في 4 يونيو/حزيران عام 1989، وبعد يوم واحد فقط من وفاة موسوي الخميني قائد الثورة بشكل مفاجئ، اجتمع أعضاء "مجلس خبراء القيادة" في إيران، لاختيار علي خامنئي كـ "مرشد مؤقت" للبلاد.
وكان من المقرر استبدال خامنئي لاحقًا بشخصية أخرى، أكثر جدارة بمنصب الإرشاد، لكنه استمر في حكم البلاد بيد من حديد لمدة 34 سنة!
لم يكن خامنئي على رأس المرشحين للمنصب، بل كان من المتوقع تعيين حسين علي منتظري، نائب الخميني، والذي لعب دورًا بارزًا في إدراج مبدأ "ولاية الفقيه" في الدستور الإيراني، ولكنه قدّم استقالته في مارس/آذار 1989 بعد معارضته للإعدامات الجماعية بحق سجناء سياسيين التي تم تنفيذها في صيف 1988، دون محاكمة.
ترأس علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس البرلمان الإيراني حينها، ذلك الاجتماع الشهير لاختيار المرشد الجديد. ولعب رفسنجاني الدور الحاسم في تعيين خامنئي، الذي كان يشغل منصب رئيس الجمهورية، مرشدًا أعلى لإيران.
غير أن عددًا كبيرًا من أعضاء المجلس عارضوا ذلك الاختيار، كما رفض خامنئي نفسه ترشيحه، عبر خطبة فُسرت لاحقًا بأنها "مسرحية"، حيث قال في كلمة قصيرة: "يجب أن نبكي دمًا على مجتمع إسلامي يطرح فيه احتمال قيادتي وقيادة أمثالي له"!
وأضاف خامنئي في كلمته: "بغَض النظر عن أنني لا أستحق في الواقع تولي هذا المنصب، وأنا أعلم ذلك وأنتم قد تعلمون ذلك، فإن ترشيحي له يحتوي على إشكالية أساسية، وهي أنه إذا توليت هذا المنصب فستكون قيادتي للبلاد شكلية لا حقيقية، فالدستور ينص على أن يكون المرشد مرجعًا من حيث مكانته، وأيضًا من حيث أقواله، أي يكون مرجعًا معنى الكلمة. وإذا غضضنا الطرف عن ذلك أيضًا، فعلى المرشد الذي ينفذ كلامه أن يعتبره الآخرون فقيهًا وصاحب رأي في أمور الدين، وسبق أن قال بعض السادة الحاضرين في هذه الجلسة إنني لست صاحب رأي"!
وهنا تدخل رفسنجاني، قائلًا إنه يعرف خامنئي منذ أيام الدراسة، ويشهد بأنه يمكنه الوصول إلى الحكم الشرعي بمراجعة صغيرة للمصادر، أو من خلال الاستعانة ببعض الخبراء. ثم تقدم باقتراح تنصيب خامنئي في مقام "المرشد المؤقت" حتى إجراء استفتاء عام.
خامنئي و"شخصنة السلطة"
في مطلع عام 2018، تم تسريب مقطع فيديو فريد من نوعه، سجل بالصوت والصورة عملية اختيار علي خامنئي، بمعرفة "مجلس خبراء القيادة".
ومنذ اللحظة الأولى لتوليه منصب الإرشاد، شرع خامنئي في تنفيذ مشروع لـ "شخصنة السلطة". وكجزء من إضفاء الطابع الشخصي على السلطة، سعى "المرشد المؤقت" إلى تنصيب جيل جديد من الملالي المتعصبين في أركان السلطة، لضمان سيطرة أيديولوجيته المتشددة، واستمراره في الحكم حتى الرمق الأخير!
وفي 28 يوليو/تموز من العام نفسه، وبالتزامن مع الانتخابات الرئاسية، التي فاز بها رفسنجاني، تم تعديل الدستور، وإلغاء منصب رئيس الوزراء، بالإضافة لتوسيع سلطات الرئيس، وتحولت الهيئة العليا لحل الخلاف وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث إلى هيئة دائمة، ترأسها رفسنجاني حتى وفاته. وبهذه الطريقة، كان رفسنجاني ينوي أن يقود إيران من خلال "قائد أعلى خاضع للرقابة".
كان ارتقاء خامنئي إلى منصب القيادة نتيجة لحسابات رفسنجاني في ذلك الوقت، فقد تمثلت رؤيته في أن وجود خامنئي في سدة الحكم سينتج عنه «قيادة تعاونية»، لا تتعارض مع ظهور رفسنجاني بوصفه شخصية بارزة في إيران ما بعد الخميني.
تقاسم كل من رفسنجاني وخامنئي السلطة فيما بينهما، في البداية، إلا أنه بعد مرور الوقت وانفراد خامنئي بالسلطة وتقوية منصبه بشكل رأسي، فشلت كل خطط رفسنجاني في هذا الخصوص، وأُطيح به من قمة السلطة، فنال "جزاء سنمار" على تصعيده خامنئي إلى منصب المرشد.
وبعد ذلك، بدأ خامنئي في بناء آلة دعائية لنفسه، حيث شرع في إعادة هيكلة الموظفين في هيئة الإذاعة والتلفزيون التي تديرها الدولة، وهي أكبر شركة إعلامية في إيران بميزانية سنوية تبلغ حوالي مليار دولار، ويعمل بها أكثر من 50 ألف موظف.
وعمد المرشد إلى تهميش الجيل الأول للسياسيين الثوريين، وخاصة علي أكبر رفسنجاني، ومير حسين موسوي. وفي الوقت ذاته أعاد تشكيل الطيف السياسي بترقية جيل جديد من السياسيين الضعفاء الذين يدينون له بالولاء التام.
سيد إيران بلا منازع
يقول مهدي كروبي، رئيس البرلمان الإيراني السابق وأحد زعماء "الحركة الخضراء" الخاضع للإقامة الجبرية منذ عام 2011، خلال رسالة مفتوحة موجهة إلى أعضاء "مجلس الخبراء"، إن المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي، قام بتغيير الدستور عقب وفاة الخميني، مؤسس نظام ولاية الفقيه، لكي يحكم مدى الحياة.
وكشف كروبي، عن أن خامنئي تم انتخابه كمرشد عقب وفاة الخميني عام 1989 بصورة "غير دستورية"، حيث إنه لم يكن مقررًا أن يتم اختيار ولي فقيه بل يتم انتخاب مجلس قيادي.
وأضاف أن خامنئي تم اختياره كمرشد مؤقت رغم عدم امتلاكه الشروط، لكنه ومجموعته بقيادة أكبر هاشمي رفسنجاني، قاموا بتغيير الدستور وأضافوا عليه 3 بنود وهي: إضافة لفظة "المطلقة" لولاية الفقيه، وإلغاء مدة العشر سنوات لولاية المرشد، وتخويل المرشد حق حل مجلس الشورى، الأمر الذي جعل خامنئي هو سيد إيران بلا منازع.
وشكّل خامنئي باعتباره "المرشد الأعلى" لنظام الجمهورية الإيرانية، ائتلافًا قويًا مع "الحرس الثوري" والمؤسسات الأمنية الأكثر تشددًا في مرحلة ما بعد الخميني، وفرض سياساته على 3 أجيال في إيران من خلال السلطة المطلقة، وتجاهل الحريات الأساسية للشعوب الإيرانية.
ويقول الدكتور رضا تقي زاده، الأستاذ في جامعة جلاسكو الأسكتلندية، "لقد استمر خامنئي في النهج الذي أسسه الخميني، وهو إثارة الطائفية بين السنة والشيعة. ولقد أدت هذه السياسة إلى تصعيد الخلافات بينهما. ولم تكن قضية إثارة الخلافات بين السنة والشيعة محور اهتمام السلطة في فترة حكم الخميني ولم يؤخذ على محمل الجد كثيرًا آنذاك. وكان هناك نوع من الرغبة للتقريب بين الشيعة والسنة إبان حكم الخميني، ولكن خامنئي وبسبب إصراره على المواجهة مع دول الخليج، وبسط نفوذه في دول الجوار، مضى في سياسة إثارة التوترات الطائفية بين السنة والشيعة للحد الأقصى".
ويضيف "زادة" أن "سياسات خامنئي منذ توليه منصبه قبل نحو 34 عامًا، لا تخرج عن قاعدة تصرفات المستبدين الصغار. خامنئي هو الذي كان يقول عند ترشيحه لمنصب زعامة الجمهورية بأنه لا يستحق أن يكون مرجعًا دينيًا، وعندما كان البعض يشككون في صلاحيته لتولي المنصب كان يقر بأنه لا يتمتع بالجدارة لتولي منصب مرشد الثورة، ولكنه شيئًا فشيئًا راح يقدم نفسه كزعيم للشيعة في العالم. وبات خامنئي اليوم يدعي أنه الزعيم الأوحد. وهو يسعى بإنفاق أموال باهظة إلى إيجاد مراكز سلطة تابعة له في كل أنحاء العالم الإسلامي، لكي يصبح زعيما لجميع المسلمين".
ـــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- هذا إرث خامنئي في 30 عامًا كمرشد لإيران، صالح حميد، موقع العربية، 5 يونيو/حزيران 2019.
2- آية الله خامنئي.. من الثورة إلى كرسي الشاه، علي رجب، موقع "بوابة الحركات الإسلامية"، 7 يوليو/تموز 2019.
3- ميراث خامنئي.. مرشد إيران: رأس النظام والرجل الأكثر سلطة ونفوذًا في أركان الحكم، موقع "المجلة"، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
4- لماذا أقصى خامنئي رئيس استخباراته الموالي له؟، موقع إندبندنت عربية، 10 يوليو/تموز 2022.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية