في وقت تظهِر مؤشرات وتقارير البنك الدولي أن الاقتصاد الإيراني يشهد تحسنا طفيفا، إلا أن الحقيقة قد تكون مختلفة تماما عما تظهره المؤشرات، وفق تحليل نشرته وكالة بلومبرغ.
ويؤكد التحليل إلى أن ما تزعمه طهران ما هو إلا "خدعة ولا يقترب من الحقيقة أبدا"، وأكبر دليل على ذلك موجات الاحتجاجات التي تشتعل في طهران خلال الفترة الماضية، وأن طهران "لا يمكنها تحقيق نمو اقتصادي حقيقي من دون تخفيف العقوبات".
وتجري إيران مباحثات في فيينا تهدف إلى إحياء الاتفاق المبرم العام 2015 بشأن برنامجها النووي، وذلك مع الأطراف الذين لا يزالون منضوين فيه "فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا".
وتشارك الولايات المتحدة التي انسحبت أحاديا من الاتفاق العام 2018، بشكل غير مباشر في المباحثات.
وخرج الإيرانيون أكثر من مرة إلى الشوارع مطالبين بظروف معيشية أفضل، ويطالبون بضغط أكبر على الحكومة للعودة للاتفاق النووي الذي قد يعني تحرير مليارات الدولارات من الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج، وفتح اقتصادها أمام التجارة العالمية.
بعد الخروج من ركود دام عامين "يظهر الاقتصاد الإيراني بعض النمو، حيث سجل انتعاشا في ربيع 2021 بنسبة 6.2 في المئة، فيما تشير المؤشرات الرسمية إلى أن الناتج الإجمالي نما بنسبة 5.9 في النصف الأول من عام 2021"، بحسب تحليل بلومبرغ.
ويحاول النظام في طهران إظهار أن اتباعه "اقتصاد المقاومة" يؤتي ثماره، وأن سياسة عزل اقتصاد إيران بالعقوبات الأميركية، لا تعني عدم قدرة طهران على التكيف مع الإنتاج المحلي وتشجيع التجارة غير النفطية مع الدول المجاورة.
وتريد طهران إرسال رسالة داخلية وللمجتمع الدولي بأنها "لا تحتاج إلى تقديم تنازلات كبيرة لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، وأن اقتصادهم المحلي يستطيع النجاة، بما يعني تعزيز موقفهم في المفاوضات النووية التي تجري في فيينا مع القوى الغربية.
والنقطة الأكثر بروزا في تقرير البنك الدولي وفق التحليل هي أن نمو الناتج المحلي الإجمالي أصبح ممكنا من خلال استغلال "قطاع النفط" والذي "لا يكاد يكون مقياسا للاعتماد على الذات"، حيث تمكن النظام في طهران من جني بعض الإيرادات من صادرات النفط خاصة تلك التي يتم توريدها للصين، وهو ما لم يكن ممكنا من دون قيام الرئيس بايدن برفع بعض العقوبات التي فرضها سلفه على إيران.
وتشير المؤشرات الرسمية في إيران إلى أن أرقام البطالة أقل من 10 في المئة، وهو يبلغ 17 في المئة بين فئة الشباب، ولكن هذه الأرقام لا تعكس النطاق الحقيقي للأزمة خاصة وأن إيران لديها "أحد أدنى معدلات مشاركة القوى العاملة في العالم".
ويوضح التحليل أنه إذا أضفت "التضخم الهائل" و"انخفاض قيمة العملة" إضافة للـ"البطالة" سترى حجم الغضب بين عامة الإيرانيين، حيث انخفضت مؤشرات "رفاهية الأسر" إلى أدنى مستوياتها، لا سيما لأصحاب الدخل الأدنى، حيث ارتفعت أرقام التضخم لأكثر من 40 في المئة، وهبط الريال الإيراني متجاوزا 300 ألف ريال مقابل الدولار.
ويؤكد أنه "مهما حاولت طهران تدوير تقرير البنك الدولي، كدليل على المثابرة الاقتصادية، فإن الإيرانيين العاديين يعرفون مدى هشاشة الأمور على حقيقتها، ولهذا ينبغي على إدارة بايدن والقوى الغربية عدم الانخداع بها".
المحلل السياسي الإيراني، حسين روريان أكد "أن الحديث عن مؤشرات انتعاش الاقتصاد الإيراني، هو أمر حقيقي ومؤشرات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تؤكد ذلك".
وأوضح أن "الاقتصاد الإيراني بدأ يتعافى بشكل تدريجي، حيث لم يسجل ركودا اقتصاديا، وعاد للنمو بنسبة قد تتراوح بين 3-4 في المئة".
وأشار أن إلى "الاقتصاد الإيراني قادر على الاستمرار والنجاة رغم العقوبات الأميركية، وهو ما نشهده حاليا"، مضيفا " أن وزير النفط الإيراني كان قد صرح مؤخرا أن صادرات النفط خلال الفترة المقبلة ستكون متساوية مع ما سجلة في الفترات التي تسبق العقوبات".
وذكر روريان أن "إيران استطاعت أن توجد ظرفا جديدا من خلال التعاون مع بعض الدول المجاورة والصين، بما ساعد الاقتصاد الإيراني على تجاوز العقوبات الأميركية".
وعلى مستوى الداخل الإيراني استطاع الاقتصاد تحقيق الاكتفاء الذاتي إلى حد ما، وحتى أن إيران لديها صادرات خارج نطاق القطاع النفطي، وفق روريان.
ويتوقع أن نرى "استمرارا للانتعاش في مؤشرات الاقتصاد الإيراني خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل تعزي العلاقات مع الصين بعد التوقيع على البدء في تنفيذ الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين، حيث سنشهد استثمارات صينية بمئات مليارات الدولارات خاصة في قطاعات الطاقة والصناعة والنقل".
من جهته، قال مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الاستراتيجية، حسن راضي، "إنه رغم تحسن بعض المؤشرات للاقتصاد الإيراني، فإن هذا لا يعني تعافي الاقتصاد أو قدرته على الصمود، خاصة في ظل المشاكل الكبيرة التي يعانيها".
وأضاف أن مشاكل الاقتصاد الإيراني "لا ترتبط بالعقوبات الأميركية فقط، فهو يعاني من مشاكل واختلالات هيكلية والتي تتركز بسياسات النظام، بإنفاق مليارات الدولارات على التسلح ودعم نفوذها الميلشياوي في المنطقة، ناهيك عن الفساد المستشري في البلاد".
وأشار راضي إلى أن "ثروات المسؤولين الإيرانيين تقدر بـ 148 مليار دولار، وهي أكبر من احتياطي النقد الأجنبي للبلاد، ناهيك عن ثروات المرشد الأعلى، علي خامنئي، التي تقدر بأكثر من 200 مليار دولار".
وأكد أن الاقتصاد الإيراني يتعرض للسرقة منذ أكثر من أربعة عقود، حيث تتحكم بمفاصله شركات كبرى تابعة للحرس الثوري الإيراني.
وتكشف مؤشرات من الداخل الإيراني أن نسبة من يعيشيون تحت خط الفقر تتجاوز الـ 60 في المئة، وأن 72 في المئة من الإيرانيين يحتاجون إلى دعم لتوفير حاجاتهم الأساسية للمعيشة، وفق راضي.
وزاد أنه حتى لو رفعت العقوبات الاقتصادية عن إيران، المواطن لن يتأثر ولكن ستزيد إيرادات نظام طهران.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أكد تحليل نشرته صحيفة وول ستريت جورنال أن "إيران تراهن على قدرتها على تحمل العقوبات الاقتصادية حتى تبقى على موقفها في مفاوضات الاتفاق النووي".
ويعزو التحليل المشاكل الاقتصادية التي تعانيها إيران إلى "سنوات من سوء الإدارة والفساد في ظل حكومات متعاقبة"، وتعاظمت التحديات بعد أن انسحبت إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي وأعادت العقوبات على طهران.
وتضرر الناتج الاقتصادي الإيراني، حيث انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف منذ إعادة فرض العقوبات، وفقا لبيانات البنك الدولي، كما ارتفع التضخم وانخفضت العملية الإيرانية بشكل حاد، لتصل إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، فيما يتوقع البنك الدولي أن يتجاوز الدين العام لإيران 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية