مرتكزات المشروع الإيراني في المنطقة العربية

- 17 إبريل 2022 - 1369 قراءة

تتسم السياسة الخارجية الإيرانية بطبيعة معقّدة ومتشابكة؛ فالباحث والمهتم بهذه السياسة يجد عند دراسته ومتابعته لها، التورية والإبهامات ظاهرةً في جوانب كثيرة منها، حيث يتداخل فيها الديني بالقومي، والثورية بالبرجماتية.

كما اتسمت السياسة الخارجية الإيرانية بالإثارة والمراوغة وتوزيع الأدوار واللعب على عامل الزمن، وقد انعكست كل هذه الملابسات على طبيعة السياسة الإيرانية تجاه المنطقة العربية متأثرة بالعوامل والمرتكزات التي اعتمدتها كأساس لتحركاتها.

وكي نقف على طبيعة السياسة الإيرانية الخارجية، لا بد لنا من معرفة تلك العوامل والمرتكزات، خاصة الأساسية منها، المؤثرة في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه العرب وقضاياهم.

 

1- المرتكز الجغرافي:

 

يعدّ الموقع الجغرافي من العوامل الأكثر تأثيراً في صياغة السياسة الإيرانية الخارجية في المنطقة؛ فالموقع الجغرافي من أهم العوامل المؤثرة والدائمة في سياسة إيران الخارجية ومن أكثر مقوماتها ثباتاً، إذ تقع إيران في الجزء الغربي من قارة آسيا، وتمتلك مساحة كبيرة شكلت من خلالها مساحة جغرافية متكاملة انعكست على سياستها الداخلية والخارجية. ويمتاز موقع إيران الجغرافي بأنه من المواقع المفتوحة نحو الخارج، إذ تمتلك إيران سواحل بحرية طويلة موزعة على أكثر من منفذ بحري؛ من جهة الشمال (بحر قزوين)، ومن جهة الجنوب الغربي (الخليج العربي)، وتعد هذه السواحل نافذة إيران الرئيسة على العالم الخارجي، إذ تسيطر إيران من خلالها على ممرات مائية مهمة وحيوية، وقد كانت لهذه المنافذ البحرية تأثيرات كبيرة على طبيعة العلاقات الإيرانية مع العالم الخارجي، لا سيما دول الخليج العربي، كما شجعها هذا الموقع على الاتصال المباشر مع البحار المفتوحة، خصوصاً من جهة الجنوب، وأضاف لإيران قوة بحرية من خلال بناء القواعد العسكرية على تلك السواحل، لا سيما سواحل الخليج العربي[1].

 

2- المرتكز التاريخي:

 

يعدّ العامل التاريخي من العوامل المهمة في سياسة إيران الخارجية؛ فهو يتلازم مع المرتكز الجغرافي في رسم وصياغة سياساتها تجاه المنطقة العربية، وتستخدم القيادة الإيرانية هذا المرتكز في تفسير طبيعة فهمها للماضي والاستفادة منه في تعبئة الجيل الحاضر وطنياً وفكرياً، وتحديد وصياغة وجهات نظرها نحو المستقبل. وتاريخ الدولة الإيرانية التي برزت قبل 12 قرناً من ظهور الإسلام، فرضت خلاله سيطرتها على مناطق شاسعة شرقاً وغرباً؛ لذا أصبح العامل التاريخي بالنسبة للدولة الإيرانية عاملاً مهماً في رسم سياستها عبر التاريخ، وأساساً وقاعدة منهجية في سياسة التوسع الخارجي. وقد اعتمدت إيران في ظل الأنظمة المتعاقبة، وفي ظل النظام الراهن؛ على مبدأ التعامل الفوقي مع العرب، منطلقة من العامل التاريخي الذي كانت لإيران فيه، في عهد الإمبراطورية الفارسية، سلطة على بعض الدول العربية بحكم كونها إمبراطورية كانت تتسم بروح التوسع والهيمنة والسيطرة العسكرية.

 

3- المرتكز الديموغرافي:

 

للمرتكز الديموغرافي، أو كما يعرف بالتركيب الاثني، للمجتمع الإيراني؛ تأثير أيضاً في السياستين الداخلية والخارجية لإيران.

لقد أدركت السلطة السياسية الإيرانية، ولفترات زمنية طويلة، أن استمرار بقاء الدولة الفارسية واستمرار قوتها يكمن في السيطرة على تلك القوميات؛ من خلال إخضاعها لتهديد أو تحدٍّ خارجي، وإثارة شعور الخوف لدى تلك القوميات من خطر تعتقد أنه يهدد الدولة الفارسية، وكثيراً ما كان ذلك التحدي في نظرها هو التهديد القادم من الغرب، والمقصود به العرب. وتجسد رد الفعل الإيراني على هذا التهديد من خلال محاولة التوسع والسيطرة على بعض الأراضي العربية المجاورة، حيث اعتمدت السلطة السياسية في إيران على مبدأ التوسع الخارجي مسوغاً لسياسة التوسع الداخلي، من خلال الهيمنة والسيطرة على القوميات غير الفارسية.

كما استغلت إيران وجود بعض الجاليات الإيرانية في العراق ودول الخليج العربي التي هاجرت بدوافع اقتصادية، فأخذت تشجع على الهجرة إلى تلك المناطق بشتى الوسائل والأساليب، وتحديداً نحو سواحل الخليج العربي، وقد مارست إيران هذه السياسة منذ القرن التاسع عشر واستمرت عليها إلى ما بعد النصف الأول من القرن العشرين.

 

4- المرتكز العقائدي:

 

وجدت إيران في التشيع متراساً يحمي هويتها القومية والثقافية، ورمحاً تطعن به، وسهماً ترمي به، ووسيلة تخترق بها الدول العربية والإسلامية. وما حصل من حروب صفوية عثمانية، وما تقوم به اليوم في العراق ودول منطقة الخليج العربي وبلاد الشام؛ يُظهر بوضوح مدى استغلال السلطة الإيرانية لهذا المرتكز. فعلى الصعيد الداخلي تعامل العربي الشيعي الأحوازي بمنطلق قومي عنصري، وتعامل السني الإيراني، وإن كان أعجمياً، من منطلق طائفي، حيث إنها ترى في الفكر الإسلامي السني مشروع تعريب، وترى في العربي عدواً ثقافياً وتاريخياً لا يمكن التعامل معه، لكنها في التعامل الخارجي تقوم على استغلال عواطف الشيعي، عربياً كان أو أعجمياً، ومحاولة ربطه بإيران من خلال الخطاب الطائفي المبني على العاطفة.

وإذا ما قرأنا السياسة الخارجية الإيرانية بتمعّن، نجد أن هذه المرتكزات الأربعة اعتمدت كمرتكزات لحروبها الدامية عبر القرون الماضية وحروبها في الوقت الراهن.

المؤسسات الداعمة للمخططات السياسية والأمنية الإيرانية في المنطقة:

لقد اعتمدت السياسة الخارجية الإيرانية على المرتكزات الأربعة التي أشرنا إليها واتخذتها أساساً ومنطلقاً لتصدير الثورة، «والتي تعني التوسع وبسط النفوذ الإيراني»، ليس في منطقة الخليج العربي فحسب، بل في عموم منطقة الشرق الأوسط، مستغلة جملة من العوامل والظروف «الدينية والسياسية والتاريخية والاقتصادية» لتحقيق أهدافها المنشودة.. كما اتخذت من مناطق في آسيا الوسطى وشمال إفريقيا مراكز نفوذ لها وقواعد ارتكاز لتحقيق اختراقات في البلدان التي تم تحديدها لتكون هدفاً لمشروعها.

وللتغطية على مآربها الحقيقية، فقد اتخذت السياسة الخارجية الإيرانية من القضية الفلسطينية ودعم بعض الفصائل الفلسطينية؛ غطاءً لكسب التعاطف العربي والإسلامي؛ ومن الأقليات الشيعية في البلدان العربية حصان طروادة لمخططها؛ ومن معاداة أمريكا والكيان الصهيوني شعاراً لها؛ ومن تقديم المعونات المادية والعسكرية لبعض الدول العربية والإفريقية الفقيرة مدخلاً للنفوذ وقواعد انطلاق نحو الدول المستهدفة.

وقد قامت إيران بتأسيس سلسلة من المؤسسات والدوائر لتكون أجنحة لوزارة الخارجية لمساعدتها على تحقيق استراتيجيتها، ومن بين هذه المؤسسات يمكن ذكر الأسماء التالية:

 

- المستشاريات الثقافية الإيرانية:

 

تقوم على نشر وتدريس الثقافة الفارسية وكسب المتعاطفين ونقلهم لإيران لإكمال التعليم باللغة الفارسية وتغذيتهم بمزيد من الثقافة والأفكار، ومن ثم تجنيدهم عبر تقديم المغريات المادية والمعنوية.

 

- المجمع العالمي لأهل البيت:

 

هو تنظيم سياسي بواجهة دينية يرأسه حالياً «الشيخ محمد حسن اختري»، السفير الإيراني الأسبق في سورية، ويعمل هذا المجمع سنوياً على عقد مؤتمرات لوضع الخطط للشيعة في العالم ومراجعة ما تم إنجازه من الخطط في الأعوام السابقة.

 

- مجمع التقريب بين المذاهب:

 

يرأسه الشيخ «محسن الأراكي»، وهو رئيس المحاكم الثورية السابق في الأحواز، وعضو في حزب الدعوة العراقي. ويقوم المجمع المذكور على عمل دعائي لذر الرماد في العيون بهدف إبعاد تهمة الطائفية عن النظام الإيراني، ودعم مشروع نشر التشيع في الدول العربية، وكسب أصحاب الحركات الصوفية وبعض الجماعات الإسلامية السياسية المعروفة تحت عنوان الوحدة الإسلامية.. أسس المجمع عام 1990م بأمر من علي خامنئي.

 

- منظمة التبليغ الإسلامي:

 

تقوم بالإشراف على الحسينيّات والمراكز الدينية الشيعية في الخارج وتقديم الدعم والرعاية لها، ومدّ هذه المراكز بمبلّغين (قراء المراثي) يتم إرسالهم من إيران بعد أن يجري إعدادهم إعداداً جيداً للمهام المنوطة بهم. إضافة إلى ذلك تقوم المنظمة بطبع الكتب الدينية والثقافية وتوزيعها بالمجان وتعقد المؤتمرات؛ لنشر ثقافة التشيع وتمجيد النظام الإيراني ورموزه.

 

- المدارس الإيرانية في الخارج:

 

تعمل على نشر الثقافة الإيرانية من خلال فتح باب القبول لغير الإيرانيين مجاناً، وكسب الطلبة الإيرانيين المقيمين في الخارج وتجنيدهم لصالح النظام ضد المعارضة، والقيام ببناء علاقات مع غير الإيرانيين وكسبهم لصالح إيران.

 

- الحوزات الدينية في الخارج:

 

تقوم على نشر تعاليم وفقه العقيدة الشيعية وقبول الطلبة من غير الشيعة وإعطائهم المنح الدراسية في قم بعد إكمالهم مرحلة ما يعرف بالمقدمات في بلدانهم.

 

- ممثليات مرشد الثورة في الخارج:

 

تقوم على تقديم الدعم المالي لطلاب الحوزات الدينية والإشراف على أداء عمل المؤسسات الإيرانية في الخارج وترويج مرجعية مرشد الثورة علي خامنئي.

وإلى جانب هذه المراكز والمؤسسات هناك دوائر أخرى تعمل في إطار تحقيق المخطط الإيراني، وهذه الدوائر بعضها ثقافي، وسياسي، وخدمي، وهي:

 

- مؤسسة جهاد البناء:

 

لها أفرع في السودان وسورية ولبنان، وتقوم بمد خطوط الكهرباء وأنابيب المياه وحفر الآبار وبناء المساكن والمدارس والطرق.

 

- لجنة الإمام الخميني الإغاثية:

 

هي مؤسسة خدمية تقدم المعونات المالية والخدمات الصحية والاجتماعية، وتعدّ من المؤسسات الثورية.. لها فروع في العراق، سورية، السودان، ولبنان.

 

- مركز حوار الحضارات:

 

هو تابع لمؤسسة رئاسة الجمهورية، ويقوم على الترويج للثقافة والحضارة الوطنية الإيرانية وتلميع صورة النظام الإيراني تحت يافطة الحوار بهدف كسب المؤيدين لإيران؛ من خلال بناء العلاقات مع المثقفين والمفكرين العلمانيين والليبراليين العرب ودعم المؤتمرات والتجمعات القومية والوطنية العربية.

 

مؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطينية:

 

يرأس هذا المؤتمر الشيخ «علي أكبر محتشمي بور»، السفير الإيراني الأسبق في سورية والمؤسس الأول لحزب الله في لبنان. ويُعقد المؤتمر في طهران مرة كل عام، ويجري فيه دعوة قيادات من فصائل الحركة الفلسطينية وبعض قادة التنظيمات الإسلامية والقومية العربية ممن لهم علاقات متينة بإيران. أما السواد الأعظم من المدعوين لهذا المؤتمر فهم كتاب وصحفيون ونخب ثقافية من عدة دول عربية وإسلامية، وأغلبهم عاطل عن العمل، ويتم إغراؤهم بالهدايا وبعض الهبات المالية ومساعدتهم على تحقيق رغباتهم في بلدانهم، ومع الأيام يصبحون مرتبطين بالمشروع الإيراني من حيث لا يعلمون أو يعلمون، بعد أن أسرتهم الإغراءات.

وتعمل جميع هذه المؤسسات في كل بلد تتواجد فيه، تحت إشراف لجنة مشتركة مكونة من السفير، ومدير مكتب المخابرات، ومدير ممثل المرشد الأعلى، وممثل من فيلق القدس، ويرأس هذه اللجنة السفير.

إن بعض هذه الدوائر والمؤسسات تعمل في أغلب الدول العربية بحرية تامة، وفي أحيان كثيرة تلقى تعاوناً ودعماً من جهات رسمية في بعض هذه الدول لتسهيل مهامها.

لقد استطاعت إيران، في ظل غياب مشروع عربي موحد لمواجهتها، تحقيق كثير من حلقات مخططها، حيث تمكّنت من بناء الخلايا والشبكات التجسّسية والجماعات الإرهابية والتنظيمات السياسية المعارضة في كثير من دول الخليج العربي، إن لم يكن في أغلبها. كما استطاعت نشر برامجها الثقافية وسط شرائح واسعة من مجتمعاتنا العربية بكل سهولة. ورغم كل هذه الاختراقات التي أحدثتها، إن بقيت في مأمن من أي رد فعل أو عمل خليجي أو عربي مماثل، فلم تعلن إيران، ولو لمرة واحدة، كشفها خلية أمنية أو جماعة سياسية مرتبطة أو تعمل لصالح دولة خليجية. وأصبح عدم التعامل مع إيران بالمثل مفخرة لدى الدول العربية عامة، والخليجية منها خاصة، بدعوى عدم تدخلها في شؤون الآخر! رغم أن لدى هذه الدول أوراقاً كثيرة تشكل نقاط ضغط فعلية على إيران، لكن من المؤسف أنه قد جرى إغفال هذه الأوراق، ومنها على سبيل المثال: الخلافات الفكرية بين مراجع الحوزة الدينية، وورقة المعارضة الإيرانية، وورقة السنة والقوميات غير الفارسية، وورقة عرب الأحواز والجزر الإماراتية، وغيرها من الأوراق الداخلية الأخرى.

يضاف إلى ذلك أن الاعتقاد السائد لدى بعض القوى والأطراف الخليجية والعربية، سواء كانت دينية أو سياسية أو ثقافية، بأن إيران اعتمدت «الشيعة» فقط لتنفيذ مخططها؛ خطأ استراتيجي ساعد على تمكين إيران من إبعاد كثير من خلاياها وأعوانها العاملين على تنفيذ مخططها، عن أنظار الرقابة؛ فمعظم الدول العربية، والخليجية منها تحديداً، دول مفتوحة وفيها جاليات من مختلف الجنسيات، وقد استطاعت إيران أن تبني مؤسسات وشركات تجارية واقتصادية مع أفراد وجماعات أجنبية وغير مسلمة في هذه الدول، وقد عملت على استغلالها في تنفيذ مآربها الخاصة.

وهذا الأمر مارسته إيران على مناطق أخرى، ففي سابقة هي الأولى من نوعها في الإعلام الإيراني نشر موقع «تابناك» التابع لأمين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام الجنرال محسن رضائي، في 20 «أكتوبر» الماضي؛ مقالة نقدية بعنوان: (بعد وزارة النفط، الخارجية في قبضة الحرس الثوري)، تطرقت إلى دور الحرس الثوري في تسيير وزارة الخارجية بعد أن شغل عدد كبير من ضباط الحرس الثوري مناصب عليا في الوزارة وبعثاتها الدبلوماسية، وذلك بعد اكتشاف محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، حيث أثيرت ردود أفعال ناقدة لسياسة وزارة الخارجية والحرس الثوري من قبل دبلوماسيين سابقين وسياسيين وكتّاب وصحفيين إيرانيين، كان من بينهم السفير الإيراني السابق في المكسيك «محمد حسن قدیري ابیانة»، حيث وجّه نقداً لدور الحرس الثوري في إدارة وزارة الخارجية، وقد أيّد «السفير ابيانة» ضمناً ما كان قد نشرته الصحافة المكسيكية قبل ثلاثة أعوام عن قيام الحرس الثوري الإيراني بدعم عصابات مافيا المخدرات وتهريب السلاح في المكسيك، حيث كانت صحفية «اونیورسال» المكسيكية قد اتهمت في تقرير لها نشرته بتاريخ 17/7/2008م، قوات من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بفتح معسكر في شمال المكسيك لتدريب عصابات إرهابية ومافيا تهريب السلاح والمخدرات. واتهمت الصحيفة السفارة الإيرانية بالقيام بمساعدة الحرس الثوري على الزواج من مكسيكيات وتغيير أسمائهم للحصول على الجنسية المكسيكية؛ لتسهيل تحركاتهم في أمريكا اللاتينية. وأكدت الصحيفة أن السفارة الإيرانية تقوم على تنظيم معارض ومؤتمرات ثقافية وحفلات تعارف تدعو إليها شباناً وفتيات مكسيكيين بهدف بناء علاقات بينهم وبين عناصر الحرس الثوري.

وهذا الأمر مطابق لما كانت تقوم به السفارات الإيرانية في كل من سورية ولبنان مطلع الثمانينيات، حيث كانت تقوم بتزويج عناصر من الحرس الثوري بفتيات لبنانيات وسوريات لغايات عدة، منها: تعلم اللغة العربية بلهجات سورية ولبنانية، والحصول على جنسيات وجوازات سفر، واكتساب النفوذ في المجتمع والتغلغل في المؤسسات والجمعيات والحركات السياسية والاجتماعية، وغيرها.

كما لا يمكن إغفال أو تجاهل استغلال إيران للأنشطة والأعمال الاقتصادية في تحقيق مآربها السياسية وأنشطتها التجسسية، فقد جاء في تصريح لمدير منظمة تنمية التجارة الإيرانية مهدي فتح الله، في 3 أكتوبر 2007م، أن الإمارات العربية المتحدة هي الشريك التجاري العربي الأول لإيران.. ووفق المصادر الإيرانية، فقد وصل حجم صادرات الإمارات إلى إيران في السنة المالية الإيرانية - 2005م، نحو 7.5 مليار دولار، فيما بلغ حجم صادرات إيران إلى الإمارات 2.5 مليار دولار. ولإيران جالية كبيرة في دول الخليج العربي؛ ففي دولة الإمارات وحدها تقدر بأكثر من نصف مليون إيراني، وهناك ما يقرب من ستة آلاف وخمسمائة شركة إيرانية تعمل في الإمارات. وبلغت الأموال التي أدخلها المستثمرون الإيرانيون إلى دبي وحدها أكثر من مائتي مليار دولار عام 2005. وهذا الأمر ينطبق على سائر دول مجلس التعاون الخليجي وإن كان بدرجات متفاوتة.

وتلتقي هذه الرؤية مع ما ورد في تقرير خاص وضعته جهة عربية أوردت فيه معلومات عن استعدادات خلايا إيرانية في عدد من الدول الخليجية لبدء تحرك مرحلي يبدأ بتجمعات شعبية في الحسينيات، ثم ينتقل إلى مستوى عصيان مدني يتمثل في إغلاق المتاجر والمحلات والامتناع عن العمل، إضافة إلى القيام بتظاهرات صاخبة. ويحذر التقرير من خطورة هذه الخطوة، لأن التجار الذين يوالون إيران مذهبياً وسياسياً، يسيطرون سيطرة شبه كاملة على أسواق المواد الغذائية والقطاعات الخدمية الحيوية في الماء والكهرباء، حيث إن العصيان المدني سيشل الحياة في هذه الدول. وهذا المخطط قد طبق جزء منه في البحرين العام الماضي قبل دخول قوات درع الجزيرة التي أنقذت الموقف في الوقت الحرج.

 

الملخـص

 

إن ما تقدم يدفع بكل مواطن عربي وخليجي غيور لأن يتمعن ملياً في هذا الاستعراض ليراجع نفسه ويتساءل عن السبب الذي جعل إيران تقوم بكل ما قامت بها حتى الآن؟ وما العوامل والأسباب التي جعلت إيران تتمكن من تحقيق كل هذا النفوذ الذي تحول إلى خطر داهم يهدد أمننا وسلامة مجتمعاتنا ودولنا؟.. فهل السبب ضعف الأجهزة الأمنية العربية وعدم قدرتها على حماية أمننا القومي؟ (وهذا نشك فيه)، أم بسبب ضعف القرار السياسي لحكوماتنا الذي شجع إيران على التمادي والتدخل في الشؤون الداخلية لدولنا وتهديد أمن واستقرار مجتمعاتنا؟ أم بسبب غياب المشروع العربي (رسمياً كان أو شعبياً) القادر على التعامل مع إيران؟.. علماً أن هناك فئات كثيرة من المجتمعات العربية لا ترى في إيران خطراً على أمنها، خاصة عندما تتم مقارنة إيران بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، فاعتقاد كون إيران دولة مسلمة وترفع شعار دعم القضية الفلسطينية، يسهل عليها اختراق المجتمعات العربية، وهذا ما هو حاصل بالفعل.

لذا نرى أن الأمر بحاجة ماسّة إلى استراتيجيين للتصدي للمسألة ودراسة أبعادها، وليس لعمل استطلاع رأي فقير معرفياً ومنهجياً؛ فالقضايا الاستراتيجية لا تناقش عبر استطلاعات رأي على صفحات مواقع الإنترنت والصحف، أو عبر الجلسات العامة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الدكتور أحمد شاكر العلاق، جامعة الكوفة، كلية الآداب - قسم التاريخ.

:: مجلة البيان

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.