بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لمقتل مهسا أميني والانتفاضة الشعبية ضد نظام الملالي، التي اندلعت في 16 سبتمبر/أيلول 2022، شهدت عدة مدن إيرانية خلال الأيام الماضية مظاهر احتجاجية لإحياء ذكرى الانتفاضة، والتأكيد على رفض جموع الإيرانيين لحكم الملالي.
وأعرب مواطنون في مختلف أنحاء إيران عن استمرارية احتجاجهم، من خلال ترديد شعارات ليلية والكتابة على الجدران وتوزيع المنشورات، ونشر دعوات مختلفة للتجمعات والإضرابات في ذكرى "انتفاضة مهسا" التي عرفها العالم تحت اسم "انتفاضة المرأة" الإيرانية.
وحسب تقارير إعلامية ميدانية من داخل إيران، سُمعت هتافات مناهضة للنظام مثل "الموت للديكتاتور" و"الموت للحرس" في بلدتي جيتكر وباقري بطهران. وفي سنندج، ردد عدد من المواطنين شعارات احتجاجية مثل "الموت لخامنئي".
وفضلًا عن عودة الشعارات الليلية، أظهرت مقاطع فيديو نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، أن إعداد وتوزيع المنشورات الاحتجاجية والدعوات للتجمعات في الذكرى الأولى لمقتل مهسا أميني على يد النظام، مستمر من قبل المواطنين.
وفي إسلام أباد غرب، قامت مجموعة من المواطنين المحتجين بإعداد وتوزيع منشورات تحت عنوان "الدعوة إلى مظاهرة ضد نظام الجمهورية الإسلامية" مع اقتراب الذكرى السنوية للانتفاضة الشعبية. والكتابة على الجدران هي شكل آخر من أشكال الاحتجاج الإيراني الذي قام به المواطنون خلال العام الماضي.
وكشف مقطع فيديو، جدارية احتجاجية على طريق "الإمام علي" السريع في طهران بمناسبة ذكرى بداية الانتفاضة الثورية التي اندلعت في 16 سبتمبر/أيلول 2022.
من ناحية أخرى، انتشرت خلال الأيام الماضية دعوات لتجمعات احتجاجية للإيرانيين في جميع أنحاء العالم، حيث أقيم تجمع لمعارضين إيرانيين في العاصمة الأمريكية واشنطن، أمام البيت الأبيض وأمام الكونجرس.
وبالتزامن مع تجمعات الإيرانيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، وافق مجلس النواب الأمريكي، مؤخرًا، على خطة الحزبيّن المسماة "قانون مهسا أميني" بأغلبية 410 أصوات مؤيدة و3 أصوات معارضة.
وبموجب هذه الخطة، سيتم فرض عقوبات على كبار المسؤولين في إيران، بمن فيهم المرشد علي خامنئي، بسبب قمع احتجاجات الشعب الإيراني وانتهاك حقوق الإنسان، كما سيكون الرئيس الأميركي ملزمًا أيضًا بإصدار أمر بحظر التأشيرة ضد بعض الأشخاص الأجانب المرتبطين بالنظام الإيراني وتجميد أصولهم.
ومنذ بداية انتفاضة الشعب الإيراني، فرضت حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والاتحاد الأوروبي عدة جولات من العقوبات ضد الأفراد والمؤسسات القمعية في إيران.
من جهته، استعرض الكاتب الكندي من أصل إيراني حامد إسماعيليون، إحدى الشخصيات المعارضة للنظام الإيراني وعضو رابطة أهالي ضحايا الطائرة الأوكرانية، في مقال نشره مؤخرًا، أحداث العام الماضي بعد مقتل مهسا أميني، وحذر الغرب من "استرضاء" النظام الإيراني ومنع ثورة الإيرانيين العظيمة.
كما نشر "إسماعيليون" دعوة لتجمعات منسقة في 70 مدينة حول العالم بالتعاون مع رابطة عائلات ضحايا الطائرة الأوكرانية.
وأكدت رابطة أهالي ضحايا الطائرة الأوكرانية أن "هذا النضال سيستمر حتى سقوط الديكتاتور"، وكتبت: "سنخرج إلى شوارع العالم لنكون صوتًا لإيران. لا ننسى ولا نغفر".
وأصدر الإيرانيون في الخارج نداء تحت عنوان "التحالف الكبير المتعدد الأطراف حول العالم" لعقد مسيرات منسقة في 50 مدينة حول العالم في ذكرى مقتل مهسا أميني. ونشرت منظمات مدنية وسياسية وناشطون دعوات منفصلة لتنظيم مسيرة احتجاجية يوم 16 سبتمبر/أيلول.
كما دعا المواطنون داخل إيران بعضهم البعض على شبكات التواصل الاجتماعي للنزول إلى شوارع مدنهم في "ذكرى الانتفاضة الشعبية للمرأة، الحياة، الحرية".
التهديد الأبرز للنظام
ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في تقرير لها مؤخرًا، أن "الحركة الاحتجاجية الضخمة، التي اندلعت في العام الماضي، وشكلت التهديد الأبرز للنظام الإيراني منذ عقود، قد هدأت موقتاً، لكن بالنسبة إلى الذين فقدوا أحبة أو خاطروا بحياتهم بسبب الرد الأمني الوحشي، فلا يزال التحدي قائمًا ".
وأضافت الصحيفة البريطانية، في تقرير لها من طهران: "من إحياء ذكرى الأقارب الذين قتلوا في التظاهرات إلى تحدي النساء قوانين الحجاب الصارمة وترك شعرهن يتطاير، لا تزال أعمال صغيرة من المقاومة غير العنيفة بمثابة تذكير يومي للسلطة من قبل المصممين على إبقاء روح حركة "مرأة، حياة، حرية".
وقالت سيدة تدعى "منى"، مدربة رياضية، للصحيفة: "أراقب منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تضعها عائلات الضحايا كل يوم فيؤلمني قلبي". وأضافت أنها تشعر "باحترام" إزاء "البشر الخارقين الذين لا يمكن إسكاتهم".
ولفتت الصحيفة إلى أن ذلك يمثل المخاطر التي يواجهها من يرفضون ترك النظام ينسى ما جرى. والشهر الماضي، رغبت عائلة أبو الفضل آدينه زادة، وهو مراهق قتل في أكتوبر/تشرين الأول 2022 خلال ذروة الاحتجاجات، في الاحتفال بعيد ميلاده الثامن عشر بإقامة حفل على قبره في قريته الواقعة في الشمال الشرقي للبلاد. ودعي عموم الإيرانيين إلى الحضور، لكن السلطات اعتقلت أفراد الأسرة في الليلة التي سبقت ذكرى الانتفاضة.
وقدرت الصحيفة عدد قتلى الاحتجاجات التي استمرت ثلاثة أشهر بـ300 بمن فيهم 41 طفلًا، استنادًا إلى إحصاءات منظمة العفو الدولية. وأطلق الاحتجاجات الأبرز في مواجهة النظام منذ ثورة عام 1979 مقتل مهسا أميني، 22 سنة، في سبتمبر/أيلول بعد اعتقالها لمخالفتها المزعومة قواعد اللباس التي يفرضها النظام. وفي غياب التظاهرات حاليًا، تتواصل أعمال التمرد، بما فيها سفور النساء وارتداء تنانير أقصر من تلك التي تفرضها قواعد اللباس الإسلامي. ولا يتوانى النظام عن قمع أي عمل يرى فيه وسيلة قد تحيي الاحتجاجات، مثل التجمعات المعارضة، لكن يبدو أنه تساهل مع فرض تطبيق قواعد اللباس لكنه لا يزال يفرض غرامات على الشركات التي تسمح للنساء بمخالفة هذه القواعد في مقارها. وقالت سيدة أعمال تدعى ديلارا وتبلغ من العمر 32 سنة: "كل صباح، حين أذهب إلى العمل من دون حجابي، أشعر بأنني أواصل نضالنا من أجل الحرية. قد لا ننشد شعارات في الشارع، لكن المشي خارج المنزل من دون حجاب لا يقل عن ذلك شأنًا".
ووفق "فايننشال تايمز"، يبدو أن النظام أو بعضه تقبل الحاجة إلى تغيير اجتماعي وإن لم يتقبل أي تغيير سياسي، فقد كتبت "جافان"، الصحيفة المقربة من الحرس الثوري المتشدد، الشهر الماضي تقول إن النظام قسا أكثر مما ينبغي على النساء في شأن الحجاب، بل واعتبرت أن المجتمع الإيراني يفتقر إلى البهجة. وقال صحافي محافظ للصحيفة التي لم تسمه: "لا تريد السلطات الاعتراف بأنها تنفتح بهدوء. بعد سنتين، ستغيب النقاشات حول الحجاب"، لكنه أقر بأن النظام يخشى أن يخسر دعم المتشددين أيديولوجيًا الذين يضغطون على النظام ليواصل فرض تطبيق قواعد اللباس النسائي.
ـــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- شعار "الموت لخامنئي" يعود لمدن إيران.. ودعوات للتجمع في ذكرى انتفاضة مهسا أميني، موقع إيران إنترناشيونال، 14 سبتمبر/أيلول 2023.
2- إيرانيون يواصلون تحدي السلطات لإبقاء شعلة الاحتجاجات مشتعلة، موقع إندبندنت عربية، 11 يوليو/تموز 2023.
3- إيران تستعد لذكرى وفاة مهسا أميني، موقع الشرق الأوسط، 14 سبتمبر/أيلول 2023.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية