر مجلتهم 15/21 ومكتبتهم المُسماة ” الجديد “. ولذلك تأثر الكثير من أبناء الحركة الإسلامية منذ 1979 تاريخ ” ثورة ” الخميني، فكان تراب الزمزمي والتيجاني السماوي ومبارك بعداش من أبرز الذين تأثّروا بذلك، فتشيّعوا وشيعوا كثيرا من أهل الجنوب خاصة بعد استقالتهم من حركة الغنّوشي في بداية الثّمانينات من القرن الماضي وصاروا ” زعماء ” شيعة، وخاصة الأخير منهم بعدما كان المسؤول التّنظيميّ لحركة الاتّجاه الإسلامي، ( النّهضة حاليّا ) على كامل جهات الجنوب التّونسي، ووالله لقد تمدّد التّأثّر بالشّيعة في عبادات النّهضويّين حيث صار بعض قياداتهم الجامعيّة في تلك الفترة أن يتصنّعوا النّواح في أدعيتهم تشبّها بما يفعل الشّيعة تماما، وأحد هؤلاء هو موجودة في حكومة الصيد حاليا.
والسؤال الجوهري الذي ينبغي أن يُطرح ما الذي يأسر الغنّوشي وحزبه في الدّوران حول ولاية الفقيه الفارسيّة ويتآمران على تونس السّنّيّة وعروبتها وتراثها وتاريخها ويتركان الشّيعة يخترقون كل مؤسسات الدولة يرتعون في كامل البلاد يُشيّعون شعبنا ويصمتون عن تحطيم عقائدنا، بل نراهم يُهاجمون كلّ من يقوم بواجبه الشّرعي في تعرية المدّ الشّيعي وكشفه! فهل هؤلاء يهمّهم الإسلام؟
ما الذي يجعل الغنّوشي يساند المشروع الفارسي وينشر ”محاسن الثّورة” الإيرانيّة في البلاد العربيّة والاسلاميّة؟ ولماذا ” يلتصق” الغنوشي بإيران وكأنه حليف أبدي للشيعة؟ هل ثمة أمر ما يجعله مُكبلا بتلك العلاقة لا يستطيع أن ينفك عنه؟ أسئلة مشروعة لأمر مُحير.
السبب الأبرز في ركوب الغنوشي موجة الثورة الإيرانية: إن ما يُسمى الثورة الإسلامية التي اندلعت سنة 1979 جاءت في أحلك فترة تاريخية سياسية للغنوشي الذي كان يُواجه إعصارا تنظيميا داخل ” الجماعة الإسلامية ” العقائدية المنغلقة على الولاء للسلفية فكرا والإخوان المسلمين تنظيما ” النهضة حاليا ” حيث تمردت مجموعة ” مكتب العاصمة ” وطعنت في شرعيّة الغنّوشي ودعت الى الانفتاح على كل مختلف تيارات الفكر الاسلامي والعالمي والقطع مع الإخوان، وقد كانت ” الجماعة الإسلامية / النهضة اليوم ” ـ وقتها ـ جماعة تعمل دون قانون أساسي ودون ضبط لصلوحيات الغنّوشي ” الأمير ” الذي لم يُنتخب ويتصرّف كأمير المؤمنين الصّلوحيات المطلقة في تشكيل المكتب التّنفيذي والمشرفين على الجهات وأعضاء مجلس الشّورى، فما كان من الغنوشي إلاّ أن حلّ مكتب العاصمة وجمّد عضويّة المشرف عليها لأنّهم أرادوا قيادة حركة إصلاح ومراجعة وتجديد في جسم إخواني يختنق على تعبير صلاح الدّين الجورشي.
فالذي يمكن أن نُقرّره أنّ ما يُسمى الثورة الإسلامية في إيران أنقذت الغنّوشي من معضلة سياسيّة ضخمة ومن مأزق تنظيمي قاتل في تلك الفترة، فركب الموجة الإيرانيّة وسايرها وجامل الثّورة الإيرانيّة بل تبنّاها ليُشاغب ويكسّر بها شوكة ” الإسلاميّين التّقدميّين ” من جهة، وليشغل به الاتّجاه الإسلامي المُتكوّن من الشّباب الحماسي والعاطفي من جهة ثانية، وأيضا ليشدّ به التّيّار الطّلاّبي المغامر والمتهوّر من جهة ثالثة، وليقفز بالحدث ينجو به من مشكل تنظيمي داخلي مُهدّد من جهة رابعة، هذا فضلا عن تشغيل السّاحة الإسلاميّة بالحدث الإيراني في ظلّ فراغ مشروع غنّوشي واضح إلاّ إثبات حضور هائج وبروز مُلفت استجابة لدوافع نفسيّة واضحة حيثُ كان الغنّوشي مُتضايقا ممّا سمحت به السّاحة وقتها من تنافس قويّ وشديد بينه وبين الإسلاميّين التّقدّميّين وأيضا من الدّاعية حسن الغضباني الذي كان مُزعجا جدّا للغنّوشي حيث كان أبرز خطيب مُفوّه ومؤثّر في تلك المرحلة، وكان مريدوه في الدّروس العامّة تفوق الأضعاف ما يجتمعون حول الغنّوشي، فكان لا بدّ من المزايدة على الأطراف الإسلاميّة الأخرى في الخطاب وفي جريدة المعرفة لكسب أكثر ما يمكن من المتعاطفين ومن الجمهور ومن تشغيل ماكينة الحزب الذي يحتاج إلى شحنها بخطاب سياسي تحريضي تهريجي.
فالمقصود أنّ تعلّق الغنّوشي بإيران والذّود عنها و عن إمامها وتبنّي بعض أفكارها التي أشرتُ إليها أعلاه، لم يكن وليد دراسة أو تخطيط أو رؤية واضحة، وإنّما هو نتيجة ركوب الموجة ليحلّ بها مشاكل تنظيميّة عاصفة للجماعة وللمشاغبة على خصومه وأيضا نتيجة التّأثّر الصّبياني بشعارات الثّورة الإيرانيّة دون معرفة مسبقة بالنّتائج الكارثيّة على بلد مُتميّز بوحدة عقائديّة سُنّيّة إمامها مالك بن أنس أحد أبرز أئمّة أهل السّنّة والجماعة. ولقد جنت تونس كوارث بسبب ذلك التّهوّر والحمق وها هي بلادنا اليوم قد اخترقها الشّيعة في كلّ مواقع التّأثير وخاصّة في الإعلام، ورجال الفكر والقرار.
وهكذا عندما يكون حبّ السّلطة وحلم الوصول إليها هو الهدف والمُحدّد لمسيرة أيّ شخص يستعمل كلّ وسيلة ويصير مُستعدّا للتّحالف مع من هبّ ودبّ ولو كان الشّيطان نفسه! ولقد كشفت ما يُسمّى ” الثّورة ” في تونس حقيقة الغنّوشي ونواياه إذ تبيّن بالمقال والحال أنّه مُستعدّ لكلّ شيء، لأنّ المهمّ عنده أن يصل إلى سدّة الحكم ويهدم الدّين ويُقاتل المُوحّدين بآسم الدّين! فما أخطره على العباد والبلاد!
خاتمة
إن من المُقرّر عند أهل السّنّة والجماعة أنّ الكلام في أهل البدع من أعظم الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ، وأنّ قول الحقّ فريضة، وأنّ تأخير البيان عند الحاجة لا يجوز، ولأن الغوغاء الجهلة عادة ما يُفتنون بالرّويبضات ” المشاهير ” الذين تصنعهم الكوارث، وراشد الخرّيجي شُهِر ” الغنّوشي ” من أبرز مشاهير الرّويبضات، وهو صاحب بدع خطيرة وضلالات عظيمة لا تُحصى ولا تُعدّ، حيث أمضى جزءا كبيرا من عمره ومن حكمه في تبديل معاني الدّين والتّصدّي للمتمسّكين بالكتاب والسّنّة ووصفهم بالمتطرّفين والمُتشدّدين بمقاييسه السّياسيّة الأمريكيّة والحزبيّة الإخوانيّة. وأنا إذ أُبين بالأدلة تأييد الغنّوشي المزمن للدّين الشّيعي من جهة و للتّقارب مع إيران الصّفويّة من جهة أخرى، فلأنّني لا أجامل ولا أُداهن في ديني، ولذا فإنّه لا يهمّني سبّهم وشيطنتي لي، لأنّ كلّ الذي يهمّني هو الذّبّ عن ديني وإنقاذ تونس من كوارثه لعلّ الغافلين من أتباعه يستيقضون لكي لا تتكرّر في بلدي مآسي تحالف الإخوان مع الشّيعة الموالين لإيران التي دمّرت وخرّبت العراق وسوريا ولبنان واليمن التي لا تخفى على أحد. إنه لا بد أن نتصدى للضّرر الجليّ الذي أحدثه الشّيعة داخل الأمّة، كما لا بد أن نكشف أيضا أنّ العلاقات الحسنة التي يقيمها الإخوان المسلمون بطهران جريمة كبرى لم يستفد منها إلاّ إيران وأذنابها الذين يطعنون أهل السّنّة في الظّهر منذ سنة 1979 حيث يستغلّون تلك العلاقة لنشر التّشيّع في أهل السّنّة في البلاد العربيّة خاصّة، ولقد اخترقت إيران تونس في كلّ مؤسّساتها بما فيها مؤسّسات الدّولة كالجامعة ووزارة الشّؤون الدّينيّة والتعليم وغيرها هذا فضلا عن الإعلام وما يُسمّى النّخبة.
ومساهمة منّي في درء ذلك خطر التّشيّع المُحدق ببلادنا، وسعيا منّي في تخليص المفتونين بالغنّوشي، وتبصير أتباع الهدى بحقيقة هذا الدّاعية إلى جهنّم، فجّرتُ بين أيديهم لغما واحدا له، وهو علاقته المشبوهة بإيران. من أجل ذلك، تناولت في هذه الأسطر بابا واحدا من أبواب ضلالاته الخطيرة وهو ما يتعلّق بعلاقته بالشّيعة دينا وبالحضور الايراني السّياسي والثّقافي في تونس الذي يمثّل مصدر تهديد خطير.
هذا هو حقّ الله تعالى ثمّ حقّ اُمّتي المُغرّر بها، وهو أيضا حقّ الشّباب خاصّة الذين ينبهرون بالشّعارات البرّاقة المخادعة التي أدمن عليها الذين احترفوا العمل السّياسي بالدّين. إنّها رسالة للأمّة ولشباب النّهضة أُبيّن لهم واُقيم عليهم الحُجّة، وأُظهر المحجّة، لأنّ غالب أولئك الشّباب يفتقدون إلى العلم الشّرعيّ بدليله، فلم يقدروا على تصفية كلام رجالهم بالدّليل أو وزن أعمالهم بالتّنزيل.
هذه أقوال راشد الغنّوشي وكتاباته ومواقفه حجّة لي وعليه، جمعتُها بين يديك، ونثرتُها بين عينيك، ذبّا عن الإسلام من المُدلّسين وبيانا لأهل السّنّة في العالَمين، راجيا من ربّ العالمين، أن يهديه ويفيق من أوهامه ويلتحق بشيخه يوسف القرضاوي الذي صرّح بخطئه على تضييع أكثر من أربعين سنة في تيه التّقارب مع الشيعة والتحاقه بفسطاط العقائديّين في براءتهم من الرّوافض، وأن يحشرني في زمرة المُجاهدين بالحجّة والبيان، وصلّى الله وسلّم على سيّد ولد عدنان، شفيع الإنس والجان.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية