فيما ظهرت مؤشرات على فشل "مفاوضات الدوحة" بشأن البرنامج النووي الإيراني، دخل هذا البرنامج خلال الآونة الأخيرة منعطفًا خطيرًا، حيث بات لدى طهران الآن حسب تقديرات المختصين، كميات كافية من عنصر "اليورانيوم" عالي التخصيب اللازم لصُنع قنبلة نووية، وستكون هذه المادة المُخصَّبة حاليًا بنسبة 60% بحاجة إلى المزيد من التخصيب إلى 90% تقريبًا، قبل الشروع في استخدامها لصناعة سلاح نووي.
وكشف مصدر رفيع المستوى في "منظمة الطاقة الذرية" الإيرانية، أن برنامج بلاده النووي عبَر "خط اللاعودة" فيما يخص تصنيع القنبلة، وأن العلماء الإيرانيين اجتازوا ما يسمى «العتبة النووية» وقاموا بتخصيب كمية صغيرة من اليورانيوم في منشأة "فوردو"، بنسبة تفوق الـ 90% الضرورية للاستخدام العسكري.
ويؤكد المختصون أن هذه العملية لن تستغرق سوى أسابيع من الآن، نظرًا إلى التقدُّم الذي حقَّقته إيران على الصعيد النووي ضمن جهودها الحثيثة في هذا المجال منذ عام 2019؛ حينما بدأت تتحلَّل من قيود الاتفاق النووي المُوَقَّع عام 2015 بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية. ورغم أن هذا التطور وحده لا يمنح إيران القنبلةَ النووية، فإنه الخطوة الأهم على طريق "صناعة القنبلة".
ودقت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، في تقريرها الفصلي الأخير، الذي نشرته مطلع يونيو/حزيران الماضي، ناقوس الخطر، معلنة أن مخزون اليورانيوم المخصب لدى إيران قد تجاوز الحد المسموح به (202.8 كيلو جرام) بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين طهران والمجموعة السداسية، بأكثر من 18 مرة.
على الرغم من النفي الرسمي، ومزاعم المرشد علي خامنئي بأن طهران لن تسعى لامتلاك القنبلة، فإن إيران قررت - بالفعل- كما يقول المراقبون إنتاج أسلحة نووية، وهي ستفعل ذلك حتمًا. ولم تفعل الدبلوماسية ولا العمل السري ولا التهديد باستخدام القوة العسكرية، الكثير لإبطاء مسيرة إيران نحو القنبلة، ناهيك بإيقافها. إن تشكيك إيران في الولايات المتحدة وطموحاتها ومساعيها للهيمنة الإقليمية، تعني أنها لا تستطيع التوقف ببساطة عند أعتاب الحصول على القنبلة، بل إنها ستمضي قُدمًا إلى نهاية الشوط، مهما كانت العواقب.
وإن الخطة الإيرانية في هذا الصدد واضحة وضوح الشمس، وكل من تعامل مع إيران يعي أنها تقول الشيء وتفعل نقيضه، ويعي أن النظام الإيراني مبني ومصمم للوصول إلى الهدف النووي، حتى لو قال المرشد الأعلى إن هناك "فتوى" بتحريم الحصول على القنبلة النووية!
والحقيقة التي يعلمها الجميع داخل إيران، أن "خامنئي" طلب من رئيس منظمة الطاقة الذرية، قبل فترة، العمل بأقصى قدرة من أجل تجاوز «الخط الأحمر»، وأن يصبح لدى البلاد القدرة الكاملة عمليًا لصناعة القنبلة النووية، والتوقف عند تلك النقطة؛ لكي تكون تلك الجاهزية ورقة ضغط في المفاوضات مع الولايات المتحدة.
ولقد اعترف وكيل مجلس الشورى الإيراني السابق، علي مطهري، في أبريل/نيسان الماضي، بأن "المشروع النووي لطهران كان يهدف لإنتاج قنبلة نووية منذ البداية، ورفع القوة الدفاعية لبلادنا، لكن لم نفلح في كتمانه وتسربت التقارير النووية السرية إلى الخارج".
وقال "مطهري" في مقابلة مع وكالة "إيسكا" الإيرانية: "عندما دخلنا النشاط النووي، كان هدفنا صنع القنابل وتقوية الردع، لكننا لم نتمكن من إبقاء الأمر سرًا، ولو تمكّنا كباكستان من صنع القنابل بشكل سري وتجربتها لكانت رادعة للغاية".
وإلى ذلك، حذرت "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" في تقرير لها صدر مؤخرًا، من أن إيران أصبحت الآن قادرة على إنتاج مكونات لتصنيع 4 قنابل نووية، وأنها تقوم بتطوير أنظمتها الصاروخية لحمل الرؤوس النووية. وهو تطور خطير بكل المقاييس خصوصًا، في ظل التوتر الإقليمي المتصاعد بشأن البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل.
وأكدت المؤسسة، أنه "في الوقت الحالي، إذا قرر النظام الإيراني صنع سلاحه النووي الأول، فقد يحتاج إلى أقل من ثلاثة أسابيع لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية. عندئذ تصبح إيران دولة عتبة نووية. ومع اقتراب طهران من هذا الحد، ستواجه الولايات المتحدة خيارًا صعبًا بشكل متزايد بين السماح للنظام بتجاوزها أو اتخاذ إجراءات حازمة، بما فيها الضربات العسكرية لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية".
فيما أصبحت إيران حاليًا على أعتاب صنع قنبلة نووية، لابد أن تشرّع دول المنطقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، جهود التحصُّن النووي الخاصة بها، أو تبدأ في برامج لحيازة القنبلة، وهو ما يُشكِّل تحديًا إضافيًا لنظام حظر انتشار السلاح النووي دوليًا.
ولا جدال أن خطوة طهران الخاصة بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم، تحمل مخاطر عديدة من شأنها أن تزيد من تأجيج سباق التسلح في منطقة الشرق الأوسط. وقد أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن، أنه "في حال حازت طهران القنبلة النووية سيكون هناك سباق على التسلح النووي في الشرق الأوسط، وهو آخر شيء نحتاج إليه في هذا الجزء من العالم".
وسبق لوزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، أن أكد في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية، أن بلاده تحتفظ بالحق في تسليح نفسها بأسلحة نووية إذا لم يكن بالإمكان منع إيران من صنع تلك الأسلحة. وأضاف "الجبير" أنه "إذا أصبحت إيران قوة نووية فإن مزيدًا من الدول ستحذو حذوها. ولقد أوضحت السعودية أنها ستبذل قصارى جهدها لحماية شعبها وحماية أراضيها".
ولعل حلفاء الولايات المتحدة وشركاءها يحاولون التهديد بأنهم سيتسلَّحون نوويا للضغط على واشنطن من أجل ضمانات أمنية ومُساعَدات دفاعية أقوى، وهي استراتيجية اتَّبعها حلفاء الولايات المتحدة في آسيا. وقد تجدُ واشنطن نفسها عالقة بين خيارين أحلاهما مُرٌّ؛ إمَّا المزيد من الالتزام العسكري تجاه الشرق الأوسط في وقت تُفضِّل فيه الانصراف إلى مكان آخر، وإما البقاء على مسافة من المنطقة، ومن ثمَّ المُخاطرة بمزيد من انتشار السلاح النووي والصاروخي حول العالم.
وعلى عكس ما يتوقعه نظام الملالي، ترى مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية المتخصصة في الشؤون الخارجية، أن الحصول على القنبلة النووية سيساهم في تقويض مساعي إيران للهيمنة الإقليمية، فالسلاح الذي سيشيد به الملالي باعتباره الخلاص الاستراتيجي للبلاد يمكن أن يؤدي بدلًا من ذلك إلى سباق تسلح نووي في جوار إيران. فمن الصعب وقوف السعوديين مكتوفي الأيدي بينما يلوح نظام الملالي بترسانة نووية. كما أن تركيا قد تشارك أيضًا في هذا الفعل. وسيصبح الشرق الأوسط فجأة أكثر تقلبًا، وستكون إيران أقل أمنًا مما هي عليه الآن.
وليس من الصعب رسم السيناريو الكابوسي الذي يمكن أن تتسبّب به حيازة إيران الأسلحة النووية. فمن شأن (إسرائيل) أن تدخل حالة تأهّب قصوى، فتصبح جاهزة لإطلاق سلاح نووي في أي لحظة، مما يجعل البلدَين على بعد دقائق فقط من الإبادة الكاملة. وسوف تتدافع مصر والسعودية وتركيا للانضمام إلى النادي النووي. وسوف تنهار معاهدة حظر الانتشار، ما يطلق موجة من الانتشار النووي في مختلف أنحاء الكرة الأرضية.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية