منذ شرع نظام الملالي إثر ثورة 1979، في تنفيذ مبدأ "تصدير الثورة" إلى دول الجوار العربي، عصف المال الإيراني المسموم باستقرار عدد كبير من دول المنطقة، وبات وقودًا لنمو "شجرة الكراهية" التي زرعتها طهران في المنطقة، عبر تقديم الدعم المالي والعسكري للأنظمة والجماعات المسلحة التابعة لها في الشرق الأوسط، بهدف تدشين مشروع "إيران الكبرى".
وجدت إيران في تدخلها وانغماسها في شؤون دول العالم الإسلامي، سبيلًا للتحول إلى "إيران عظمى"، وتجسد وثيقة تُعرف باسم "إيران 2005" هذا الهدف، وهي تُعتبر أهم وثيقة قومية وطنية بعد الدستور الإيراني عام 1979؛ إذ تضع التصورات المستقبلية للدور الإيراني خلال عشرين عامًا، والتي تهدف إلى تحويل إيران إلى نواة مركزية ودولة قائدة في منطقة جنوب غرب آسيا، أي المنطقة العربية تحديدًا، التي تشمل شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام.
وجاء هذا الدعم الإيراني للجماعات المسلحة في كل من اليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا، ضمن توجه إيراني عام، بأن الضرورات الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين، تقتضي إجراء تحول في نمط العمل الاستراتيجي الإقليمي، وتوظيف المزيد من هذه الكيانات والتنظيمات، لسد الشواغر الاستراتيجية التي خلَّفها انهيار سيادة الدول على ترابها الوطني.
ميزانية "وكلاء إيران"
كشفت صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية، النقاب عن إنفاق إيران لمليارات الدولارات سنويًا على الجماعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة المسلحين في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن، أو من يُطلق عليهم "وكلاء إيران" المعلن عنهم.
وذكرت الصحيفة، أن الأموال التي أنفقتها طهران في دعم الجماعات المسلحة الموالية لها في المنطقة، قد تكون أكثر من المعلن عنه بكثير، وذلك بالاستناد على آراء خبراء وباحثين، أكدوا أن إيران غالبًا ما تخفي السجلات العامة الخاصة بإنفاقها الدفاعي والعسكري، حيث شدد التقرير على أن حجم المبالغ التي تُنفق على أنشطة الاستخبارات ودعم الجهات الأجنبية غير الحكومية، قد يتجاوز 30 مليار دولار سنويًا.
من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي الإيراني فريدون خاوند، إن تقديم أي رقم بشأن حجم الدعم المالي الإيراني للجماعات الشيعية المسلحة، أمر صعب، وبالتالي فهو رقم غير دقيق، خاصة أن إيران لا تكشف عن مقدار ما تنفقه على دعم منظمات ما يسمى "محور المقاومة".
ويضيف فريدون: لكن وفقًا للتكهنات من بعض المحللين والخبراء، تدفع إيران سنويًا ما بين 16 إلى 18 مليار دولار، وفي بعض الأحيان تصل التقديرات إلى أكثر من ذلك.
وفي مطلع العام الماضي، كشفت مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات"، في تقرير لها، عن أن طهران تنفق أكثر من 20 مليار دولار سنويًا على تمويل الأنظمة والميليشيات الموالية لها في المنطقة، ويستحوذ النظام السوري على "نصيب الأسد" من هذا الإنفاق المالي الضخم.
وفيما لم تشر المؤسسة إلى حجم الإنفاق الإيراني على ميليشيات "الحوثي" الانقلابية في اليمن، والذي يقدر بمئات ملايين الدولارات كل عام، ذكر التقرير أن دعم طهران لميليشيات "الحشد الشعبي" العراقية كان يبلغ نحو 150 مليون دولار سنويًا، ثم ارتفع هذا الدعم خلال فترة المواجهات العسكرية مع تنظيم "داعش" إلى نحو مليار دولار، بينما يكلف دعم ميليشيات "حزب الله" في لبنان النظام الإيراني ما بين 700 إلى 800 مليون دولار سنويًا.
من جهة ثانية، أظهرت دراسة أعدها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية البريطاني في فبراير/شباط 2020 تحت عنوان "شبكات التسلل الإيرانية في الشرق الأوسط"، أن إيران تولي أهمية عسكرية واستراتيجية لميليشياتها المنتشرة في المنطقة أكثر من اهتمامها ببرامج الصواريخ.
وأكدت الدراسة، أن إيران استغلت قدراتها المالية والعسكرية لحماية رأس النظام السوري، بشار الأسد، ولتنفيذ الاتفاقيات التي تضمن مصالحها في سوريا لعقود مقبلة، وتوسع نطاق الدعم الإيراني من الدعم الاستشاري إلى المالي والعسكري". وأضافت الدراسة، "في الوقت الذي يموت فيه الشعب الإيراني من الجوع والفقر، وهذا ما أكدته أخيرًا موجة الاحتجاجات في طهران والعديد من المدن الأخرى، تسعى الحكومة الإيرانية إلى مد يد العون إلى النظام السوري لضمان بقائه".
وقدرت الدراسة إجمالي إنفاق إيران على أنشطة ميليشياتها في سوريا والعراق واليمن بحوالي 16 مليار دولار سنويًا، بينما تنفق نحو 700 مليون دولار سنويًا على ميليشيات "حزب الله" في لبنان. ووفقًا لمسؤولين إيرانيين، فإن طهران أنفقت على مدار السنوات الماضية مبالغ هائلة في سوريا، تتجاوز 48 مليار دولار.
فيما أكد موقع "إيران وير" أن أحد أهم نفقات إيران في سوريا، هو تسليم النفط والمنتجات النفطية إلى قوات بشار الأسد، ويتم ذلك في إطار "حد ائتماني" فتحته إيران لسوريا، والذي يتراوح حسب وسائل الإعلام الإيرانية من 2-3 مليار دولار في العام، مع منح حد ائتماني إجمالي يصل إلى 6 مليارات دولار في العام، بما في ذلك الإمدادات الغذائية والطبية، التي حدّدها وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف بنحو 2.5 مليار دولار سنويًا.
وأطلقت البنوك الحكومية الإيرانية خطوط ائتمان "مفتوحة" بلغ مجموعها 6.6 مليار دولار للنظام السوري، خلال الفترة ما بين 2013 و2017، كما كانت طهران تدفع أجورًا شهرية لنحو 50 ألف مقاتل من الميليشيات الشيعية التابعة لها في سوريا، ناهيك عن إمدادات السلاح اليومية للنظام وتكاليف المستشارين العسكريين المقيمين على جبهات القتال.
كما تموّل إيران بالمال والسلاح عددًا كبيرًا الميليشيات الشيعية، المحلية والأجنبية، التي كانت تقاتل إلى جانب النظام في سوريا منذ عام 2015 حتى وقت قريب، يقدر بأكثر من 70 ميليشيا متفاوتة الأعداد.
ظلال شجرة الكراهية
نشرت مجموعة "حقوقيون مستقلون" برئاسة، الناشط الحقوقي سلمان ناصر، تقريرًا عن المال الإيراني المسموم في منطقة الخليج العربي، تحت عنوان "ظلال شجرة الكراهية: التمويل الإيراني للإرهاب في البحرين"، رصدت فيه التمويل الإيراني لخلايا إرهابية في البحرين، دأبت على زعزعة الأمن والسلم الأهليين واستهداف رجال الأمن والمواطنين والمقيمين وتمجيد الأعمال الإرهابية وتأبين من قتلوا أنفسهم وهم يعدون متفجرات لاستهداف رجال الأمن البحريني.
وتصاعدت وتيرة الإرهاب الممول من قبل إيران في البحرين منذ اضطرابات عام 2011 في البلاد بشكل كبير، خصوصًا مع محاولات الملالي المستمرة استغلال "البعد الطائفي" لتنفيذ أغراضهم التوسعية في هذه المملكة الخليجية، والتي تراوحت ما بين استهداف أمن الوطن واستقراره باستخدام الأسلحة والمتفجرات، وصولًا إلى زعزعة النظام والإضرار بالمصالح الاقتصادية البحرينية.
وعن مصدر هذه الأموال الإيرانية، يقول الصحفي الإيراني نيا بهزاد، المختص في شؤون "الحرس الثوري": "لم تعلن الجمهورية الإسلامية في أي وقت مضى عن مصدر الأموال التي يتم تقديمها إلى تلك الجماعات، ولا توجد أي أرقام رسمية أو دقيقة، ولكن ميزانية الحكومة لا تكفي لتقديم كل تلك الأموال، خاصة في وقت فرض العقوبات الأمريكية".
وأضاف بهزاد، أن المصدر الوحيد المتوقع لتمويل تلك الجماعات الشيعية المسلحة، هي الكيانات الاقتصادية الخاضعة لسيطرة "الحرس الثوري" والمرشد الأعلى مباشرة.
ـــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- تقرير يتهم إيران بإنفاق الملايين لتمويل مُسلّحين عبر العالم، موقع هسبريس، 15 سبتمبر/أيلول 2019.
2- بالأسماء... أبرز ميليشيات إيران في العراق وسوريا وحجم الإنفاق عليها، موقع حفريات، 13 يناير/كانون الثاني 2021.
3- الاقتصاد الإيراني يتسرب لمصلحة تمويل "الحروب بالوكالة"، موقع إندبندنت عربية، 30 يونيو/حزيران 2021.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية