أدى مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الخليفة المحتمل للمرشد الأعلى علي خامنئي، إلى تجدد التكهنات حول خليفة خامنئي الطاعن في السن، والذي يعاني من متاعب صحية. وسلّط هذا التغيير الدراماتيكي الأضواء على نجل المرشد مجتبى خامنئي، المعروف داخل إيران بـ "مرشد الظل"، وإمكانية أن يجد "مجتبى" أخيرًا، طريقه إلى عرش إيران.
وتتحول الأنظار الآن إلى نجل المرشد مجتبى خامنئي، الذي يتمتع بتأييد كبير في بعض الأوساط المتشددة، حيث يعتقد جزء كبير من رجال الدين والمؤسسات الأمنية في النظام الإيراني أنه يجب الحفاظ على النظام بصورته الحالية، وضرورة تجنب أي تغيير.
والغريب في الأمر، أن هؤلاء يبرزون في أحاديثهم الخاصة والعامة "أوجه الشبه" بين مجتبى ووالده. وقد نشرت خلال السنوات الماضية ذكريات وروايات كثيرة لمسؤولي النظام وتدور جميعها حول أن "مجتبى يشبه والده"!
وهناك بعض المجموعات السياسية المتشددة في البلاد غير راضية عن أسماء المرشحين لانتخابات الرئاسة المقبلة، تعتبرها غير كفؤة وتفتقد المؤهلات اللازمة، وتطالب بترشح مجتبى لمنصب الرئيس.
ومؤخرًا، ناشد وهاب عزيزي، أمين عام مجموعة تطلق على نفسها اسم "جهاديو إيران الإسلامية"، في رسالة مفتوحة إلى المرشد علي خامنئي، بالسماح لابنه مجتبى بالتسجيل في الانتخابات الرئاسية.
ورأى هذا الناشط السياسي الأصولي أنه "لا يوجد مرشح كفؤ بين المرشحين الحاليين، لذا لا يمكن لأي من المرشحين أن يلبي توقعات الشعب، لا أحد يستحق حمل راية إدارة البلاد إلا آية الله مجتبى خامنئي"!
منذ سنوات، تتضارب وجهاتُ النظر المعنية بتحديد هُوية الشخصية المرشحة لخلافة المرشد الحالي علي خامنئي، حال وفاته أو عجزه كليًا عن ممارسة مهام منصبه الذي يشغله منذ وفاة مؤسس النظام "الخميني" عام 1989. وقد عزَّز ذلك الخلافَ النظري، التوجهات المتباينة داخل منظومة الحكم في إيران بشأن خليفة خامنئي، خاصة بين التيار الإصلاحي والمتشددين و"الحرس الثوري"، حيث يميل الإصلاحيون إلى تنصيب حسن الخميني، بينما يرى "الحرس" مجتبى خامنئي شخصًا ملائمًا للمنصب، ويمكنه أن يواصل نهج سياسات أبيه.
وعلى مدار هذه السنوات، بات مجتبى يُعرف أيضًا بـ "قائد الظل" للبلاد، إذ تقول المصادر إنه يسيطر على أهم المؤسسات الأمنية، ومن أهمها جهاز الاستخبارات التابع لـ "الحرس الثوري"، الذي يتم تعيين رئيسه من قبل مكتب المرشد مباشرة.
في تقرير لها وصفت هيئة الإذاعة البريطانية خامنئي الصغير بأنه "الرجل الغامض" الذي يتحكّم في كل صغيرة وكبيرة في البلاد. كما سبق واعتبرته "الجارديان" البريطانية، بأنه مفتاح بيت المرشد الذي يفتح البيت بوجه من يشاء ويغلقه في وجه غير المرغوب بهم.
وثمة تقارير صحفية تفيد بأنّ مجتبى خامنئي يعتبر الأكثر ثراءً ونفوذًا بين الشخصيّات السياسية في إيران، إذ تقدّر ثروته بنحو ثلاثة مليارات دولار، أودع معظمها في بنوك المملكة المتحدة وسوريا وفنزويلا، وأما مقدار ثروته من الذهب والألماس فيفوق 300 مليون دولار.
وفي أغسطس/آب 2022، رفعت المؤسسة الدينية الإيرانية "مجتبى" إلى مرتبة ما يسمى "آية الله"، وهي رتبة دينية تمنح لمن بلغ درجة الاجتهاد في المذهب الشيعي، ولقب ديني سيحتاج إليه ابن خامنئي فيما بعد، ليصبح المرشد الأعلى لإيران، ما عزز الشكوك حول احتمالية خلافة والده، خاصة أن القرار جاء في الوقت الذي تدهورت فيه صحة خامنئي الأب الذي كان قد تجاوز الثمانين عامًا.
يومًا بعد يوم، تزايدت المخاوف القوى السياسية الإيرانية من تعاظم دور "مجتبى" داخل مكتب المرشد، أو ما يعرف بـ "بيت رهبري"، الذي يشرف من خلاله خامنئي على جميع التفاصيل والأحداث وشؤون البلاد، عبر العشرات من المستشارين والسياسيين والعسكريين والاقتصاديين، الذين لا يتم تعيينهم قبل أن يثبت ولاؤهم للمرشد ونجله شخصيًا.
رغم ذلك، قلل مجتبى خامنئي من ظهوره علنًا، بناء على نصيحة والده، وكان الظهور الأول له على سطح الحياة السياسية الإيرانية، خلال دعمه للرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية عامي 2005 و2009، والتي فاز فيها نجاد، وأدت إلى اندلاع "الانتفاضة الخضراء" الدامية.
هذا الأمر، دفع المرشح الخاسر مهدي كروبي، وقتها، إلى توجيه رسالة للمرشد خامنئي في 20 يونيو/حزيران 2005 لكي يستوضح فيها موقفه قائلًا: "بالرغم من أن مواقف سيادتكم شفافة، ولكن هناك أنباء تتحدث عن دعم نجلكم الموقر السيد مجتبى لأحد المرشحين، كما سمعت بعد ذلك بأن أحد كبار الشخصيات أبلغكم بأن (ابن السيد يدعم فلان) فرددتم عليه: إنه ليس ابن السيد بل هو سيد، لذا فإن هذا القول يدل على أن الدعم المذكور كان من السيد مجتبى، وليس من فضيلتكم".
وخلال العقود الماضية، كان على العديد من مرشحي الرئاسة كسب تأييد مجتبى أولًا قبل الإعلان عن ترشحهم، لذلك يصفه الإصلاحيون بأنه "مهندس الانتخابات وصانع الرؤساء".
ويرى هؤلاء الإصلاحيون، أن سبب تدخل مجتبى في الانتخابات هو سعيه إلى اختيار رئيس يتناسب مع توجهه لخلافة والده في منصب المرشد، وأن استمرار هذا الوضع قد يؤجِّج احتجاجات واسعة، رفضًا للتوريث.
وكان الرئيس الأسبق محمد خاتمي، ومجموعة من كبار القياديين الإصلاحيين، وجهوا تحذيرًا للمرشد، معربين عن مخاوفهم من تصاعد دور مجتبى داخل دوائر صنع القرار، مما قد يؤدي إلى نتائج كارثية لا تحمد عقباها، لا سيما أنه يقف وراء قرارات اتخذها البرلمان، تتعلق بتسريع الأنشطة النووية.
ومن بين القرارات التي اتخذها البرلمان، وكان مجتبى يقف وراء هندستها، القانون الخاص بتسريع الأنشطة النووية ورفع تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المئة، والمشروع المسمى «خطة العمل الاستراتيجية لرفع العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية»، الذي تم التصويت عليه بموافقة 251 نائبًا من أصل 290، وكان أغلب المؤيدين لهذا القانون هم من المقربين لـ مجتبى.
وصوله إلى منصب ولي الفقيه يثير جدلًا واسعًا حول تحويل ولاية الفقيه إلى سلطنة وراثية، وهذا الجدل كان قد أثير بعد وفاة مؤسس النظام روح الله الخميني، إذ كان أحمد الخميني الذي لعب أدوارًا تشبه أدوار مجتبى خامنئي أيام حياة والده، قرر الابتعاد من الساحة وأفسح المجال أمام خامنئي بعد وفاة والده.
وربما كان قبول أحمد الخميني الابتعاد من الساحة يعود لظنه بأنه سيكون شريكًا لخامنئي ورفسنجاني بعد تمهيدهما لوصوله إلى منصب ولاية الفقيه، لكن مجتبى خامنئي تلقى هذا الدرس من والده، ويعرف أن السلطة المطلقة لا يمكن أن تأتي عبر "الشراكة"، ومن يصل إلى رأس هرم السلطة بإمكانه القضاء على الآخرين بجرة قلم مثلما فعل والده في التعامل مع شركائه، وربما يشكل هذا الأمر مفتاحًا لفهم إلغاء المنافسين لمجتبى خامنئي من الساحة وموتهم واحدًا بعد الآخر.
على كل حال، فإن الواقع الجديد الذي سوف يفرضه رحيلُ خامنئي عن المشهد السياسي الإيراني، وخلّو المشهد من قامة دينية كبرى، قد يقودنا إلى احتمالية تولي مجتبى خامنئي خلافة أبيه في منصبه، ليكون بذلك "المرشد الأخير".
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية