يعطي تسليط الضوء على تأثيرات تغيير المناخ على نهر زاينداه، والذي كانت المياه تتدفق عبره حول مدينة أصفهان، لمحة عن مدى الدمار الذي سيلحق بالقطاع الزراعي خلال السنوات المقبلة في ظل قسوة الجفاف التي أثرت أيضا على السدود.
وتتنامى مشاعر الإحباط لدى الإيرانيين بشأن رد فعل قادة البلاد على العقوبات الأميركية المعوقة للاقتصاد بعد أن انخفض الدعم العام للمزارعين إلى مستوى قياسي.
وتشكل الأزمة التي تختمر منذ فترة طويلة حول ندرة المياه، نتيجة عقود من التوسع الصناعي غير المنضبط، تحديا يمكن أن يطغى على معركة إيران مع الولايات المتحدة حول كيفية إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
وتقول طاهرة، ناشطة بيئية شاركت في احتجاجات أصفهان مؤخرا، لوكالة بلومبرغ إن “مياه الشرب لدينا تزداد سوءا والمزارعون يفقدون مصادر رزقهم”.
سوزان شماير: الحفر غير القانوني يتزايد في عدة مناطق فالسلطات ليست لها بدائل
ويكشف تغير المناخ عن نقاط الضعف في الاقتصاد الإيراني المبني على استخراج النفط والممارسات الزراعية غير المستدامة مع ارتفاع حرارة الكوكب خلال منتصف القرن الحالي.
وتظهر الأرقام أن الزراعة تمثل 90 في المئة من جميع استخدامات المياه في إيران، وهو ما يعني أنه في غيابها تتضاعف الاحتمالات التي تهدد الأمن الغذائي.
ووفقا لدراسة أجريت عام 2019 ونشرت في المجلة العلمية نيتشر، فإن من المرجح أن تشهد إيران فترات أطول من درجات الحرارة المرتفعة للغاية بالإضافة إلى فترات الجفاف والفيضانات الأكثر تكرارا.
لكن التأثير سيكون حادا فقد كتب الباحثون في نيتشر حينها إنه “دون تدابير التكيف المدروسة، قد تواجه بعض أجزاء البلاد قابلية محدودة للسكن مستقبلا”.
آثار سوء إدارة أزمة المياه
- 300 بلدة ومدينة إيرانية تواجه ضغطا مائيا حادا
- 97 في المئة من مساحة البلاد متأثرة بالجفاف
- 20 مليون شخص أجبروا على الانتقال إلى المدن لأن الأراضي لم تعد صالحة للزراعة
- 14 في المئة نسبة انخفاض مستوى السدود بين عامي 2017 و2020 لقلة الأمطار
ويقدر خبراء الأرصاد الجوية في إيران أن 97 في المئة من مساحة البلاد متأثرة بالجفاف، بينما يقول أحد الأكاديميين إن 20 مليون شخص من أصل 82 مليون نسمة هم تعداد سكان إيران أجبروا على الانتقال إلى المدن لأن الأرض جافة جدا للزراعة.
وحذرت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية من أن أكثر من 300 بلدة ومدينة تواجه الآن ضغطا مائيا حادا بفعل الانخفاضات الهائلة في هطول الأمطار وانهيار السدود ونضوب مخازن المياه الجوفية والسطحية.
وسجلت عدة سدود مستويات قياسية من التبخر هذا العام، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي في ذروة أحد أكثر فصول الصيف حرارة على الإطلاق، كما انخفض تساقط الثلوج، الذي يمثل 70 في المئة من المياه في نهر زاينداه، بواقع 14 في المئة بين عامي 2017 و2020.
ويؤدي تغير المناخ إلى تفاقم عواقب قرارات الحكومات السابقة، فقد أدى الضغط من قبل السياسيين منذ 1979 إلى تحويل أصفهان إلى مركز رئيسي لصناعة الصلب، ما أدى إلى زيادة التلوث وإرهاق مواردها المائية.
وبدأت مياه نهر زاينداه في الاختفاء قبل عقدين من الزمن بعد أن حوّل المهندسون تدفقاته لدعم المنشآت الصناعية خارج مدينة صحراوية أخرى.
وحتى مع تضاؤل الإمدادات، يواصل الإيرانيون الذين يمكنهم الوصول إلى المياه الإفراط في الاستهلاك. وتشير الإحصائيات إلى أن الفرد في العاصمة طهران يستخدم من المياه ثلاثة أضعاف ما يستخدمه شخص في هامبورغ بألمانيا.
ونظرا للمشكلة المزمنة فقد لجأ الناس إلى حفر الآبار بشكل غير قانوني للبحث عن المياه التي يمكنهم الحصول عليها، حتى مع ظهور المزيد من الآبار القانونية على الأراضي المعتمدة.
وأشار مسؤول سابق في شركة المياه الإقليمية التي تديرها الدولة لإحدى وكالات الأنباء الحكومية، إلى إن المزارعين في أصفهان حفروا أكثر من 10 آلاف بئر غير قانوني في السنوات الأخيرة.
وتقول سوزان شماير الأستاذة المشاركة في قانون المياه والدبلوماسية في معهد آي.أتش.إي ديلفت لتعليم المياه في هولندا، إن تطبيق سياسات تقنين المياه ووقف الحفر غير القانوني قد يؤدي إلى المزيد من الاضطرابات.
وتضيف “هناك 130 ألف بئر غير شرعية لكن لا يوجد جهد لسدها.. السؤال هو: ما هي البدائل وما هي الآثار الاجتماعية؟”.
وفضلا عن ذلك، لا توجد نية لإيران، سادس أكبر منتج في العالم لثاني أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري، للانضمام إلى الجهود العالمية للحد من الانبعاثات أو الاستثمار في تدابير للحفاظ على المياه.
ويعتمد الاقتصاد الإيراني على إنتاج النفط والصناعات الثقيلة من أجل البقاء، في حين أن معظم المسؤولين يقبلون بوجود مشكلة، ففي مقابلة متلفزة في الخامس من ديسمبر الجاري أقر الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي بأزمة المياه.
وقال إن المسؤولين تلقوا تعليمات “للوصول إلى لب المشكلة والعمل على حلها”. وأضاف “هناك مشاكل ولكن هناك حلول أيضا لسنا في طريق مسدود”، لكن الحكومة لم تنشر بعد أي خطط مفصلة.
ويتتبع سهيل شريف، مزارع فستق في محافظة كرمان الوسطى، جذور الأزمة إلى السياسات التي تم تنفيذها بعد 1979، حيث أرادت القيادة المعزولة حديثا عن الغرب الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي. وشجعوا الأسر الريفية على بدء الزراعة وتزويدها بالمياه المدعومة بشكل كبير، وتلا ذلك فورة لبناء السدود.
ويقول شريف “قال القادة الجدد إن الولايات المتحدة تريد أن تجعلنا نعتمد على وارداتهم من القمح، وأخبروا الجميع أنه يمكنهم حفر الآبار”.
ويقدر أن 95 في المئة من أكثر من ألف بئر في حيه تم حفرها بإذن من الحكومة، بغض النظر عن موقعها أو تأثيرها على الموارد المائية.
وتقع مزرعة شريف على أرض تتمتع بوصول جيد للمياه العذبة. لكن المزارعين الآخرين لم يحالفهم الحظ، فقد وجد بعض جيرانه الذين لديهم أرض قريبة من السهل الصحراوي أنه كلما حفروا أعمق من أجل الآبار، أصبحت المياه أكثر ملوحة، حتى أصبحت غير صالحة للشرب وغير صالحة لزراعة المحاصيل.
ويعد شريف أحد المزارعين النادرين الذين اعتمدوا طرق الري بالتنقيط لتوصيل المياه مباشرة إلى أشجاره، وعندما يحتاجون إليها فقط وأصبح معظم أقرانه معتمدين على إغراق حقولهم أو استخدام أنظمة الرش المهدرة.
ولدى الكثير من المتابعين ومراكز الأبحاث قناعة بأن الحملة الحكومية في منتصف العقد الأول من القرن الحالي لتشجيع الري بالتنقيط فشلت بكل المقاييس.
ويقول شريف إن المشكلة في الأساس تتعلق بكيفية إدارة الاقتصاد إذ “لا يمكنك تشجيع الناس على النظر إلى المياه على أنها بركة كبيرة متاحة للجميع ليستخدمها، ثم تخبرهم أن عليهم التعامل معها كمورد ثمين”.
وفي مواجهة انتقادات لسياساتها المائية، لدى القيادة الإيرانية رد مألوف إلقاء اللوم على العقوبات الأميركية، ففي قمة المناخ في غلاسكو، جادل علي سالاجي نائب الرئيس للشؤون البيئية بأن القيود منعت إيران من اتخاذ خطوات لحماية البيئة.
وتقول طهران إنها ستخفض الانبعاثات بنسبة 4 في المئة بحلول نهاية العقد الحالي، وهو هدف يترجم بالفعل إلى 5 أضعاف مستويات تسعينات القرض الماضي ويمكن أن تستهدف خفضا بنسبة 12 في المئة إذا تم رفع العقوبات.
شيرين حكيم: لجأت إيران إلى استخدام موارد عالية للحفاظ على اقتصادها المتضائل
ويبدو أن للحظر الأميركي بعض التأثير، فلقد أوقفت العديد من المشاريع الأوروبية، التي كانت تهدف إلى تطوير أنظمة إدارة المياه في إيران، بما في ذلك مشروعان مدعومان وممولان من قبل وكالة التنمية الألمانية.
وبحسب شماير فإنه في العام 2014 تم حظر أكثر من 7.6 مليون دولار من الأموال من مرفق البيئة العالمية المخصصة لحماية التنوع البيولوجي في إيران.
ومع ذلك، كلما خففت العقوبات، كما حدث في 2016، ركز صانعو السياسات على تحديث صناعة النفط باعتبارها أسرع وسيلة لدعم النمو.
وفي أوقات الاضطرابات الاقتصادية، تتمثل إحدى أسهل الطرق لتجنب الاضطرابات في توفير فرص عمل من خلال إطلاق مشاريع بنية تحتية كبيرة، مثل السدود والمصافي.
لكن تكاليف نهج “اقتصاد المقاومة” هذا غالبا ما يتحملها المواطنون الذين يفقدون صبرهم، وخاصة أولئك الذين يعيشون في المناطق الحدودية الفقيرة الذين تم تهميشهم تقليديا بسبب عرقهم أو دينهم.
وتقول شيرين حكيم الباحثة في مركز السياسة البيئية في لندن “من خلال إعطاء الأولوية للتنمية المتسارعة، لإثبات تحديها للإكراه الغربي والاكتفاء الذاتي كهدف من أهداف النظام، لجأت إيران إلى استخدام موارد عالية للحفاظ على اقتصادها المتضائل”.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية