أعلن حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، أواخر يونيو/حزيران الماضي، عن رغبة طهران في "تطبيع" علاقاتها مع المغرب، بعد انقطاع دام لأكثر من 5 سنوات، منذ أن قطعت الرباط علاقتها مع طهران عام 2018، بسبب دعم الأخيرة لجبهة البوليساريو الانفصالية، الساعية إلى تجزئة التراب الوطني المغربي.
هذا الإعلان، أثار مجموعة من التساؤلات لدى المراقبين حول الدوافع الحقيقية لتلك الرغبة الإيرانية، وسر اهتمام نظام الملالي بالرباط في هذا التوقيت بالذات، خصوصًا في ظل التطورات الجيوسياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط مؤخرًا.
وفي معرض الإجابة عن هذه التساؤلات، يؤكد المراقبون أن هناك جملة من التحديات أمام التقارب المغربي- الإيراني المحتمل، أهمها موقف طهران من الوحدة الترابية للمملكة، خاصة بعدما جددت طهران على لسان مندوبها لدى الأمم المتحدة في يونيو/حزيران الماضي، دعمها لجبهة البوليساريو الانفصالية.
دوافع طهران الخفية
ذكرت دراسة عنوانها "ما هي دوافع إيران لتطبيع علاقاتها مع المغرب؟"، صدرت منذ فترة قصيرة عن مركز "الحائط العربي" في القاهرة، أن إعلان طهران عن مبادرتها للتطبيع مع المغرب، والذي جاء على لسان وزير خارجيتها، تحولًا كبيرًا ومفاجئًا في السياسة الإيرانية الخارجية تجاه المغرب، ويبدو أن التحول في الموقف الإيراني يرتبط بدرجة كبيرة بالتحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، حيث يأتي في ظل التوتر الذي تشهده العلاقات العربية- الإسرائيلية منذ وصول حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية إلى السلطة، وسياستها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، ما أدى إلى تأجيل "قمة النقب" الثانية وعدم انعقادها حتى الآن. وهذا الأمر، يمكن أن تستثمره إيران في التقرب من المغرب لموازنة الدور الإسرائيلي.
وعلاوة على ذلك، وفق الدراسة، فإن طهران تستفيد من التقارب والتطبيع الذي تم مع المملكة العربية السعودية برعاية صينية، في استثمار الدور السعودي في التقرب من بعض الدول العربية، ومنها المملكة المغربية.
وهناك دوافع عديدة تقف خلف إعلان وزير الخارجية الإيراني عن رغبة بلاده في استعادة العلاقات مع المغرب في هذا التوقيت، ومن أهمها استثمار خيار التهدئة في منطقة الشرق الأوسط، إذ إن ثمة قناعة متزايدة لدى دول المنطقة بأهمية احتواء التوترات والصراعات لتحقيق نوع من الاستقرار في المنطقة، وخاصة أن عقودًا من الصراعات المسلحة في سوريا واليمن والعراق لم تسفر سوى عن مزيد من الدمار وتشريد الآلاف من اللاجئين والمهاجرين.
وحسب الدراسة، تسعى طهران إلى توظيف التوتر في العلاقات الإسرائيلية العربية، حيث جرى تأجيل قمة النقب الثانية بين (إسرائيل) وبعض الدول العربية الموقعة على اتفاقات سلام معها أكثر من مرة، وذلك بسبب تصاعد التوترات بين هذه الدول و(إسرائيل) جراء الاعتداءات الإسرائيلية وسياسة الاستيطان التي تنتهجها حكومة نتنياهو في (إسرائيل)، وتصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن ضرورة العمل من أجل اجتثاث فكرة إقامة الدولة الفلسطينية وقطع الطريق على تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة، ومن ثم يبدو أن طهران تستثمر في هذا المناخ من أجل التقرب إلى المغرب، بشكل يسمح لها بموازنة النفوذ الإسرائيلي المتنامي في منطقة المغرب العربي.
كما تسعى إيران أيضًا لاستغلال انعكاسات "اتفاق بكين" بين الرياض وطهران، والذي أدى إلى عودة العلاقات السعودية-الإيرانية بوساطة صينية، والتي كانت مؤشرًا على نهج سياسة جديدة لدى الجانب السعودي، مما يمكن أن يؤثر إيجابيًا في تليين عودة العلاقات الإيرانية- المغربية.
وترى طهران أن عودة العلاقات مع المغرب ومصر من أولوياتها الدبلوماسية، بينما ترى المملكة العربية السعودية أن احتواء التوترات بين الدول العربية وإيران، يمكن أن يوفر مناخًا ملائمًا ومناسبًا للتوصل إلى تفاهمات مع طهران، قد تسمح بعقد جولة جديدة من المفاوضات لإنهاء الصراعات المسلحة في اليمن وسوريا، وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
تحديات المبادرة الإيرانية
رغم الدوافع السياسية لإعلان طهران عن رغبتها في تطبيع العلاقات مع المغرب، تواجه المبادرة الإيرانية بالعديد من التحديات، ومن أهمها الموقف الإيراني من البوليساريو، خاصة أن إيران جددت على لسان مندوبها لدى الأمم المتحدة، خلال يونيو/حزيران الماضي، عن موقفها الداعم لأطروحة الجبهة الانفصالية، وأكدت ذلك تقارير موالية لجبهة البوليساريو، وقالت إن ممثل إيران جدد أمام لجنة الأربعة والعشرين التابعة للأمم المتحدة، موقف طهران بشأن أطروحة البوليساريو، كما أعرب مندوب طهران عن دعم بلاده لعملية المفاوضات الجارية، وشدد على الأهمية القصوى للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم وشامل ومقبول وفقًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
وسبق أن كشفت تقارير دولية عن قيام طهران بتدريب ميليشيات جبهة البوليساريو ومدها بالسلاح، بينما يشترط المغرب أن تبتعد إيران عن دعم البوليساريو، وهو ما يعني أن الموقف الإيراني من البوليساريو سوف يمثل تحديًا كبيرًا لعودة العلاقات بين البلدين.
التحدي الثاني، هو تبني إيران سياسة متوازنة في العلاقات مع المغرب والجزائر، حيث ترتبط طهران بعلاقات وطيدة مع الجزائر، وهي المنافس الرئيسي للمغرب في المنطقة، حيث تستفيد طهران من التنافس والصراع السياسي بين المغرب وطهران في زيادة مبيعاتها العسكرية إلى الجزائر، وخاصة مبيعات الطائرات المسيرة.
وأكدت تقارير رصد دولية تحركات إيران في السنوات القليلة الماضية لتوسيع نفوذها إلى مناطق جديدة، على غرار منطقة الساحل والمغرب الكبير، لتجد بذلك موطئ قدم لها في منطقة استراتيجية متاخمة لممرات الشحن الحيوية في المحيط الأطلسي، ما دفعها إلى تعزيز علاقاتها مع الجزائر، وتعززت هذه العلاقات بعد تزويد طهران ميليشيات جبهة البوليساريو بطائرات بدون طيار في خضم التوتر بين الرباط والجزائر، وهو ما سبق أن سلط عليه الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، الضوء في مناسبات عديدة. وبالتالي، من المتوقع أن يثير التطبيع الإيراني مع المغرب مخاوف الجزائر، التي قد تنظر إلى هذا التطبيع مع المغرب على أنه بداية لتحول الموقف من قضية الصحراء المغربية، أو حتى الاصطفاف مع المغرب في القضايا والملفات مثار الخلاف بين الجانبين.
من جهة ثانية، تنظر طهران بقلق متزايد تجاه تطور العلاقات الأمريكية – المغربية، وخاصة أن المغرب يعتبر حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة في المنطقة، وهذا واضح من الاهتمام الأمريكي بدعم الترسانة العسكرية للمغرب وتزويده بأحدث الأسلحة التي تضمن تفوقه العسكري، ولا سيما بعد إعلان البنتاجون الأمريكي في أبريل/نيسان الماضي عن بيع أنظمة "هيمارس" الصاروخية للمغرب، وهي أسلحة متطورة ونوعية من شأنها تغيير معادلة التسلح في المنطقة.
لذلك، فإن التنسيق السياسي بين الولايات المتحدة والمغرب إزاء الملفات والقضايا الدولية، بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني، قد يمثل تحديًا آخر يعوق التطبيع بين إيران والمغرب، وربما تحاول إيران "مساومة" المغرب على موقفها من الصحراء المغربية، مقابل دعم المغرب للموقف الإيراني فيما يتعلق ببرنامجها النووي المثير للجدل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- هذه أسرار الاهتمام الإيراني بالمغرب وتحديات عودة العلاقات الدبلوماسية، موقع هسبريس، 9 يوليو/تموز 2023.
2- ما هي دوافع إيران لتطبيع علاقاتها مع المغرب؟، موقع الحائط العربي، 6 يوليو/تموز 2023.
3- شهية إيران الدبلوماسية "مفتوحة" على المغرب، موقع إندبندنت عربية، 3 يوليو/تموز 2023.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية