حديث الوثائق| هل تغيير اسم «الناصرية» إلى «أهواز» قبل عهد رضا خان البهلوي؟

- 21 يناير 2024 - 734 قراءة

نشرت صحيفة ديلي نيوز الإنجليزية في عددها الصادر يوم الجمعة 12 ديسمبر/كانون الأول 1924، هذا الخبر القصير الذي عنونته بـ "السلام النفطي".

 

"السلام النفطي"

 

"بحسب برقية وردت في لندن من البصرة (علمت وكالة رويترز). تم عقد اجتماع في الأحواز (مقر شركة النفط الأنجلو-فارسية) بين رئيس الوزراء الفارسي ووزير الحربية وشيخ المحمرة، حيث تمت تسوية جميع المسائل العالقة بين الأخير والحكومة المركزية بشكل مرضي. وتضيف البرقية أن هذه المصالحة تضمن الأمن المستقبلي لعربستان والتطور الأسرع للموارد الغنية في هذا الجزء من بلاد فارس".

كان أمير عربستان قد استغل موقف بلاد فارس الحيادي حين اشتعلت نيران الحرب العالمية الأولى عام 1914 حيث دخلت القوات العثمانية أراضي عربستان الأحواز تحت ذريعة فتوى الجهاد الصادرة عن مراجع الشيعة آنذاك. وكانت بلاد فارس وفقًا لمعاهدة أرضروم الثانية 1847 ملزمة بالدفاع عن عربستان وسيادتها العربية في حال إن حصل لها عدوان أجنبي، ففي عام 1857 أي بعد عشر سنين من عقد معاهدة أرضروم الثانية. أرسلت بلاد فارس قوات عسكرية لعربستان حين غزت بريطانيا الأحواز لكنها لزمت الحياد في الحرب العالمية الثانية ولهذا أوقف الشيخ دفع الخراج السنوي الذي كانت تدفعه المحمّرة لبلاد الشاه القاجاري لمدة عشر سنين معتمدًا على الضمانات والعهود البريطانية التي تعهدت هي الأخرى بحماية السيادة العربية في عربستان. لكن السياسة البريطانية تغيرت في تلك الفترة وتحججت الحكومة الفارسية بقيادة رضا خان بموضوع الخراج السنوي المتأخر. علمًا أنه خراج ديواني وليس ضرائب (ماليات) كما يروج له.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1924، حصل الهجوم العسكري للقوات الفارسية على حدود عربستان الشرقية عند منطقة زيدون ولكنها فشلت بعد ما تصدت لها القوات العربية. وبعدها لجأ رضا خان بالتنسيق مع السفير البريطاني للحيلة وإيهام أمير الأحواز بالمصالحة وحل المشاكل العالقة بين الطرفين والتي وصفوها بالسلام النفطي. وبعد قسم رضا خان بكلام الله وتعهد الحكومة الفارسية التي كان يرأسها وكفالة الإنجليز لمخرجات الحوار بلع الشيخ الطعم وصدق كذبة "السلام النفطي" الذي تحول إلى كارثة على الشعب والوطن الأحوازي خلال مائة عام مضت.

***

هل تغيير اسم "الناصرية" إلى "أهواز" قبل عهد رضا خان البهلوي؟

 

ذكرت من قبل أن مدينة (الناصرية) تم تغيير اسمها في عهد رضا خان البهلوي إلى (أهواز)، فراسلني أحد الأخوة موضحًا، "إن تسمية الأهواز قديمة ولم يأت بها البهلوي"، لذا وددت مناقشة موضوع التسمية، وأدرج للقارئ "وثيقة" تاريخية تشير بوضوح، حتى قرار الحكومة الإيرانية سنة 1932م واستبدال اسم مدينة الناصرية إلى (أهواز)، لم تكن التسميتين (الأهواز) و(الأحواز) رائجتين لدى سكان المنطقة، بل كان يطلق على جزء صغير من مدينة الأحواز الحالية (اهواز قديم)، ففي الوثيقة الصادرة عن وزارة المالية الإيرانية في طهران وهي تعميم حكومي لدوائرة هذه الوزارة من أجل استخدام تسمية (أهواز) بدل (ناصري)، جاء فيها:

"يطلق على مدينة الناصرية اسم أهواز مستقبلاً".

وفي العقود الأولى من الاحتلال كان العرب يلفظون الأهواز بالهواز وهكذا بعض كبار السن اليوم.

كما تقر الوثائق الفارسية الحديثة إن تسمية خوزستان التي جاء بها الفرس بعد احتلال الأحواز لتحل محل تسمية عربستان التأريخية التي كانت تطلق على منطقتنا لأكثر من أربعة قرون، أخذت من الكتب العبرية. وهذا صحيح، حيث وردت تسمية "الأخواز" والشعب "الخوزي" و"بيت خوزايا" في الكتب العبرية بكثرة.

والمعروف أن اليهود يغيرون الحا بـ خا عند لفظها، على سبيل المثال يقولون خبيبي بدل حبيبي ويلفظون خماس بدل حماس وخمامة بدل حمامة.

وبالتالي "الأخواز" باللفظ العبري ومثلها "الأهواز" باللفظ الأعجمي يعني بها "الاحواز"، كما يطلق سكان حوض شط العرب على البساتين، خاصة بساتين النخيل اسم "حوز"، مثل حوز "القشلة" وحوز "البنغلو" وحوز "القصير" في منطقة الفاو وأبو الخصيب على ضفاف شط العرب، ولا ننس أن شمال الأحواز كانت تابعة لولاية البصرة أيام حكم الأمويين والعباسيين إداريًا.

 

الأحواز في حوض شط العرب

 

"كوت الزين وهو محل ولادة أمير الأحواز الشيخ خزعل بن جابر، وسكانه عرب اعتمدوا الزراعة أساسًا لحياتهم وغالبية مبانيها من الأكواخ وأكثر محاصيلها التمر والحنطة والشعير، وأغلب أهلها فلاحون باستثناء قليل منهم من العشائر الرحالة التي كانت تنتقل طلبًا للكلأ والماء. ومن ملحقات قضاء أبي الخصيب ناحية الفاو وتقع إلى الجنوب من مدينة البصرة بمسافة 105 كيلو متر، على النهر المذكور باسمها والذي يقسمها إلى قسمين: الأول، وهو الكائن على ضفة شط العرب اليمنى  أما القسم الثاني، فهو المسمى بالفاو الجنوبي والقشلة والذي يبعد عن قصبة الفاو بمسافة (25) كيلو مترًا، ويتكون هذا القسم من (27) ـ حوزًا ـ وهذه الأحواز تضم معظم سكان الناحية الأصليين ".(1)

علمًا أن قرية "كوت الزين" هي مسقط رأس أمير الأحواز الشيخ خزعل بن جابر، الذي ولد في 24 يونيو/حزيران عام 1861م. وبالنسبة للأحواز الكائنة في منطقة كوت الزين مثلها منتشرة بكثرة في عربستان بدءًا من قصبة النصار حتى تخوم "تستر" على ضفاف شط العرب ونهر كارون وعلى ضفاف نهر الكرخة ونهر العبودي في الفلاحية، وعلى ضفاف باقي الأنهر الأحوازية، حيث تشكل مورد اقتصادي مهم في حياة الفلاحين العرب في الأحواز والذي تعتمد حياتهم على محاصيل التمر والحنطة والشعير.(2)

"والجمیل أن عضد الدولة الدیلمي أطلق علی هذا الإقليم اسم إقليم ذات الحوزات السبع وجمعها الأحواز، وتحدث المقدسي في القرن الرابع الهجري عن انتشار اسم الأحواز في ذلك العهد وأيده، كما ذكر أن بعض هذه الحوزات قد اندثرت".(3)

وعضد الدولة بن بوية الديلمي (936-983) ليس برجل عادي بل كان ملكًا على بلاد فارس ومن مواليد أصفهان، واحتل العراق واستولى على بغداد سنة 955م، وغزا جرجان وطبرستان، ومعروف بكثرة مجالسته لعلماء زمانه.(4)

وقد تكون معلومة المقدسي هي الأكثر دقة في موضوع تسمية "الأحواز" حيث يذكر أن عضد الدولة الديلمي أطلق علی هذا الإقليم اسم إقليم ذات الحوزات السبع وجمعها الأحواز، لكن معظم المصادر الشيعية خاصة تلك الموالية للفرس ذكرتها "بالأهواز" وقالت أنها سبع كور تقع بين فارس والبصرة".

وفي المنطقة توجد أسماء مرادفة للأحواز، مثل الحويزة وهي عاصمة الدولة المشعشعية التي أصبحت تكتب في إيران كما تلفظ بالهاء الأعجمية (هويزة)، فهل من الصواب أن نستسلم لما ينشر في الإعلام الإيراني وحتى الإعلام العربي الموالي للنظام الإيراني من تسميات خاطئة ومحرفة.

 كما أن اسم الأحواز رائج في بلاد عربية أخرى مثل تونس والمغرب، وهذا يعود لهجرة الأسماء العربية داخل محيطها العربي، حيث عرفت العاصمة التونسية بتونس الخضراء وذلك لكثرة البساتين الخضراء التي تحيط بها وتعرف اليوم بأحواز العاصمة، وهناك مناطق في المغرب تعرف باسم الأحواز. ومن المستحيل أن تجد أسماء مشابهة لمدننا وقرانا العربية في بلاد الفرس، في حين تجد اسم الناصرية موجود في أكثر من بلد عربي وهكذا الأحواز والحميدية وتسمية المحمّرة مثلها في لبنان حيث قرية المحمّرة وهي قرية لبنانية من قرى قضاء عكار في محافظة الشمال. تقع في تجمع للقرى يسمى الهضبات وهكذا تسمية مدينة البسيتين مثلها مدينة البسيتين في مملكة البحرين.

ـــــــــــــــــــــــــ

* مفردة خوزستان تعني بلاد «الخوزيين»، والخوز تکتب أیضًا «حوز» و«هوز» وجمعها باللغة العربیة «أحواز».

1- قحطان حميد يوسف، التاريخ الإداري لمتصرفية لواء البصرة، جريدة المدى اليومية، 9 سبتمبر/أيلول 2012.

2-  الأصطخري، وجغرافياي تاريخي سرزمينهاي خلافت شرقي، ص 55.

3- المقدسي، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، مطبعة ليدن، 1906.

4- أحمد بن محمد مسكوية، تجارب الأمم وتعاقب الهمم، المجلد السادس، ص 464.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.