عمدت جماعة «الحوثي» الإرهابية، منذ استيلائها على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، إلى «تفخيخ» اليمن، بمعنى الكلمة، حيث زرعت أكثر من مليون ونصف لغم وعبوة ناسفة في مناطق سيطرتها، وحطَّمت بذلك رقمًا قياسيًا في حرب الألغام والمتفجرات والعبوات الناسفة لم يسجله العالم منذ أيام الحرب العالمية الثانية، وهو ما أدى إلى سقوط نحو 7 آلاف ضحية من اليمينين الأبرياء، ما بين قتيل ومصاب ومعاق.
وفي أحدث إحصائية عن ضحايا الألغام، كشف وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، عن أن الألغام والعبوات الناسفة التي زرعتها ميليشيا «الحوثي» تسببت في مقتل وإصابة أكثر من 7000 مدني في البلاد، غالبيتهم من النساء والأطفال والمسنين.
وقال الإرياني، إن ميليشيا «الحوثي» قامت منذ انقلابها بأوسع عمليات لزراعة الألغام منذ الحرب العالمية الثانية، مؤكدًا أن كميات الألغام والعبوات الناسفة التي زرعتها الميليشيا في شبوة ومأرب، على سبيل المثال، وتمويهها بإشراف من خبراء «حزب الله» اللبناني و«الحرس الثوري» الإيراني، على شكل أحجار المباني والصخور، كشفت عن همجيتها ودمويتها وإجرامها بحق اليمنيين.
وحذر وزير الإعلام اليمني من أن «الاستخدام المفرط للألغام والعبوات الناسفة وزراعتها بشكل عشوائي بين منازل المواطنين والمدارس والمساجد والأسواق، يشكِّل خطرًا مستدامًا يهدد حياة ملايين المدنيين، ويصيب الحياة العامة بالشلل».
تشير تقديرات غير رسمية إلى أن «الحوثيين» زرعوا نحو مليون ونصف المليون لغم، وهي تقديرات تستند في جزئية منها إلى حجم التسليح بالألغام في مخازن الجيش اليمني قبل الانقلاب في عام 2014، لكن الكميات أكثر من ذلك بكثير. ومعظم الألغام التي يتم انتزاعها هي ألغام محلية الصنع، وليست من الألغام المشتراة، التي كانت ضمن تسليح القوات المسلحة اليمنية.
ووثّق تحالف حقوقي يمني سقوط أكثر من أربعة آلاف مدني بين قتيل وجريح، بالألغام التي زرعتها ميليشيات «الحوثي» الإرهابية في عدد من المحافظات اليمنية حتى نهاية العام الماضي.
وكشف «التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان» (رصد) في تقرير له، عن سقوط أكثر من 1929 قتيلًا مدنيًا، بسبب الألغام، من بينهم 357 طفلًا، و146 امرأة. كما وثّق إعاقة وتشويه أكثر من 2242 مدني، بينهم 519 طفلًا و167 امرأة في الفترة نفسها.
من جهة ثانية، رصد «المركز الأمريكي للعدالة» في تقريره المعنون «الألغام: القاتل الأعمى»، الصادر في أبريل/نيسان 2022، حالات القتل والإصابة وتدمير الممتلكات في اليمن، بفعل الألغام.
وأظهر التقرير أنه منذ يونيو/حزيران 2014 إلى فبراير/شباط 2022، قُتل نحو 2526 من المدنيين منهم 429 طفلًا و217 امرأة. كما أصيب 3 آلاف و286 آخرين، منهم 723 طفلًا و220 امرأة في 17 محافظة يمنية، وتعرض 75% من الضحايا للإعاقة الدائمة أو التشويه الملازم لهم طيلة حياتهم.
ودمرت الألغام نحو 425 من وسائل النقل الخاصة المختلفة بشكل كلي، و163 بشكل جزئي بسبب الألغام الأرضية، كما قتلت الألغام «الحوثية» 33 من العاملين في مشروع مسام السعودي لنزع الألغام في اليمن، منهم 5 خبراء أجانب، وإصابة 40 خبيرًا آخرين.
وكشف عن تدمير ألغام ميليشيات الحوثي نحو 334 مزرعة بشكل كلي، ونفوق عدد 2158 حالة للمواشي، فضلًا عن توثيق عشرات الحالات لزراعة الانقلابيين الألغام الفردية المحرمة دوليًا في الطرقات والمراعي والمنازل، وحتى آبار مياه الشرب.
كما زرعت ميليشيات «الحوثي» الألغام في القرى والأرياف، ما منع وأعاق وصول المساعدات الإنسانية للفئات الأكثر فقرًا، ومنع وصول الأطفال للمدارس، كما أجبر المدنيين على النزوح القسري من منازلهم إلى مناطق آمنة.
وأشار التقرير إلى أن «ميليشيات الحوثي تمارس زراعة الألغام الفردية والمحلية المصنعة محليًا بشكل ممنهج، في كافة المواقع العسكرية التي تسيطر عليها، وفي المناطق والطرق التي تنسحب منها بطرق عشوائية دونما أي ضرورة عسكرية».
نشاط الحوثيين في هذا المجال أصبح «بصمة دموية» تطبعها ألغام الجماعة المصنّعة محليًا بمعاونة خبراء، أو حتى المستوردة من إيران، وفي النهاية يدفع المواطنون اليمنيون الثمن من أجسادهم بالإصابة، أو من أرواحهم بالوفاة.
ويؤكد خبراء تفكيك الألغام أن المُفخخات الحوثية المزروعة أغلبها جديد، وأن المواد الداخلة في تركيبها والقطع التي تتكوّن منها «صنع إيراني»، وتعدُّ «هدية النظام» الإيراني هي قطع أطراف الأطفال وتشويه النساء والشباب وقتل المسنين!
وبفعل الجنون الحوثي غير المكترث بمصير المدنيين، أصبح اليمن البلد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط الذي تعرض لكارثة انتشار الألغام، إذ تصدّر قائمة الدول الأكثر حوادث لانفجار الألغام على مستوى العالم في العام 2018 فقط، حسب تقرير مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية، ما يشكل خطرًا مستدامًا على حياة المدنيين.
ويقول فارس الحميري، المدير التنفيذي للمرصد اليمني للألغام، إن هناك أساليب «حوثية» مستحدثة في زراعة الألغام، وبتقنيات جديدة لم تكن معروفة من قبل، بهدف إلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية بالمواطنين والفرق الهندسية لنزع الألغام والعسكريين، وحتى المواشي، مؤكدًا أن الميليشيات جعلت مناطق عديدة تطفو على حقول من الألغام العشوائية.
ويؤكد الحميري، أن «الحوثيين» مستمرون في عملية زرع الألغام بكل أشكالها، حيث نشروا مؤخرًا ألغامًا بحرية باتجاه جزر يمنية قبالة سواحل مدينة «ميدي» في محافظة حجة، وباتجاه أرخبيل حنيش وقرب سواحل الخوخة على البحر الأحمر غرب البلاد، إضافة إلى زرع مزيد من الألغام في مداخل مدينة تعز الشرقية والغربية والشمالية.
ويوضح أن الحوثيين يعتمدون على زراعة الألغام محلية الصنع، وأنهم طوروا حديثًا هذه الألغام بشكل لافت، وهو على ما يبدو نتاج خبرات عسكرية أجنبية، حيث يزرعون ألغامًا حرارية وأخرى تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وألغامًا تعمل بالكاميرات، وبعضها مزود بمجسات ذات حساسية عالية، إضافة إلى العبوات المموهة بطرق احترافية.
والمثير للدهشة، أن زرع «الحوثيين» للألغام لم يكن لأغراض عسكرية، إذ إن عملية الزرع المفرطة استهدفت مناطق مأهولة وطرقات ومنشآت خدمية ومزارع ومناطق لرعي الماشية، دون أن يكون هناك تفريق بين هدف عسكري ومدني.
كما عمدت الميليشيات الحوثية إلى استهداف الفرق الهندسية التي تعمل في مجال النزع والتطهير، وذلك بوضع أكثر من لغم، بعضها فوق بعض، ودفنها في التراب، وهذا يمثل أحد الأساليب لاصطياد العاملين في مجال التطهير، إضافة إلى زراعة أكثر من لغم بطريقة الربط المشترك بمجس واحد، وكذا ربط بعض حقول من الألغام بعدة كاميرات ليتم الانفجار بشكل متزامن ليحدث أكبر قدر من الخسائر.
ويواجه فريق مسام لنزع الألغام صعوبات كبيرة في عمليات التطهير، نتيجة التقنيات التي أدخلها الحوثيون في الألغام والشراك الخداعية والعبوات المموهة، حيث تسببت حوادث عدة في سقوط ضحايا بصفوف العاملين في مجال نزع الألغام.
حوَّلت الألغام الحوثية مساحات واسعة من مزارع المواطنين في السهل التهامي إلى «حقول موت»، تحصد أرواح الأبرياء، كما منعت المزارعين من استصلاح أراضيهم أو حصد ثمارهم، أو العودة إلى مناطقهم التي نزحوا منها.
ودفعت الألغام المزارعين إلى استصلاح أراضيهم بالطرق البدائية، حيث البقر والمواشي، مع رفض مالكي الجرارات حراثة أراضٍ مملوءة بالألغام والعبوات الناسفة الحوثية، خصوصًا بعد وقوع حوادث انفجار ألغام عدة، أودت بحياة العاملين عليها أو المارين بالقرب منها.
ويزداد الأمر صعوبة في تهامة التي تشكّل الزراعة مصدر دخل وحيدًا لأغلب سكّانها، التي تقيهم بؤس الحاجة والافتقار، ليجدوا أنفسهم وقد أضحوا معدمين، يتربص بهم الجوع والتشرّد، بعد أن طوَّقتهم جماعة الحوثي بالموت من كل مكان، وسلبت منهم مساحات زراعية واسعة في معظم مديريات الحديدة المحررة. والحال ذاته في الجوف وصعدة والطوال وحرض والضالع وتعز، حيث حوَّلت جماعة الحوثي مزارع المواطنين ووديانهم إلى حقول للموت تتخطف أرواح المزارعين وتحصد رؤوسهم بعد أن كانت مصدرًا للعيش.
من جهة ثانية، تشكّل حقول الألغام التي خلَّفتها الجماعة الحوثية في المناطق المحررة، كابوسًا يؤرق أبناء الساحل الغربي، إذ لا يكاد يمر يوم دون وقوع ضحايا مدنيين، معظمهم نساء وأطفال في قراهم ومزارعهم والطرقات العامة.
وتترك الألغام الحوثية قصصًا مأساوية ومعاناة يعيشها الضحايا وأسرهم، الذين يضطرون إلى بيع ممتلكاتهم لتسديد تكاليف علاج أبنائهم في الخارج، ناهيك عن دفع آلاف الأسر إلى دائرة الفقر والفاقة والعوز، التي فقدت معيلها في حوادث الألغام والعبوات الناسفة الحوثية.
ولا تزال مختلف مناطق السهل التهامي والساحل الغربي شاهدة على مئات حوادث انفجارات الألغام في يختل والفازة وحيس والتحيتا والجبلية والدريهمي، التي مزَّقت الألغام الحوثية أجساد الأبرياء وحوَّلتها إلى أشلاء، وتركت خلفها قصصًا مأساوية لمعاناة تظل تعايشها أسر الضحايا فترات طويلة، لا يستطيع الدهر بتقلباته أن يمحوها بسهولة.
وعلى الرغم من توقف المعارك بين القوات الحكومية والحوثيين منذ مطلع أبريل/نيسان الماضي، على إثر هدنة رعتها الأمم المتحدة، فإن الموت ما يزال يفتك باليمنيين جراء الألغام والعبوات الناسفة. ووفق إحصائية غير موثقة، فإن 32 مدنيًا بينهم أطفال قتلوا، وأصيب 47 آخرون بسبب الألغام والعبوات الناسفة والمقذوفات المتفجرة منذ بداية الهدنة، وهي حصيلة لا تشمل العسكريين.
ويُعزى ذلك إلى عودة المدنيين إلى قراهم وبلداتهم مع بدء سريان الهدنة، ومن بينهم العائدون إلى المديريات الجنوبية لمحافظة الحديدة، وهي مناطق مفتوحة على سواحل البحر الأحمر، شهدت سابقًا مواجهات عنيفة، وزرعت فيها الجماعة الحوثية مئات الآلاف من الألغام.
وعلى مدار الأسابيع الماضية، شهد اليمن موجة من الأمطار الغزيرة في العديد من المحافظات، ألحقت أضرارًا متفاوتة في البنية التحتية المتهالكة ومساكن الأسر الفقيرة وحتى مخيمات النازحين، ولم تكن الألغام المزروعة بعيدة عن هذا التطور. إذ تسببت السيول بجرفها نحو طرق ومساحات زراعية ومناطق مأهولة. على نحوٍ يفاقم التهديد الذي تشكله على حياة المدنيين.
ويقول مدير المركز التنفيذي الحكومي للتعامل مع الألغام أمين العقيلي، في تصريحات، إن السيول ساعدت على اتساع رقعة انتشار الألغام بجرفها لمناطق غير ملوثة. لتصبح أماكن انتشارها غير محدودة ولا معلومة تحتاج إلى جهود كبير، محذرًا من أن كارثة الألغام ستمتد لعشرات السنين.
وتطالب العديد من المؤسسات والمراصد الحقوقية الأمم المتحدة ومنظماتها ومبعوثها الخاص لليمن والحكومات؛ بالضغط على الحوثيين، للتوقف فورًا عن زراعة المزيد من الألغام، وأن يتم إفراد مساحة لمناقشة هذا الملف خلال فترة الهدنة، ووضع حلول عاجلة لوقف سقوط مزيد من الضحايا المدنيين، غير أن ذلك لم يحدث حتى هذه اللحظة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- ألغام الحوثيين... رسائل خفية للقتل وأدوات لتفخيخ مستقبل اليمنيين، موقع الشرق الأوسط، 3 سبتمبر/أيلول 2022.
2- تجاوزت المليون وبلا خرائط... «ألغام الحوثيين» تحصد أرواح المدنيين في اليمن، موقع إندبندنت عربية، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2019.
3- اليمن: 7000 مدني أغلبهم أطفال ونساء ضحايا ألغام الحوثي، موقع العربية، 15 فبراير/شباط 2022.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية