الدكتور صباح الموسوي لـ «شؤون إيرانية»: الانتفاضة تحوّلت من حركة تصحيح إلى «ثورة شاملة»

- 31 ديسمبر 2022 - 768 قراءة

قال الدكتور صباح الموسوي، رئيس "المؤسسة الأحوازية للثقافة والإعلام"، إن الانتفاضة الحالية في إيران، التي اندلعت منذ 16 سبتمبر/أيلول الماضي ومازالت مستمرة حتى الآن، تحولت من حركة تصحيحية تستهدف إحداث بعض التغييرات، إلى "ثورة شاملة" تطالب بإسقاط النظام، مشيرًا إلى أن هناك عدة عوامل تقف وراء هذه الانتفاضة، من بينها الظلم والفقر والتمييز الطائفي والعنصري وفساد السلطة الحاكمة في البلاد.

وأضاف الموسوي، في حوار لـ "شؤون إيرانية"، أن العنف الأمني الذي استخدمه النظام ضد المشاركين في الانتفاضة الراهنة، جعل الشعوب الإيرانية تكسر "حاجز الخوف"، نافيًا - في الوقت نفسه- وجود "أيادٍ خارجية" تشعل الاحتجاجات، كما يدعي النظام الإيراني، ومؤكدًا الشعوب المضطهدة في إيران ليست بحاجة إلى من "يحركها" من الخارج.

وأكد الموسوي، أنه لا يجب النظر إلى القضية الأحوازية على أنها "ورقة سياسية" تستخدمها هذه الدولة العربية أو تلك، للضغط على نظام الملالي، بل إنها قضية إنسانية عربية شرعية، مثل القضية الفلسطينية سواءً بسواء، وينبغي أن تكون قضية قومية من الطراز الأول بالنسبة إلى جميع الدول العربية.. وإلى نص الحوار:

• ما هي الأسباب الحقيقية وراء اندلاع الانتفاضة الشعبية في إيران والمستمرة منذ 16 سبتمبر/أيلول الماضي حتى الآن؟

- الانتفاضة الجارية هي حلقة في سلسلة من الانتفاضات المستمرة ضد نظام حكم الملالي، ومن أبرز أسبابها، الظلم والفقر، والتمييز الطائفي والعنصري، وفساد السلطة التي يهيمن عليها رجال الدين وقادة "الحرس الثوري" الإرهابي. 

• في تقديركم.. هل تقف وراء الاحتجاجات أيادٍ خارجية كما يدعي النظام الإيراني حقًا، أم السبب داخلي في المقام الأول؟

- الشعوب المضطهدة في إيران ليست بحاجة إلى من يحركها من الخارج كما يزعم نظام خامنئي، فهذه الشعوب عانت وماتزال تعاني من ظلم وفساد النظام الحاكم، وقد بلغ الظلم والفقر والفساد حدًّا لا يطاق، وكان لابد من الانتفاضة لتغيير هذا الوضع المُزري، والشعوب في إيران تواقة للحرية وتسعى للحياة الحرة والكريمة، ومن أجل هذا انتفضت ضد نظام الملالي.

• لماذا تحوّلت الانتفاضة من مجرد احتجاج ضد قوانين الحجاب إلى المطالبة بإسقاط النظام؟

- الانتفاضات السابقة كانت تطالب بالإصلاحات السياسية والاقتصادية ومحاربة الفساد، ولكن النظام قمعها بشدة، رغم عدالة المطالب وسلمية المظاهرات. والانتفاضة الحالية منذ انطلاقتها في الـ 16 من سبتمبر/أيلول كانت تطالب بالتغيير السياسي الشامل، ولم يكن مطلبها محددًا بقانون الحجاب، ولكن العنف الأمني الذي استخدمه النظام ضد الانتفاضة جعل الشعوب الإيرانية تكسر حاجز الخوف، وتحولت الانتفاضة من حركة تصحيحية إلى ثورة شاملة، تستهدف تغيير النظام الذي أراق الدماء وأزهق الأرواح البريئة.

أطول انتفاضة شعبية 

• الاحتجاجات الحالية هي أطول انتفاضة شعبية في تاريخ إيران الحديث.. إلى أين سيصل بنا طول زمن الانتفاضة؟

- يعلم المتابعون للشأن الإيراني أن نظام الملالي يتحصن خلف سلسلة من المؤسسات الأمنية والعسكرية والمليشيات شبه العسكرية ويستخدم العنف ضد معارضيه بتوحش مفرط، وقد استطاع أن يوقف الانتفاضات السابقة من خلال استخدام العنف بدون رحمة، ومن هنا فان طول الانتفاضة هو استنزاف لقوة النظام، فكلما طالت الانتفاضة كلما ضعف النظام وزادت قوة الانتفاضة، فطول الانتفاضة هو عامل إيجابي لصالح الشعوب في إيران.

• شرعت سلطات الملالي مؤخرًا في تنفيذ حملة إعدامات ضد المحتجين بتهمة الحرابة فهل ستؤثر هذه الإعدامات على الانتفاضة؟

- عمليات الاعدامات والاغتيالات والتصفيات الجسدية التي يمارسها النظام الإيراني ضد معارضيه، قائمة منذ اليوم الأول لاستلام الملالي الحكم، وحتى هذه اللحظة، والاعدامات السابقة كانت عاملًا مهمًا في إشعال الانتفاضة الجارية، وعلى هذا فإن إعدام من خرج في المظاهرات الاحتجاجية الجارية، سوف يزيد من حقد الجماهير الإيرانية على النظام الجائر، ويدفع بمن لم يلتحق سابقًا بالانتفاضة الجارية إلى اللحاق بها مستقبلًا.

• ما موقع الحركة الاحتجاجية الحالية ضمن سلسلة الانتفاضات التي شهدتها إيران منذ الانتفاضة الخضراء عام 2009.. وهل هناك شيء يُعاد ترتيبه بفعل هذه الاحتجاجات؟

- كما سبق وأوضحنا، أن الانتفاضات السابقة كانت في الغالب انتفاضات، إما محلية كما هي انتفاضة 2005 في الأحواز العربية، وإما انتفاضات مطلبية، كما هي انتفاضة 2009 التي عُرفت بـ "الانتفاضة الخضراء"، ولكن ما يميز هذه الانتفاضة هو هدفها الرامي لإسقاط النظام، وشموليتها، حيث لم تكن قاصرة على فئة قومية او مذهبية او منطقة جغرافية معينة. وهذا سبب في طول استمرارها وقوتها.

• رضخ النظام أخيرًا لبعض مطالب المحتجين ومنها إلغاء شرطة الأخلاق. كيف تقيّمون هذه الخطوة؟

- اسمح لي أولًا أن أبدي تحفظي على كلمة (شرطة الأخلاق) فهي ترجمة إعلامية خاطئة لما يسميها النظام الإيراني بـ "شرطة الآداب،" أو "شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وهي تسمية مضللة للرأي العام، للتغطية على الممارسات القمعية التي تستخدمها قوات أمن نظام الملالي ضد المعارضين للقوانين المجحفة والظالمة التي تطبق لفرض القبضة الحديدية على المواطنين. الأمر الآخر أن السلطات المعنية لم تعلن رسميًا إلغاء هذا الجهاز القمعي، وإنما كانت هناك تصريحات من بعض الشخصيات السياسية بهذا الخصوص، وكان الهدف منها تهدئة الرأي العام.

• تزداد ظروف المعيشة سوءًا بسبب البطالة والتضخم والمشاكل الاقتصادية.. فهل تنجح القبضة الأمنية في الحفاظ على بقاء النظام؟

- منذ عدة عقود والفساد ينخر في جسد نظام الملالي، وهذا ما أدى إلى تردي الوضع الاقتصادي لإيران، وتفاقم الوضع المعيشي للإيرانيين، وأغلب الانتفاضات التي اندلعت خلال الفترات الماضية كانت بسبب هذا الفساد وسوء الأحوال المعيشية، والقبضة الأمنية للنظام لم تستطع من إسكات الإيرانيين، بل نجد أنها كانت عاملًا من عوامل الثورة الحالية.

الأحواز ليست "ورقة سياسية"

• ما هو موقع إقليم الأحواز العربي داخل الانتفاضة الحالية.. وما مدى مشاركة الأحوازيين فيها؟

- لو رجعنا إلى الوراء قليلًا، سنجد أن أغلب الانتفاضات ضد النظام الإيراني كانت انطلاقتها من الأحواز، ولعل أبرز انتفاضة من قبل الانتفاضة الحالية التي واجهها النظام، كانت انتفاضة 2018 والتي قام خلالها النظام الإيراني بارتكاب مجزرة كبيرة في مدينة "معشور" الأحوازية، أودت بحياة أكثر من مائة وعشرون شخصًا.

ولو أردنا أن نبحث في جذور الانتفاضة الجارية سنجد أن بدايتها كانت في مايو/أيار في مدينة عبادان الأحوازية، عندما خرج أبناء المدينة في مظاهرات احتجاجية عقب انهيار مبنى متروبول التجاري، وأدى إلى مقتل وجرح العشرات من أبناء المدينة.

• هل يمكن للدول العربية المجاورة لإيران استخدام قضية الأحواز كخط دفاع أول أمام الأطماع الإيرانية في المنطقة؟

- لا يجب النظر إلى القضية الأحوازية على أنها "ورقة سياسية"، تستخدم من هذا الطرف أو ذاك وفقًا لمصالح آنية، بل هي قضية، إنسانية عربية شرعية، مثلها مثل القضية الفلسطينية، ويجب أن يُنظر إليها على أنها قضية أمة، ودعمها يجب أن يكون ضمن مشروع عربي استراتيجي، لا يقتصر على الدول العربية المجاورة لإيران فقط، فالمشروع الإيراني لم يستهدف الدول المجاورة فحسب، بل هو يستهدف كل أقطار الأمة. ومن هنا فإن على كل الأمة العربية أن تجعل من الأحواز قضية قومية. 

• يرى البعض أن الدول الغربية لا تريد تغيير النظام في إيران لأسباب عديدة منها توازن القوى الذي أحدثه وجود الجمهورية "الإسلامية" في المنطقة.. كيف ترون ذلك؟

- الغرب لا يقرن مصالحه بمصالح الأنظمة والشعوب، فحين يرى الأنظمة قوية وتخدم مصالحه فهو معها، وعندما تصبح ضعيفة وغير قادرة على ضمان مصالحه ينقلب ضدها. كان نظام الشاه البهلوي حليفًا استراتيجيًا للغرب وخادمًا المصالح الغربية. ولكن عندما انتفضت ضده الشعوب وأصبح غير قادر على تلبية المصالح الغربية، قلب له الغرب ظهر المجن. وهذا ما سوف يحدث للنظام الملالي قريبًا. 

• هل يمكن أن يتخلى النظام الإيراني عن بعض أهدافه التوسعية في المنطقة مقابل التصالح مع جيرانه العرب؟

- النظام الإيراني له مشروع وهدف استراتيجي عقدي يسعى لتحقيقه، بغض النظر عن طبيعة العلاقات التي يقيمها مع هذه الدولة العربية أو تلك، بل وجدنا أن الدول التي لها علاقات جيدة مع إيران هي الأكثر عرضة لمخططه التوسعي، الصداقة مع النظام الإيراني تعني فتح الباب أمامه لنشر بذور مشروعه الطائفي الخبيث. وهذا ما حصل في كثير من الدول العربية أحسنت الظن بالنظام الإيراني، وأقامت علاقات وطيدة معه.

• ما هي رؤيتكم لمستقبل النظام الإيراني حال وفاة المرشد علي خامنئي.. ومن هو المرشد القادم في تقديركم؟

- بقاء نظام الملالي ليس مرهونًا ببقاء خامنئي أو هلاكه، وإنما مرهون بإرادة وقوة الشعوب الإيرانية المنتفضة. أما بخصوص خلافة خامنئي، فهناك عدة أسماء مرشحة لمنصب المرشد الأعلى للنظام، من ضمنها اسم ابنه مجتبى خامنئي، واسم رئيس الجمهورية الحالي إبراهيم رئيسي، ولكن كل هذه مجرد تكهنات، فلا أحد يمكنه الجزم باسم خليفة خامنئي. وحدهم كبار الضباط من أعضاء المجلس الأعلى لـ "الحرس الثوري" وأعضاء "مجلس خبراء القيادة"، هم من سوف يقررون ذلك.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.