«احتجاجات الغلاء».. ثورة الجياع (2)

- 23 أكتوبر 2022 - 280 قراءة

• الاحتجاجات كانت "ثورة على الثورة" بعد أن فاقت نسب التضخم 45%.. وعاني نصف سكان البلاد من الفقر

• العملة الوطنية خسرت أكثر من 65% من قيمتها أمام الدولار لتصل إلى 29 ألف "تومان" مقابل الدولار الواحد

• البطالة وصلت إلى 60% في بعض المناطق.. و2.5 مليون شاب فقدوا وظائفهم بين عامي 2005 و2013

 

 

في 28 ديسمبر/كانون الأول 2017، انطلقت مظاهرات حاشدة من مدينة "مشهد"، تحت شعار "لا للغلاء"، احتجاجًا على السياسات الاقتصادية لحكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، وتطورت هذه الاحتجاجات الغاضبة من الإعلان عن رفض التدهور الاقتصادي في البلاد وقتها، إلى المطالبة بإسقاط النظام.

انطلقت الاحتجاجات من مشهد، وامتدّت لاحقا إلى أكثر من 70 مدينة، من بينها طهران وأصفهان وشيراز وقم وغيرها، وتعطّل معها سير الحياة في عدة مدن إيرانية وأُقفلت محال تجارية أبوابها بعد إغلاق عدد من الميادين والشوارع ومحطات مترو الأنفاق في العاصمة طهران، كما توقفت الدراسة في مدارس طهران مع تزايد حدة المظاهرات الغاضبة.

وبدأت دعوات الاحتجاج خارج "مشهد" على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تُرجمت إلى احتجاجات في الشوارع، وتصاعدت معها الهتافات من رفض الأوضاع الاقتصادية المتردية إلى المطالبة بإسقاط النظام، وامتدت تلك التظاهرات حتى مطلع فبراير 2018.

واستغل التيار المحافظ تلك التظاهرات، وطالب بمساءلة الرئيس الإيراني وحكومته، وخلال أسبوع واحد من التظاهرات وصل ضحايا الاشتباكات إلى 21 قتيلًا حسب التصريحات الرسمية، فيما وصل عدد المعتقلين إلى أكثر من 1500 شخص، وواجهت قوات الأمن الإيراني التظاهرات باستخدام العنف وإلقاء القبض على عدد من المشاركين فيها.

وفي نهاية يناير/كانون الثاني من العام نفسه، انضمت الاحتجاجات النسوية اعتراضًا على ارتداء الحجاب في العاصمة طهران، فيما عرف بـ "الأربعاء الأبيض"، وعلى أثر التظاهرات النسوية تم اعتقال ما يزيد على 29 امرأة، ونقلت وكالة أنباء "تسنيم" عن شرطة طهران أن هذه الأفعال يحرض عليها أجانب، ووصفت النساء المتظاهرات ضد الحجاب بـ "المخدوعات".

كما اندلعت في الوقت ذاته، تظاهرات واسعة في مدينة المحمرة (جنوب غربي البلاد) احتجاجًا على نقص مياه الشرب النقية، وسط اشتباكات أسفرت عن إصابة 10 من منتسبي قوات الأمن الداخلي وفق الرواية الرسمية.

وطالب المحتجون باستقالة الرئيس الإيراني وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في طهران ومشهد والمحمرة، لكن روحاني قال حينها: "إذا كان أي أحد يعتقد أن الحكومة ستستقيل أو تذهب بأية طريقة، فإنه مخطئ".

ثورة الفقراء والمستضعفين

قامت "ثورة الجياع"، كما سمّاها المراقبون وقتها، على أيدي الفقراء والمستضعفين في البلاد المنكوبة بالملالي، بعد أن عاني نصف سكان البلاد من الفقر، وفاقت نسب التضخم في البلاد 45%، حسب تقديرات غير رسمية، ووصل معدل البطالة الحالي في بعض مناطق البلاد إلى 60%، حيث تحتاج السوق الإيرانية من أجل خفض نسب البطالة إلى 800 ألف فرصة عمل جديدة سنويا، وهو أمر مستحيل في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، بعد أن أنفق عشرات المليارات من الدولارات على "حروبهم الصغيرة" في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان، وتركوا الشعوب الإيرانية غارقة في الفقر والفاقة والمرض.

ونتيجة لتدخلات الملالي في المنطقة العربية ومحاولات مد نفوذها عبر أنظمة وميليشيات إرهابية، فقد انعكس ذلك بالسلب على أداء الاقتصاد الإيراني، فعندما تقوم طهران بإنفاق 500 مليون دولار شهريًا على تدخلها لدعم نظام بشار الأسد، وعندما تنفق مئات الملايين من الدولارات على «حزب الله» في لبنان و"الحشد الشعبي" في العراق، و"الحوثيين" في اليمن، فإن ذلك سيؤثر بالتأكيد تأثيرًا سلبيًا بالغًا على قدرة الاقتصاد على النمو أو حتى محاولة النمو، حتى وإن حاول النظام الإيراني تبرير تدخلاته بأنها من "أجل أهداف استراتيجية"، تظل الكلفة عالية ولا يستطيع اقتصاد مازالت آثار العقوبات الدولية ظاهرة عليه أن يتحملها لفترة طويلة.

واعتبر المراقبون، في حينه، أن السبب في اندلاع هذه الاحتجاجات هو اتّباع سياسات اقتصادية خاطئة، وأن إصرار الحكومات المتعاقبة على السياسات جاء بضغوط من جهات مستفيدة من هذه السياسات مثل "الحرس الثوري"، وهو أحد أسباب الفشل الاقتصادي في إيران، حيث يتحكم "الحرس" في 70% من الأنشطة الاقتصادية في البلاد وما تتضمنه من ثروات واستثمارات، وغايته هو جني أكبر قدر من الأموال لرصدها في خزينته ليبقى الآمر الناهي في البلاد وحارسا يقظا لنظام الملالي في إيران، ومد أذنابه في الخارج، دون النظر إلى أيّ اعتبار للمصلحة العامة والمواطن.

ووفقًا لتقرير "البنك الدولي" عن عام 2018، عانى الاقتصاد الإيراني من مشاكل هيكلية تتعلق بتفاوت الأجور، والبطالة وقلة المعروض من فرص العمل، بالإضافة إلى تسريح مجموعة كبيرة من العمال في المصانع والشركات التي توقفت عن العمل بسبب هذه الأزمة، حيث خسر ما يقارب 2.5 مليون شاب إيراني وظائفهم بين عامي 2005 و2013.

وفي هذا الصدد، قال مهدي بور قاضي رئيس اللجنة الاقتصادية في غرفة تجارة طهران "إن 30% من وحدات الإنتاج الصغيرة توقفت عن العمل بسبب مشاكل في تأمين رأس المال، وأيضًا بسبب الركود الاقتصادي، كما أن 50% من وحدات الإنتاج الصغيرة التي تبلغ 82 ألف وحدة إنتاج تنتج فقط نصف قدرتها الإنتاجية".

ثار الإيرانيون بعد أن تفاقمت خسائر العملة الوطنية "التومان" لتصل الى أقل مستوياتها على الإطلاق بنهاية عام 2016، حيث خسرت العملة أكثر من 65% من قيمتها أمام الدولار لتصل إلى 29 ألف "تومان" مقابل الدولار الواحد.

وأوضح تقرير دولي صدر وقتها عن "أرخص العملات في العالم"، أن "التومان" الإيراني احتل المرتبة الأولى في سلم أرخص العملات العالمية ضمن 10 دول، منها فيتنام وساوتومي ولاوس وإندونيسيا وبيلاروسيا وغينيا وسيراليون وباراجواي وكمبوديا.

وأثّر تدني سعر الصرف على استثمارات القطاع الخاص التي ظلت ضعيفة نظرًا لارتفاع أسعار الفوائد المصرفية التي وصلت إلى 20% للحفاظ على استقرار سعر الصرف، وبالتالي اتجهت الأموال إلى الادخار وليس إلى التوظيف الاستثماري.

فشل نظام الملالي

قال تيري كوفيل، الباحث الفرنسي المتخصص في الشأن الإيراني، إن الاحتجاجات الإيرانية عكست وضعًا اجتماعيًا بائسًا، وإن الإيرانيين فقدوا الثقة في نظام الملالي بأكمله، بعدما انتظروا طويلًا رفع العقوبات الدولية لتحسين أوضاعهم دون جدوى.

وعن الفرق بين احتجاجات 2009 وانتفاضة 2017، قال "كوفيل" إن احتجاجات "الحركة الخضراء" في 2009، اندلعت بسبب شعور الإيرانيين أن النظام سرق صوته بإعادة انتخاب أحمدي نجاد، ومن ثم خرج 3 ملايين إيراني في طهران، لكن انتفاضة 2017 رفضت بشكل قاطع استمرار نظام الملالي، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية.

واعتبر الكاتب والمحلل البريطاني جيفري هون، أن "من أكثر الأشياء غرابة في احتجاجات 2017- 2018، وهي الأكبر منذ الحركة الخضراء عام 2009، أن الناس الموجهة ضدهم هذه الاحتجاجات، هم أنفسهم الذين بدأوها في المقام الأول".

وأضاف "ذلك أن الثيوقراطيين المحافظين في إيران اعتقدوا أنهم بإثارة الغضب على الاقتصاد في قلب نظامهم السياسي، سيقوّضون الرئيس السابق المعتدل حسن روحاني. ولكنهم فشلوا في توقع مدى استياء الشعب الإيراني من الوضع الاقتصادي المتردي، وخاصة دورهم في نشوء هذا الوضع".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- من 2009 إلى 2017.. احتجاجات إيران بين الأمس واليوم، موقع العربية، 1 يناير/كانون الثاني 2018.

2- أمل الشعب الإيراني، موقع الجزيرة نت، 14 يناير/كانون الثاني 2018.

3- انتفاضة إيران تتطور.. سقوط مراكز محافظات بيد المتظاهرين، موقع العربية، 31 ديسمبر/كانون الأول 2017.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.