أخطار التغلغل الإيراني في قلب إفريقيا

- 18 سبتمبر 2023 - 311 قراءة

التمدّد في القرن الإفريقي هو "الضامن الاستراتيجي" للمشروع الإيراني في محاولة لتطويق دول الخليج

 

المراقبون: الخلاف المذهبي بين الرباط وطهران تحول إلى خلاف سياسي تغذيه توازنات إقليمية ودولية

 

 

شهدت العقود الماضية صراعات خفية وعلنية بين المملكة المغربية وإيران، حول الامتداد الديني والروحي في أفريقيا، خاصة في ظل النفوذ التاريخي المغربي في بلدان القارة المسلمة، التي يدين معظمهما بالمذهب السني المالكي المرتبط بالطرق الصوفية ذات المنشأ المغربي.

ومع دخول إيران إلى المنطقة بدافع نشر التشيع وتصدير الثورة، اشتد الخلاف الديني مع الرباط ليتحول إلى خلاف سياسي تغذيه توازنات إقليمية ودولية، خاصة مع موقف إيران من قضية الصحراء المغربية، ودعمها لجبهة البوليساريو الانفصالية، عن طريق الجزائر، أو عبر "حزب الله" اللبناني الذي ينشط بقوة في أفريقيا خلال العقود الأخيرة.

وبدا واضحًا في الأعوام الماضية، أن طهران التي تتعثر محادثاتها مع الغرب لإحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، تحاول تثبيت أقدامها أكثر فأكثر في أفريقيا، عبر التركيز على عدد من الدول التي لها مراكز حساسة في القارة، مثل إريتريا المطلة على مضيق باب المندب والسودان ونيجيريا والسنغال، التي باتت تشكو من تنامي التشدد الديني، وسط تصاعد لنشاط جماعات شيعية ربما يساعد التقارب مع طهران هذه الدول على ترويضها قدر الإمكان.

دوافع التغلغل الإيراني

اختلفت دوافع النظام الإيراني من وراء التغلغل في إفريقيا من بلد إلى آخر، بين اقتصادية وسياسية ودينية، ولتحقيق أهدافه في هذه القارة كان لا بد له البحث عن مناطق استراتيجية للتمركز، ينطلق من خلالها ويستخدمها مسارًا رئيسيًّا لبلوغ الأهداف المنشودة.

بدأ التمدد الإيراني في إفريقيا عبر إقامة علاقات مع منطقة "الحزام الإسلامي غربي أفريقيا"، ويقصد بإقليم غرب أفريقيا المنطقة الجغرافية التي تمتد من موريتانيا غربًا، حتى النيجر شرقًا، ومن موريتانيا شمالًا حتى ليبيريا جنوبًا، ومنها حتى نيجيريا، وقد استفادت إيران من خصائص هذا الإقليم لتدعيم علاقاتها مع دوله، باعتباره أنه يمثل كتلة إسلامية في القارة الإفريقية، نظرًا لأن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي لغالبية سكان هذا الإقليم، حيث شكلت هذه التركيبة السكانية بيئة خصبة لنشر التشيع.

أما في منطقة حوض النيل وشرق إفريقيا، فقد تمكنت إيران باستخدام مصطلح "الجهاد البحري" من نقل المعركة من مضيق هرمز والخليج العربي، إلى منطقة القرن الإفريقي وخليج عدن وباب المندب بين إريتريا واليمن، والذي يعتبر أضيق ممر في خليج عدن، من خلال إنشاء قاعدة عسكرية في ميناء "عصب" الإريتري.

ويوضح المراقبون أن "الجهاد البحري" هو استراتيجية إيرانية، تعني انتهاج سياسات تمكن طهران من السيطرة أو التواجد القوي بالقرب من الممرات الملاحية، تحسبًا لأي مواجهة عسكرية تهدد مصالحها. بالإضافة إلى فتح ممرات بحرية وبرية، تسهل الوصول إلى مناطق الأزمات في الشرق الأوسط، عبر تأمين وجود إيراني قريب من هذه المناطق، وتوفير أوراق للمساومة في الشرق الأوسط. وتمثل هذا الأمر في الاهتمام الإيراني بالسودان، من أجل الوجود القوي في البحر الأحمر، كما عززت علاقاتها أيضًا مع إريتريا وجيبوتي واليمن.

ويعتبر التمدّد في القرن الإفريقي، هو الضامن الاستراتيجي للمشروع الإيراني في محاولة لتطويق دول الخليج من الضفة الأخرى للبحر المتوسط، وخطوط إمداد الأذرع الإيرانية من الحوثيين، وحزب الله، فقد كانت حرب القرصنة التي تداعت لها دول كثيرة تحت ذريعة حماية مصالحها في نهاية العقد الماضي من هذا القرن السبب المعلن لوجودها البحري في المنطقة وسرعان ما توّج بإقامة القاعدة المتعددة المهام في ميناء "مصوع" الإريتري على مضيق باب المندب.

ولم تدخر طهران جهدًا للتمدد في مناطق جنوب وشمال إفريقيا، حيث استغلت الأقلية المسلمة في جنوب إفريقيا، بسبب قوتها الاقتصادية ودورها في نمو الاقتصاد الوطني. بالإضافة إلى ميل هذه الأقلية إلى تعزيز الدور الإيراني في مواجهة (إسرائيل). كما ترى إيران أن جنوب إفريقيا أقوى اقتصاد إفريقي وبوابة إفريقيا السياسية إلى العالم، خصوصًا بعد تحالفها مع الهند والبرازيل. وفي الشمال الإفريقي ارتكزت إيران على الغالبية الإسلامية لسكان دول شمال إفريقيا، وتعتبر الجزائر نقطة ارتكاز الحضور الإيراني في دول المغرب العربي، رغم ما شابها من توترات كبيرة.

كما تستخدم إيران الصومال كبوابة رئيسية لتزويد المتمردين "الحوثيين" في اليمن بالسلاح، في صراعهم مع قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وذلك بالتزامن مع سيطرة "الحوثيين" على ساحل البحر الأحمر مما يهدد الملاحة البحرية الدولية في باب المندب ومضيق هرمز، وهو ما يمثل سياسة ردع قوية لإيران في مواجهة العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية، سواء الإقليمية أو الدولية.

ويزيد النفوذ الإيراني من تعقيدات استمرارية المعضلة الصومالية، وذلك على الرغم من التباين المذهبي، حيث الطابع السني للجماعات الصومالية، إلا أن إيران ومثلما فعلت في السابق في أفغانستان، فإنها لا تتردد في التعاون تكتيكيًا، مع أي تنظيمات سنية أصولية. وعلى الرغم من أنه توجد جاليات عربية مؤثرة في بعض الدول الإفريقية خاصة في الغرب، فأنها لا تمارس دورًا سياسيًا فاعلًا في خدمة المصالح العربية، بل في الاتجاه المعاكس في خدمة المصالح والأهداف الإيرانية. كما حاولت تفجير مناطق الأطراف للنظام الإقليمي العربي والتي تمس منطقة الخليج، ولكن لعدم ترك هذه الساحة بالمطلق، بل ربما لتوظيف كثافة الوجود والنفوذ الإيراني ضمن الأوراق الضاغطة والمهمة في أي مقايضات سياسية محتملة، أو لدرء أي أخطار متوقعة.

"قصقصة" أجنحة إيران

لم تعد السلطات المغربية تخفي أنها في سباق مع الوقت لـ "قصقصة" أجنحة إيران في القارة الإفريقية، التي يسودها الإرهاب والعنف الناجم عن الانقلابات العسكرية والتطرف الديني، مما يخلق مناخًا ملائمًا لاختراقات محتملة من جانب النظام الإيراني، الساعي إلى إيجاد موطأ قدم في القارة السمراء.

وفي هذا الصدد، تقول الباحثة د. مي غيث، إن كثافة النفوذ الإيراني في العمق الإفريقي، وفى ضوء التراجع وسلبية الأداء العربي، يشكل خصمًا موضوعيًا من الوجود والمصالح العربية، حيث تقوم باختراق النظم الأمنية والإقليمية الخاصة بالقرن الإفريقي بمفهومه الجيوسياسى، باعتباره ممرًا وبوابة للممرات البحرية الكبرى التي تطل عليها المنطقة العربية وهي البحر الأحمر، والتي تؤثر على السعودية كجزء من دول الخليج، بل الدولة القائد في هذا النظام الفرعي.

من جانبه، يقول محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، إن "دعم إيران لجبهة بوليساريو يمثل السبب الرئيس بين أسباب الخلاف المغربي- الإيراني، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك بل يعود لمحاولات حثيثة تعكف عليها طهران لاختراق الأمن الروحي لبلدان المنطقة، والتشويش على معتقدات شعوبها بكل السبل الممكنة".

ويضيف عبد الفتاح، أن "المغرب يرد على هذه المحاولات بدور ديني، في إطار الجهود الرامية إلى التصدي للتشيع ونشر الفكر الوسطي المعتدل، وتحصين العقيدة السنية والمذهب المالكي"، موضحًا أن "إيران حاولت أيضًا اختراق المجال المغاربي بالتحالف مع الجزائر، ودعم عدد من الجماعات المسلحة، سواء في هذا المجال أو منطقة الساحل، وهدف هذا الاختراق هو ابتزاز هذه الدول باعتبار أنها في حاجة لتحالفات ودعم خارجي".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- خبراء يحذرون من مخاطر التوسع الإيراني على استقرار البلدان المغاربية، موقع هسبريس، 26 مايو/آيار 2022.

2- التمدد الإيراني في إفريقيا وانعكاساته على الأمن القومي الخليجي، موقع شؤون عربية، 4 ديسمبر/كانون الأول 2018.

3- المغرب يواجه التمدد الإيراني في إفريقيا وعينه على الصحراء، موقع إندبندنت عربية، 3 فبراير/شباط 2023

.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.