في إيران.. «هجرة العقول» مستمرة بسبب القمع والاضطهاد وفقدان الأمل

- 24 نوفمبر 2021 - 411 قراءة

>> 150 ألف إيراني يهاجرون للخارج سنويًا منذ مطلع عقد التسعينيات من القرن العشرين وحتى الآن

>> تقرير لـ«صندوق النقد الدولي»: هجرة المتعلمين تعليمًا عاليًا في إيران ارتفعت إلى 15% سنويًا

>> «الخميني»: إنهم يتحدثون عن أن هناك «هجرة للعقول» في بلادنا.. دعهم يهربوا.. فليذهبوا إلى الجحيم جميعًا!

>> أكاديمي أمريكي من أصل إيراني: المال لم يكن السبب الرئيسي وراء هجرتنا.. ولو أقمنا في إيران لكنا أكثر ثراء

 

تعاني إيران منذ اندلاع ما يسمى بـ «الثورة الإسلامية» في البلاد عام 1979 من ظاهرة خطيرة وهي «هجرة العقول»، التي أصابت البنية العلمية الفوقية للبلاد في مقتل، وأدت إلى وضع الجمهورية الإيرانية في الصفوف الأولى عالميا في مجال «نزيف الأدمغة».

ويمكن القول إن العزلة التي عاشتها عقول إيران منذ ثورة 1979، وسط أجواء القمع الأمني وارتفاع البطالة وتضاؤل فرص العمل والإنتاج والابتكار، جرّاء الاضطهاد وفقدان الأمل، تضاهى تلك العزلة التي عانت منها طهران بسبب العقوبات الاقتصادية المستمرة كضريبة لإصرارها على البرنامج النووي منذ عقود، إن لم تكن «عزلة العلماء» أسوأ وأكثر فداحة باعتبارها «كارثة قومية».

ووفقا لتقرير أصدره المركز القومي للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية (NSF)، یهاجر سنويا 180 ألفا من خريجي الجامعات الإيرانية خارج بلادهم، ولا يعود أغلب الطلاب الإيرانيين الذين يتخرجون من جامعات أمريكية إلى طهران مرة أخرى، حيث إن هناك نحو 240 ألف مهندس وفيزيائي، وأكثر من 170 ألف خريج في المجالات الأخرى ما زالوا يقيمون في بلاد «العم سام».

فليذهبوا إلى الجحيم!

بدأت ظاهرة «هجرة العقول» في البلاد مع «التجنيد الإجباري» للشباب أثناء حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، خلال الفترة من سبتمبر/أيلول 1980 حتى أغسطس/آب 1988، حيث أدت حاجة الحكومة لقوات جديدة وارتفاع معدل الوفيات بين هذه القوات، إلى هروب الشبان الإيرانيين ممن هم في سن التجنيد إلى بلدان أخرى.

وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 1980، استخف «الخميني» مؤسس الجمهورية الإيرانية بهذه الظاهرة الخطيرة، قائلًا في خطاب عام: "إنهم يتحدثون عن أن هناك هجرة للعقول في بلادنا، دع هذه العقول المتهالكة تفر، لا تحزنوا عليهم، هل علينا أن نقلق لهرب هذه العقول إلى الولايات المتحدة أو بريطانيا؟ دعها تفر ويحل محلها أخرى مناسبة أكثر. والآن، لماذا تتناقش مع هذه العقول العفنة لهؤلاء الأشخاص الضائعين؟ دعهم يهربوا، ويذهبوا إلى الجحيم جميعا"!

وحسب «صندوق النقد الدولي»، ارتفعت نسبة هجرة المتعلمين تعليمًا عاليًا في إيران إلى 15% في أوائل عقد التسعينيات من القرن العشرين، حيث يغادر البلاد ما يزيد عن 150 ألف إيراني سنويا منذ ذلك التاريخ، كما أن نحو 25% من الإيرانيين الذين حظوا بالتعليم ما بعد الثانوي هاجروا إلى الخارج. وأظهر تقرير صادر عن صندوق النقد عام 2009 أن إيران تتصدر قائمة البلدان التي تفقد «النخبة الأكاديمية» لديها، بمعدل خسارة سنوية يتراوح بين 150 إلى 180 ألفا من المتخصصين. وهو ما يعادل خسارة 50 مليار دولار أمريكي كل عام.

كما أدت حملة القمع السياسي غير المسبوقة التي تلت احتجاجات الانتخابات الإيرانية عام 2009 إلى «نزوح» عدد كبير من أفراد النخبة الإيرانية. وكشفت تقارير عن أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» تقوم منذ تلك السنة بعملية سرية تحمل اسمًا رمزيًا هو «مشروع هجرة العقول»، بهدف استدراج المواهب الإيرانية النووية بعيدًا، وبالتالي تقويض البنية التحتية لبرنامج إيران النووي.

وتلعب المنافسة الشديدة للحصول على مقاعد جامعية في إيران  دورًا رئيسيًا في تفاقم هذه الظاهرة، حيث لا يتم قبول سوى حوالي 11٪ فقط من حوالي 1.5 مليون شخص يخوضون امتحانات الجامعات سنويا. وحتى بعد الحصول على الشهادة الجامعية، لا يجد الشباب إلاّ عددا قليلًا من الوظائف متاحة. ووفقًا للإحصاءات الرسمية، فمن بين 2700 ألفا من خريجي الجامعة الذين يدخلون سوق العمل كل عام، يستطيع 75 ألفا فقط أن يعثروا على وظائف.

وهذا الهروب لرأس المال البشري يكلف الحكومة الإيرانية أكثر من 38 مليار دولار سنويا، أي ما يعادل ضعف الإيرادات المتحصلة من بيع النفط. ووفقًا للخطة التنمية الخمسية، تحاول الدولة الإيرانية خلق فرص عمل لمواطنيها العاطلين عن العمل، غير أن نتائج هذه الجهود لم تتحقق حتى الآن. وبالتالي، فإن الدولة لا تزال غير قادرة على الاستفادة من الشتات المتعلم أو مجموعة الخبراء العاطلين عن العمل في الداخل.

وفي عام 2005، وعشية الانتخابات الرئاسية التي حملت أحمدي نجاد إلى سدة الحكم، بدأت موجة هجرة جديدة، لتتكرر هذه الموجات مجددا إثر إعادة انتخاب «نجاد» للمرة الثانية عام 2009، وهي الفترة التي شهدت حملة اعتقالات واسعة في صفوف المعارضين، تبعتها اغتيالات وتصفيات جسدية.

وقال الباحث الإيراني باهمان أميني، الذي يعيش لاجئا في العاصمة الفرنسية باريس، إن “الكثير من اللاجئين لقوا حتفهم اثناء عمليات الهروب إلى خارج البلاد، وخصوصا على الحدود التركية والباكستانية، لقد كانوا يحاولون التسلل خارج الحدود خلسة تحت جنح الظلام وأحيانا في برد قارس أو في ظل تساقط الثلوج. ويقطعون مئات الكيلومترات مشيا على الأقدام”.

الهروب الكبير للعقول الإيرانية

استخدم الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني مصطلح «هجرة النُخب» أو «فرار العقول» للتعبير عن الأزمة التي تعاني منها إيران منذ عدة عقود، لافتاً إلى مغادرة ما يقرب من 150 ألف طالب سنويا، بحثا عن فرصة للتعليم أو للعمل في الخارج.

وفي يناير/ كانون الثاني 2015، قال رضا فرجي دانا، وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا الإيراني، الذي تم سحب الثقة منه بعد ذلك، إن 150 ألفا من أصحاب المواهب والملكات العالية يهاجرون كل عام من إيران، بما يعادل خسارة سنوية قدرها 150 مليار دولار.

وتعليقًا على ذلك، قال الأكاديمي الأمريكي – الإيراني الأصل- داود نبي راحني، أستاذ الكيمياء بجامعة «بيس» الأمريكية، إن “خسارة إيران أكبر بكثير من تقديرات الوزير، فيجب ألا ننسى وجود أعداد كبيرة من الإيرانيين الحاصلين على الجنسية الأمريكية، فضلا عن المهاجرين الإيرانيين غير الشرعيين. نحن نتحدث إذن عن أرقام فلكية تصب في الاقتصاد الأمريكي من المهاجرين الإيرانيين”، مشيرا إلى أن “المال لم يكن السبب الرئيسي وراء هجرتنا، ولو أقمنا في إيران لكنا أكثر ثراء، فهناك متطلبات أكثر أهمية من الراتب الشهري الكبير؛ مثل حرية الاختيار، والعيش دون سحابة سوداء تحوم حول حياتك، ومستقبل واضح لأطفالنا”.

من جانبه، يقول رضا منصوري، وهو نائب سابق لوزير العلوم وأستاذ للفيزياء في جامعة شريف للتكنولوجيا في ظهران، إن “السبب الذي يغذي نشاط الهجرة ليس هو فقط الرواتب المتدنية، بل يريد الطلاب أن يكونوا قادرين على النمو والازدهار من الناحية الفكرية، وهذا المجتمع لا يسمح لهذا أن يحدث”.

ويضيف «منصوري» أن “الأستاذ الجامعي يقضي حوالي ساعة يوميًا وهو يكتب رسائل التوصية إلى طلابه الذين يقدمون طلبات الدراسات في الجامعات الأجنبية. وفي كل سنة نقبل حوالي 50 طالباً في قسم الفيزياء. وقد كنت أقوم بإحصاء الطلاب الذين يبقون في إيران. وتبيّن لي العدد الباقي من هؤلاء الطلبة هو اثنين فقط”.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.