من "المعارف العمومية" إلى مدارس "حزب الله": "شيعة لبنان" والتعليم... منذ العهد العثماني حتى اليوم

- 14 أكتوبر 2024 - 68 قراءة

مع صدور نظام" المعارف العموميَّة" العثماني أقْبَلَ الشّيعة على التعليم وأسسوا مدارس خاصّة لهم

 

بروز شبكات مدرسيَّة تُديرها الجمعيات والمؤسّسات التابعة للثنائي الشيعي "حركة أمل وحزب الله"

 

تحليل عناصر المشروع التربوي لـِ"حزب الله" يتبيّن سِمة اللّاعقلانيَّة وقِيم التبعيَّة في مضمون المحتوى

 

 

يتضمّن البحث التوثيقي "الشِّيعة والتعليم من العهد العثماني إلى اليوم: في نشأة نظامٍ تربويٍّ رديف ومآلاتِه"، للدكتور علي خليفة، الصادر عن مؤسسة "أمم للتوثيق والأبحاث"، إحاطة تاريخية شاملة ببعض جوانب علاقة الشيعة والتعليم من العهد العثماني حتى اليوم.

يوثق البحث، أهم المبادرات القائمة في هذا المجال ومآلاتها اللاحقة، فيما يخصّ تحديدًا مدى توافر فرص التعليم في ظلّ مساعي تحقيق العدالة والإنصاف، ومدى تضمين قيم الإندماج الوطني والإجتماعي في المشاريع التربوية للمؤسسات المتفرّقة على امتداد الحقب الزمنية التي يغطيها البحث، وصولاً إلى يومنا هذا.

ووفق الباحث، تتطلّب دراسةُ التعليم منهجيًّا، في نشأتُه ومآلُه، الأخذَ بالمتغيِّراتِ الاجتماعيَّة وإدارةِ التربية من خلال السياسة العامّة للدولة، ومساهمة الدِّين في المجال العام والعلاقات التبادُليَّة القائمة بين التعليم وكلٍّ من النُّظم السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، في كلِّ حقبة زمنيَّة ووفق سياقٍ تاريخي.

وعليه، تمَّ وصفُ التعليم وتحليلُه بوصفه عمليَّةٍ شاملةٍ تَعُمُّ في المؤسّساتِ الاجتماعيَّة )مدارس، معاهد ودُور عبادة...(  بشكلٍ مقصودٍ ومنظَّم بسياساتِ تربية وتعليم ومناهجَ وبرامجَ (مراجعات مكتبيَّة وأدبيَّة ذات صلة(؛ والنظام التربوي بمفهومِه الأوسَعِ الذي يشْملُ كل أنواع التنشئة ووسائطِها الاجتماعيَّة للتأثير في السلوك واكتسابِ القِيَم وتشكُّل المواقف، سواءً أكانت منظَّمةً بواسطة التدريس من ضمنِ المدرسة وأنشطَتِها والصفوف في حدودِها المحصورة ضمن أربعة جُدران، أو غير محصورة في مكانٍ وزمانٍ محدَّدَيْن، حيث تمَّ اللجوء إلى دراسة محتوى خطابات مُسجَّلة من مناسباتٍ عامة وأناشيد، ودراسةِ مستنداتٍ متنوِّعَة ووثائقَ تاريخيَّة كمصادرَ للمعلومات.

 

"مدارس خاصّة" للشيعة

 

سمح السياق التاريخي المعتمد في هذا الفصل، لمقاربة موضوع التعليم لدى الشّيعة في لبنان، باستخلاص مجموعة من الملامح التي رافقت وطبعت الحقبات التاريخية المتعاقبة: في عهدِ الدولة العثمانيَّة وسياسَتِها المعدَّة للتعليم، كان التعليم بوصفِهِ دينيًّا بشكل أساسيّ.

وكذلك كانت تعامُلات الدولة المختلفة مع الجماعات الدِّينيَّة من خلال  نظام المِلل، أو من خارجِه في ما يخصُّ تعليم الشّيعة وإنشاء مدارسهم، مرورًا بعهد الإنتداب وقيامِ دولة لبنان الكبير عام 1920 وتوسّع دائرة التعليم الرسمي مع إقرار حقوق الطوائف الدِّينيَّة في إقامة مدارِسِها الخاصّة ،في إطار حرّيَّة التعليم التي كفلَها دستور الكيان الناشئ.

وبعد ذلك، في زمنِ الاستقلال وتنظيم التعليم والتغيُّرات الطارئة على بُنْيَتِه وشمُوله جغرافيًّا التوزُّع السكّاني للشيعة في لبنان، وتسلسُلِ الأحداث اللاحقة التي طَبعَتْ خريطة التعليم في ضوء تأثير المتغيِّرات الاجتماعيَّة وعوامل الصراع، لا سيَّما  خلال حقبة الحرب الأهليَّة وما بعدَها، وصولاً إلى الزمن الراهنِ مع بروزِ شبكاتٍ مدرسيَّةٍ كالتي تُديرُها الجمعيات والمؤسّسات التابعة للثنائي الشيعي "حركة أمل" و  "حزب الله ".

وقدّم التوثيق المتوافر إحاطة مفصّلة بالحقبات التاريخية المتعاقبة وإضاءة على المبادرات التي شهدتها ممّا سمح باستكمال الملامح التي طبعت كلّ حقبة.

استهلالاً مع ما توافر لنا في البحث الراهن من توثيق حول الحَوْزات العلميَّة، ما كانت أهمّها وأين تركّزت في مناطق انتشار الشيعة في لبنان، جنوبًا وبقاعًا وجبلاً. فضلاً عن عرض نماذج عن برامج ودروس وطرائق التعليم السائدة في مدارس الشّيعة الدِّينيَّة، ومنها الكتاتيب التي تصدّرت مشهد التعليم، على الأعمّ الأغلب، لا سيما في القرى والبلدات الشيعية.

وتوقف البحث عند إحدى محطات التعليم لدى الشّيعة في ظلِّ نظام المعارف العموميَّة العثماني، حيث جرى تنظيم سنوات التعليم على سلّم بحلقات ومراحل متتالية، منها الابتدائي والرُّشدي والإعدادي.

ورافق هذه الجهود الرسمية المنظمة، بروز مدارس الإرساليات الأجنبية وتوسيع رقعة نشاطها في مختلف المناطق، لا سيما منها مناطق انتشار الشيعة، بالتوازي مع استمرار الإقبال على المدارس ذات الطابع الإسلامي فيها التي ظلّ الساكنون يفاضلون بها على ما عداها من مؤسسات تربوية، لأسباب مرتبطة بالقيم الدينية التي تتخذها هذه المؤسسات كمرجعية لنظامها التعليمي، وما يتضمنه من محتوى فضلاً عن التقاليد الإجتماعية التي تُغلّب النسق الثقافي المتمحور حول العامل الديني.

بالمحصّلة، يمكن هنا القول إنّه بخلاف تجربة إمارة "بني عمّار" في طرابلس، التي كانت تُعيرُ رعايةً خاصةً لطلاّب العِلْم تَشْجيعًا للجانب الثقافي، بدأ التعليمُ لدى الشيعة بصبغة دينيَّة، وكان للشيعة مدارسَ فِقهيَّة أو "حَوْزات" لها المكانة المتقدّمة في مجتمعهم.

ومع  صدور نظام المعارف العموميَّة العثماني عام 1869 أقْبَلَ الشّيعة إلى حدٍّ ما على التعليم، وبدأوا بشكْلٍ خَجُول في تأسيس مدارسَ خاصّة لهم، وكانت نظْرَتُهم سلبيَّة إلى الإرساليّات الأجنبيَّة ودورها السياسي والاجتماعي.

 

خفوت نجم "الحَوْزات"

 

بعد تبنّي الشّيعة للبنان الكبير في مقابلِ اعترافِ سلطة الانتداب الفرنسي بالوجود السياسي والدِّيني والثقافي لطائفتهم، توسّعت دائرة انتشار المدارس الرسميَّة لتَشْمُل مناطِقَهم، جنوبًا وجبلاً وبقاعًا

لكن غالبيَّة العوائل الشّيعيَّة استَنْكَفَت عن إرسال أولادها إليها ،مع تفضيل" الكتاتيب" أي  المدارس ذات التعليم الدِّيني التي كان لها فَوْرَةٌ ظرفيَّةٌ رديفة للتعليم الرسمي

ثمّ حلّت، منذ ثلاثينيّات القرن الماضي، فكرةُ نُشوء الجمعيّات محلّ المبادرات الفرديَّة لإنشاء المدارس، كما عام 1938 مع الجمعيَّة الخيريَّة الإسلاميَّة العامليَّة التي ما لبثت أنْ افتَتَحت مدارس لتعليمِ شباب جبل عامل النازحين من الجنوب. وكانت مساهمات المغتربين الشيعة أساسيَّة في تشجيع هذه المبادرات.

وما لبث أن خفت نجم الحَوْزات الدينية آذنًا بالأفول مع تنامي المساعي الرسمية، لا سيما في عهد الإنتداب وعهد الإستقلال، من أجل اضطلاع السلطات بدور اجتماعي يكفل في أحد جوانبه الإهتمام بالتعليم والإشراف عليه والإنتقال به من الفوضى إلى التنظيم. شهدت هذه المرحلة بالذات، بروز المدارس الشّيعيَّة الحديثة، فكانت محطة مفصلية للحاق بِرَكْب التعليم المعاصر. ومن هذه المرحلة، يتوقف البحث عند المدرسة الجعفريَّة في صُور ومدارس العامليَّة التي انتقلت من بيروت إلى مناطق أخرى فشهدت على ازدهار كبير ومدارس الهُدى لحبيب آل إبراهيم.

على إثر هذه المرحلة الهامة، يقدّم البحث بعض المؤشرات المرتبطة بنواتج نظام التعليم: ففي المِنح الرسميَّة للمدارس، تبيّن أن للشيعة حِصّة وفي تتبّع نسب الأميَّة، تبيّن أن عند الشّيعة تحديدًا انخفاضًا ملحوظًا نتيجة توسّع رقعة المدارس على اختلاف فئاتها وتزايد الإقبال عليها في المناطق المختلفة ومن الطبقات الإجتماعية كافة. بعد أنْ كانت نسبة الأميَّة لدى الشّيعة 83 في المئة، وفق إحصاء 1932، انخفضت بشكل ملحوظ عام 1948  نتيجة التِحَاقِهم بالمدارس التي زادَ عددُها جرّاء السياسة التربويَّة للانتداب. وبعد عقْدَيْن على الاستقلال، بلغت النِّسَب المتعلّقة بتعليم الشّيعة حوالى 27 في المئة من تلاميذ المرحلة الابتدائيَّة و 18 في المئة من طلاّب المدارس الثانويَّة. وهذه الأرقام تدحضُ السرْدِيَّةَ الشائعة حول عدم توافر الظروف والموارد لتعليم الشّيعة قبل بروز الأحزاب الشّيعيَّة التي بَنَتْ مشروعيّتَها على مظلوميَّة أبناء الطائفة وظُلْم النظام السياسي والاجتماعي والتربوي اللبناني لهم.

كما شهدت المدارس الرسمية توسّعًا أفقيًّا، لا سيما في عهد الإستقلال، بحيث تمّ رفد المناطق المختلفة، لا سيما مناطق سكن الشيعة جنوبًا وبقاعًا وجبلاً بالمدارس الإبتدائية على وجه الخصوص.  إن انخراطُ الشّيعة بنِسَبٍ عالية في التعليم الرسمي يعني أنَّهم تبنّوا القِيَم التي يتضمّنُها النظام التربوي اللبناني، لا سيَّما المواطنيَّة ومبادِئها في منهاج 1946 ، وبعد تعديله في منهاج 1971 ، حيث الانتماء للهويَّة الوطنيَّة وقِيَم التنوُّع وثقافة الحريّات والعيش معًا.

ومن جهة ثانية، شهدت المدارس الخاصّة طَفرة شيعيَّة متمايزة مع تعدّد المبادرات الفردية في هذا المجال،  واستمرار دَعْم المُغتربين للأهلين ولجهودهم المعقودة في هذا الإتجاه.

ويتوقف البحث عند رسم معالم خريطة التعليم لدى الشيعة حيث يبرز التقاطع مع التعليم الرسمي وتتفاوت نوعية التعليم بحسب المدارس الخاصة المتوافرة في ضوء ما شهدته مناهج التعليم الرسمي من تعديل على إثر الإستقلال ثم بداية السبعينات نتيجة ظروف سياسية وعوامل تركت أثرًا على القرار التربوي.

 

مرحلة الحرب الأهلية

 

وصولاً إلى مرحلة الحرب الأهلية التي شهدت في خضمّها منعطفات طالت الشيعة وخياراتهم على المستويات السياسية والإجتماعية والتربوية منها. فنشأت المدارس الحزبيَّة. وبرزت في هذا المجال المدارس التي أنشأها "حزب الله" والسّيد محمد حسين فضل الله و "حركة أمل".

كما عادت ونمت الحَوْزات الدينية، ومنها الحَوْزات النسائيَّة، ذات الحاضنات السياسية  خلال الحرب الأهلية، بل شكّلت مع الوقت مواقع نفوذ ازدهرت بتمويل مباشر من الجمهورية الإسلامية في إيران حيث برزت التبعيَّة السياسيَّة والعقائديَّة لمشروع تصدير الثورة الإساميَّة في إيران. وقدّمت  إسهامًا أساسيًّا في عمليَّةِ الأدْلَجَة وسَعَت، عبر التربية وأشكال التنشئة العقائديَّة، إلى طغيان الهويَّة الطائفيَّة في أعلى مراتبها.

وبعد أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها، نمت المؤسسات الحزبية لدى الشيعة نموًّا مطّردًا وتوسّعت رقعتها ومساهمة التربية والتعليم فيها. ومن هذه المؤسسات، يتوقف البحث توصيفًا وتحقيقًا بالتوالي عند المؤسّسة الإسلاميَّة للتربية والتعليم وما يقع تحت مظلّتها من المدارس والمؤسّسات التابعة لها وما تنتهجه في مجال إعداد المعلمين وتوظيفهم من ضمن رؤيتها وتوجّهاته التي تمليها الأجندة السياسية والإجتماعية والتربوية وارتباطاتها؛ وجمعيَّة التعليم الدِّيني الإسلامي التي بدورها أنشأت المدارس والمؤسّسات التابعة لها واندفعت لتقديم الرؤية الدِّينيَّة لعملها في مجال التربية والتعليم.

وفي تحليل عناصر المشروع التربوي لـِ»حزب الله« تتبيّن سِمة اللّاعقلانيَّة وقِيم التبعيَّة في  مضمون المحتوى الذي يجري التسويق له في الدوريات والمنشورات والخطب المخصّصة للتطرّق للمجال التربوي. ولدى المقارنة بين المنهج الرسمي ومناهج » حركة أمل « و » حزب الله«  يتّضح مدى تغييب البعد الإندماجي للتربية ومكونات الثقافة المواطنية في مقابل تغليب الإنتماء للجماعة الطائفية ومكونات الثقافة الدينية الخاصة بها. ومن خارج المناهج أيضًا، أي في الإطار اللانظامي للتربية، تظهر جهود تغييب الهوية الوطنية اللبنانية من خلال الجمعيات المحسوبة على »  حزب الله « على وجه الخصوص، عبر تبديل الولاء لدى الناشئة مِن السلام الوطني إلى" سلام فرْمَنْدَه".

إنَّ ما تفعله مدارس المؤسَّسَة الإسلاميَّة للتربية والتعليم وجمعيَّة التعليم الدِّيني الإسلامي ومؤسسات " أمل " التربوية هو من خارجِ حدود الحريّات التي يَضْمَنُها الدستور، بل هو خارجٌ عن القِيَم التي تتضمَّنها مناهج التعليم العام. ولدى مطابقة العناصر التي تروّج لها تلك المدارس مع تلك القِيَم، يظهَرُ التناقض مع

المعارف القاعديَّة لتشكّل الهويَّة الوطنيَّة والقِيَم الجماعيَّة التي تهدف التربية إلى إرسائها. وتؤدّي هذه الجمعيّات والمؤسَّسَات أدوارًا موازية لوزارة التربية وللمركز التربوي للبحوث والإنماء في الإعداد والتدريب الموجَّه للمعلِّمين في سبيل تعبئتهم عقائديًّا، فيُصبح الولاء للزعيم السياسي أو الدِّيني متقدّمًا على الانتماء للهويَّة الوطنيَّة، والعَيْش المشترَك مفقودًا يُوازيه الإغراق في إظهار الثقافة الطائفيَّة في أعلى مراتبها،

الطاغية على كافة مظاهِر الحياة الفرديَّة والعامّة ومن منظورٍ مِعياريّ مُتَمَحْوِر حول العقيدة.

يبقى أن الجماعةُ الشّيعيَّة في لبنان دخلت متأخرةً إلى التعليم العالي في سبيلِ الحصول على حصّةٍ في القطاع، شأنُ سِواها من الطوائف. كما حاولت الأحزابُ والجمعيّات الشّيعيَّة المُهَيْمِنَةُ على الواقع التربوي في التعليم ما قبل الجامعي إغراقَ المناطق بمدارسها الموجَّهة حزبيًّا وعقائديًّا، سَعَت في التعليم العالي إلى الأهداف نفسها، دون أنْ تستطيعَ استقطاب القِسْم الأكبر من الطاّب الجامعيّين الذين لا يزالون يدورون في فَلَكِ الجامعات الخاصّة الأخرى والجامعة اللبنانيَّة.

في الختام، أفضى البحث إلى مجموعة من التوصيات حول الحريّاتُ وحدودها والتسامحُ ومعناه. إذ إنَّ حريَّة التعليم التي يقرّها الدستور اللبناني للطوائف كافّة، بحسب المادة 10 منه، مُقَيَّدة حكمًا بمراعاةِ النظام العام القائم والسَّيْر وِفاقًا للأنظمة العامة التي تُصدِرُها الدولة في شأن " المعارف العمومية " . يعني ذلك أنَّ مجتمعًا متنوّعًا كلبنان، للشيعة فيه ولغيرهم من الجماعات الطائفيَّة حريّات وحقوق تضبطُ إيقاعَها الأنظمةُ بمختلف درجاتها في مستوى القانون الدستوري كما المراسيم التي تخصّ المناهج التعليميَّة الصادرة عن السلطة السياسيَّة. وليس من بابِ حريَّة التعليم الوصولُ إلى إقامةِ نظامٍ رديف للنظام التربوي اللبناني، يَستبدِلُ الهويَّة الوطنيَّة بتلك الطائفيَّة الصِّرْفَة ذات المكوّن الدِّيني الطاغي، ويغيِّر القِيَم الجماعيَّة بتلك المُتّصِلَة بفَهْمِ جماعةٍ محدّدة داخلَ الطائفة الشّيعيَّة للأطروحة الدِّينيَّة.

ويوصي الباحث، الدولة، ووزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء، بمتابعة التزام المدارس بالأنظمة المتعلّقة بالمعارف العموميَّة، ومن ضِمنِها مناهِجُ التعليم العام التي تَصدُرُ عن مجلس الوزراء. ومن بابِ الحريَّة وحدودها المقيَّدة بالقانون، يَجْدرُ عدمُ الترخيص، أو تعليق التَّرخيص تحت شروط محدّدة وإلزامات مُسْبَقة، للمدارسِ المخالِفة لهذه الأنظمة.

إنَّ التسامُحَ يقتضي تقبُّلَ الاختلاف، على مستوى الجماعة والوطن، وتاليًا وضعَ الآليّات التي تسمحُ بالعَيْش معًا على الرغم من التربويَّة » حركة أمل « الاختاف. هنا يظهر أنَّ مدارس مؤسَّسَات والمؤسَّسَة الإساميَّة للتربية والتعليم وجمعيَّة التعليم الدِّيني الإسامي، استفادَت من خطاب التسامُحِ لتتوسّعَ، ثمَّ مارسَت اللاتسامُح عبر الإلزام بارتداء الحِجاب للمعلِّمات، والتكليف الشرعي للفتيات بعُمْرِ تسع سنوات، وصولً إلى عدم تسجيل مَن ليس شيعيًّا فيها، وتبنّي محتوياتٍ خِلافيَّة ضِمن ما يتمُّ تعليمُه في التعليم النظامي أو اللانظامي خارج حدود الصفّ أو المدرسة، وما يُنظَّم من نشاطات لا صفّيَّة ولا مدرسيَّة.

إنَّ التسامُحَ مع مواقِفَ وأفعالٍ غير مُتَسامِحَة يجعلُنا نتساءَل أيضًا عن معنى التسامُحِ نفسِه، لذلك نُوصي بربطِ التسامُحِ بممارَسةِ الحريّات وحدودها المقيَّدة بالقانون، كي تبقى في المجال العام قيمةُ التسامُح، ولا يتمّ اختزالُ الطائفة الشّيعيَّة بصورةٍ قُصوى دَرَجَت عليها بعضُ المؤسَّسَات بممارَساتها، ويبقى المجتمع اللبناني متنوِّعًا ضمن الوحدة الوطنية.

ـــــــــــــــــــــــــــ

*الدكتور علي خليفة

أستاذ التربية على المواطنية في الجامعة اللبنانية

ومؤسس في حركة "تحرُّر "

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.