عبر التاريخ كان العداء بين الأفغان والدويلات الحاكمة الشيعية في إيران على اختلاف مسمياتها منذ الدولة الصفوية هو السمة الغالبة، وسجل التاريخ اندلاع عشرات المعارك بينهما.
تخلل ذلك بعض الفترات التاريخية التي شهدت تلاقي مصالح أو فترات هدوء نسبي وعلاقات طبيعية بينهما، لكن منذ صعود حركة طالبان الأفغانية للحكم في كابول عاد العائق العقدي والعداء التاريخي ليتصدر مشهد العلاقات بين الجانبين، خاصة مع تمدد إيران وميليشياتها في عدد من بلدان الشرق الأوسط، فما الذي تريده إيران من أفغانستان؟.
إيران تلك الدولة التوسعية تعمل ضمن استراتيجية للهيمنة على البلدان المجاورة، وأفغانستان أحد تلك الأهداف التوسعية، خاصة مع تواجد أعداد كبيرة من اللاجئين الأفغان في إيران ومع انتشار الشيعة الهزارة في مناطق عدة من أفغانستان على رأسها هرات.
عداء إيران الظاهر لحكم طالبان في أفغانستان مر بمراحل مختلفة حسبما اقتضت الظروف السياسية، فتارة ساعدت إيران الجيش الأمريكي في احتلال أفغانستان، وتارة كانت إيران تتقرب من طالبان نكاية في أمريكا.
مع صعود طالبان الحركة السنية الأصولية للسلطة في تسعينيات القرن الماضي، ظهر العداء الإيراني ضد طالبان مع دعم الحرس الثوري الإيراني لتحالف الشمال المعارض لطالبان.
أما ذروة المواجهة بينهما، فكان هجوم طالبان على ميليشيات للشيعة الهزارة في أفغانستان، والاستيلاء على القنصلية العامة لإيران في مدينة مزار شريف الأفغانية في أغسطس/آب 1998، حيث قتلت طالبان العديد من ميليشيا الهزارة الشيعة، بالإضافة إلى مواطنين إيرانيين ودبلوماسيين.
ساهمت إيران وبالتحديد قائد فيلق القدس الإيراني المغدور قاسم سليماني في إسقاط طالبان عام 2001، حيث زود الجيش الأمريكي بخرائط أهم مواقع الحركة العسكرية، كما فتحت إيران مجالها الجوي لأمريكا لإسقاط طالبان، بل وافتخرت بذلك، فالمسؤول الإيراني البارز في إدارة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، محمد علي أبطحي قال بعدها بسنوات قليلة "لولا طهران لما سقطت بغداد وكابول".
انشغلت إيران بعدها في سنوات القتال بين طالبان لأمريكا والناتو بتقوية الشيعة الهزارة في هرات والتمدد داخل أفغانستان لانتشار اللغة الفارسية فيها عبر وسائل إعلام، وكانت طالبان حينها تهاجم إيران وسياستها، وحينها عمل الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد على محاولة نسج علاقات مع طالبان.
جاء استمرار معارك الربيع لسنوات ليؤكد للجميع استحالة هزيمة الحركة وهنا بدأت روسيا والصين وإيران التواصل السري بشكل أكثر جدية مع الحركة. إيران في مرحلة أخرى تواصلت مع طالبان واستضافات حوارات عديدة ضمن عملية السلام الأفغانية.
هذا التواصل العلني وزيارات مسؤولين في الحركة إلى إيران، جعل واشنطن تتهم إيران بدعم الحركة، لكن الحركة نفت وقالت إنها تتواصل مع جميع القوى الدولية.
لكن العداء كان الغالب بينهما، لأن إيران جندت الآلاف من الشيعة الهزارة الأفغان واللاجئين الأفغان في إيران في صفوف ميليشيا فاطميون التي تقاتل في سوريا، وبالفعل انتشر المئات منهم في هرات لمواجهة طالبان مع أمير الحرب والوزير السابق إسماعيل خان لكنهم هزموا وهرب المئات إلى إيران واستسلم إسماعيل خان، وبعدها أطلقت طالبان سراحه حيث غادر أفغانستان إلى مدينة مشهد الإيرانية.
مع سيطرة طالبان على السلطة في كابول، ظهر الغضب الإيراني بعد تفكيك طالبان لميليشيا فاطميون الأفغانية الشيعية الموالية لإيران، كذلك فإن عناصر طالبان وضعوا اسم الخليفة الأول "أبو بكر الصديق" على تأشيرة دخول المعابر الحدودية على الحدود مع إيران، كما اندلعت اشتباكات على الحدود بين البلدين.
طهران تخشى من قوة سنية على حدودها، يقول فالي نصر من كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة: "البعض في إيران احتفل بالانسحاب ووصفه بأنه فشل أمريكي، لكن آخرين قالوا إن الولايات المتحدة ترحب بأن تصبح أفغانستان مستنقعًا لإيران، وإن الانسحاب يهئ أفغانستان لحكم طائفي".
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية