منذ نكبة عام 1948، حتى الآن، تأسست في فلسطين عصابات صهيونية مسلحة شكلّها متطوعون يهود من كل بقاع الأرض، أعملوا آلة القتل والذبح في المواطنين الفلسطينيين الآمنين في وطنهم، وعاثوا في الأرض العربية فسادًا.
وعندما بدأت القوى الصهيونية تنفيذ مخطط إنشاء الكيان الصهيوني، وتهجير اليهود من العالم إلى أرض فلسطين "أرض الميعاد"، استعانت بأدوات عدة كان في مقدمها تنظيمات شبه عسكرية تزامن تشكيلها مع نشأة الأحزاب اليهودية.
ومنذ بدايات القرن العشرين تشكلت على أرض فلسطين عشرات التنظيمات شبه العسكرية من العصابات الصهيونية، التي استخدمت أشكال العنف كافة لتحقيق أغراضها.
وكان من أولى تلك التنظيمات الإرهابية "بارجيورا"، وهي منظمة عسكرية صهيونية سرية أسسها عام 1907 كل من إسحاق بن تسفي، وإسرائيل شوحط، وكان شعارها "بالدم والنار سقطت يهودا، وبالدم والنار ستقوم يهودا".
هدف المنظمة المعلن، كان "حماية اليهود المهاجرين" وإقامة مستوطنات زراعية عسكرية، وقد استلهمت اسمها من اسم شيمون "بارجيورا" قائد التمرد اليهودي الأول ضد الرومان في فلسطين ما بين عام 66 وعام 70 م.
واستمرت هذه المنظمة في العمل حتى 1909 عندما أتاح تطورها فرصة تأسيس منظمة أكثر اتساعًا واستقرارًا هي «الحارس»، أو «هاشومير» بالعبرية، وكانت الحاضنة الأولى لأخطر الإرهابيين الإسرائيليين الذين سيقودون العمليات الإرهابية الصهيونية لاحقًا، ويتحولون من بعدها إلى قيادات للدولة!
أبو الإرهاب الصهيوني
بحلول عام 1920، أيقن الفلسطينيون أبعاد المؤامرة التي كانت تحاك لوطنهم، وتواطؤ القوى الكبرى، خصوصًا بريطانيا ضدهم، وتقاعس القوى العربية والإسلامية عن نجدتهم، فانتفضوا في مواجهة الوجود الصهيوني على أرضهم، ما دفع اليهود إلى تعزيز عصاباتهم وزيادة تسليحها لقمع تلك الثورات.
من هنا، جاء تأسيس عصابة «الهاجاناه» وهي كلمة تعني بالعبرية «الدفاع»، لتحل محل منظمة «هاشومير»، وكان «أبو الإرهاب الصهيوني الحديث» فلاديمير جابوتنسكي صاحب فكرة تأسيس مجموعات عسكرية يهودية علنية تتعاون مع سلطات الانتداب البريطاني، وانصبّ اهتمامها الأساسي على العمل العسكري.
وفي عام 1929، شاركت "الهاجاناه" في قمع انتفاضة العرب الفلسطينيين، وهجمت على المساكن والممتلكات العربية، كذلك برعت في استخدام أسلوب «السور والبرج» لبناء المستوطنات في يوم واحد، وفي عمليات تهريب اليهود إلى فلسطين.
ونشطت عناصر "الهاجاناه" في عمليات التجسس واغتيال القيادات العربية في القرى والمدن الفلسطينية المختلفة، بل وقامت بكثير من العمليات الإرهابية ضد القوات البريطانية التي كانت الداعم والممول الرئيس لهم فيما عُرف باسم "حركة المقاومة العبرية"، ما يثبت أن اليهود تشبعوا بعقيدة الغدر والخيانة، وأنهم لا يتورعون عن التهام كل من يقف في وجه مشروعهم الاستيطاني حتى ولو كان حليفاً لهم.
وتجاوز عدد أعضاء "الهاجاناه" قبيل إعلان قيام إسرائيل 36 ألف جندي، بالإضافة إلى ثلاثة آلاف من عصابة "البالماخ"، وأصدر بن جوريون في 31 مايو/آيار 1948 قرارًا بتحويل الهاجاناه إلى جيش الدفاع الإسرائيلي!
اختراع "البراميل المتفجرة"
كان اختراع البراميل المتفجرة إحدى الجرائم التي ارتكبتها عناصر العصابات الصهيونية، وفي مقدمهم أعضاء الهاجاناه والبالماخ، مجزرة قرية بلد الشيخ في سهل حيفا. عشية رأس السنة الميلادية عام 1947 هجمت قوة من «البالماخ» قوامها 170 مسلحًا على القرية، فطوقتها ودمرت عشرات البيوت والممتلكات، ما أسفر عن سقوط 60 شهيدًا من بينهم كثير من الأطفال والنساء.
وفي 16 يناير/كانون الثاني من عام 1948 ارتكب الإرهابيون الصهاينة مجزرة جديدة عرفت بـ "مجزرة عمارة المغربي" في مدينة حيفا. دخل الإرهابيون متخفين بلباس الجنود البريطانيين، مخزنًا قرب عمارة المغربي في شارع صلاح الدين في مدينة حيفا بحجة التفتيش، ووضعوا قنبلة موقوتة، أدى انفجارها إلى انهيار العمارة وما جاورها من مبان، واستشهد نتيجة ذلك 31 من الرجال والنساء والأطفال، وجُرح ما يزيد على 60 آخرين.
وفي 28 يناير/كانون الثاني من العام نفسه، دحرج الإرهابيون الصهاينة من حي الهادر المرتفع على شارع عباس العربي في مدينة حيفا في أسفل المنحدر، برميلًا مملوء بالمتفجرات، فهدم بعض البيوت على من فيها، واستشهد 20 مواطنًا عربيًا، وجرح نحو 50.
وفي 22 يناير/كانون الثاني 1949، تولى «إسحق رابين»، رئيس الوزراء الإسرائيلي فيما بعد، قيادة هجوم مفاجئ وشامل عند الفجر على قرية "يازور" على بعد 5 كيلومترات من مدينة يافا، ونسفت القوات المهاجمة الكثير من المنازل والمباني، وأسفر الاعتداء عن استشهاد 15 فلسطينيًا من سكان القرية، لقي معظمهم حتفه وهم في فراش النوم.
قنابل في صناديق الخضراوات
نفذت عصابة "أرجون" الصهيونية التي تأسست فيما بعد، 60 عملية إرهابية ضد الفلسطينيين، إضافة إلى مهاجمتها قوات الاحتلال البريطاني، معتمدة على أساليب إرهابية مروعة في تنفيذ عملياتها، من بينها ابتكار أسلوب السيارات المفخخة، والتي أسقطت مئات الضحايا كما حدث في مجازر السوق العربية في حيفا والقدس، اللذين تم الهجوم عليهما أكثر من مرة عام 1938 من خلال السيارات المفخخة، وإلقاء القنابل اليدوية.
كانت القنابل الموقوتة توضع في صناديق الخضراوات لإدخالها إلى الأسواق المكتظة، وتفجيرها في وقت الذروة. كذلك استخدم أسلوب الهجوم على الحافلات والقطارات وتفجير الأسواق ودور السينما.
وفجّرت المنظمة في يوليو/تموز 1946 فندق "الملك داود" في القدس حيث سقط 91 قتيلًا معظمهم من المدنيين، وبينهم 41 فلسطينيًا، 17 يهوديًا، 15 بريطانيًا، كذلك فجرت في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه سفارة بريطانيا في روما، فضلًا عن تنفيذ عشرات الاغتيالات بحق الشخصيات العربية والبريطانية.
وتوسعت المنظمة أيضًا في الإعدامات الميدانية للشباب العربي في القرى الفلسطينية، ومن ذلك مجزرة "عيلبون" في أكتوبر/تشرين الأول 1948 وأعدم فيها 14 شهيدًا من خيرة شباب القرية، وهجّر أهلها شمالًا إلى لبنان، كذلك مذبحة قرية أم الشوف في 3 ديسمبر/كانون الأول 1948 حيث أعدم سبعة شبان عرب أمام الأهالي، بعد العثور على بندقية مخبأة في القرية!
وفي عام 1940، حدث الانشقاق الثاني بخروج جماعة أبراهام شتيرن وشكلت فيما بعد منظمة تعني «المحاربون لأجل حرّية إسرائيل»، كذلك اشتهرت باسم مؤسسها، ورأى أعضاؤها ضرورة دعم ألمانيا النازية لتُلحق الهزيمة ببريطانيا ليتم التخلص من الانتداب البريطاني على فلسطين وتأسيس دولة صهيونية، كذلك عقدوا اتفاقًا مع حكومة موسوليني تعترف بمقتضاه الحكومة الفاشية بالدولة الصهيونية على أن يقوم أعضاء «شتيرن» بالتنسيق مع القوات الإيطالية حين تغزو فلسطين.
وعصابة شتيرن إحدى أكثر الميليشيات الصهيونية شراسة وشهرة، وكان إسحاق شامير، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي لاحقًا، عضوًا فيها، وحينما عُيِّن وزيرًا للخارجية ثار الرأي العام العالمي بسبب تعيين إرهابي مثله دبّر عملية اغتيال الوزير البريطاني اللورد موين (مفوض بريطانيا بالقاهرة) في 6 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1944 في القاهرة، والوسيط الأممي الكونت فولك برنادوت في 17 سبتمبر/أيلول 1948، في فلسطين.
ولجأت المنظمة إلى الهجوم على الحافلات العربية المدنية، وفي 31 مارس/آذار عام 1948، لغمت عصابة «شتيرن» قطار القاهرة ـ حيفا السريع، فاستشهد 40 شخصًا، وجرح 60 آخرين.
وألقى عناصر الجماعة القنابل اليدوية على عشرات المساجد في حيفا ويافا والقدس، خلال خروج المصلين منها، فأوقعوا مئات الشهداء. والغريب أنه رغم هذا الاعتراف العالمي بأن «شتيرن» جماعة إرهابية، نجد حكومة الاحتلال الإسرائيلي تقرر صرف رواتب تقاعدية لمنتسبها وتمنح بعض قياداتها نياشين «محاربين الدولة»، ويحضر السّاسة الإسرائيليون ومسؤولو الحكومة تأبين إبراهام شتيرن كل عام. كذلك أصدرت عام 1978 طابعًا بريديًا يحمل صورته!
وجرى حينها ارتكاب 25 مجزرة بحق الفلسطينيين، وما يزيد على 532 محلّة سكنية طرد الفلسطينيون منها، بينها 420 قرية دمرت بالكامل، ومحوها عن الوجود، وبحلول 1950 اقتلع 960 ألف لاجئ من وطنه.
ونقل دومينيك فيدال في كتابه "خطيئة إسرائيل الأصلية" شهادة يهودية، بأن العصابات ارتكبت أكثر من 90 مذبحة على غرار مذبحة دير ياسين، تحقيقًا لنهج دموي قام على سرديّة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
من جانبه، صرّح "ناثان تشوفشي" وهو كاتب يهودي هاجر من روسيا، بأنه "إذا أراد أحد معرفة حقيقة ما حدث، وأنا أحد المستوطنين كبار السن في فلسطين من الذين شهدوا الحرب، يمكن أن أخبركم أنه بأسلوبنا نحن اليهود، حيث أجبرنا العرب على ترك مدنهم وقراهم، لقد كان هنا شعب عاش في بيوتهم وعلى أرضهم لأكثر من 1300 سنة، جئنا وحوّلناهم إلى لاجئين، ونحن ما زلنا نتجاسر للافتراء عليهم، والطعن بهم لتلويث سمعتهم، بدلًا من أن نخجل مما عملنا، ونحاول تصحيح بعض الشرّ الذي قمنا به عن طريق مساعدتهم على حلّ قضيتهم، ونبرّر أفعالنا الفظيعة ونمجّدها".
عصابات المستوطنين المسلحة
لا يقتصر الدور الدموي الذي لعبته العصابات الإرهابية الصهيونية على الماضي فحسب، بل إن من أخطر الظواهر في الوقت الراهن هو ما تقوم به عصابات المستوطنين المسلحة الإرهابية من اعتداءات مخططة ومنهجية على سكان الضفة الغربية، بغرض طردهم من مناطق سكنهم وتدمير زراعتهم ومعيشتهم، لتسهيل استيلاء المستعمرات الاستيطانية عليها.
هذه العصابات الإرهابية، بمن فيها من يسمون «فتيان التلال» تمثل تكرارًا، أكثر فاشية ووحشية، لعصابات الإرهاب الصهيونية مثل "الأرجون وأيتسل والهاجاناه".
وتشمل جرائم عصابات المستوطنين قائمة طويلة من الأعمال الإرهابية، من أبسطها اقتلاع أشجار الزيتون، وتدمير المحاصيل الفلسطينية، إلى إطلاق الرصاص على المدنيين الفلسطينيين العزل، ومهاجمة السيارات الفلسطينية على الطرق بالحجارة والرصاص، إلى أخطرها بالإقدام على محاولة حرق وإزالة بلدات بكاملها كما جرى فى بلدة حوارة جنوبى نابلس، والهجمات الإرهابية المتكررة على التجمع الفلسطينى فى عين سامية، والذى أسفر عن سابقة لم تحدث منذ عام 1967 بإجبار سكان التجمع على ترك مساكنهم والرحيل إلى مناطق أخرى.
ووفق المراقبين، لا يمر يوم من دون أن تتعرض القرى والبلدات الفلسطينية، خصوصًا المجاورة للأراضى التى صادرتها المستوطنات لاعتداءات إرهابية، رأينا أمثلة صارخة عليها فى حرق عائلة الدوابشة فى بلدة دوما فى منطقة نابلس، وحرق الفتى الفلسطينى محمد أبوخضير حيًا بعد اختطافه.
وتسيطر عصابات المستوطنين على نحو 400 ألف قطعة سلاح، وهم يشكلون مجموعات مسلحة إرهابية، ويتم تشجيعهم على شن الهجمات على المدن والقرى الفلسطينية، تحت حماية جيش الاحتلال، ورعايته، ما يجسد السعي الإسرائيلي لتحويل فكرة "التطهير العرقي" مجددًا، إلى تطبيق عملى ملموس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- العصابات الصهيونية وجرائمها قبل العام 1948، موقع الوطن، 11 أغسطس/آب 2017.
2- إحصائيات وشهادات تاريخية تكشف دور "العصابات الصهيونية" بنكبة فلسطين، موقع د. عدنان أبو عامر، 10 مايو/آيار 2023.
3- التطرف الصهيوني… الإرهاب حين يصنع الدولة!، موقع الجريدة، 22 مايو/آيار 2016.
4- إرهاب عصابات المستوطنين.. الخطر المباشر على الشعب الفلسطيني، موقع الشروق، 13 يونيو/حزيران 2023.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية