المشروع الإعلامي الإيراني.. إمكانيات وأزمات

- 14 يونيو 2022 - 1041 قراءة

منذ إعلان الثورة الإيرانية عام 1979م، والمؤسسة الايرانية تتبنى مشروع تصدير الفكر الخميني من خلال عدة وسائل، مستخدمة الاعلام بكل ذرائعه لتحقيق مآربها لتنفيذ ذلك المشروع. فقد جاء في تراث الخميني ان مبدا تصدير الثورة لا يعني الهجوم العسكري وتحشيد الجيوش ضد البلدان الأخرى مطلقا. حيث قال: " فنحن لا نريد ان نشهر سيفا او بندقية ونحملها على الاخرين، نتطلع الى تصدير ثورتنا الثقافية، ونتطلع الى تصدير الثورة عن طريق الاعلام والتبليغ، فهدفنا ان نعرف الاسلام على حقيقته في حدود قدراتنا الاعلامية عن طريق وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمقروءة. (كتابا جديدا الطبعة الاولى عام 1997 بعنوان تصدير الثورة هو منهج ثابت للخميني ص73-79). ولم يقتصر الدور الاعلامي على المؤسسات الايرانية الاعلامية المحلية، بل تم استخدام أذرع اعلامية خارج الحدود الايرانية، وذلك لتحقيق حلم الهلال الشيعي، وانتقل ذلك الدور من مرحلة السرية إلى مرحلة العلنية خاصة بعد حرب الخليج 1990م، وسقوط بغداد في قبضة الأمريكيين 2003م، حيث تطور النشاط الاعلامي بشكل ملفت للنظر, بالإضافة لتجنيد العديد من المؤسسات والشخصيات الاعلامية لاستخدامها في تشويه الدول العربية خاصة التي تجتهد في كشف المشروع الشيعي ورفع اللواء السني.

تتمحور الدراسة في التعرف على المشروع الاعلامي الايراني من حيث تاريخ نشأته، وامكانياته والازمات التي يوجهها، وسبل التصدي له. حيث تهدف إلى دراسة تاريخ الاعلام الايراني من حيث النشأة وأبرز المؤسسات الاعلامية. والتعرف على أذرع الاعلام الايراني الخارجية, والكشف على الاستراتيجية إيران في الخديعة الاعلامية, ومعرفة أثر وانعكاس العقوبات الاقتصادية وجاءحة كورونا على الاعلام الايراني.

 

أولًا: ماهية الإعلام الإيراني

 

سعت إيران منذ بداية عهد حكم الخميني والملالي إلى الدعاية لثورتهم وفكرهم عبر المجلات لكونها الوسيلة الأفضل للتواصل مع الشعوب العربية في تلك المرحلة، فقد كانت إيران تصدر عددا من المجلات الدعائية بعناوين جذابة على غرار مجلة الوحدة الإسلامية و التوحيد، والتي كانت توزعها السفارات الإيرانية مجاناً ويتلقفها الشباب بلهفة، وكان لهذه المجلات دور في إيجاد شعبية لإيران والخميني لدى قطاع كبير خاصة من الطلبة بل وفي تشيع عدد منهم. كما أن إيران الخميني استبدلت مسار القسم العربي في إذاعة طهران من الدعاية لفكر الشاه لبث فكر تصدير الثورة الخمينية. فقد اهتمت إيران بالإعلام مبكرا فاعتنت بهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانيّة IRIB والتي تشمل أكثر من 35 قناة إذاعيّة وتلفزيونيّة حكوميّة، وتضم أكثر من 25000 موظف تأسّست عام 1966. بالاضافة إلى اعتماد ثورة الخميني على الدعاية الإعلامية من خلال أشرطة الكاسيت التي كانت تنقل خطب الخميني لعامة الناس، حتى سميت ثورة الكاسيت، فقد ربطت الثورة مسؤولية الإشراف العام على جهاز الإعلام في إيران بالمرشد الأعلى من خلال الدستور الإيراني، حيث ينص الدستور في المادة  175: على أنه يجب تأمين حرية النشر والإعلام طبقاً للمعايير الإسلامية ومصالح البلاد في الإذاعة والتلفزيون. و يتم تعيين رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية إيران وإقالته من قبل قائد الثورة. وهذا يدل على أهمية دور الإعلام في السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية. فعلى الرغم من وجود الصحف في إيران منذ القرن ما قبل الماضي، بل ظل الإعلام الإيراني يتراجع كثيرًا منذ عقود، ويمكن تصنيف الإعلام الإيراني إلى جزأين رئيسين هما إعلام حكومي وإعلام خاص.إلا أن هذين النمطين يدوران في فلك المرشد الأعلى الذي يدير بوصلة الإعلام ويحدد الاستراتيجية التي يسير عليها. ويتم ادارتها من قبل وكالة بث الجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIB)، تلك الهيئة التي تقود المشهد الإعلامي الإيراني الحقيقي وترسم الاستراتيجيات وتراقب ما يطرح في وسائل الإعلام، والتي ترتبط بعدد من الوزارات والهيئات الحكومية الأخرى، وخصوصًا وزارة الخارجية مما يعطي مؤشرًا واضحًا وصريحًا لكيفية سير الإعلام الإيراني الذي يأتي متطابقًا مع السياسة الإيرانية. هذه الهيئة ترتبط بعدد من الوزارات والهيئات الحكومية الأخرى، وخصوصًا وزارة الخارجية، لتحقيق عدد من الأهداف، ومن بينها نقل وجهة النظر الرسمية للدولة في القضايا والأمور المختلفة، وخدمة الدبلوماسية العامة لإيران، وعلى رأس غاياتها بطبيعة الحال “نقل رسالة الثورة الإسلامية.

فعلى الرغم من أن الصحف في إيران كانت موجودة من القدم، غير أنها يبدو عليها الظهور بشكل جيد، وتحديدًا منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 إذ تمَّ اعتقال العشرات الإعلاميين، وإغلاق العديد من الوسائل الإعلامية، بالإضافة لظهور العديد من القوانين والتشريعات التي تقيد العمل الإعلامي والتي شملت إجراءات صارمة تجاه مواضيع إعلامية عادية نشرت لتعيد بذلك الإعلام إلى سنوات عديدة للوراء.

لابد أن ندرد أن تركيبة الإعلام الإيراني تتمثل في دعم السياسة الإيرانية وعدم وجود أي مساحة ممكنة لنقد الشأن الإيراني الداخلي، سواء من معوقات التنمية العديدة الموجودة، أو حتى الوضع الاقتصادي الصعب لمعظم أفراد الشعب الإيراني، وكذلك الحال فيما يخص الشأن الخارجي. ويمكن تصنيف وسائل الإعلام الإيرانية وفقًا لطبيعة الوسائل إلى: صحف, ومجلات, وصحف بالإنجليزية, ووكالات أنباء, وقنوات تلفزيونية, ومحطات إذاعية, وإنتاج سينمائي. وجميع تلك الوسائل لا تكتسب أي تنوع فعلي، فجميعها تدور في فلك واحد وإطار محدد دون أي اختلاف يُذكر. (1)

واعتمدت إيران منذ بداية الثورة الخمينية لتصدير ثورتها وخدمة سياساتها للهيمنة على الدول التي تهتم عن قرب بالسيطرة عليها وخاصة (العراق، سوريا، لبنان، اليمن، البحرين، أفغانستان) على مجموعة من وسائل الإعلام، ولاسيما القنوات التلفزيونية وقنوات الأفلام. وازداد اهتمام إيران بالإعلام الخارجي بشكل كبير بعد الهجوم الأمريكي على أفغانستان والعراق.

وكانت هذه أبرز وأهم الأذرع الاعلامية الايرانية قناة العالم (2) فقد سعت طهران إلى إنشاء قناة العالم الموجهة إلى العالم العربي بشكل عام وإلى العراق ولبنان بشكل خاص، واستعانت بخبرات إعلامية عربية من مختلف الجنسيات، وبعض العراقيين من المعارضة الشيعية الذين لجأوا إلى طهران. وتمكنت هذه القناة من تحقيق بعض النجاح وخاصة في العراق ولبنان. وسوريا منذ اندلاع الثورة. وتعتبر هذه القناة أفضل قناة إيرانية موجهة للخارج من خلال تقديمها لنشرات إخبارية مع شبكة مراسلين واسعة عربيا ودوليا، وبرامج سياسية مختلفة تعنى جميعها بالشأن الإيراني والعربي.  وركزت القناة منذ انطلاقتها على العراق ولبنان والقضية الفلسطينيّة والقوة السّياسيّة والعسكريّة الإيرانيّة وبرنامجها النّووي ـ وتشويه صورة من يعارض السّياسات الإيرانيّة من الدّول أو المؤسسات مستفيدة من المسميات مثل: إسلاميّة إيران وشؤون الإسلام والمسلمين ودعم المقاومة، فيما تتجاهل دعم المقاومة العراقيّة ودعم التنظيمات الشّيعيّة. ومنذ انطلاقة قناة العالم أيضاً تم تجميد القسم العربي لقناة سحر الإيرانيّة التي تأسّست عام 1980.

أما إذاعة طهران الموجهة إلى أفغانستان والتي كانت تبث من كابل وخاصة إلى قبائل الهازارا، ومعظمهم من الشيعة الذين يقطنون في أواسط أفغانستان ويتحدثون بالفارسية والتي تم إنشاؤها منذ أكثر من أربعة عقود (في عهد الشاه). فقد لعبت دورا كبيرا أيضا في بث الدعاية الإيرانية والتقارب الثقافي مع قبائل الهزارة التي تدعم مواقف إيران في أفغانستان. وقد توقفت هذه الإذاعة بعد هذه الفترة الطويلة من البث بسبب تراكم الديون والإفلاس، وعدم الحصول على ميزانيتها بالعملة الصعبة حسب وكالة فارس الإيرانية. وقناة بريس تي في الإخبارية التي أنشئت في العام 2007 والتي تبث عبر الإنترنيت باللغتين الفرنسية والإنكليزية والموجهة إلى أمريكا وأوروبا بشكل خاص، والتي تعتمد على التقارير والبرامج الإخبارية التي وحسب السلطة في إيران فهي تهدف إلى تقديم وجهة النظر الإيرانية من الأحداث المحلية والدولية وتقريب وجهات النظر والتبادل الثقافي. ويؤخذ عليها الاعتماد على بعض الأخبار المستقاة من وسائل إعلام روسية، وخاصة روسيا اليوم. لكنها توقفت عن البث بسبب الضيق المالي. كما أنشئت قناة الكوثر صبيحة الثورة الإيرانية (بداية العـام 1980) بمـسمى قناة سـحر، وتـم تبديل الاسـم في العام 2007 لتصبح قناة الكوثر. وهذه القـناة تهـتم بـشكل خاص بالإعـلام الدينـي، عبر برامج مختلفة تطـرح الفكر الدينـي (المذهب الشيعي)، ونشـرات إخبـارية تهتم بشكل خاص بالـحدث الإسـلامي في مخـتلف البلاد الإسـلامية. وهي تبث عبر الأقمار الاصطناعية ( هوت بيرد، ويوتيل سات)، وقد توقفت بسبب عدم دفع المستحقات لشبكة الأقمار الاصطناعية، بعد توقف التمويل. في حين تم إنشاء أي فيلم في العام 2010 وهي تبث باللغة العربية للعالم العربي بشكل خاص وتهتم بتقديم الأفلام والمسلسلات الإيرانية، وهذه القناة لقيت رواجا في بعض المناطق في العالم العربي وخاصة المناطق التي تضم أكثرية شيعية. وهذه القناة بدورها تتوقف عن البث بسبب شح الميزانية، وفقدان بعض الكوادر. بالإضافة إلى قنوات ومواقع التواصل الاجتماعي تقوم إيران أيضا برعاية قنوات ومواقع على شبكات التواصل الاجتماعي، موجهة للعالم العربي بشكل خاص وهي تتبع للجمعية العامة لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية, وهذه المواقع تقدم الرؤية الإيرانية للأحداث.

إن إيران دعمت عبر اتحاد الإذاعات الإسلامية عشرات الفضائيات الشيعية في المنطقة ولاسيما في العراق، وعرفت هذه القنوات الشيعية بأن همها ليس تحري مصداقية الأخبار، وإنما اعتادت على بث خطاب تحريضي وكراهية طائفية من خلال برامجها اليومية التي تستهدف طائفة بعينها، من خلال وصمها بالإرهاب والتطرف. مع العلم أن هناك 15 فضائية تنتشر مكاتبها بين بغداد وطهران وبيروت، كلها انطلقت خلال عامي 2014 و2015، باسم فصائل ضمن قوات الحشد الشعبي وتتخصص بعرض رسالة المليشيات تلك للعراقيين، عدا عن القنوات الأخرى التي تدعم تلك المليشيات ولكن لا ترتبط بها. (3)

 حيث تدير الأحزاب والمليشيات الشيعية في العراق قرابة 25 محطة فضائية، إذ يكاد يكون لكل فصيل منها واحدة أو اثنتين، يضاف إليها 11 محطة إذاعية أبرزها إذاعة ثأر و ميسان والحشد والوعد، وصحف مختلفة جميعها ناطقة باسم تلك المليشيات والأحزاب أو تتبني منهجها.

أما تلك القنوات فهي قناة العهد، والعهد2 التابعة لمليشيا عصائب أهل الحق، قناة الغدير التابعة لمليشيا بدر، وقناة النجباء التابعة لمليشيا النجباء، وقناة الولاء التابعة لمليشيا الخراساني، وقناة حشدنا التابعة للحشد الشعبي، قناة الثانية التابعة لمليشيا الإمام الغائب، وقناة الموقف التابعة لمليشيا كتائب سيد الشهداء. وكذلك قنوات الفرات التابعة لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وقناة الأيام التابعة لحزب المجلس الأعلى العراقي، قناتي الإباء، والاتجاه التابعتين لمليشيا حزب الله العراقي، قناة آفاق الفضائية التابعة لحزب الدعوة جناح نوري المالكي، قناة بلادي تابعة لحزب الإصلاح بزعامة إبراهيم الجعفري، وقناة النعيم التابعة لحزب الفضيلة. بالإضافة للعديد من القنوات تشمل قناة الطليعة التابعة لحزب الطليعة بزعامة المعمم محمد تقي الدين المدرسي، وقناة البينة، وقناة آسيا حزب المؤتمر الوطني الشيعي، وقناة المسار التابعة لحزب الدعوة تنظيم العراق، وقناة المسار الأولى التابعة لحزب الدعوة تنظيم الداخل، وقناة أهل البيت، وقناة كربلاء، وقناة السلام. بالإضافة للعديد من الفضائيات وإذاعات بلغات مختلفة منها الكردية والإنجليزية والآذرية والفرنسية والبوسنية والهوسا والبشتونية والسواحيلية. وفي لبنان فإن أكبر مركز لمحطة تلفزيون إيرانية ناطقة باللغة العربية وهي قناة العالم، وقناة المنار لسان حال حزب الله، وقناة الميادين والتي تعد أكبر قناة مدعومة إيرانيا بعد المنار، إضافة إلى صحيفتي السفير والأخبار اللتين تتبعان لحزب الله اللبناني.

وفي الفترة من مارس/آذار 2011 أطلق الحوثيون قنوات فضائية ممولة من إيران، منها فضائية المسيرة الناطقة باسم الحوثيين، وفضائية الساحات الموالية لهم والتي تبث من الضاحية الجنوبية في بيروت. أما في البحرين فدعمت إيران فضائية اللؤلؤة والتي تبث من العاصمة البريطانية لندن، وتدار من جهات سياسية شيعية معارضة للنظام في المنامة، إذ انطلق بثها في يونيو/ حزيران 2011. وتعد الضاحية الجنوبية في بيروت، مركزا هاما لبث بعض تلك الفضائيات كالمسيرة واللؤلؤة ونبأ الموجه ضد السعودية. وأفادت مصادر اعلامية وجود أكثر من 100 قناة فضائية على ارتباط بإيران والمليشيات الشيعية في لبنان والعراق واليمن بإشراف ودعم إيراني مباشر. يذكر ان إذاعة طهران الموجهة إلى أفغانستان والتي كانت تبث من كابل تستهدف قبائل الهزارة ومعظمهم من الشيعة، الذين يقطنون في أواسط أفغانستان ويتحدثون بالفارسية، ولعبت دورا كبيرا أيضا في بث الدعاية الإيرانية والتقارب الثقافي مع قبائل الهزارة التي تدعم مواقف إيران في أفغانستان. فمنذ عام 2015 مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية عليها ديون بأكثر من 50 مليون دولار لحقوق البث، واستئجار الأقمار الصناعية، وشراء المعدات وغيرها. مع العلم إن إيران ترعى أيضا قنوات ومواقع على شبكات التواصل الاجتماعي، موجهة للعالم العربي بشكل خاص، وهي تتبع للجمعية العامة لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية، وهذه المواقع تقدم الرؤية الإيرانية للأحداث. (4)

كما يوجد 33 قناة شيعية عربية على قمري عرب سات ونايل سات تبث من إيران والكويت والعراق ولبنان وهي تتبع لجهات ومرجعيات شيعية مختلفة.  وتتنوع هذه الفضائيات الشيعية والإيرانية بين فضائيات دينية وهي نوعان: نوع يعتمد المواربة ويدعي التقريب والوحدة، ونوع صريح في نشر التشيع بخرافاته وغلوه، وقنوات سياسية إخبارية، وقنوات للأطفال، وقنوات فنية، وقنوات تنطق بلسان أحزاب شيعية في لبنان والعراق واليمن، وقنوات تعليمية.

ولم تقتصر إيران على إنشاء قنوات بالفارسية والعربية، بل أصبح لها قنوات بلغات عديدة مثل الإنجليزية والفرنسية والأفغانية واللهجات الأفريقية5. وحرصت إيران والقوى الشيعية على تكوين أذرع إعلامية في أي بلد يستهدفونه، بهدف تسويق الرؤية الشيعية الإيرانية في قضايا الدين والسياسة، وتشكيل حاضنة شعبية بين النخب والجمهور. ففي أفغانستان أدرك الشيعة الأفغان أهمية الإعلام ، فعلى سبيل المثال خمس من القنوات الفضائية المهمة من بين أربع عشرة قناة في البلاد يملكها الشيعة مثل قناتي طلوع (الشروق) ولمر (الشمس) يملكها الشيعة الإسماعيلية بدعم وتمويل مباشر من زعيم الطائفة الإسماعيلية كريم أغاخان، إضافة إلى قناتي آريانا الوطنية وآريانا العالمية اللتين يملكهما رجل الأعمال الشيعي إحسان بيات، وأما القناة الخامسة واسمها (تمدن) أي الحضارة فيشرف عليها المرجع الشيعي المشهور في أفغانستان آيت الله آصف محسني، وهي من أشهر وأخطر القنوات الفضائية الدينية في أفغانستان، نظرًا لكثافة وتنوع برامجها الدينية إلى جانب الإعداد الجيد، والتطور المستمر في شمولية موادها. ولا شك أن هذه القناة رافد مهم لنشر المذهب الشيعي في أفغانستان6. وكذلك في الكويت يتم دعم الشيعة رجلا شيعيا إيرانيا ويملك العديد من الصحف والقنوات (7). وفي المغرب مؤخرا سُمح للشيعة بترخيص مؤسسة رسمية لهم ذات طابع بحثي وإعلامي، وهذا يدل على وجود رؤية واضحة للغزو والتغلغل في المجتمع المغربي. بالإضافة جاء إنشاء قناة الميادين عقب بداية الربيع العربي والتصادم مع سياسة قناتي الجزيرة والعربية في رفض تمرير انقلاب شيعة البحرين تحت شعار الربيع العربي.

فلو نظرنا إلى واقع شبكات التواصل الاجتماعي داخل إيران نجد أنها لم تحظَ بأي من مناخات حرية الرأي والتعبير، بل تم جعلها امتدادًا لسياسية إيران القمعية تجاه وسائل الإعلام التقليدية. وأخذ القمع على تلك الشبكات تتمثل بعدة أشكال لحجب تلك الشبكات  من خلال سن قوانين مبالغ جدًا في صرامتها تجاه مستخدمي الشبكات قبل حجبها, وإيجاد منصات بديلة لتلك الشبكات لضمان الرقابة على محتواها.

 

محتوى الرسالة الإعلامية

 

يعتبر الكذب والتضليل منهج الاعلام الايراني بهدف توجيه رسالة سياسية معينة، ضارباً كل القيم والأعراف المهنية والأخلاقية عرض الحائط. وبرر بعض الخبراء ذلك التضليل مطلباً سياسياً ودينياً أحياناً تحت منطق الغاية تبرر الوسيلة، وما دام أن وسيلتهم سوف توصلهم إلى الغاية المنشودة، فلا حرج في كونها كذباً وتضليلاً. والراصد لتغطيات الإعلام الإيراني لأحداث المنطقة العربية يجد أنها تعتمد على بث صور وفبركة أخبار كثيرة، في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن حرصها على تشويه الخصوم، لدرجة بات تشويه التاريخ مسلكاً رئيسياً وصولاً لهدفها.

وتمتلك إيران أذرع إعلامية داخلية وفي أي بلد تستهدفه، حيث يتبنّى النظام الإيراني استراتيجية إقناعيه في خطابه، هي استراتيجية الأمر الواقع والتأثير في المتلقي وتشكيل الصورة الذهنية من خلال عشرات القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية الناطقة بالعربية على أشكال برامج سياسية وتعبويه وثقافية وترفيهية معتمداً على آليات تقوم على التركيز على عملية التكرار وضخّ المعلومات الكثيفة للتأثير في الناس حتى يؤمنون بما يطرح. والربط السياسي بالمصالح من خلال الدعم المالي والاقتصادي والعسكري. واعتماد أدبيات الإرث الثوري كخُطب الخميني التي يُعاد تكرارها باستمرار. بالإضافة إلى استخدام آلية الاستثارة العاطفية ومخاطبة المتلقي بالتركيز على قضايا وأحداث تثير الغضب والكراهية من خلال التأثير الوجداني. والعمل على تسريب المعلومات لقياس نبض الشارع بشأن قراراتٍ مهمة، أو لتوجيه رسائل معيّنة إلى الخارج. وابتداع الأكاذيب وبثّ الإشاعات ومتابعة تأثيراتها المختلفة وقياس ردود الفعل عليها داخليّاً وخارجيّاً 8.

 لقد أصبح الإعلام الجديد ذراع الحكومة الإيرانية ووسيلتها الناجعة التي تستخدمها بشكلٍ كثيفٍ لفرض نموذجها الفكري وتحقيق الهيمنة من خلال الخطاب الإعلامي الموجّه. فعملت على تطوير استراتيجيّات إقناعيه مُحدَّدة وموجَّهة للتأثير في المتلقِّي، مستثمرةً قدرتها الهائلة على مخاطبة طيفٍ واسعٍ من النسيج الاجتماعي لترويج مضامينها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من خلال استخدام آليةِ تكريس الأمر الواقع عبر رسالةٍ إعلاميةٍ تخدم مصالحها. كما عملت الحكومة الإيرانية على تحويل الإعلام إلى جسمٍ سلطويٍّ، فقد صمّمت خطة عمل إعلامية لإعادة دمج المجتمع الإيراني وإبعاده عن المجتمع الدولي.

بما أن الاعلام الايراني قائم على التحريض بهدف التشكيك، أي أن التحريض ليس عبثي وإنما منهج ومخطط له بهدف الحصول على أكبر قدر من التصريحات والمواقف الداعمة لمشروعها من العديد من السياسيين والحزبيين ورجال دين والإعلاميين والمثقفين والتي تستضيفهم على محطاتها الخاصة أو من خلال المحطات الداعمة لها (9).

فعلينا أن ندرك أن الساحة الإعلامية لا تتوفر فيها البيئة المناسبة للعمل الإعلامي، فكل المؤسسات الاعلامية بشقيها العام والخاص يعود مرجعتيها إلى هيئة وكالة بث الجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIB) التي ترسم السياسة لكافة الإعلام الإيراني وتحدد محاذير النشر لديه. ومن خلال متابعة المواضيع التي يطرحها الإعلام الإيراني عبر وسائله المتعددة وبلغات متعددة، نلاحظ أن ملامحه العامة تتمثل في رسائل دعائية للنظام الإيراني. وتغذية روح العدائية تجاه دول المنطقة. وايجاد خطاب متشنج في مضامين المحتوى الإعلامي نحو الخارج. وإهمال تام لقضايا التنمية في الداخل الإيراني, وعدم الحديث عن الوضع الاقتصادي في الشارع الإيراني . والحرص على غياب المعلومة وحضور صبغة الرأي في كافة مضامين المحتوى الإعلامي.

ومما سبق نستطيع أن نلاحظ في الاعلام الإيراني الارتباط الوثيق بين الثورة الإسلامية ونشوء الجمهورية والإعلام، وأهمية الدور التحريضي للإعلام من وجهة نظر القوى الإسلامية، والاعتماد على الأيديولوجيا في الخطاب الإعلامي.ويرتبط الإعلام الإيراني الرسمي دستوريًا، بأعلى سلطة في الجمهورية الإسلامية، التي يمثلها المرشد الأعلى. وتعدّ مؤسسة الإذاعة والتلفزيون مؤسسة خاضعة خضوعًا كبير لسيطرة الحرس الثوري الإيراني، وذلك عبر رئاسة هذه المؤسسة، وهم ضابطون في الحرس الثوري، وشخصيات تدور في فلك نفوذ الحرس الثوري. وإن حجم الموارد المالية والبشرية الكبيرة التي وصلت إليها مؤسسة الإذاعة والتلفزيون يؤكد أن هذه المؤسسة تضطلع بدور مهم، داخليًا وخارجيًا، في ترسيخ التوجهات الاستراتيجية لصانع القرار الإيراني، وحجم القضايا والساحات التي يغطيها الإعلام التابع لهذه المؤسسة. بالإضافة لتوسّع الإعلام الإيراني، بشقيه الرسمي والخاص، مع تحولات إيران من الثورة إلى الدولة، بالتزامن مع متغيّر داخلي مهم، وهو وفاة آية الله الخميني، ومتغّير عالمي رئيس، هو سقوط الاتحاد السوفياتي. ونظرًا إلى حسابات التعدد الإثني الداخلي (الفرس، الأذريون، العرب، الكرد، التركمان، الجيلاك، البلوش، وغيرهم)، ونظرًا إلى الخريطة الجيوسياسية (أذربيجان، باكستان، أفغانستان، تركيا، أرمينيا، العراق، الخليج العربي)، فقد تنوع الإعلام الإيراني في لغاته، عاكسًا خارطة التنوع الإثني/ اللغوي الداخلي، والقضايا التي تفرضها العلاقات مع الجوار الإقليمي، إضافة إلى متطلبات مخاطبة المجتمع الدولي.

إن العوامل المتعددة التي فرضت نفسها على الإعلام الإيراني شاركت في توسّعه الكمي والنوعي، وهو بذلك يعدّ من أوسع الشبكات الإقليمية في الشرق الأوسط، ولا يمكن مقارنة أي إعلام عربي به من حيث الكم، أو من حيث القضايا التي يتناولها، وهو بذلك لا يعكس أهمية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة فحسب، وإنما يعكس بالدرجة الأولى مستوى وعي النخبة السياسية في إيران بدور الإعلام في تحقيق الغايات الاستراتيجية، وفي مقدمتها الأمن القومي الإيراني. ونستطيع أن ندرك الاعلام الايراني يهدف إلى محاولة إثارة الفوضى في المنطقة, وتأجيج الصراع من خلال بث مضامين عدائية وعدم الحديث والتطرق للشأن الإيراني الداخلي. بالإضافة لتصدير الخطاب الدعائي الإيراني والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة, كما يسعى لدعم حلفاء إيران في المنطق ودعم السياسات الإيرانية الخارجية في المنطقة.

 

ثانيًا: أيدولوجية واستراتيجية الإعلام الإيراني

 

إن الجميع يدرك أن النِّظام السياسي في إيران يتبنى استراتيجية يسعى من خلالها للتوسُّع وتعزيز نفوذه ونشر أيديولوجيته ، وأن الدول العربية والإسلامية هي المستهدف الأول لهذه الاستراتيجية، ولتحقيق هذا الهدف يعتمد النِّظام إلى استخدام وسائل مختلفة سواء عسكرية وسياسية، إلا أن النِّظام الإيرانيّ يرى في الإعلام أداة فعَّالة تمهِّد الطريق لتحقيق طموحاته، عبر السعي لكسب القلوب والعقول ، ومن أجل تحقيق ما يرنو إليه يبذل النِّظام الإيرانيّ مبالغ طائلة لتشغيل ماكينته الإعلامية في الداخل والخارج، فلهيئة الإذاعة والتليفزيون الإيرانيَّة مثلًا 21 مكتبًا إعلاميًّا في بعض عواصم العالَم العربي، بالإضافة إلى بلدان عربية وإسلامية أخرى، كما أن لديها 30 قناة فضائيَّة تبثّ برامجها على مدار الساعة، ويوميًّا، من خلال 12 قمرًا صناعيًّا أجنبيًّا، بالإضافة إلى 13 محطَّة إذاعية تبثّ برامجها يوميًّا دون انقطاع إلى أنحاء العالَم كافةً بمختلِف اللغات، وأهمّها الإنجليزية والفرنسية والعربية والروسية والإسبانية والتركية والكردية والأُردية، ناهيك ببرامج بلغات إفريقية من قبيل الهوسا والسواحيلي، إلى جانب المحطات الإذاعية التي تعمل على الشاكلة نفسها.

وتمتلك إيران ماكينة إعلامية وتوجد هيئة رسميَّة يشرف عليها المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانيَّة هي التي تحدِّد وتراقب تنفيذ السياسات الإعلامية لجميع المحطات التليفزيونية وإذاعات الراديو في إيران، وفق السياسات العامَّة للدولة، وهي وكالة بَثّ الجمهورية الإسلامية الإيرانيَّة [IRIB [2، وهذه الهيئة ترتبط بعدد من الوزارات والهيئات الحكومية الأخرى، منها وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانيّ، إلى جانب وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي التي تتشارك في عمليات التضليل الإعلامي والدعاية المضادَّة (10). وبعد ثورة 1979 غُيِّر اسم وزارة الإعلام والسياحة إلى وزارة الإرشاد القومي، وبعد ذلك بعامين أصبح يُطلَق عليها وزارة التوجيه الإسلامي، كما أن وزارة الثقافة هي الأخرى أُدمِجَت في وزارة التوجيه، وفي عام 1987 تحولت وزارة التوجيه إلى وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي والتي تتكون من عدة أقسام مثل قسم إدارة الصحافة والإعلام  الأجنبي.ومكتب العلاقات الصحفية.والعلاقات العامَّة, و مكتب البحوث الثقافية, ومؤسَّسة الحج, و المجلس الأعلى الإيرانيّ للثورة الثقافية, ومنظَّمة التراث الثقافي الإيرانيّ, ومنظَّمة الثقافة والعلاقات الإسلامية, وشبكة المساجد الإيرانيَّة.

فنلاحظ من تلك الأقسام أن المنظومة الاعلامية الايرانية منظومة دينية بامتياز، أي أنها تنبع للمرجية الدينية, بالإضافة ان هناك بين هذه المؤسَّسات مؤسَّسةُ الثقافة والتبليغ الإسلامي بالتعاون مع وزارة الاستخبارات والخارجية الإيرانيَّة.

وفيما يتعلق بالإنترنت فعلى مدى السنوات العشر الماضية بذلت وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانيَّة بالتعاون مع وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، بالإضافة إلى المجموعة الرسميَّة للبَثّ التليفزيوني الإيرانيّ IRIBجهودا كبيرة للسيطرة على موضوع وصول الإيرانيّين إلى الإنترنت، خصوصًا في إطار مشروع الإنترنت الحلال الذي تديره وزارة الاستخبارات وتتحكم فيه كيفما تشاء للحفاظ على استقرار النِّظام الداخلي وتأمين البنية التحتية الحيوية للدولة (11).

إجمالًا يمكن القول إن المشروع الاعلامي يمثِّل رأس الحربة للمرشد الإيرانيّ علي خامنئي في حربه المستمرة مع العالَم الخارجي، ففي الوقت الذي تقدِّم فيه وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي المفردات الخطابية والثورية المؤثرة، يأتي دور وسائل الإعلام لترويجها على شكل موادَّ إعلامية وخبرية.

 

استراتيجية الإعلام الإيراني

 

أدركت القيادة الشيعية والإيرانية خطورة ومركزية وسائل الاعلام، فلذلك سعت لفهمها وتحذير المنظومة الشيعية والإيرانية من أخطارها وتوظيفها لمشروعها الطائفي في البلاد العربية والإسلامية. أي أن تنفيذ وظائف هذا المشروع يتطلب مجموعة من العناصر والأركان، ولكي تكتمل وتتوفر شروط نجاحه لابد من توفر مواد ورسائل وأفكار وشعارات سياسية وإعلامية وثقافية ودبلوماسية. وبناء علاقات وتوفير وسطاء يقومون بوظيفة تسويق وترويج الأفكار والأخبار والتحليلات والتوجيهات السياسية والثقافية والإعلامية. بالإضافة لتجهيز وتخصيص منافذ وبوابات وقنوات إعلامية وتواصلية وسفارات. وبناء علاقات مع كوادر إعلامية ومنظمات وشبكات إنترنت ونخب وقوى ومؤسسات عامة وقوى مجتمع مدني وشخصيات ذات تأثير عام.  وجرى تكثيف الخطاب الصحفي الخارجي بوصفه أداة من أدوات السياسة الخارجية خاصة في وقت الأزمات الدولية مثلما هو الحال في حالة إيران مع جيرانها وعلاقاتها الخارجية.

فمما سبق نجد إن استراتيجية الغزو الإعلامي الإيراني ترتكز على الحرص على استمرار وصول بث القنوات الشيعية والإيرانية للمجتمعات السنية.  والحرص على تعدد المنابر الإعلامية وتنوعها في المضمون والشكل والجمهور، حتى تصل لأكبر شريحة. بالإضافة لقيام القنوات الشيعية والإيرانية بنشر التشيع الديني بشكل مباشر أو غير مباشر . ونقل خطب ومحاضرات علماء الشيعة والتي تبث أفكاراً في غاية الغلو والطائفية، ويتم اقتطاع كثير من فقرات هذه الخطب والمحاضرات. واستغلال القضايا الإسلامية المركزية والمتفق عليها بين الجميع لتمرير المشروع الشيعي الإيراني. والعمل على توظيف الكتاب والإعلاميين من تيارات غير شيعية أو إسلامية أصلا للترويج للمشروع الإيراني الشيعي.

 

الخطة الإعلامية الإيرانية

 

تكشف الخطة مُحاولات التغلغُل الإيراني في المنطقة العربية من خلال الاعلام، وعثر عليها أواخر عام 2005م وتم ترجمَها من الفارسية إلى العربية. وتعد هذه الوثيقة الثانية بعد اكتشاف الخطة الخمسينية لآيات إيران التي عثر عليها أواخر التسعينات، والتي تحمل أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية وتاريخية، وترسم سبل اختراق الدول المجاورة لخمسين عاما قادمة لتحقيق سياسة التصدير الشيعي في المنطقة.

أما هذه الخطة فهي ذات بعد اعلامي، وتتعلق بمرحلة ما بعد سقوط بغداد، وتكشف المشروع الايراني الاعلامي في المنطقة واستراتيجياته. وقد توزعت توصيات الخطة على عدة محاور مثل المحور العراقي حيث تقوم على التصدي للحملات الاعلامية ضد إيران بسبب مساعدتها لأمريكا في احتلال العراق، حيث أوصت الوثيقة بضرورة القيام بالتواصل مع أصدقاء إيران من الاعلاميين والمثقفين لتبرير مساعدة إيران لأمريكا في غزو العراق، بالإضافة لجعل العراق بؤرة لنشر التشيع في المنطقة، وتشويه صورة المقاومة العراقية ووضعها في بؤرة التطرف القاعدي في ذلك الوقت. والمحور القومي العربي حيث اوصت الوثيقة بلزوم التواصل مع الكتاب والاعلاميين والمثقفين ذوي التوجه القومي خاصة الناصري، وذلك للدفاع عن إيران وجعلها داعمة للفكر الشعبي العربي. على الرغم من ان الوثيقة تقر ان الفكر القومي ماسوني التأسيس. فان مرتكز الخطة هو الترويج للمقاومة الشيعية من خلال العديد من الكتاب والصحفيين السنيين، وحرصها على جعل العراق مدخل للتشيع في البلدان العربية الأخرى (12).

 

ثالثًا: الخطاب الإعلامي الإيراني

 

يتميز الإعلام الإيراني بأنه يستند إلى أسسٍ مبنيَّة على الاعتقاد بأنّ المرشد الأعلى الذي يتحكّم في الإعلام، مفوّضٌ بالحق الإلهي كنائبٍ عن الإمام المنتظر الغائب. كما يستند إلى الفكر القومي المتطرف الذي يؤمن بتسخير الإمكانيات والوسائل كافة لدعم نظام الحكم وكي تتمكن من تحقيق أهدافها المتمثّلة في مصير وقوة الأمة بشكلٍ لا يترك مجالاً لمناقشة ودعم حريات الأفراد.  فيتشكّل قوام الإعلام الإيراني من فلسفة الإعلام الثوري، حيث يُبقي الإيرانيين في حالة إثارة ثورية دائمة بالتحكّم في الآلة الإعلامية وتوجيهها لخدمة أهداف السلطة.

فإنّ السوء الذي يعاني منه الإعلام في عهد المرشد علي خامنئي هو أنّ حكم الولي الفقيه وصل إلى حدِّ الرسوخ الكلي. فلم تتغيّر طبيعة دور وسائل الإعلام في إيران فالدولة كانت ولا تزال هي أكبر مالك إعلامي. فلم يرى الاعلام الايراني انفراجاً في حرية التعبير إلا خلال الثورة الإيرانية وليس قبلها ولا بعدها. وعندما هدأت الموجة الأولى من الثورة سرعان ما بدأ الأشخاص الذين تولَّوا السلطة يحدِّون من حرية الصحافة وقمع وسائل الإعلام. فنرى اتفاق السلطوية الإيرانية مع النظرية الشيوعية في حق ملكية وسائل الإعلام كإحدى اختصاصات الحكومة، وكأداة من أدوات المرشد الأعلى في حالة إيران. فالحكومة هي التي تتحكّم تحكّماً كاملاً في مجريات الشأن الإعلامي مبررة سيطرة المرشد على الإعلام من منطلق مصلحة الدولة.

 يمكن وصف علاقة الإعلام السلطوي الإيراني بينه وبين المجتمع بأنها علاقة ناشئة على الريبةِ والتشكيك، فقد وضعت الحكومة الإيرانية الكثير من القيود على الإعلام وعرقلت مساعي الصحافيين والإعلاميين عموماً لممارسة دورهم في النشر والحصول على المعلومات التي تفتضيها المهنة.

 إن إعلام الثورة الإيرانية ارتكز على الأيديولوجيا كإرث ممتدٍ بالسيطرة على العقول، فمنذ نشأتها كان لوسائل الإعلام دور سياسي واستخدم رجال الدولة لها للترويج لسياساتهم بخاصة في حالات الحروب والصراعات، أوفي التضليل ونشر الإشاعات لتثبيت أواصر الحكم.  وتم توجيه الخطاب الإعلامي على اعتبار أنَّه نابعٌ من موقف قوة، بالإضافة تبني سياسة الدفاع عن مناطق تدخلاتها في اليمن وسوريا ولبنان وجعل ميليشياتها تبدو كضحايا عاجزين.

 

لغة التحريض في الخطاب الإعلامي

 

فقد أثار اغلاق قناة العالم الإيرانيّة قراراً عبر قمري عرب سات ونيل سات العربييّن غضب هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانيّة  IRIB، وسعت لإيجاد أقمار فضائيّة بديلة على وجه السّرعة، وأعلنت حالة التعبئة والتحريض للحصول على أكبر قدر من التصريحات والمواقف من سياسيين، وحزبيين ورجال دين وإعلاميين ومثقفين، للتنديد بهذا القرار واعتباره منافياً لحرية التعبير والرأي. ووجهت إيران سهام حملتها المملكة العربيّة السعوديّة ومصر وذلك باستخدام الأخبار المفبركة والبرامج الحواريّة لتأليب الرأي العام العربي واستطلاعات رأي نتائجها معدة مسبقا، وشملت الحملة استهداف العرب سات والنيل سات من خلال القنوات التي تتبنى مشروع الخميني ـ وينقسم المحرضون في هذه القنوات إلى إيرانيين مستعربين وعرب إيرانيين الولاء, ولاهثين وراء مصالح ومآرب خاصة, وـمخدوعين تنطلي عليهم المسرحيّة من أن إيران تدعم المقاومة وتعادي أمريكا واسرائيل. حيث سعت إيران لاستخدام كل الامكانيات والوسائل في الترويج لسياستها وتمرير رسائلها الدعاية، بل ذهبت لما هو أبعد من ذلك وذلك لضمان استمرار تصدير خطابها للخارج بهدف تقديم معلومات مضللة وغير دقيقة للعامة.وهناك عدد من المجالات التي اتخذتها إيران في التسويق لمشروعها الدعائي متمثلة في المراكز ثقافية إيرانية, ومراكز أبحاث ودراسات إيرانية خاصة في تنس والعراق والسودان وأفريقيا, وقنوات خارجية تابعة لإيران, وقنوات خارجية ممولة من قبل إيران.

 

الحرب الإعلامية الإيرانية الناعمة

 

أدركت إيران أهمية الإعلام في الحرب الناعمة, فلذلك سعت لفهمها وتحذير المنظومة الشيعية والإيرانية من أخطارها في وقت مبكر في صراعها مع أمريكا, ومن ثم استطاعت توظيف الحرب الناعمة لمشروعها الطائفي في البلاد العربية والإسلامية. فلو تابعنا خطب لقادة بارزين في إيران ندرك مواقف الهوس الإيراني من خطورة الحرب الناعمة ابتداء برئيس الجمهورية ووزير الخارجية السابق وقادة الحرس الثوري الإسلامي وبعض الوزراء وبعض المرجعيات الدينية في قم المقدسة، ما دل على الأهمية التي يوليها قادة الجمهورية الإسلامية لأبعاد هذه الحرب. وحول أبرز أركان الحرب الناعمة وكيفية عملها، والذي يدل على عمق فهم الإيرانيين لإدارة الحرب الناعمة والإعلامية تحديداً نجد أنها استعملت مواد ورسائل وأفكار وشعارات سياسية وإعلامية وثقافية ودبلوماسية. بالاضافة لبناء علاقات وتوفير وسطاء يقومون بوظيفة تسويق وترويج الأفكار والأخبار والتحليلات والتوجيهات السياسية والثقافية والإعلامية من خلال بناء علاقات مع كوادر إعلامية وشخصيات ذات تأثير عام. مستخدمة عدة وسائل في هذه  الحرب مثل الإعلام والاتصالات التي لها وظيفة في التكرار وضخ المعلومات وتلفيق الحقائق, وتحقيق الربط السياسي بالمصالح من خلال الدعم المالي والاقتصادي والعسكري.

إن ايران تدير معركة إعلامية مركزة وقوية، ويحشدون لها أفضل الطاقات، ويضخون فيها مبالغ ضخمة جداً، وقد كانت النتيجة حصولهم على شعبية جارفة في المنطقة العربية والأمة الإسلامية، صحيح أنها تضررت بشكل كبير, إلا أنها ما تزال تخدع قطاعا واسعا من المسلمين والناس.أما على الصعيد الدولي والعالمي فقد تمكنت إيران من إقناع دول كثيرة بكونها معتدلة مقارنة مع زعمها بالتطرف السني الممثل بداعش.

 

عوامل نجاح وفشل المشروع الإيراني:

 

لو أردنا وضع المشروع الاعلامي الايراني في ميزان النجاح والفشل, والتعرف على مراحل نجاحه وفشله, ندرك أن ما مرت به الجمهورية الايرانية من أزمات سواء على المستوى الداخلي والخارجي قد انعكس على مشروعها الاعلامي, بالإضافة لما مرت به الدول العربية من ربيع عربي. فمن الممكن أن نقسم المشروع الاعلامي الايراني لمرحلة ما قبل الربيع العربي ومرحلة ما بعده, فلو تابعنا نجد أن هناك فرق شاسع بين ماهية الاعلام الايراني في المرحلتين, ففي المرحلة الأولى استطاع الاعلام الإيراني أن يسحر العقول والقلوب العربية والإسلامية بسبب ادعاءه تبنييه مشروع المقاومة والتحريض ضد اسرائيل وأمريكا مستغلاً العاطفة العربية ضدهما. أما ما بعد الربيع العربي فقد أدرك المتابع العربي الدور الإيراني الخطير في المنطقة وما تلعبه من صناعات للفوضى في الشارع العربي لتحقيق حلمها الفارسي, بالإضافة للمجازر التي ترتكبها في سوريا واليمن مما أخفق مشروعها الإعلامي بسبب ضعف المتابعات عربية والإسلامية لها. كما أدركت الجماهير العربية ظلم النظام الإيراني الديني للشعب الإيراني واجهاضه للحريات خاصة للشباب والمناطق السنية في الأهواز, وهذا ما دفع النظام الملالي لحجب شبكات التواصل الاجتماعي واعتبارها خصم لدود له لأنها كشفت الوجه الحقيقي له.

 

رابعًا: الإعلام الإيراني والأزمات

 

أثرت الأزمة الاقتصادية الشديدة الناتجة عن العقوبات الأمريكية وانخفاض أسعار النفط التي تعاني منها إيران على وسائل إعلامها الموجه للخارج والناطق بأكثر من لغة منها العربية والإنجليزية، إذ تسبب بشلل في القطاع الحيوي الذي يعتبر عصب الدعاية الدولية لإيران. ولا سيما بعدما هوى التومان (العملة المحلية) إلى مستويات متدنية أمام الدولار.

فقد مثلت وسائل الإعلام الإيرانية التي أوصدت أبوابها وأخرى في طريقها إلى الإغلاق ضربة كبرى بالنسبة لإعلام إيران الخارجي، فإن قنوات إيرانية مثل برس تي في, والعالم, واي فيلم العربية والإنجليزية اعلنت انها ستتوقف  بسبب مشاكل مالية. مع العلم أن الإذاعة الإيرانية التي كانت تبث من كابل منذ 40 عاما، توقفت بسبب تراكم الديون والإفلاس وعدم الحصول على ميزانية. وذلك يرجع لعدم توفير ميزانية الإذاعة والتلفزيون وخاصة بالعملات الأجنبية.

فيعتبر اغلاق الإذاعة في أفغانستان بمثابة الضربة الكبرى لإعلامنا الايراني الخارجي. حيث أنها كانت تغطي واحدة من أهم المناطق الحيوية، والتي تتناول قضايا ثقافية واقتصادية وأمنية وسياسية، وهذه الضربة الثالثة بعد خسارة شبكة الكوثر الموجهة الى المنطقة العربية في مايو/ أيار 2020 حيث أوقف قمر يوتل سات شبكة الكوثر الإيرانية بسبب تراكم الديون والمستحقات المالية عليها. ومن ثم شبكة سحر أردو.

فإن توقف هذه القنوات وربما المزيد فيما بعد يعني تلقى الإعلام الإيراني الخارجي ضربة قوية تقلص من وجوده على الساحة الإعلامية الدولية. وتعتبر هذه الضربة كنتيجة مباشرة للعقوبات الأميركية على إيران، وانخفاض أسعار النفط، الذي يعاني اقتصاده من متاعب كبيرة مالية وخاصة، فيما يخص الاحتياطي بالعملات الأجنبية.

فسَعت إيران إلى تطوير إعلامها الخارجي في الخطاب والبنى، لتستطيع مواجهة التحديات المتغيرة في دول جوارها الإقليمي التي تختلف في ما بينها، من حيث نظم الحكم، ومستوى التقدّم، ودرجات التنمية، والقدرات العسكرية والأمنية، وطبيعة المشكلات الداخلية، وغيرها من القضايا الرئيسة في تقييم مستوى الاشتباك السياسي مع دولة ما من وجهة نظر السياسة الخارجية، وطبيعته، وما يستتبعه من خطط استراتيجية، أو تكتيكات مرحلية.

إن خريطة العمل الإعلامي العامل في خدمة السياسة الخارجية الإيرانية هي خريطة متنوعة، إذ يتكامل عمل مؤسسات عدة في هذا المجال، وذلك على الرغم من الأصول القانونية المختلفة بين المؤسسات، وتبعيتها لجهات تنتمي إلى حقول عمل متباينة من حيث الظاهر، لكنها في المحصلة تعمل لإنتاج القوة الناعمة، في مظاهرها البحثية والإعلامية والفنية والأدبية، التي تشترك في إنتاجها خبرات وكفاءات كثيرة، ولها مصادر تمويل مهمة وثابتة.

وفي صلب خريطة القوى المنتجة للإعلام وللقوة الناعمة الإيرانية تقع جملة من المؤسسات الرئيسة، أهمها وكالات الأنباء, حيث لا تقتصر وكالات الأنباء الإيرانية على الأخبار السياسية، بل إنها تمتد لتشمل عددًا من الحقول، بمثل الاقتصاد، والثقافة، والتكنولوجيا، والفنون، وتؤدي هذه الوكالات أدوارًا إعلامية وثقافية وتواصلية مختلفة، وتعد صلة وصل بين الاتجاهات الرئيسة في سياسات صانع القرار والفئات المستهدفة في داخل إيران وخارجها، وبناء صور منتقاة عن الهوية الإيرانية في عمقها التاريخي والحضاري، وتشكّل بذلك إحدى أدوات القوة الناعمة الإيرانية، لكونها تشارك في جذب فئات غير إيرانية، والتأثير فيها، ومدّها بتصورات عن الحياة داخل إيران.

وتأتي وكالة‌ أنباء الجمهورية (الإسلامية)، المعروفة اختصارًا باسم (إيرنا) (IRNA)، في مقدمة وكالات الأنباء، لكونها وكالة الأنباء الرسمية في إيران، وهناك وكالة أنباء (فارس)، التي تعدّ نفسها وكالة مستقلة، وهي من الوكالات المهمة، لكونها تقدم أخبارها باللغات العربية والتركية والإنكليزية، أما وكالة مهر للأنباء التي أنشئت في عام 2003 في طهران، فهي من أهم الوكالات التي تعمل في خدمة السياسة الخارجية، حيث إنها تبث مادتها بسبع لغات، وهي الإنكليزية والفارسية والعربية والأوردية والألمانية والتركية والروسية، ولديها 14 خدمة تغطي القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والدينية المختلفة، وغيرها من القضايا، ويعمل فيها أكثر من 300 مراسل، إضافة إلى 5 مكاتب إقليمية، وعقدت اتفاقات تعاون مع 17 وكالة أجنبية، في آسيا وأوروبا معظمها.

إضافة إلى هذه الوكالات الكبيرة التي تقدم خدمات في قطاعات مختلفة، ثمة وكالات أنباء متخصصة، تركز على قضايا محددة، داخليًا أو خارجيًا، وكثراها أهمية وكالة (القدس) للأنباء، وهي وكالة متخصصة في الشؤون الفلسطينية، وهناك وكالة أنباء (الطلبة)، ووكالة أنباء (المرأة)، ووكالة (الأنباء القرآنية(.

 

الإعلام الإيراني في ظل جائحة كورونا

 

لم تكترث إيران بجائحة كورونا بهدف إنجاح ثلاث مناسبات قبل أن تكشف

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.