بالصور| هكذا تعبث إيران بدمشق القديمة

- 24 أكتوبر 2021 - 364 قراءة

لم يعد النظام السوري يخفي نيّاته في تغيير بنية دمشق المعمارية والديموغرافية، وما كان يمارسه في السابق من تقيّة وقرارات غير معلنة بات يمارسه في العلن، وآخرها ما جاء على لسان مدير التخطيط والتنظيم العمراني في محافظة دمشق حسن طرابلسي الذي أكد لموقع صاحبة الجلالة الموالي الخميس الماضي أن (كل دمشق سوف تخضع للتنظيم، لكن لا يمكن العمل بدفعة واحدة)، ومنها ما يتم التحضير له ودراسته كسوق الحرامية وتنظيم برزة وعش الورور، وأما عذر التأخير بالنسبة لسوق الحرامية رغم كونه أولوية، فيعود إلى وجود عوامل يجب أخذها بعين الاعتبار كالتداخلات مع الناحية الأثرية والإشغالات السكنية وفق مسؤول المحافظة.

هدم السوق العتيق

أولى خطوات التغيير جاءت قبل اندلاع الثورة في  سوريا، وبداية إعلان صارخ للوجود الإيراني الفاعل في مؤسسات النظام، وحينها كان بشر الصبان الذراع الضاربة للإيرانيين، حيث بدأت تظهر مشاريع الاستملاك والهدم بذريعة النفع العام والتوسعة وتحديث مظهر المناطق القديمة، وبهذه الذريعة تمّ هدم السوق العتيق عام 2007 من أجل إنجاز مشروع الطريق المستقيم الذي لم يُنفّذ، قيل يومها إنه سيخفِّف من الازدحام الشديد في قلب العاصمة القديمة على وجه الخصوص، وتمّ الهدم بالرغم من مناشدات المثقفين والصحفيين ومنظمة اليونسيف، وأما حقيقية الأمر فهي رغبة إيرانية بالعبث بالتاريخ الأثري المجاور لمقام السيدة رقية ومحيطه.

بالنتيجة تم الإبقاء على الحمّام الروماني وأُنشئت حديقة تم تحويلها خلال الثورة لمخيم صغير للمهجّرين الهاربين من الموت، والمتسوّلين واللصوص والشبيحة الذين يستغلون كل من يتحرك وسط العاصمة.

الحمراوي.. حكاية الاستملاك المكررة

أحد أهم الأحياء المجاورة للمسجد الأموي، يضم منازل ومحال تجارية حيوية كون المنطقة تضم أسواقاً تعتبر وجهة الباحثين عن رائحة دمشق القديمة ومنتجاتها المميزة، وقصة استملاك الحي تعود إلى عام 1960 (زمن الوحدة بين سوريا ومصر) عندما تعرض للحريق فأصدر حينها المشير عبدالحكيم عامر  قراراً باستملاكه ما دفع الأهالي للاعتراض على هذا القرار فتم ترميم الحي حينها، إلا أنّ هذا الأمر لم ينتهِ، فقد أصدرت محافظة دمشق عدة قرارات تؤكد إعادة استملاكه، ما يعني أنه في حال تنفيذ الاستملاك فسيتمّ هدم  أكثر من 74 منزلاً و56 محلاً تجارياً.

آخر قرارات إعادة الاستملاك كانت في 2018 بعد سنوات من التضييق واهمال البنية التحتية وأهمها الصرف الصحي، الذي بدأ ينخر البيوتات المعمرة من أسفلها، والاعتماد في الترميم على الأعمدة الخشبية التي لا تمنع سقوط بعض البيوت، وأما القرار فنصّ على نقل بعض أملاك المحافظة إلى (شركة دمشق الشام القابضة) ومن بينها العقارات المستملكة في حي الحمراوي بدمشق القديمة، والذريعة هذه المرة فاضحة ووقحة: (الحصول على عائد مادي كبير تستطيع من خلاله المحافظة زيادة المشاريع الخدمية المنفذة لصالح المواطنين).

استثمارات النكاية السياسية

استغل النظام جو الكراهية والحقد الطائفي الذي نشره لتمرير مشاريع ربحية وتخدم استثمارات حيتان إيران الذين يعملون وفق أجندتها، وأهم تلك المشاريع المعلنة كانت الانقضاض على اتفاقه مع الأتراك قبل الثورة كالتكية السليمانية التي بدأ الاتراك بالعمل على ترميمها، وتمّ حينها نقل أجزاء من المتحف الحربي إلى البانوراما كالطائرات الحربية والقلنسوة التي هبط فيها رائد الفضاء محمد الفارس، ووضعها في البانوراما التي تمّ إنشاؤها على طريق دمشق-حرستا.

أما محال سوق المهن اليدوية فتمّ ترميم عدد منها كي تشبه الأسواق القديمة في إسطنبول، وبالنسبة لبقية السوق فبقي على حاله من إهمال وتداعٍ بالرغم من محاولات الترميم التي توقفت مع بداية الثورة، والخلافات الكبيرة مع تركيا، وأما جديد المشاريع المطروحة فهو استثمار المحال الداخلية التي تعرض السجاد والبروكار والأزياء وكذلك معمل الزجاج وتحويلها إلى مطاعم ومقاهٍ.

الضغط على مستثمري السوق وتجاره لم يكن فقط وليد مرحلة الثورة، بل إنه يعود إلى أكثر من عقدين من الزمن، وعمد النظام إلى رفع إيجارات المحال ومنع المهنيين والحرفيين من المشاركة في المعارض الخارجية، وتهديدهم عبر الأجهزة الأمنية وتلفيق التهم الجاهزة كالتهريب والتزوير.

ومن المشاريع الأخرى الاستثمارية التي بدأ تنفيذها الفندق الكبير بجوار محطة الحجاز وسط العاصمة حيث تم هدم المقهى الصيفي الشهير، وبعض المحال المجاورة له وهي تقع في الطريق الواصلة إلى سوق الحميدية الكبير، وبالرغم من المناشدات لعدم تشويه المكان الأثري وإمكانية تأثره بأعمال الحفر وتعرضه للانهيار أو التشقق؛ واصل النظام مشروع الفندق غير آبهٍ بكل هذه النداءات المحلية والثقافية.

تراث مهدد بالخطر

الحرب في سوريا دفعت اليونسكو لوضع المدينة القديمة عام 2013 على لائحة التراث المهدد بالخطر بسبب اقتراب المعارك من حدودها، وسقوط بعض القذائف في منطقتي باب شرقي وباب توما القريبتين من النزاع الدائر في الغوطة الشرقية حينها.

لكن الخطر الحقيقي الداهم هو سيطرة الميليشيات الايرانية والتابعة لها على أحياء المدينة القديمة، وتأسيس ميليشيات طائفية في حي الجورة الذي يتوسط أحياء باب توما والعمارة وباب السلام، وبجواره من الشمال يقع حي القيمرية، وكذلك حي الأمين الذي يسكنه عدد من أبناء الطائفة الشيعية، ولهذا تبدو المدينة القديمة اليوم مرتعاً للميليشيات التي تُمارس طقوس اللطم والاحتفالات السوداء التي كانت غائبة عن الطقس الدمشقي المتسامح.

أما مشاريع المطاعم والمقاهي فبدأت قبل الثورة حيث تم شراء بعض العقارات من قبل أبناء الضباط والتجار المتواطئين معهم، والعبث بطرازها المعماري، ومخالفة كل القوانين التي حمت هذه الأماكن لمئات السنين.

ومن الأخطار التي تم التحذير منها خلال العقدين الأخيرين هي منظومة الصرف الصحي المتداعية التي بدأت تأكل المدينة من تحتها، وكانت الحجة التي واجهت بها محافظة دمشق احتجاجات السكان هي أن المدينة ضيقة ولا تتحمل بنيتها إدخال آلات ثقيلة وأعمال حفر.

بالمقابل تم تدعيم البيوت المتصدعة والمهددة بالسقوط بدعامات خشبية ومعدنية فقط لا تتحمل أيّ هزةٍ أرضية لو وقعت ستحيلها إلى ركام.

وجه جديد للعاصمة

المشاريع التي تبنّتها إيران تأخذ طريقها إلى التنفيذ لأنها تجعل من الوجود الإيراني أمراً واقعاً حيث المدينة باتت ضاحية إيرانية، ففي الجنوب السيدة زينب كمحمية كبرى يتم توسعتها لتأكل كل الأحياء المجاورة المدمّرة كالذيابية والحجر الأسود وحجيرة وصولاً إلى تنظيم كفرسوسة وحي بساتين الرازي الواقع خلف السفارة الإيرانية في منطقة المزة (المشروع 66)، ويتم العمل على مشاريع جديدة بعد هدم حي جوبر والقابون، والتلويح بمخطط جديد لحي برزة وعش الورور التي تعتبر مخزناً للشبيحة كما هي مزة 86 التي تعتلي منطقة المزة وسط العاصمة.

هذه هي صورة دمشق التي رسمتها أطماع المستشارية الإيرانية، ويتم تنفيذها لتكون مدينة قريبة من أحلام التوسع والسيطرة على أقدم مدن الشرق وحواضرها.

 

 

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.