صدر العدد الثالث من مجلة «شؤون إيرانية»، أول شهر سبتمبر/أيلول 2021، التي تُعنى «بالوقوف في وجه أطماع ملالي طهران في المنطقة العربية، من أجل قطع الطريق على المشروع الطائفي التوسعي لـ «ذوي العمائم السوداء» في الشرق الأوسط»، وهي تصدر عن مركز الخليج للدراسات الإيرانية.
وتضمن العدد ملفًا كاملًا عن «تحالفات إيران مع الشيطان» بينما رفع نظام الملالي الحاكم في طهران، منذ وصوله إلى سدة الحكم عام 1979، شعارات برّاقة من قبيل "نصرة المستضعفين في الأرض"، ومواجهة قوى التجبّر العالمية بقيادة أمريكا "الشيطان الأكبر"، وتحرير فلسطين من الكيان الصهيوني "الشيطان الأصغر"، وسواها من الأكاذيب، لم يتورع هذا النظام عن تغيير تحالفاته مثلما يغيّر عمامته، وتبديل ولاءاته بين مرحلة وأخرى من النقيض إلى النقيض!
انتهج الملالي على الدوام مبدأ "التُقية"، أي إظهار غير ما يُبطن، ففي البداية تحالف قائد الثورة موسوي الخميني مع الولايات المتحدة، وكانت هناك اتصالات سرية بين الخميني ورؤساء أمريكيين من بينهم جون كيندي وجيمي كارتر، وذلك على طريقة "تمسكنّت حتى تمكنّت". وفي تلك الفترة المبكرة من عمر الثورة الإيرانية، ظل الخميني يتحدث خلال مقابلاته الصحفية عن "كارتر" بلهجة لطيفة، حيث كان يخشى بعد خروج الشاه من إيران أن يتكرر سيناريو انقلاب 1953 وتُعيد الولايات المتحدة الشاه مرة أخرى إلى العرش، لذلك كان يتعمد لقاء مواطنين أمريكيين عاديين، ويستغل ذلك لإبلاغهم برسائل سياسية لنقلها إلى نواب الكونجرس. وجمع لقاء بين الخميني ومواطن أمريكي يُدعى ليونارد فريمن، في ضاحية "نوفل لوشاتو" في فرنسا، حمل رسالة إلى أمريكا، أكد فيها الخميني أنه إذا سيطر على مقاليد الحكم في إيران، سيستمر في بيع البترول للولايات المتحدة الأمريكية.
بينما نادى ملالي إيران منذ قيام ما يُسمى "الثورة الإسلامية"، بتحرير الشعوب من الديكتاتورية، كأحد الشعارات الثورية المزعومة، لم يخف أصحاب العمائم السوداء تحالفهم مع واحد من أبشع الأنظمة القمعية الديكتاتورية في العالم العربي، وهو نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، المستمر في حكم سوريا حتى هذه اللحظة.
ويعود التحالف "الإيراني- السوري" إلى عام 1979، حين وقفت دمشق خلال الحرب "العراقية- الإيرانية" كبلد عربي وحيد إلى جانب نظام الملالي. وشهدت العلاقات "الإيرانية – السورية" بعد وصول بشار الأسد إلى السلطة عام 2000، تطورًا ملحوظًا في ظل انفتاح أوسع للأسد على إيران، ومسايرة كل طموحاتها ومطالبها في سوريا، وقيامه بدعم ومساندة ميليشيات «حزب الله» اللبنانية، وتوفير ممرات آمنة لاحتياجات النظام ضد شعبه، وخاصة من الأسلحة والذخائر، بدعوى مساندة محور "المقاومة" ضد (إسرائيل). وكانت إيران شديدة الحماس لدعم الأسد في مواجهة السوريين، منذ اللحظات الأولى للثورة، بخلاف ما أطلقته من مواقف حيال ثورات ما يُسمى"الربيع العربي" الأخرى.
وفي الطريق إلى القدس، لم تطلق إيران رصاصة واحدة في اتجاه (إسرائيل)، بل احتلت دولًا عربية، وهدمت مدنًا وبلدات، وقتلت شعوبًا في منطقة الشرق الأوسط. ولكن ذلك يبدو هامشيًا أو غير مرئي بالنسبة لهم. بل إنهم يدافعون عن سلوكها، ويبررونه كجزء من حرب مشروع الملالي ضد "المؤامرة الصهيونية والإمبريالية"، على مشروع "المقاومة العظيم"!
كما يطرح العدد تساؤلًا بات مُلحًا على المتابعين للشأن الإيراني، حول إمكانية الفصل بين الأفعال الخيّرة والشريرة في سلوك ملالي إيران السياسي، حيث إنه لا يمكن الفصل بين الثناء على دعم إيران والاستثمار الرمزي في صورة "طهران الثورية"، التي تحرص على رسمها لنفسها من خلال دعم المقاومة والركوب عليها، لتكون وسيلتها للتمدد داخل الفضاء السني، وهي الدولة التي تعرّف نفسها بأنها "دولة شيعية"، تمامًا كما تعرّف (إسرائيل) نفسها بأنها "دولة يهودية"!
تضمنت «شؤون إيرانية»، أيضًا، عددًا من موضوعات الساعة، ومنها تقرير بعنوان «مساءلة السعودية» عن هجمات 11 سبتمبر.. أكاذيب بأثر رجعي!، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، وقعّ أمرًا تنفيذيًا، موجهًا إلى وزارة العدل، يقضي بالإشراف على مراجعة "رفع السرية" عن الوثائق المتعلقة بتحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي في هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. وذلك مع حلول الذكرى العشرين لهذه الهجمات الإرهابية، التي نفذها تنظيم "القاعدة" بقيادة أسامة بن لادن.
وقالت إدارة بايدن، مؤخرًا، إنه تحت ضغط من عائلات الأشخاص الذين لقوا حتفهم في هجمات 11 سبتمبر، فإنها تعتزم الكشف عن بعض "الوثائق السرية" منذ فترة طويلة. فيما قالت وزارة العدل الأمريكية في دعوى قضائية، إن مكتب التحقيقات الفيدرالي أغلق جزءًا من تحقيقاته في الهجمات الإرهابية، وبدأ في مراجعة الوثائق التي قالت سابقًا إنها يجب أن تظل "سرية"، مع الحرص على الكشف عن المزيد منها في الفترة المقبلة.
ويرى المراقبون السياسيون أن بايدن الذي يتلقى اللوم على الخروج الفوضوي من المستنقع الأفغاني، وتتراجع شعبيته حاليًا في الولايات المتحدة، يسعى إلى حرف الأنظار بقراره الإفراج عن نتائج التحقيقات الخاصة باعتداءات 11 سبتمبر، وعلاقتها المزعومة بالسعودية، مؤكدين أن هذه "لعبة تقليدية"، لتغيير اتجاه الرأي العام الأمريكي، لكن السيء، هو تلاعبه دون حق بسمعة حليف تاريخي من أجل مصلحته الآنية قصيرة النظر.
ويحتوي العدد على دراسات وتقارير أخرى، منها «تشييع التعليم».. جريمة حوثية في حق اليمن، والذي يكشف كيف عمدت ميليشيات "الحوثي" الانقلابية، مؤخرًا، إلى تنفيذ عدة إجراءات جديدة وفرض مناهج مستحدثة، على المدارس في صنعاء والمناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرتها، من أجل إضفاء الطابع الشيعي الطائفي على التعليم ما قبل الجامعي. ومن ذلك حذف اسم السيدة عائشة، رضي الله عنها، والخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، من المناهج نهائيًا، واستبدال النشيد الوطني اليمني الذي يؤديه الطلاب والتلاميذ في طابو الصباح بنشيد "الصرخة الحوثية"، فضلًا عن وضع صورة قيادي حوثي على غلاف كتاب "التربية الوطنية" للصف الثامن من التعليم الأساسي!
وجاء في افتتاحية المجلة «يتساءل الكثيرون بشأن "مستقبل إيران" تحت حكم إبراهيم رئيسي، يرى خبراء الشؤون الإيرانية أن انتخابه لم يأت بأي جديد يُذكر، بشأن طريقة تعامل نظام الملالي مع القضايا المهمة فعليًا بالنسبة للبلاد، ولمنطقة الشرق الأوسط، وربما العالم أجمع. فقد كان فوز "رئيسي" متوقعًا في الانتخابات، التي بدا أنها صُممت لكي تخرج بنتيجة أرادها رجال الدين المتشددون، وعلى رأسهم المرشد علي خامنئي، وهي أن يُظهروا للعالم أنهم ماضون في طريق التشدد إلى نهايته، بغض النظر عن العواقب الخطيرة لذلك على مستقبل البلاد.
ويؤكد الخبراء أن إيران تتقدم في "الاتجاه الخطأ"، نحو تطبيق أشد صرامة للقوانين الدينية المحافظة، وأنها سوف تمضي بخطوات ثابتة وإرادة سياسية حثيثة، بعيدًا عن مفاهيم مثل الديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان. ولكن، حتى لو تم تقويض الديمقراطية، وتحولت إيران إلى مجتمع أكثر انغلاقًا، فلا يمكن قمع إرادة الشعب الإيراني والإجهاز عليها كليًا. وأكثر ما تخشاه طبقة الملالي الحاكمة هو حدوث انتفاضة شعبية أخرى، مثل تلك التي هزت البلاد في نهاية عام 2019 وبداية 2020».
«إن إيران، الآن، هي أحوج ما تكون إلى تصبح "دولة طبيعية" في محيطها الإقليمي، وفي علاقاتها الدولية. دولة تُعلي من شأن هموم مواطنيها، وتبتعد عن الاستثمار في ميليشيات مسلحة ترى العنف سبيلًا لتحقيق أهدافها الطائفية، تلك الأهداف المرفوضة جملة وتفصيلًا من شعوب المنطقة العربية، ومن القوى الكبرى في عالمنا اليوم».
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية