«المنسحقون العرب».. مجدي حسين نموذجًا

- 7 نوفمبر 2021 - 667 قراءة

من أهم ملامح وأسباب الأزمة الحاصلة في العالم العربي، حالة الانسحاق الحاصلة لدى بعض أفراد النخب والمفكرين العرب، بين نخب منسحقة حضاريًا أمام الغرب، وأخرى منسحقة أمام الشرق.

إن «المنسحقين العرب» -إن جاز التعبير- هم في الحقيقة من أهم أسباب الشعور بالهزيمة والتردي في العالم العربي، خاصة عندما يروج لهذه الهزيمة نخبًا ومفكرين لهم أغراض ترتبط بشكل عضوي بمن يمسك بـ «العملة»، ومن يمسك بالعملة يمسك بالوجهين كما قال أمل دنقل.

إن أزمة المفكرين والنخب العربية هي أنه صار لكل سفارة أجنبية في دولنا العربية مثقفيها ومتنوريها، فذلك بوصلته أمريكا، وآخر وجهته (إسرائيل)، وثالث قلبه معلق بتركيا، ورابع عقله مرتبط بروسيا، وخامس قلمه مخصص لإيران.

ومع انتفاء المشروع العربي المقاوم والمناهض لكل المشروعات الطامعة في المنطقة (لاسيما الصهيوني منها والتركي والإيراني)، بخاصة مع وفاة الزعيم العربي الوحيد الذي كان لديه مشروعًا عربيًا مقاومًا بحق (جمال عبدالناصر) ومع تغير البوصلة في مصر عقب رحيل ناصر، باتت الدول العربية «الرجل المريض» الذي تتداعى الأكلة عليه كما تتداعى على قصعتها.. في مشهد يذكر بما حصل للدولة العثمانية في أواخر عهدها.

بل بلغ الأمر حدًا أن يهاجم مجدي أحمد حسين أحد أبواق المشروع الإيراني صراحة وعلانية كل علماء السنة، ويحط من قدرهم ويتهمهم بالخنوع والقعود، في مقابل تمجيد وتفخيم للخميني ومشروعه، وبالطبع حجته في ذلك عداء الخميني لأمريكا، رغم أنه عداء على جثة العرب، فلم يحدث مطلقًا أن تواجهت إيران وأمريكا وجهًا لوجه على أراضي أي منهما، بل كل جولاتهما على الأراضي العربية فقط، ويدفع ثمنها الشباب العربي.

اللافت في حديث ذلك «المتشيع مدفوع الأجر»، أنه يبرر حديثه بأن الخميني فقط هو من اتخذ موقفًا مناهضًا لأمريكا، بوصفه رجل دين، في حين أن رجال الدين السنة لم يحدث أبدًا أن كان لهم موقفًا معارضًا لأمريكا ومشروعها، وفي نفس الوقت، يراه الوحيد الذي ارتبط موقفه الفقهي بالتصرف الفعلي!

بداية، يصنف ذلك الكاتب المصري، المسلمين وفقًا لتصنيف مذهبي: سني وشيعي، رغم مزاعمه الكثيرة أن المسؤول الأول عن هذا التصنيف والترويج له هو العدو الصهيوني ومن خلفه أمريكا، بل ويتفاخر بكون الخميني رجل دين شيعي، في مقابل ما يصفه بـ «أزمة علماء سنة» فيما يخص قضية العداء لأمريكا. ويمارس في مقاله طرقًا معروفة من المغالطات المنطقية، بمقارنة لا تستقيم عناصرها ولا تتشابه أطرافها في شيء، اللهم إلا في خيال الكاتب.

فمثلًا، يفاخر ويتفاخر بالخميني تارة بوصفه رجل دين له موقف فقهي من أمريكا، في مقابل علماء سنة لا موقف لديهم ويعيشون أزمة، بما فيهم الأزهر الشريف، ثم يستدرك ويستدرجنا إلى فخ جديد حتى لا يسمح لنا بالرد أو التفكير ولو لجزء من الثانية في حقيقة حديثه عن خنوع علماء السنة المعممين وقعودهم عن معاداة أمريكا، يفعل ذلك بأن يشترط أن يكون الموقف الفقهي مصاحبًا بموقف حركي جهادي؟! إمعانًا في إضافة مزيد من التفرد والقداسة على الخميني ورغبة في مزيد من الحط من قدر علماء السنة بل وكل الدول السنية.

لو أن الكاتب يتحرى الحقيقة فعلًا، لقال إن المقارنة غير منطقية، إذ يقارن بين الخميني بوصفه رجل دين وحاكم دولة، في مقابل رجال دين لا يحكمون دولهم العربية فعليًا، أي أنه وضع شروطًا تعجيزية كما ذكرنا ليحط من قدر علماء السنة. لو أنه ابتغى مقارنة حقيقية لكان أجدر أن يقارن بين الخميني كرجل دين، وبين علماء السنة كرجال دين، أو بين الخميني كحاكم وبين رجال الحكم في العالم السني.

هو يعلم تمام العلم أن المقارنة لو تمت بشكل منطقي، لما كان له أن يهين أمته العربية ومذهبه السني بهذا الشكل، فالتاريخ العربي والسني مليء بالرموز الدينية التي حملت لواء النضال وشعلة الاستقلال ضد المحتلين، لكنه قرر أن تكون المقارنة بهذا الشكل (رجل دين وحاكم معًا) ليسقط بذلك نواميس السياسة وقواعد الواقعية التي يجب الالتزام بها عند الحديث في الشأن السياسي والاستراتيجي.

حتى ما يعرف باسم «الإسلام الجهادي» تعرض له بشكل يظهره على أنه غلطة وخطأ تاريخي ارتكبه الإسلام السني، ورغم كونهم كانوا على نفس الموقف الفقهي الصحيح كما كان الخميني، إلا أنهم أخطأوا في خطة العمل وأساليب الجهاد. يرى الكاتب أن التنظيمات الجهادية السنية ارتكبت أخطاء بسبب ما أسماه «انحسار الفكر» مضيفًا: «وضاقت الخطة فى العمل العسكرى الإرهابى، وقد أدى ذلك إلى بعض الأعمال التى تضر أكثر مما تنفع، ولا تلتزم بالضوابط الشرعية الصحيحة، وهى عمومًا أعمال تزعج العدو ولكنها لا تشكل خطة سليمة للنصر».

الغريب أن نفس الكاتب يتفاخر ليل نهار بكل ما ترتكبه التنظيمات الشيعية من أعمال تخريبية في الدول العربية، ولاسيما ما تفعله مليشيات الحوثي في دول الجوار العربية، وما فعلته المليشيات الشيعية في العراق من قتل وتدمير ممنهج للعراقيين منذ الاحتلال الذي استفادت منه إيران أكثر من غيرها، بما فيهم أمريكا المحتل نفسه.

أي أن الكاتب يرى الأعمال التخريبية التي ارتكبتها التنظيمات الجهادية السنية مثل القاعدة في دول غربية، مجرد أعمال إرهابية في المجمل، في حين عندما ترتكب التنظيمات التخريبية الشيعية مثلها في الدول العربية، يراه نصرًا وتمكينًا.. مالكم كيف تحكمون؟!

الغريب أن هذا الرجل كان من أهم المناصرين للشيخ الكفيف عمر عبد الرحمن، وهو أزهري كان معارضًا لأمريكا ودفع ثمن موقفه المعارض بأن قضى نحبه في سجون أمريكا بعد أكثر من 18 عامًا بين قضبانها. فإذا كنت من مناصري الشيخ الراحل، بل وذهبت أكثر من مرة إلى الاعتصام الذي نظمه أبناء الشيخ أمام السفارة الأمريكية إبان ثورة 25 يناير في مصر، واحتضنتهم في ندوات الحزب الذي كنت تقوده وصفحات الجريدة الناطقة باسم حزبك وكنت ترأس تحريرها، فلماذا لم يشفع مثلًا هذا الشيخ لموقف علماء السنة؟

وعلى ذكر الحزب «الكرتوني» الذي كان يترأسه الكاتب، يعرج في مقاله بعد الدفاع المستميت عن الخميني، إلى «حزبه الهلامي»، ويراه الوحيد صاحب الموقف الصحيح من أمريكا، وأن هذا فقط هو السبب في اختفاء الحزب من الساحة وانعدام شعبيته في مصر. وكأنه يريد أدلجة جميع الأحزاب والشعب المصري على التبرؤ من هويته السنية وغض البصر عن حقيقة المشروع التوسعي الإيراني، بحجة أن إيران هي أكبر داعم للمقاومة في فلسطين!!

إن المقاومة في فلسطين هي قميص عثمان لكل من يرغب في الترويج لإيران، والحجة التي يلجأ إليها «طابور إيران الخامس» كما وصف الكاتب المتخصص في الشأن الإيراني، شريف عبدالحميد، والغريب أن الطريق إلى القدس يمر بكل العواصم العربية إلا عاصمتين: (تل أبيب) والقدس نفسها.

ختامًا، نقول لذلك «البوق» العربي اسمًا الإيراني رسمًا ووصفًا، أنت حر في دفاعك عن إيران ومشروعها، فكما ذكرنا في البداية، أن كل سفارة صار لها مثقفيها ومتنوريها ودعاتها وأبواقها، وكما قال أمل دنقل: «من يملك العملة يمسك بالوجهين». و«المتشيع مدفوع الأجر» للكاتب المصري يجبره بالطبع على الدفاع عن إيران وخططها، وتلميع صورة الخميني ومشروعه، لكن على الأقل ومن باب الكياسة والحنكة السياسية ألا تستفز مشاعر المسلمين السنة وخاصة العرب، بالهجوم القميء على تاريخهم ونضالهم وعلمائهم، ثم تعود في ختام هجومك لتذكرنا بأن الحديث عن السنة والشيعة مجرد فتنة اصطنعها الصهاينة، رغم أن فعلتك هذه أشد وطأة من المخطط الصهيوني، بل هي رأس حربة في هذا المخطط.. اعبد الخميني إن شئت، لكن لا تنس أن تاريخيًا السنة فقط هم من حرروا فلسطين، بداية من الفاروق عمر بن الخطاب، مرورًا بصلاح الدين وصولًا إلى سيف الدين قطز وركن الدين بيبرس، وهذا ما سيحصل مستقبلًا.. فتحرير فلسطين على عاتق السنة دومًا، والجندي الذي سيحررها سيكون عربيًا كما كان دومًا.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.