الدكتور سعيد الصباغ في حوار لـ «شؤون إيرانية»: توقيع اتفاق فيينا سيمثل «قبلة الحياة» للنظام الإيراني

- 15 ديسمبر 2021 - 1162 قراءة

في حضرة مولانا سعيد الصباغ

 

الدكتور سعيد الصباغ، عضو هيئة التدريس بكلية الآداب جامعة عين شمس في مصر، هو «عمدة الشأن الإيراني» بلا منازع، وهو الخبير الأول بالشؤون الإيرانية على مستوى مصر والعالم العربي، الذي تؤسس كتبه ومؤلفاته لمعرفة واسعة بالشؤون الإيرانية والفارسية، على المستويات كافة، سواء على مستوى علاقات إيران بجيرانها في الإقليم، أو على مستوى العلاقات الإيرانية الدولية، فضلًا عن الشأن الداخلي في البلاد.

والدكتور الصباغ، الأكاديمي الموسوعي الذي نعيش في حضرته خلال هذا الحوار، حاصل على ليسانس آداب قسم اللغة الفارسية، والماجستير في تاريخ إيران السياسي، ودرجة الدكتوراه في العلاقات «المصرية - الإيرانية»، وهو أستاذ الدراسات الإيرانية المعاصرة بكلية الآداب جامعة عين شمس، ورئيس وحدة الدراسات الإيرانية بمركز بحوث الشرق الأوسط. كما عمل أستاذًا للغة الفارسية، ومديرًا لوحدة تطوير مهارات أعضاء هيئة التدريس بكلية اللغات والترجمة جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية.

إنه صاحب العديد من الكتب المهمة والإسهامات البحثية التي تتناول الشأن الإيراني، ومن بينها «تاريخ إيران السياسي جذور التحول 1925- 1941»، و«التصدير الاستراتيجي للثورة الإيرانية»، و«العلاقة بين القاهرة وطهران 1952- 1970.. تنافس أم تعاون؟»، و«مدخل إلى السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية» (مترجم عن الفارسية)، و«العلاقات المصرية الإيرانية 1981 - 2011 بين صراع النفوذ وصدام الإرادات»، و«المعجم الموسوعي - فارسي/عربي»، و«العلاقات المصرية الإيرانية 1970 - 1981 بين الوصال والقطيعة»، و«المجتمع الإيراني دراسة تحليلية لمكوناته.. خصائصه واتجاهاته»، و«دراسات إيرانية معاصرة في السياسة والاقتصاد».

وفي هذا الحوار الشامل مع «شؤون إيرانية»، يرى «الصباغ» أن توقيع إيران الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة في فيينا، هو أمر تحتاجه طهران بشدة لرفع العقوبات المفروضة عليها، معتبرًا أن رفع هذه العقوبات سوف يمثل «قبلة الحياة» للنظام الإيراني، وأن ما يظهر من تشدد إيراني في بعض الأحيان، الغرض منه فقط هو تحسين موقف طهران التفاوضي.

أضاف «الصباغ»، أن الولايات المتحدة بتوقيعها «اتفاق فيينا»، ترغب في التفرغ للمواجهة القادمة مع الصين، كما تعتريها رغبة جادة في نصب «القفص الذهبي» لإعادة إيران إلى المعسكر الأمريكي مرة أخرى في ظل تصاعد التنافس مع الصين وروسيا، مشيرًا إلى أن نظام الملالي ليس في عجلة من أمره في امتلاك السلاح النووي، ولا يأبه كثيرًا بالضغوط الدولية عليه في هذا المجال، ويعتبرها نوعًا من «الابتزاز».

واعتبر «الصباغ» أن (إسرائيل) لن تقوم بتوجيه ضربة عسكرية مباشرة إلى إيران، ولكنها ستلجأ إلى ما يمكن أن نسميه «استراتيجية القهر من الداخل»، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة أبلغت (تل أبيب) تعليمات صارمة بعدم تنفيذ أي عمليات داخل إيران أثناء المفاوضات الجارية في فيينا، حتى لا تتعقد هذه المفاوضات.. وإلى نص الحوار:

 

 

 

  • في تقديركم. هل ترضخ إيران للضغوط الأمريكية والدولية وتوقّع اتفاقا مُلزمًا بشأن برنامجها النووي في جنيف؟
  • أعتقد أن الأمر قد تجاوز مرحلة الضغوط، لأنه يسير الآن في مرحلة المفاوضات، والتي ستفضي إلى إبرام اتفاق تحتاجه إيران بشدة لرفع العقوبات المفروضة عليها. ورفع هذه العقوبات سوف يمثل قبلة الحياة للنظام الإيراني، غير أن الأمر يرتهن كليًا بالتوصل إلى اتفاق مرضٍ لإيران والأطراف الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي). ولكن من الضروري الإشارة إلى أن هذه المفاوضات تجابهها تعقيدات عديدة، يتمثل بعضها في أن إيران لديها اعتقاد أن هذه المفاوضات قد ابتعدت عن نقطة التوازن بينها وبين هذه الأطراف، لا سيما أنها أبدت ضمنيًا رغبتها في العودة إلى الاقتصاد العالمي ورفع العقوبات التي فرضت عليها، خاصة التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق ترامب. في حين أن الولايات المتحدة تعتقد أن مجرد إحياء هذا الاتفاق الذي تم إبرامه في 14 يوليو/تموز 2015م، لم يعد أمرًا كافيًا، وتشترط امتثال إيران مرة أخرى بكامل التزاماتها النووية، وتمهد الطريق لمفاوضات مكملة حول نفوذها الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية. بل إنها مددت حظر الأسلحة المفروض على إيران بموجب الأمر التنفيذي 13949، في 21 سبتمبر/أيلول 2020م، والذي لم تسفر المفاوضات عن أي حل بشأنه. ولكن عمومًا سوف ترضخ إيران لرغبة المجتمع الدولي. وما يظهر من آن لآخر من تشدد إيراني في بعض الأحيان إنما الغرض منه هو تحسين موقفها التفاوضي وشروط الاتفاق ذاته.

 

  • حال نجاح «مفاوضات جنيف». هل سنكون حقًا أمام انقلاب إقليمي يُعيد ترتيب الأوراق وحسابات القوة وقواعد الاشتباك بين اللاعبين الكبار؟
  • مفاوضات جنيف انطلقت كي تبذل كل الأطراف كل مساعيها لإنجاحها. والولايات المتحدة في مرحلة ترتيب تموضعها في العالم من جديد في إطار مواجهة الصعود الصيني الروسي. وهنا ينبغي ألا نغفل انعكاس الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وإفشال صفقة القرن الفرنسية مع استراليا على الموقف الإيراني من المفاوضات، وربما تستغل الغضب الفرنسي والأوروبي من التصرف الأمريكي المنفرد في أفغانستان والمناوئ لفرنسا في استراليا لصالحها. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى يجب ألا ننسى أن إيران وقعت اتفاقًا استراتيجيًا مع الصين، وهي إحدى الدول الموقعة على الاتفاق النووي، الذي من المؤكد قد عزز من موقفها التفاوضي وجعلها تقترب من تحقيق أهدافها من المفاوضات الجارية بشأن برنامجها النووي وما يرافقه من ملفات خلافية أخرى.

 

 

 

 

  • كيف تفسرون «السياسة الناعمة» التي تنتهجها إدارة جو بايدن تجاه إيران. وهل ستستمر هذه السياسة أم أنها مجرد مرحلة تكتيكية في العلاقات المضطربة بين واشنطن وطهران؟
  • أتصور أن الولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن لا تختلف كثيرًا عن إدارة ترامب إلا في استخدام الأدوات المناسبة والأكثر ملائمة في هذه المنطقة الملتهبة. استنادًا لخبرة بايدن في الملفات المتعلقة بإيران منذ أن كان عضو المفاوضات المتعلقة بإطلاق صراح رهائن السفارة الأمريكية عام 1980م، فضلًا عن أنه كان أحد مهندسي الاتفاق النووي الذي انسحب منه سلفه. الولايات المتحدة ترغب في التفرغ للمواجهة القادمة مع الصين، كما تعتريها رغبة جادة في نصب القفص الذهبي لإعادة إيران إلى المعسكر الأمريكي مرة أخرى في ظل تصاعد التنافس مع الصين وروسيا. فضلًا عن أنها بحاجة إلى ضمان أمن (إسرائيل) الذي تعلن إيران عدائها الصريح لها.

 

  • ما هو سر التشدد الإيراني الملحوظ في مفاوضات جنيف. وماذا عن أوراق الضغط التي تمتلكها طهران في هذا الملف المهم؟
  • التشدد الإيراني الملحوظ في مفاوضات جنيف تقف وراءه رغبة إيرانية جادة في تحسين شروط الاتفاق، لا أكثر ولا أقل. أما فيما يتعلق بأوراق الضغط التي تمتلكها إيران فهي عديدة، منها موقعها الاستراتيجي الواقع جنوب روسيا الاتحادية وترتبط معها بعلاقات استراتيجية ولن تسمح روسيا بأن يتعرض الموقف الإيراني لخلل يؤثر على أمن موسكو، فضلًا عن هذا الموقع يتحكم في أحد أهم ممرات الطاقة في العالم، وهو مضيق هرمز، ويجعل إيران تمتلك تفوقًا استراتيجيًا على جميع جيرانها العرب، وهم حلفاء الولايات المتحدة وملتزمة بحماية أمنهم. ناهيك عن علاقاتها المتميزة مع الصين التي تتوجت بتوقيع الاتفاق الأخير بينهما في مارس/آذار من العام الجاري. إلى جانب تمتع إيران بثروات طبيعية هائلة جعلتها ذات علاقة جيدة مع معظم دول الاتحاد الأوربي. أي أن إيران قد نجحت في تعظيم مكانتها لدى القوى الكبرى لدرجة جعلتها في موضع يمكنها من الوقوف بندية مع هذه القوى. وهذه في حد ذاتها ورقة ضغط مهمة.

 

 

 

 

  • يؤكد البعض أن إيران مُصرة على حيازة سلاح نووي سرًا في ظل الاتفاق النووي أو بدونه. فما مدى صحة ذلك؟
  • أعتقد أن إيران ليست في عجلة من أمرها في امتلاك السلاح النووي، ولا تأبه كثيرًا بالضغوط الدولية عليها في هذا المجال وتعتبره نوعًا من الابتزاز، لأنها تدرك أن امتلاكها لهذا النوع من السلاح سوف يؤدي إلى خلل مروع في توازن القوى الإقليمي والدولي وهو أمر لن تقبل به روسيا ولا الصين ولا أي قوى إقليمية أخرى وعلى رأسها (إسرائيل) التي لن تسمح لإيران بأي حال من الأحوال بامتلاك سلاح نووي مهما كان الثمن. ولكن الذي أتصوره أن قضية إيران ليس في امتلاك السلاح النووي بقدر امتلاكها للقدرات التكنولوجية المؤهلة لصناعة السلاح النووي خاصة أنها إحدى الدول الموقعة على معاهدة منع الانتشار النووي وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل. فضلًا عن أن المرشد الأعلى سبق أن أفتى بحرمة السلاح النووي.

 

  • في حال فشل المفاوضات النووية. هل ستلجأ (إسرائيل) بالفعل إلى تنفيذ «الخطة ج» لضرب إيران؟
  • من مضمون السؤال تتضح لنا أهمية توصل المفاوضات النووية إلى اتفاق ترضى عنه (إسرائيل) والأطراف الإقليمية الأخرى؛ نظرًا لأن أحد أسباب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق كان بسبب التهديد الإيراني للبنية الإقليمية، فما بالك لو لم يتم التوصل لاتفاق. أما فيما يخص (إسرائيل) فإن العمليات النوعية السابقة التي نفذتها داخل إيران وفي وضح النهار بحق العلماء الإيرانيين وعلى رأسهم فخري زادة، واستهداف أكثر المنشآت النووية تأمينًا وهو مفاعل ناتنز المسئول عن التخصيب، بعملية نوعية على عمق 40 مترًا تحت الأرض، إلى جانب السطو على جميع وثائق المشروع النووي والصاروخي من داخل إيران ونقلها إلى (إسرائيل). جميعها تمثل براهين على أن (إسرائيل) لن تقوم بتوجيه ضربة مباشرة إلى إيران ولكنها ستلجأ إلى ما يمكن أن أسميه استراتيجية القهر من الداخل.

 

  • كيف ترون التأثيرات المتوقعة لضربة إسرائيلية محتملة ضد إيران على الأوضاع الإقليمية في المنطقة برمتها؟
  • لن تكون هناك ضربة (إسرائيلية) تقليدية لإيران ولكنها ستواصل ذات العمليات النوعية التي سبق أن نفذتها خلال السنوات الماضية ضد منشآت نووية وعسكرية بعينها، وضد شخصيات محددة، فضلًا عن اللجوء إلى الهجمات الإلكترونية التي سيكون لها النصيب الأوفر في المواجهات المحتملة بين الطرفين. والتي سوف يراعي فيها الطرفان حدود إدارة الصراع. وأعتقد أن الولايات المتحدة أبلغت (إسرائيل) تعليمات صارمة بعدم تنفيذ أي عمليات داخل إيران أثناء المفاوضات الجارية، ولا حتى تنتقد عملية التفاوض نفسها.

 

  • ما هي التداعيات السياسية لـ «انتفاضة العطش» في إقليم الأحواز على مستقبل الإقليم. وهل ثمة إمكانية لاستقلاله فعليًا عن إيران؟
  • لن يقدم ولن يؤخر، ولن تسفر عشرات الانتفاضات الأخرى عن شيء من هذا القبيل، ولن ينجح الإقليم في استعادة استقلاله مرة أخرى إلا إذا تغيرت آليات التعامل مع هذا الأمر داخليًا وتوفرت له الظروف المواتية خارجيًا. وأعتقد ان استقلال الأحواز لن تقف عند هذا الحد بل ستنتقل عدواه إلى كردستان وآذربيجان وبلوشيستان وهي لها تراث متراكم من المطالبة بالانفصال وهو الذي لن تسمح به طهران تحت أي ظرف من الظروف. كما لن تقبل به القوى الإقليمية العاقلة لأنه سيجر إلى تشرذم إقليمي واسع النطاق. وبالتالي ليس من الحكمة إثارة هذا الأمر بجدية أثناء الخلافات القائمة مع النظام الإيراني. انطلاقًا من أنه ليست هناك عداوة دائمة وليست هناك صداقة دائمة ولكن هناك مصالح دائمة.

 

 

 

 

  • كيف ترون مستقبل النفوذ الإيراني في العراق بعد حدوث تقارب ملموس بين بغداد وجيرانها العرب خلال الآونة الأخيرة؟
  • أعتقد أن هناك صحوة شعبية عراقية قوية لاسترداد العراق ذاته ولملمة شتاته بعد أن تكشفت للشعب العراقي العظيم عدوانية الأهداف الإيرانية تجاه بلاده، ولعل هذا ما سوف يحدد الملامح الأولية لمستقبل هذا البلد العربي العظيم، والتي تتمثل في الاتفاق على إدماج الميليشيات ضمن قوى الأمن والدفاع، تحويل أكبرها إلى أحزاب سياسية، فضلًا عن النجاح المتدرج لمساعي عودة العراق إلى حاضنته العربية مرة أخرى. والتي من المحتمل أن تعمل إيران على عرقلتها إذا لم يتم التفاهم معها في هذا الشأن. والعراق بلد مستقل وذو سيادة، وله الحق في اختيار أصدقائه ونبذ أعدائه.

 

  • إلى أي مدى يمكن اعتبار شحنة الوقود الإيرانية إلى لبنان انتهاكًا جديدًا لسيادة الدولة اللبنانية. واستقواء لـ «حزب الله» على الدولة؟

 

  • ما هي احتمالات استمرار الوجود العسكري الإيراني في سوريا رغم تصاعد الغارات (الإسرائيلية) على قواعد «الحرس الثوري» والميليشيات الشيعية التابعة له؟
  • الوجود العسكري الإيراني في سوريا أصبح يحمل عوامل انسحابه أكثر من بقائه، كما أصبح رهن بعدة اعتبارات، الاعتبار الأول هو وجود حليفها الاستراتيجي بشار الأسد في الحكم، والثاني مدى التفاهم مع روسيا التي باتت تتحسس من الوجود العسكري الإيراني، وسوف تتخلص منه بشكل أو بآخر. وهنا تلتقي مصلحة روسيا في هذا الشأن مع العمليات (الإسرائيلية) التي تستهدف العناصر الإيرانية والميليشيات التابعة لها من آن لآخر داخل العمق السوري، وربما هي التي تغض الطرف عن استهدافها لهذه العناصر.

 

  • ما هو مستقبل الدور الإيراني في سوريا مع وجود خلافات «إيرانية -روسية» بخصوص العديد من الملفات السياسية السورية؟

 

  • يتساءل الكثيرون عن طبيعة العلاقة بين «طالبان» والنظام الإيراني رغم الخلافات العقائدية خلال المرحلة القادمة؟
  • يبدو أن إيران كانت تدرك، في وقت مبكر، ملامح التحول الذي ستشهده أفغانستان، فأخذت في تنشيط قنوات الاتصال مع حركة طالبان، فاستضافت كبار قادة الحركة مع الرموز الأفغانية الأخرى للتقريب بين الفصائل والجماعات الأفغانية على مائدة مستديرة، يوم الأربعاء الموافق 7/7/2021م، نظرًا لإيمانها أن سيطرة «حركة طالبان» على أفغانستان، عقب الانسحاب الأمريكي، يُمثل تهديدًا لأمنها الداخلي، وبالتالي عملت على احتواء المخاطر التي سوف تترتب على ذلك. وقد استهدفت إيران من وراء هذه المائدة بالدرجة الأولى الوقوف على تصورات قادة حركة طالبان، وتوجهاتهم وأهدافهم المستقبلية، ومن ثم استكمال التصورات الإيرانية حال التعامل مع هذه التطورات بما يضمن لها ما يلي:

- عدم استعداء طالبان في وقتٍ لا ترغب فيه طهران فتح نقاط اشتباك على حدودها الغربية.

- الحفاظ على الأقلية الشيعية والنأي بها عن استدراجها لصراع مسلح مع طالبان.

- الحفاظ على الاستقرار النسبي في أفغانستان، بالقدر الذي لا يؤدى إلى تكرار تدفق الهجرات الأفغانية إلى أراضيها.

- محاولة الاستمرار بإمساك بعض خيوط الأثقال السياسية في أفغانستان، بما يُسهم في عدم نشوب صراع يؤدى إلى إهدار المصالح الإيرانية، وفى الوقت نفسه عدم تقسيم أفغانستان.

وفي هذا الإطار يمكن القول إن إيران مقبلة على إقامة تعاون مع نظام طالبان يستهدف صيانة المصالح الإيرانية، وحماية المكتسبات التي حققتها للأقلية الشيعية هناك. وضمان عدم نمو أنشطة تنظيم القاعدة بالقرب من حدودها، المساهمة في القضاء على أي بؤر يمكن أن تظهر لداعش أو ما يسمى بتنظيم ولاية خراسان هناك. وأعتقد أن تحديات الوضع الحالية في أفغانستان سوف تخلق فرصًا مواتية لتحقيق هدف إيراني قديم يتمثل في تكوين تحالف أمني قوامه الدول المتاخمة لأفغانستان معني بحماية منطقة آسيا الوسطى.

 

 

 

 

  • يرى بعض المحللين أن المشروع الإمبراطوري الإيراني في صعود رغم اصطدامه بمصالح القوى الكبرى. فهل توافقون على ذلك؟
  • الحقيقة أن المشروع الإمبراطوري الإيراني أو مانسميه استراتيجية إيران لبناء العمق الاستراتيجي، لا يصطدم كثيرًا بمصالح القوى الكبرى إلا إذا تجاوز السقف المحدد له. أو كانت هناك ضرورة لكبح حركته، فمثلًا نرى روسيا، وهي حليفة لإيران التي تمثل عمقًا استراتيجيًا لها، رسمت خطوطًا للتحركات الإيرانية في سوريا، وأعتقد أن الغارات (الإسرائيلية) على تمركز عناصر الحرس الثوري والفصائل المسلحة التابعة له ولحزب الله لا تتم إلا بالتنسيق مع روسيا. كذلك الأمر فيما يتعلق بالولايات المتحدة التي نالت من سمعة إيران دوليًا وإقليميًا وقتلت قائد فيلق القدس قاسم سليماني في عملية لم تستطع إيران القيام بأي عملية تتجاوز السقف الذي رسمته لها الولايات المتحدة. ومن جانبها إيران تجيد إدارة مثل هذه العمليات بما لا يعمق من خسائرها أو يدفعها إلى دائرة الاستهداف المدمر من أعدائها.

أما فيما يخص المشروع التوسعي الإيراني فأعتقد أنه فشل في تحقيق الأمن الذاتي لإيراني، بل تحول إلى عبء سياسي واقتصادي هائل عليها، بدليل أن وحدات الموساد الميدانية قامت بتنفيذ عمليات مهينة لأجهزة النظام داخل المعدة الإيرانية نفسها وفي وضح النهار وفي أكثر منشآتها سرية، وأصبحت تؤكد أن ما من مسئول إيراني يعيش في مأمن من عملياتها. هذا ناهيك عن تزايد الدعوات الشعبية إلى ضرورة أن يكون حل معضلات المواطنين مقدم على تقديم الدعم السخي لفصائل وميليشيات إيران في الخارج، وأن يكون الإيراني مقدم على اللبناني أو الفلسطيني في قائمة أولويات النظام.

وأتصور أن إيران ستكون في موضع تكون مضطرة فيه إلى إجراء تفاهمات بشأن نفوذها الإقليمي، الذي يعد أحد الملفات التي تتفاوض حولها مع الدول الموقعة على الاتفاق النووي، وذلك على الرغم من نية النظام الحالي العمل على الحفاظ على مكتسبات إيران الإقليمية. وبالتالي من المحتمل أن يواجه العمق الاستراتيجي الإيراني بتحول دراماتيكي على المدى المتوسط في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، لا سيما أن هذا العمق يعاني من نقطة ضعف كبيرة تتمثل في أنه قائم على مصالح أمنية وليس مصالح اقتصادية أو حتى مصالح سياسية قوية. بدليل أنه بات يعاني من تصاعد القوة المناوئة له. ناهيك عن أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قد أدى إلى سيطرة طالبان من جديد بوصفها قوة أيديولوجية معادية لأيديولوجية النظام الإيراني.

 

  • كيف سيؤثر حكم إبراهيم رئيسي على الأوضاع الداخلية في إيران. وهل تتجه البلاد إلى مزيد من التشدد، وبالتالي مزيد من القمع السياسي؟
  • من المستبعد أن يغير النظام الإيراني من ولايته المطلقة على الناس نظرًا لأن ذلك يعد جزءًا من عقيدته المذهبية، على الرغم من أن من المسلم به في عالم اليوم أن هذه الولاية المطلقة تعد مفسدة مطلقة، فهي التي جعلت النظام يصل اليوم لأضعف مراحل عمره، حتى أن كل يوم يمر عليه، في ظل التحديات الداخلية والخارجية، تعد خصمًا من قدرته على الصمود أو الاستمرار؛ وبات منشغلًا بكيفية الحفاظ على شرعية بقائه داخليًا، وإلا فإنه سيلقى مصير نظام الشاه. وهنا يتعين علينا أن ننتبه إلى أن فوز إبراهيم رئيسي ينطوي على أهمية بالغة بالنسبة للنظام الإيراني في الوقت الراهن، من حيث أن الإصلاح الاقتصادي والسياسي أصبح مطلبًا مصيريًا لإعادة إنتاج النظام لنفسه من جديد. وبالتالي تتزايد احتمالات تبني إبراهيم رئيسي سياسات داخلية وخارجية متشددة تعيد له قوته، من خلال مسألتين مهمتين، أولهما استعادة التماسك بين أركان الدولة وسلطاتها الثلاث، بعد أن عانت تفككًا غير مسبوق وصل حد التنافر الذي أفضى إلى إهدار طاقات الدولة وعدم قدرتها على ترتيب الأولويات بين بقاء النظام وأمن كيان الدولة. والمسألة الثانية تتمثل في إيجاد حلول ناجعة للأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية الخطيرة. غير أن مسألة التشدد ربما تزيد من فرضيات تفاقم حالة الرفض الداخلي للنظام، فإذا أخذنا في الاعتبار أن 48% من الشعب، وفق الإحصاءات الرسمية، تدخل ضمن ما يمكن تسميته بالاعتراض الوجداني، أي أن نصف عدد سكان الدولة امتنع عن المشاركة في الانتخابات، وبالتالي تمثل هذه النسبة كتلة حرجة ومتوثبة ضد استمرار سياسات النظام بشكل عام وعلى رأسها القمع والاستبداد والبطش بالمعارضين. والأمر الذي يرشح الوضع الداخلي للانفجار في حال تهيؤ الظروف الداخلية لذلك وتوفر المساندة الخارجية له أيضًا.

 

  • ما هي فرص نجاح «رئيسي» في تدارك الوضع المالي الصعب وحل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في إيران؟
  • أعتقد أن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في إيران اليوم، هي نتاج لتراكم سنوات طويلة سواء من جراء الفساد الذي أدى إلى بيع جانب كبير من بيع القطاع العام لشركات تابعة للحرس، أو بسبب إهدار موارد الدولة على تسليح وتمويل الميليشيات الإرهابية التابعة للحرس الثوري في الخارج، أو من جراء العقوبات الدولية والأممية والأمريكية والتي تبلغ أكثر من 850 عقوبة، تضم 748 كيانًا واسمًا، وعلى رأسها البنك المركزي الإيراني والحرس الثوري وبعض الوحدات التابعة له، وبعض هيئات صناعة الصواريخ، فضلًا عن 14 مؤسسة اقتصادية كبرى مثل المؤسسة التعاونية، وهيئة تنمية وتطوير المناجم. إضافة إلى العقوبات التي تخص المجال السيبراني، ومجال حقوق الإنسان... إلخ. ناهيك عن تفشي فايروس كرونا وتأثيره السلبي العميق على الاقتصاد الإيراني، من ناحية. وإدراج مجموعة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أو ما يُعرف بـ«FATF»، إيران على القائمة السوداء في 21 فبراير/شباط 2020م، من ناحية أخرى. كل هذا يجعلنا نرجح أن إبراهيم رئيسي غير قادر على حل الأزمة الاقتصادية خلال فترة رئاسته الحالية، على أقل تقدير. وربما لا يكون قادرًا أيضًا على الوفاء بتحقيق وعوده الانتخابية التي قطعها على نفسه بالقضاء على الفقر، إذ وعد، خلال عامه الأول بـ: بناء 4 ملايين وحدة سكنية، وتوفير مليون فرصة عمل، وكبح معدلات التضخم، ووضع حد لارتفاع أسعار السلع الأساسية، وإصلاح أزمة النقد الأجنبي الذي تحول إلى سلعة بيد علية القوم وبعض قادة الحرس، وتخفيض تكاليف العلاج للمواطنين إلى النصف، وتجديد البنية التحتية المنهارة في كثير من مرافق الدولة، وتقليص معدلات التهريب التي يتورط فيها مسئولين كبار ورجال أمن، وتوفير الإنترنت مجانًا للشعب.

ويعود ترجيحنا لعدم قدرة «رئيسي» على حل الأزمة الاقتصادية التي ازدادت تعقيدًا في ظل كل العوامل السابقة مجتمعة، لعدد من العوامل أبرزها:

- عدم القدرة على حركة نقل الأموال عبر شبكة البنوك الدولية، وارتفاع تكلفة نقل الدولار من وإلى الاقتصاد الإيراني.

- تفاقم أزمة الثقة في النظام الاقتصادي، أدت إلى ارتفاع وتيرة هروب رؤوس الأموال.

- التراجع الحاد في الاستثمارات الأجنبية بسبب العقوبات وانتشار جائحة كورونا. فضلًا عن انكماش التجارة الخارجية بنحو 41٪.

- ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل مطرد، ومن ثم انخفاض القوة الشرائية للمواطنين وزيادة نسبة الفقر.

- انخفاض قيمة العملة الوطنية بنسبة 49% مقابل الدولار، حتى منتصف أغسطس/آب 2021م.

- بلوغ معدلات التضخم حوالي 30%؛ الأمر الذي دفع الإيرانيين إلى إيجاد أماكن أخرى لتخزين أموالهم، مثل العقارات أو الذهب أو الأسهم أو العملات الأجنبية، مما أدى بدوره إلى ارتفاع الأسعار في تلك القطاعات.

 

  • كيف تفسرون فشل النظام الإيراني في مكافحة وباء «كورونا» ووصول الإصابات والوفيات في البلاد إلى مستويات قياسية؟
  • منذ أن تفشى فيروس كورونا في إيران في فبراير/شباط 2020م، والبلاد تواجه أزمة خطيرة، بلغت بفعل الإهمال الحكومي في مواجهتها بصورة جدية، نظرًا لأسباب عديدة منها:

- رفض السلطات الصحية منذ البداية فرض عمليات إغلاق صارمة نظرًا لأن ذلك كان يعني منع الناس من العمل، وبالتالي تقديم دعم اقتصادي بديل لهم، وهو الأمر الذي لم تكن قادرة عليه أو راغبة فيه.

- عدم تمكن السلطات الصحية، حتى الآن، من انتهاج سياسة متماسكة وواضحة لمكافحة هذا المرض.

- تعنت السلطات الإيرانية، واعتماها على الترويج السياسي الخاطئ لبرنامج التطعيم باستخدام اللقاحات محلية الصنع، وحظر استيراد اللقاحات الأمريكية والبريطانية، وحتى اللقاحات الصينية والروسية.

- عدم فرض قيود صحية على زوار الأضرحة والمزارات الدينية في البلاد.

- تباطؤ عمليات تطعيم المواطنين، في ظل ضبابية قدرة اللقاحات الحالية في القضاء على الفيروس وعلى سلالته المتحورة دلتا.

وتشير آخر الإحصائيات الرسمية المعلنة عن وزارة الصحة الإيرانية، الصادرة في 20 سبتمبر/أيلول 2021م، أن إجمالي عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا بلغ 5،442،232 شخصًا، بينما بلغ عدد المتعافين منهم 4792117 شخصًا، وبلغ عدد الوفيات 117397 شخصًا. كما تشير هذه الاحصائيات أيضًا إلى أن حوالي 764 شخصًا يتعرضون للإصابة بالفيروس كل ساعة في إيران، بينما يتعافى حوالي 1176 شخصًا كل ساعة. ويموت شخص كل 16 ساعة. وهذا ما يعد أمرًا خطيرًا في حد ذاته.

ومن المهم أن نشير إلى أن لهذه الجائحة أكبر تأثير على القطاعات الاقتصادية غير النفطية، الزراعة والصناعة والخدمات، التي تشكل جزءًا كبيرًا من الاقتصاد، منذ أن أدت العقوبات الأمريكية إلى تقليص صادرات النفط الإيرانية. إذ فقد مليوني شخص وظائفهم، حتى الآن، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن معدل البطالة يقدر بنحو 11.18٪ من إجمالي قوة العمل. مع ضعف الريال، استمرت أسعار السلع الاستهلاكية في الارتفاع. وبلغ معدل التضخم الشهري 9٪ في أغسطس/آب 2021م، وهو أعلى مستوى في عامين.

 

  • توقّع غلام حسين محسني إجئي رئيس السلطة القضائية أن يؤدي العجز عن محاربة الفساد إلى اضطرابات سياسية. فهل تتجه البلاد إلى انتفاضة جديدة؟
  • يكاد توقع غلام حسين محسنى إجئي أن يلامس جانبًا مهمًا من حقيقة استشراء الفساد في معظم أجهزة الدولة ومؤسساتها، لدرجة باتت تمثل تحديًا كبيرًا للنظام، وهنا تتجلى دلالات تنصيب محسنى إجئي رئيسًا للسلطة القضائية، والتي تتلخص في عزم النظام الوقوف بحزم أمام هذا الفساد. وتشير هذه الدلالات أيضًا أنه مكلف بالتعامل بحزم مع ملفات الفساد الذي استشرى في الطبقة السياسية والعسكرية المتوسطة والصغيرة، بما يسهم في تخفيف حالة الاحتقان الداخلي. ولكن من المستبعد، أن يخرج محسنی إجئي ملفات الفساد الخاصة بالبيوتات والعائلات الكبرى خلال المرحلة الراهنة، لأن من شأن ذلك أن يحدث هزة عنيفة للنظام، وربما تأتي بنتائج معاكسة، خاصة أن شبهات الفساد باتت تطول صادق لاريجاني، الذي أرغم مؤخرًا على تقديم استقالته من رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام، وأشِقّائه: علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى السابق والذي رفض مجلس صيانة الدستور منحه أهلية خوض الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومحمد جواد لاريجاني أمين عام لجنة حقوق الإنسان في إيران، والدكتور باقر لاريجاني، مستشار جامعة طهران للعلوم الطبية، وفاضل لاريجاني الموظف بوزارة الشئون الخارجية الإيرانية. ومن المحتمل أن يقود النظام حملة للتطهر من تهمة إقصاء الآخر، بحيث يقوم برفع القيود التي سبق فرضها على كثير من الرموز المنتمية للتيارات السياسية والأحزاب المعتدلة، من أمثال محمد خاتمي، ومهدي كروبي، ومير حسين موسوي. وإذا فشل رئيس السلطة القضائية في مهامه المعلنة، فريما تتعقد الأمور وهذا ما لا يريده النظام أو يرغب فيه.

 

 

 

 

  • هل ينجح نظام الملالي القائم على القمع والبطش وسجن المعارضين في إيجاد ركائز جديدة لاستمراره. أم أنه ساقط لا محالة؟
  • في تصوري أن مسالة البطش والقمع وسجن المعارضين لا تعد وحدها منطلقًا أو سببًا كافيًا لإسقاط النظام الإيراني؛ لأنها مسألة اعتاد على ممارستها نظرًا لأنه نظام استبدادي بطبيعة تكوينه، فهو يعتقد أنه نظام إلهي تبيح له وصايته السياسية والأخلاقية على الشعب اتهام كل من يعارضه، بالنفاق أو الكفر المستوجب للقتل تعزيرًا أو الاعتقال والتعذيب تهذيبًا. بل إنه لم يتورع يومًا عن سفك دماء أبناء الشعب الإيراني، منذ سيطرته على الحكم عام 1979م، سواء خلال مرحلة الصراع على السلطة التي رافقت قيام الثورة أو خلال الاحتجاجات التي نشبت ضده في مراحل وأوقات مختلفة، فقمع بلا رحمة احتجاجات الطلبة عام 1998م، والاحتجاجات الشعبية الواسعة عام 2005م، وآخرها احتجاجات رفع أسعار الوقود خريف 2019م، ناهيك عن عمليات الإعدام التي تتم دون محاكمات عادلة لهؤلاء المعارضين، ولعل أشهرها مجزرة 1988م، التي تورط فيها إبراهيم رئيسي نفسه.

وعلى الرغم من ذلك، يجب ألا نأخذ مسألة سقوط النظام الإيراني بهذه البساطة لأنه يواجه اليوم تحديات داخلية وخارجية أعمق من عمليات القمع المعتادة، هي التي يمكن أن تمثل أسبابًا قوية لعدم استمراره، وتعزز من فرضيات سقوطه. فعلى المستوى الداخلي تعاني مؤسسات النظام وأجهزته من التفكك وتقاطع الاختصاصات نظرًا للإزدواجية التي أحدثتها الثورة في الهيكل السياسي للنظام، فهناك جيش وحرس، وسلطة قضائية ووزير عدل، ووزارة استخبارات واستخبارات تابعة للحرس واستخبارات تراقب الاستخبارات هذا فضلًا عن أجهزة الأمن التابعة لوزارة الداخلية. الأمر الذي أدى لاستشراء الفساد في هذه الأجهزة، واختراق أجهزة الاستخبارات الأجنبية لإيران وتوجيهها ضربات نوعية سواء لأكثر منشآتها النووية أهمية أو لعلمائها. ومن ناحية أخرى تعاني إيران من أزمة اقتصادية طاحنة بسبب العقوبات الدولية والأممية والأمريكية عليها ناهيك عن مشاكل هيكلية في نظامها الاقتصادي، كما تعاني من تفاقم الاحتقان الداخلي خاصة في مناطقة الرخوة التي تقطنها الأقليات العرقية سواء من العرب أو الأتراك أو الأكراد أو البلوش التي عانت جميعا منذ قيام الثورة من التهميش المتعمد ومن التهجير المنظم في محاولة لإدخال تغيير ديموغرافي على هذه المناطق.

وبناءً على هذا، يمكن القول إن اكتمال سيطرة الأصوليين مؤخرًا على سلطات الدولة الثلاث تشير بوضوح إلى أن النظام الإيراني أصبح لديه إرادة سياسية جادة، ترغب في الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري تؤدي إلى تقليص الثغرات التي أدت إلى استشراء الفساد في كل جنبات الدولة، من ناحية. وتخفيف حدة الاحتقان الداخلي من ناحية أخرى. كما أصبحت لديه الرغبة في استرداد استعادة البلاد لقوتها الخارجية. استنادًا إلى تلك القوة النابعة من التحالف القائم بين فقهاء المؤسسة الدينية وقادة المؤسسة العسكرية، الذي سوف يقود الدولة في هذا الاتجاه، حتى عام 2030م، والذي سيسعى نحو تحقيق عدد من الأهداف العاجلة، منها:

- العمل بجدية على إعادة التماسك بين المؤسسات وتنسيق العمل بينهما بما لا يكرر الأخطاء الحالية.

- العمل على تعزيز تماسك الجبهة الداخلية لتقليل عمليات الاختراق الأمني، الذي يمثل ضغطا على النظام، خاصة بالمناطق الرخوة التي تقطنها الأقليات العرقية. لا سيما في ظل تزايد المخاوف من أن تصبح التطورات الجارية في أفغانستان رافدًا لتحول قبائل البلوش للعمل المسلح، أو تصبح غطاء لتسلل العناصر الاستخباراتية الأجنبية أو الإرهابية إلى الداخل على غرار ما يحدث حاليًا في منطقة كردستان الجبلية.

وفي هذا الإطار، إذا نجح النظام في تنفيذ هذه الإجراءات وتلك التدابير فتصبح مسألة سقوطه مستبعدة إلى حد كبير.

 

  • يجري الحديث منذ سنوات عن خليفة المرشد علي خامنئي. فهل يكون «رئيسي» هو المرشد القادم للبلاد أم أن هناك أسماء أخرى مطروحة؟
  • أعتقد أن تصعيد إبراهيم رئيسي رئيسًا للسلطة التنفيذية، بعد سيطرة الأصوليين على السلطة التشريعية العام الماضي، وتنصيب غلام محسني إجئي رئيسًا للسلطة القضائية، تعد مؤشرًا قويًا على أن النظام الإيراني بدأ في اتخاذ الإجراءات الفعلية لانتقال منصب الولي الفقيه انتقالًا دستوريًا سلسًا، باتفاق السلطات الثلاث، في حال وفاة المرشد الأعلى سيد علي خامنئي، بما يضمن استمرار جمهورية النظام، وإسلامية الحكم قائمًا على نظرية ولاية الفقيه. وهنا تتجلى دلالة وجود إبراهيم رئيسي على رأس أكبر سلطة سياسية في البلاد بعد المرشد، من حيث إنه فقيه وسيد ورجل قانون، وعضو مجلس خبراء القيادة، المنوط حصرًا بعزل وتنصيب المرشد، وعضو لجنة الأحد عشر بهذا المجلس المكلفة بفتح وصية المرشد الأعلى واختيار خليفته. وبالتالي سوف يكون لإبراهيم رئيسي دور بارز في وضع حل لجدلية خلافة الولي الفقيه حال وفاة المرشد الحالي من منطلقين: الأول أن المرشد الأعلى جعله مؤتمنًا على استمرار ولاية الفقيه مع السماح له بإيجاد صيغة توافقية، والتي ربما يدخل من خلالها بعض التعديلات الدستورية التي تقلص من صلاحيات المرشد القادم. وهذا من شأنه أن يرضي التيار الديني المعارض لولاية الفقيه السياسية، ويحفظ في ذات الوقت الدولة من مخاطر تولي رجل قد لا يحسن استخدام هذه السلطات والصلاحيات الجسيمة التي يتمتع بها المرشد، بموجب الدستور. صحيح أن منصب المرشد أصبح عبارة عن مؤسسة ضخمة قوية الأركان داخل الدولة، إلا أن مجرد ولاية فقيه بمفرده لهذا المنصب لم تعد مقبولة في ظل المتغيرات الداخلية أو الخارجية المتلاحقة. وبناء عليه، يمكن القول إن النظام قد أعد الترتيبات اللازمة لحل معضلته الكبرى، منذ اليوم الأول لدفع رئيسي إلى رئاسة السلطة التنفيذية، مثلما نجح الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني من قبل في ترجيح كفة خامنئي لخلافة الخميني. أي أن رئيسي ربما ينجح في إعادة انتاج النظام نفسه من جديد. أما فيما يتعلق بالأسماء المطروحة لهذه الخلافة فمن المرجح أن تنحصر المفاضلة له بين إبراهيم رئيسي نفسه ومجتبى خامنئي. وهنا سيكون النظام مطالبًا بإيجاد صيغة قانونية وسياسية ما في حال اجتماع الرأي على مجتبى ليكون المرشد الأعلى القادم خلفًا لوالده؛ نظرًا لأنه لا يوجد في الدستور ما ينص على مسألة توريث هذا المنصب.

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.