قالت السيدة روجين عثمان، الأكاديمية والناشطة الكردية النسوية الإيرانية، إن "ثورة مهسا أميني" التي اندلعت في مثل هذه الأيام من سبتمبر/أيلول 2022، لم تمر مرور الكرام، ولكنها غيّرت وجه المجتمعات الإيرانية، مؤكدة أن حادث مصرع الفتاة الكردية ألقى الضوء الكاشف على "ظلامية" واقع المرأة الإيرانية بشكل عام، وما تعانيه النساء في ظل حكم نظام الملالي، من الفرض والإجبار.
وأضافت عثمان، في حوار لـ "كردستان"، أن الكرد تعرّضوا لمظالم مضاعفة من نظام الملالي منذ عام 1979، تارة لكونهم كردًا، وتارة بسبب مذهبهم السني، وأن حكومات إيران المتعاقبة نجحت في إقناع المجتمع الفارسي بأن الكرد "عنصر تهديد وتقسيم" للبلاد.
وأكدت، أن "جمهورية مهاباد" التي تأسست 1946 بقيادة قاضي محمد، انتهت من الناحية الميدانية، ولكنها تركت أثرًا فكريًا على الكثير من الثورات الكردية، مشيرة أن "الخيانة" وعدم توحّد الصف الكردي في شرق كردستان، وعوامل أخرى، أدت إلى سقوط هذه الجمهورية الوليدة سريعًا... وإلى نص الحوار:
- في الحقيقة، بعد ثورة جينا "مهسا" أميني في سبتمبر/أيلول 2022، تغير وضع المرأة في إيران وشرق كردستان بشكل كبير وواضح، على الصعيدين السياسي والاجتماعي.
قبل هذه الثورة كانت النساء تعاني من التهميش والإقصاء داخل المجتمع، ولكن بعد الثورة تغير واقع المرأة نحو الأفضل وبات ذات قيمة وأهمية على كافة الأصعدة. طبعًا بالنسبة للسلطة في إيران لم يكن الموضوع سهلًا، وحاولت تصدّر نفسها بأنها تولي اهتمامًا لقضايا المرأة بشكل دائم، ويمكننا القول بأن السلطة باتت مرغمة على الاهتمام بقضايا المرأة، وإن لم تكن بالسوية المطلوبة. ويمكن القول بأن النساء أنفسهن أصبحن ينظرن لقضاياهن من منظور مختلف. ثورة جينا أميني أحدثت نقلة نوعية على صعيد قضية المرأة بشكل ايجابي.
- حتى قبل ثورة جينا أميني كان هناك حالة عدم قبول للحجاب وحالة الفرض وبين الفينة والأخرى، كانت هناك بعض حالات الاحتجاج والرفض. ولكنها لم تلق قبولًا واهتمامًا مجتمعيًا. لكن يمكننا القول بأن حادثة جينا أميني ألقت الضوء الكاشف على مسألة في غاية الأهمية، متمثلة بظلامية واقع المرأة وما تعانيه من الفرض والإجبار.
- مسألة "أميني" حاولوا تصديرها على أنها قضية غير ذات أهمية، ومرتبطة بالحجاب كتقليد اجتماعي. ولكن هذه الحادثة كانت كفيلة بتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية التي كانت في وقت قريب مغيبة ضمن اهتمامات النخب الثقافية فحسب، حيث باتت جميع القضايا معرضًا للنقد والتحليل وإعادة النظر فيها.
- صحيح كان شعار الانتفاضة "المرأة والحياة والحرية"، لكنها ظهرت في المجتمع إلى حد كبير، بشكل خاص في قضايا المرأة رغم تكلفتها الكبيرة، حيث تعرضت العديد من النساء للاعتقال والاعدام والضرب ومضايقات من قبل الحكومة الإيرانية. ويمكن تقييم هذه الثورة بـ "الإيجابية" لما حققته النساء من مكاسب، فأصبحت هناك رؤية أكثر شمولية من حيث النقد والتقييم والتحليل لمفهوم الحرية والحياة والمرأة.
- وضع المرأة بشكل عام في ظل الحكومة الإيرانية (الإسلامية) كانت سيئة ومستعبدة، واقتصر دورها داخل المنزل، وحاولت إقناع المجتمع أيضًا بذلك الوضع عبر بعض التشريعات.
ولكن على الصعيد المجتمعي، وبالرغم من سياسات الدولة إلا أنها لم تقبل بذلك، ودائمًا كان هناك حالة من الرفض وعدم القبول وبشكل خاص من قبل المرأة الكردية التي تعرضت للاضطهاد بشكل أكبر من غيرها.
- بخصوص جمهورية مهاباد، ربما لا أتمكن من تقييمها من خلال سؤال واحد. ولكن على العموم يمكننا القول بشكل مختصر، إنه دائمًا ما كان لدى الشعب الكردي الطموح نحو الاستقلال حيال النظم القمعية المركزية. وكما يقال، فإن جمهورية مهاباد التي تأسست 1946 بقيادة قاضي محمد، مثلها مثل أذربيجان التي ظهرت للوجود بدعم من السوفييت.
ربما يرجع إسقاط الجمهورية الكردية الوليدة وقتها، في أحد جوانبه، إلى عدم توحد الصف الكردي في شرق كردستان، فسكان كرمنشاه وايلام لم يقفوا إلى جانب قاضي محمد بسبب مذهبهم الشيعي، فضلًا عن اقتصار الجمهورية على مساحة صغيرة، وخيانة بعض الأحزاب الكردية من أجزاء كردستان الأخرى، إلى جانب ضغوطات الحكومة الإيرانية التي تعرضت لها الجمهورية. وبالرغم من قصر عمر جمهورية مهاباد ولكن يمكننا تقييمها على أنها مرحلة تاريخية مفصلية من التاريخ الكردي. صحيح أن الجمهورية انتهت من الناحية الميدانية، ولكنها مازالت معاشة فكريًا وتركت أثرًا فكريًا على الكثير من الثورات الكردية التي أخذت الإلهام من هذه الجمهورية.
- إذا كنا نقيّم الوطن في الحالات الطبيعية بأن هناك حكومة تحكم شعبًا، فهي علاقة صحيحة. ولكن إسقاط هذه الرؤية على دول مثل سوريا وإيران وتركيا والعراق غير صحيح، بسبب طبيعة الأنظمة المركزية الديكتاتورية الحاكمة، فدائمًا يُنظر إلى الكرد على أنهم معارضة وخارج الدولة وعنصر تهديد. لكن لو تم التعامل مع القضية الكردية والكرد بالسبل الديمقراطية عبر دساتير تضمن المساواة والعدالة الاجتماعية، على العكس سوف يشكل الكرد عنصر ثراء وغنى، إلى جانب الشعوب الأخرى داخل الوطن الواحد.
وبالمجمل، يمكن القول بأن هناك تيارين تيار يرى في الشعب الكردي عنصر غنىً وثراء ومن حقه يتمتع بكافة حقوقه. وتيار آخر ينظر إليه كعنصر تهديد وتقسيم للبلاد، وهذه الرؤية نابعة من التعصب القوموي.
- بخصوص الانتفاضات ضد الشاه والتي تحولت فيما بعد إلى ثورة بقيادة الخميني، لست مقتنعة بشأن ما يقال بأن الكرد انضموا إلى ثورة الخميني، لأنه كانت هناك وعود واضحة وصريحة بمنح الكرد الاستقلال. الكرد قادوا ثورات عبر التاريخ قبل الخميني، ربما إلى حد ما كان يأمل الكرد أن يُمنح لهم بعض الحقوق. لا يمكننا إرجاع ما تعرض له الكرد إلى تنصل الخميني من وعوده فقط.
- عندما يتم الحديث عن الدستور الإيراني بشكل عام صحيح. الكرد لم يشاركوا في صياغة الدستور. وصحيح هناك بعض الحقوق ممنوحة للكرد وغيرهم من المكونات العرقية والدينية، منها حرية التحدث بلغتهم الأم، لكنها تواجه عند تطبيقها على أرض الواقع العديد من العراقيل، بالرغم من صياغتها من قبل السلطة الحاكمة، وبالتالي بهكذا إجراءات وسياسات يتسببون في بقاء الكرد وغيرهم من الإثنيات خارج الحكومة.
- الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى إجابات موسعة، ولكنني سأجيب عليها بشكل مختصر، ويمكننا اختصارها على عاملين، أولهما ذاتي ومتعلق بعدم وحدة الصف الكردي، والآخر موضوعي موضوع متعلق بالحكومة الجديدة، وآمال المجتمع عليها بتقديم شيء جديد. إلى جانب نجاح الحكومة بإقناع المجتمع الفارسي بأن الكرد عنصر تهديد وتقسيم للبلاد.
- المكون الكردي حوالي 15 مليون داخل ايران، وهناك تعمد من الحكومة المركزية بعدم الإفصاح عن الرقم الحقيقي لأعداد الكرد. وفي الحقيقة، تعرّض الكرد لمظالم مضاعفة من قبل الحكومة المركزية تارة لكونهم كردًا، وتارة بسبب مذهبهم السني.
- نعم هذا صحيح. المناطق الكردية داخل إيران غنية بالثروات الزراعية. ولكن هناك تعمد لإبقاء المنطقة ضعيفة صناعيًا، مثلها مثل باقي المناطق بلوشستان وخوزستان (الأحواز). وبالرغم من غنى خوزستان (الأحواز) بالنفط إلا أنها ما زالت فقيرة، وإن كانت هناك بعض التطور بسيط. ولكن كما هو معروف هناك تعمد من قبل الحكومة المركزية ببقاء المناطق الحدودية فقيرة وضعيفة اقتصاديًا، تحسبًا في حال حصل استقلال مستقبلًا أن تكون ضعيفة.
- في ظل الحكومات المركزية المختلفة، تم استعباد الكرد من مراكز صناع القرار، باستثناء بعض الشخصيات ذات المصالح الشخصية الضيقة التي تعمل لحساب أجندات السلطات الحاكمة. أما بشكل عام، فهناك تعمد في مسألة استبعاد الكرد.
- الجغرافيا تلعب دورًا كبيرًا في تحديد مصير أي شعب. ولكن نحن ككرد لا نقبل بتلك الرؤية، ونفضل عدم القبول بالأمر الواقع. صحيح أنه تم تقسيم جغرافية كردستان وتمزيقها، ولكننا مؤمنين بتغيير الواقع وإحداث تغيير، والعمل بآمال وطموحات عالية لكي نغير من هذا الواقع.
- وطن كردستان الكبرى هو حلم لجميع الكرد، ومطلب مستحق. ولكنه وفق قناعتي، سيبقى حلمًا في ظل الظروف الداخلية والخارجية، التي ربما لو تحقق ستتحول ضمن هذه الظروف إلى دولة مركزية وذات طبقات وستكون تكرارًا لتجارب الدول التي تأسست على أسس قومية. وليس من المستبعد تحقق حلم كردستان الكبرى. ولكن قناعتي الأهم في المرحلة الراهنة من تحقيق كردستان الكبرى، هي التباحث مع جميع المكونات التي تعيش مع الكرد، والوصول معًا إلى صياغة لنظام حكم يستوعب الجميع، ويحقق العدالة والديمقراطية للجميع.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية