شهد العقد الأخير تزاحمًا مكثفًا للفضائيات الشيعية داخل بيوت أهل السنة والجماعة، سواء على مستوى قنوات الأطفال أو القنوات الاجتماعية أو القنوات الدينية، وكذلك على مستوى القنوات العامة وبرامجها المتنوعة الإخبارية منها والسياسية والوثائقية.
وتبرز خطورة هذه القنوات في أنها تنقل المناخ الشيعي بأفكاره وعقائده وطموحاته السياسية داخل المجتمع السني؛ فينكسر الحاجز النفسي بين المجتمعات السنية والأطروحات الشيعية الفاسدة، لتتولد بعد ذلك الألفة السنية مع هذه الأطروحات الباطلة، والتي بدورها قد تنعكس على سلوكيات ومعتقدات بل والتوجهات التربوية والسياسية للشخصية السنية لا شعوريًا.
ويأتي هذا الرافد الفاسد الجديد في ظل مناخ علماني تغريبي يعيشه المجتمع الإسلامي في هذه الحقبة من الزمن، وهو المسئول المباشر عن ضعف وتغييب التكوين الشرعي الصحيح المحصن للشخصية المسلمة من الأطروحات العقدية الفاسدة المتربصة به؛ والتي من بينها أطروحات الفضائيات الشيعية.
الأمر الذي بات يهدد البنيان العقدي لكثير من الأسر السنية بدءًا من الطفل مرورًا بالمرأة ليشمل التهديد كل عناصر الأسرة السنية؛ ومن ثم المجتمع السني برمته.
من هنا برزت أهمية موضوع الدراسة الراهنة في الوقوف على هذا الخطر الإعلامي الشيعي المحدق بالأمة الإسلامية، ومعالمه وآلياته المستخدمة، وما يقابله من جهود قائمة لمدافعته والمتمثلة في هذه الدراسة في الفضائيات المحسوبة على أهل السنة وبرامجها وأعمالها الإعلامية؛ لنصل في النهاية لمحاولة ملامسة استراتيجية إعلامية لمواجهة ذلك الاختراق الشيعي للمجتمعات السنية.
تمتلئ الساحة الفضائية العربية بعشرات القنوات الشيعية، سواء كانت تبعيتها لإيران أو لإحدى الدول العربية؛ والتي منها ما هو موجود على الأقمار الصناعية المحسوبة على أهل السنة والجماعة، مثل (النايل سـات) و(العرب سـات)، ومنها المتواجد على أقمار صناعية تقع على نفس مدارات القمرين السـابقين فيسهل التقاطها داخل البيوت السنية في العالم العربي والإسلامي.
وهذه القنوات منها الإخباري وأبرزها قناة العالم الإيرانية والمنار اللبنانية التابعة لحزب الله اللبناني، ومنها الموجه للأطفال وأبرزها قناة طـه للأطفال، ومنها كذلك المنـوع وأبرزها قناة الكوثر الإيرانيـة الناطقة باللغة العربية.
وسنحاول من خلال الجدول التالي الوقوف على بعض القنوات الشيعية التي يتم التقاطها داخل البيوت السنية في العالم العربي وباللغة العربية وعبر العديد من الأقمار الصناعية، وذلك كي نستطيع رسم خريطة ذهنية لمعالم هذه القنوات وتبعيتها ومجالاتها.
وهكذا نجد أن هناك 73 قناة شيعية أمكن رصدها على أجهزة الاستقبال في العالم العربي؛ منهم 46 قناة عراقية؛ وجميعهم يبثون أطروحاتهم وفق أبعاد عقدية فاسدة تخدم بصورة مباشرة وغير مباشرة أهداف المشروع الشيعي التوسعي.
تتمثل أهمية الفضائيات الشيعية في كونها أحد أهم الأذرع الإعلامية المعاونة للمشروع الشيعي-الفارسي منه والعربي-؛ وعليه فإن الهدف العام للفضائيات الشيعية هو:
"الاستثمار الأمثل للفضاء الإعلامي من أجل تنفيذ مخططات قيادات المشروع الشيعي في العالم بصفة عامة، وفي المناطق السنية بصفة خاصة".
ومن خلال هذا الهدف العام تخرج جملة من الأهداف الفرعية والتي منها:
المحلل لمحتويات القنوات الشيعية يلمس آليات متعددة تعتمدها الفضائيات الشيعية في محاولة إيصال فكرتها وتحقيق أهدافها؛ آليات قد تأخذ الصورة التالية:
تعد الدراما الشيعية أحد أهم مكونات الفضائيات الشيعية المتسللة لبيوت أهل السنة والجماعة، وقد ساعد على رقيها لهذه الأهمية؛ ذلك الارتباط العربي بالدراما بصفة عامة؛ حيث صار المشاهد العربي في العصر الحديث – نتيجة لتداعيات سياسية وثقافية واجتماعية وتغريبية متشابكة ومعقدة- بمثابة أرض خصبة لكل نتاج درامي جذاب.
وقد استغل الشيعة هذه الثغرة الفنية بكفاءة عالية، وصلت بها لدرجة النجاح في الخروج من إطار الفضائيات الشيعية إلى سعة الفضائيات العربية الأخرى، ولعل أبرز مثال على ذلك هو مسلسل (يوسف الصديق) الذي لقي رواجًا ممتدًا داخل الأوساط السنية، دونما الاكتراث بهويته الشيعية الإيرانية، ومغالطاته العقدية والتاريخية.
إن رواج عمل درامي شيعي والافتتان به يُعد مدخلاً لــ "صناعة ثقة" بين المسلم السني والدراما الشيعية؛ ثقـة قد تسمح بقبـول غالبية الأطروحات الشيعية الضالة والمبثوثة ضمن تلك الأعمال الدرامية؛ عبر جرعة مكثفة من الأفلام، والمسلسلات المجسدة للأنبياء- صلوات الله عليهم- والصحابة -رضي الله عنهم- برجال عاديين، والساعية إلى تشويه التاريخ وبخاصة التاريخ الإسلامي، وبصفة أخص حقبة الصحابة والتابعين، وتقديم ذلك التاريخ وفق الرؤية الشيعية الفاسدة، مع الاعتماد التام على الإسـرائيليات، والمراجع الشيعية مقطوعة السـند وضالـة المتون في معظمها، فضلاً عن كونها مصحوبة بالطعن في الصحابة- رضي الله عنهم- وتشويه صورة خلفاء المسلمين الراشدين، إضافة إلى تقديس القبور والأضرحة والمزارات الشيعية، والتنبؤ بمهديهم المنتظر، وغيرها من الضلالات الشيعية.
تسـتخدم الفضائيـات الشـيعية أنظمة الصـوت والصورة بطريقة احترافية بدءًا من عرض الحكايات، وبصفة خاصة قصة مقتل الحسين -رضي الله عنه- وانتهاءً بالأدعية والأغاني والأناشيد التي تعرض لمكونات المشروع الشيعي وضلالاته.
وعادة ما يكون الصوت عراقيـًا باكيًا مؤثرًا يدفع العديد من حاضريه ومستمعيه إلى البكاء الشديد؛ لاعتماده على تغيير نبرة الصوت والأداء التمثيلي بالغ الأثر في نطق كل مقطع حسب حساسيته. وهذا نوع جديد من الفن التصويري المطروح على المشاهد السني المفتون معظمه بأنواع الموسيقي العالمية والفيديو كليب، مما يٌخشى معه الافتتان بهذا النوع من الفن الشيعي، وما يعقب ذلك من اختلالات عقدية.
كما تحرص الفضائيات الشـيعية على النقل الحـي والمسـجل لكافة الاحتفالات والممارسـات الشـيعية الجماهيريـة ذات الحضور الشيعي المكثـف، وتعمد على تركيز الكاميرا على الجموع الغفيرة التي تتوافد سواء إلى الأضرحة أو المقامات للتمسح والتوسل بها في المناسبات الشيعية، الأمر الذي قد يترك رسالة للمشـاهدين بأن عدد الشيعة كبير للغاية، وقد يطرح لدى بعضهم سـؤال شبهة مفاده: هل من المعقول أن يكون هؤلاء النـاس الذين يتوسـلون بالأضرحة على خطأ؟! ومن ثَم قد يندفع غيـر المحصن عقديًا منهم والذي لا يـدري أن هذا نوع من الشـرك للبحث عن أدبيات هذا المذهب.
يُضاف أيضًا أنه أثناء تغطية الفعاليات والاحتفاليات الشيعية، وتركيزها على الأضرحة والمقامات والمزارات الشيعية في العراق وإيران أنه عادة ما تتم مساواة مكة المكرمة بالصور التي تعرض لقم وكربلاء والنجف، بحيث تكون الإشارة إلى تساوي القدسية والتخلص من مرجعية مكة المكرمة السنية مقابل مرجعية شيعية.
يحرص الإعلام الشيعي الفضائي على استثمار ميدان الطفولة في اتجاه غرس الطرح الشيعي في وجدان أطفال أهل السنة والجماعة، وخلخلة المكون التربـوي السـني عندهم؛ فضلاً عن تثبيت العقيدة الشيعية في نفوس أطفال الشيعة العرب؛ حيث تقدم القنوات الشـيعية جرعة مكثفة من البرامج الجذابة الموجهـة للأطفال سواء من خلال قنـوات مخصصة للأطفـال، أو عبر البرامـج المتفرقـة في القنوات الشيعية. وفي ذلك يقول الباحث الشـيعي ياسر محمد:
"تعد قناة الأربعة عشر معصومًا – فورتين - مدخلاً مناسبًا لاحتواء الطفل الشيعي، وإيصال رسالة ربما عجزت الوسائل التبليغية الأخرى عن إيصالها لأفراد المجتمع الصغار مع انشغالات الوالدين في الأمور الحياتية وعدم توجههما للاهتمام بنفسية الابن وثقافته، حيث تمكن عدد من المنشدين من طرح أعمال موجهة للطفل بلغة سهلة أحبها الأطفال، فكونت بذلك جمهورًا من الأطفال الذين تقبلوا القصيـدة بكلماتها وأطوارها، يرددونها متى ما عرضت، بل ويسبقون المنشد نفسه في تأدية كلمات القصيدة".
ولعل من أبرز المخاطر العقدية التي يمكن ملامستها في الإعلام الشيعي الموجّه للأطفال (تكريس فكرة البكائيات واللطميات الجنائزية- نشـر ثقافة الرايات الرمزيـة ذات الـدلالات العقديـة الشـيعية-تعظيم المدن والمشـاهد الشـيعية في نفوس الأطفال-تعظيم فكرة الأضرحة والاسـتغاثة بها عند الأطفال- ترسيخ فكرة مظلومية الحسـين بن علي -رضي الله عنهما- لدى الأطفال-ترسـيخ فكرة المهـدي والولاء للطفل المسـردب- التدريـب العملي الخاطـئ للأطفال على الوضوء والصلاة وفق الرؤية الشـيعية للعبادات-تكريـس الاعتقـاد في احتفـالات أعياد ميـلاد أئمة الشيعة!).
*رئيس مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية