في واقعة أكاديمية خطيرة وغير مسبوقة، أقامت السفارة الإيرانية في سوريا، مؤخرًا، بالتعاون مع قسم اللغة الفارسية بجامعة دمشق، احتفالًا خاصًا بمناسبة "يوم يلدا" (شب يلدا)، وهي سابقة لم تعهدها الجامعات السورية الحكومية من قبل.
ونشرت كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة دمشق في صفحتها على "فيسبوك"، أنّ قسم اللغة الفارسية، وبالتعاون مع المستشارية الثقافية الإيرانية، أقام فعالية ثقافية علمية بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس جامعة دمشق.
وذكرت الكليّة أنّ محور الفعالية من المستشارية الثقافية الإيرانية كان "يوم يلدا"، حيث قدمت مداخلات ثقافية، وشعرية، ومسابقات من الأقسام المشاركة في المناسبة، مشيرة إلى حضور السفير الإيراني وأعضاء السفارة، وعميد كلية الآداب ونوابه. ورؤساء وأعضاء الهيئة التدريسية في أقسام اللغة الفارسية بجامعات دمشق، وحلب، والبعث (حمص)، فضلًا عن حضور طلابي وجماهيري كبير.
ويذكر أن احتفال "شب يلدا"، هو ليلة تراثية قومية من تراث الحضارة الفارسية، والاحتفالات الإيرانية القديمة، وهو احتفال يُقام منذ أيام الديانة "الزردشتية" حتى الآن في جميع أرجاء إيران.
وتُعدّ «ليلة يلدا» أطول ليلة في السنة، وهي أول ليلة من فصل الشتاء واسمها «شب چله» أو «شب يلدا» أي (ليلة يلدا) وهي ليلة الانقلاب الشتوي. وفي التقويم الإيراني، الذي يتطابق مع التقويم الطبيعي، يوافق 22 ديسمبر/كانون الأول ويعدّ اليوم الأخير من فصل الخريف، و«يلدا» كلمة سريانية تعني «ولادة الشمس».
جاءت هذه الواقعة الجديدة، في سياق تمكنّ إيران خلال العقد الأخير، من إحداث خروق ثقافية عدة، إلا أنها ظلت محدودة، لا يؤسَّس عليها كحالة ثقافية مقبولة لدى أطياف السوريين، بل إن بعض الخروق خلّفت أثرًا سلبيًا، منها معرض الفن التشكيلي الذي أقامته المستشارية الثقافية الإيرانية، بالتعاون مع كلية الفنون الجميلة في دمشق.
أُقيم المعرض في يونيو/حزيران الماضي، تحت عنوان: "الخميني في مرآة الفن السوري"، وأحدث موجة استنكار وسخرية في الأوساط الثقافية السورية، حيث لم يسبق أن أقيم معرض مماثل للرئيسين الأسد الأب والابن طوال حكمهما لأكثر من خمسين عامًا تحت عنوان "الأسد في مرآة الفن السوري" في كلية الفنون الجميلة، وذلك رغم إنتاج مئات الأعمال الفنية لهما من لوحات وتماثيل منتشرة في طول البلاد وعرضها حتى هذه اللحظة.
وذكرت مصادر أكاديمية سورية، في تصريحات، أنه لم يسبق أن شهدت جامعة دمشق فعاليات ثقافية احتفالية بالأعياد الدينية والقومية السورية، كأعياد النيروز (يحتفل به الكُرد) أو عيد رأس السنة الآشورية، وعيد الرابع الخاص بالعلويين، وعيد الغدير، وعيد الفرح بالله الخاص بالمرشديين، وأعياد المسيحيين، مثل البربارة، والغطاس والتجلي والسيدة، وغيرها من أعياد يحيي السوريون وغيرهم من أبناء الدول المجاورة طقوسها التراثية، حيث دأبت السلطة البعثية على النأي عنها رسميًا؛ لكون سوريا "بلدًا علمانيًا".
غير أن مساعي إيران للتغلغل في المجتمع السوري ليست بجديدة، لكنها باتت أوضح وأوسع خلال عهد بشار الأسد، ومع ذلك ظلت بعيدة عن المؤسسات العلمية الحكومية، إلى أن فرضت روسيا اللغة الروسية كلغة ثانية في المناهج في مراحل التعليم الأساسي، لتجد إيران نفسها في خضم تنافس قوي مع روسيا، التي تلقى ثقافتها قبولًا نسبيًا في المجتمع السوري، الذي يضمر عداءً عقائديًا لإيران على خلفية إصرارها على نشر المذهب الشيعي في البلاد.
ووفق المصادر الأكاديمية، زادت إيران من نشاطها المحموم في سوريا خلال الأعوام الأخيرة، من أجل نشر ثقافتها في المجتمع السوري، وخصوصًا في أوساط الشباب، وذلك عبر التمدد نحو التعليم الحكومي، ولا سيما التعليم العالي.
وتمكنت إيران خلال السنوات السبع الأخيرة من افتتاح مراكز لتعليم اللغة الفارسية في الجامعات الحكومية، كما عقدت اتفاقيات عدة خاصة بالتعليم، وجرى افتتاح مدارس وجامعات إيرانية في سوريا.
ومؤخرًا، أعلن رئيس جامعة طهران الحكومية، محمد مقيمي، العزم على افتتاح فرع للجامعة في دمشق، وذلك خلال لقائه مع نائبة وزير التعليم العالي السوري، فاديا ديب، في طهران. كما عبر مقيمي عن عدم رضاه عن مستوى العلاقات العلمية والأكاديمية بين البلدين. وقال: إنها "ليست مرضية ويجب رفع مستواها"!
عملت إيران خلال الأعوام الماضية على تكثيف جهودها للاستحواذ على حصة وازنة من سوق الجامعات السورية، بذريعة "التعاون بين الجامعات الإيرانية والسورية في مجال البحث والإنتاج والمشاريع العلمية والمعرفية، وربطها بالمشاريع التنموية والصناعية والإنتاجية في البلدين"، وزادت في هذا السياق عدد المنح الدراسية للجانب السوري، وأقامت مشاريع بحثية مشتركة.
وحصلت عشرات الجامعات الإيرانية الحكومية والخاصة، على تراخيص رسمية للعمل في سوريا، في خطوة زادت الشكوك في سوريا حول الغايات التي تسعى إليها إيران من وراء افتتاح هذا العدد الكبير من الجامعات في البلاد.
وبعد مباحثات لم تستغرق وقتًا طويلًا، نجحت إدارة جامعة "بيان نور" في انتزاع رخصة لافتتاح فروع لها في سوريا من وزارة التعليم العالي السورية التي وافقت في السابق على افتتاح فروع لـ (5) جامعات إيرانية أخرى، وجاء منح ترخيص جديد لجامعة إيرانية أخرى في إطار مساعي إيران إلى توسيع توغلها في سوريا، تحت غطاء علمي وثقافي. وتُعتبر جامعة "بيان نور" من أكبر الجامعات في إيران، وتأسست عام 1988، وتتبع لوزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا، وتوصف بأنّها تحمل طابعًا إيرانيًا شيعيًا.
وتنقسم الجامعات الإيرانية في سوريا إلى نوعين: الأول جامعات ذات طابع ديني تدرّس المناهج باللغة العربية، وتختص بالعقيدة الشيعية، والثانية حكومية هدفها المعلن تدريس المناهج العلمية كالفيزياء والرياضيات، ولكنّها بدأت أخيرًا تدريس ما يُسمّى "الفلسفة الفارسية".
وأعلنت جامعة حماة عام 2018 عن توقيع اتفاقيات تعاون علمي مع (3) جامعات إيرانية هي "جامعة فردوسي" في مدينة مشهد، و"جامعة أمير كبير" التقنية، إضافة إلى توقيع اتفاق نوعي مع "جامعة الزهراء" للإناث، وفق ما ذكرت مواقع إعلامية سورية معارضة.
وفي منتصف عام 2021، وقّعت جامعتا دمشق وطهران مذكرة تفاهم تضمن الأسس الأولية لجميع الاتفاقيات اللاحقة بين الطرفين في مجال الاختصاصات الدراسية. وسبق ذلك في مطلع عام 2020 توقيع مذكرة تفاهم بين وزارتي التربية في كل من دمشق وطهران، تتضمن تبادل الخبرات والتجارب في المجالات العلمية والتعليمية والتربوية، وتقديم الخدمات الفنية والهندسية وترميم المدارس.
وتحت عنوان "تأثير تربوي"، ذكرت دراسة نشرها "معهد واشنطن" مؤخرًا، أنّ "ثمة تطورًا كبيرًا يشير إلى هدف إيران المتمثل بضمان وجود متعدد الأجيال في سوريا، وهو ما يعكسه القرار الرسمي السوري بافتتاح أقسام اللغة الفارسية في العديد من المؤسسات التعليمية والجامعات الحكومية، بما في ذلك جامعات دمشق وحمص واللاذقية".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- هل نجحت إيران بخرق الثقافة والتعليم في سوريا؟، موقع آي إم أرابيك، 23 ديسمبر/كانون الأول 2023.
2- الغزو الثقافي الإيراني لسوريا... الأدوات والطرق، موقع حفريات، 16 مايو/آيار 2022.
3- خروق إيرانية للثقافة والتعليم الرسمي في سوريا، موقع الشرق الأوسط، 22 ديسمبر/كانون الأول 2023.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية