«فيلق القدس».. ذراع إيران الطويلة

- 15 إبريل 2022 - 416 قراءة

في يناير/كانون الثاني الماضي، كشف علي أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية السابق، عن حضور قوات من "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري" في ليبيا، وتقديم خدمات تدريب ومعدات لوجستية لمجموعة مسلحة ليبية، وذلك تحت غطاء نشاط "الهلال الأحمر" الإيراني.

وقال "صالحي" في مقابلة نشرتها صحيفة "خراسان" الإيرانية، إنه خلال زيارته إلى ليبيا في عام 2011، أي في خضم الثورة ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي، رأى بنفسه أن "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري"، قد ساعد المئات من جرحى الثوار خلال الحرب الأهلية الليبية، وقدم لهم العديد من الخدمات بهدف الإطاحة بنظام القذافي.

هذا الكشف الأخير، الذي جاءت بالتزامن مع الذكرى السنوية الثانية لاغتيال القائد السابق لـ "فيلق القدس" قاسم سليماني، مؤشر دال على تمدد النفوذ الإيراني في الشرق الوسط برمته، فقد لعب "فيلق القدس" أدورًا مهمة لنظام الملالي على الساحة الخارجية، من المحيط إلى الخليج، وبات بمثابة ذراع إيران الطويلة، التي تستطيع من خلالها التأثير في الصراعات المسلحة داخل دول المنطقة، ودعم الميلشيات الشيعية التابعة لإيران، وتجنيد العملاء والخلايا الإرهابية عند اللزوم.

 

حقبة "الجنرال الدموي"

 

في عام 1988، وبعد انتهاء الحرب الإيرانية- العراقية، قرر الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني إنشاء "فيلق القدس"، وجعل تبعيته المباشرة لقوات "الحرس الثوري"، من أجل حصر العمليات الخارجية في وحدة مركزية واحدة.

وتمدد النفوذ الإيراني في مجال السياسة الخارجية من خلال "فيلق القدس" أكثر فأكثر، بعد أن تولى الجنرال الدموي "سليماني" رئاسته، إذ مارس هذا الفيلق برخم من شخصية "سليماني" نفسه، تأثيرًا في جميع أنحاء المنطقة، من خلال دعم الميلشيات الشيعية والقيادات المؤيدة لإيران.

ويصل قوام "فيلق القدس" تقريبًا إلى نحو عشرة آلاف و15 ألف فرد يقدمون المشورة والدعم، وتوصيل الأسلحة للفصائل المؤيدة لإيران، أو لبعض الشخصيات في لبنان والعراق وسوريا وغزة وأفغانستان وآسيا الوسطى.

وخلال حقبة "سليماني"، عمل "فيلق القدس" على استنساخ نموذج "حزب الله" اللبناني، فساعد في تأسيس "فيلق بدر" العراقي، وهو من أقدم الميليشيات الشيعية العراقية، وقد تشكل في الثمانينيات، وكان الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. وحارب إلى جانب إيران في الحرب العراقية الإيرانية. وبعد غزو العراق عام 2003 انخرط المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في الحكومة العراقية، ثم تغير اسمه إلى المجلس الأعلى الإسلامي. وانفصل "فيلق بدر" واستقل عن المجلس وغير اسمه إلى "منظمة بدر" بقيادة هادي العامري ذي العلاقة القوية بالإيرانيين، ولعب دورًا في تدريب المنظمة وتسليحها بواسطة "الحرس".

وكذلك "حركة عصائب أهل الحق"، التي أُسست بعد تقديم إيران الدعم للجماعة التي انشقت عن "جيش المهدي" عام 2006، وعينت قائدًا لها هو قيس الخزعلي. وقد أسهم "حزب الله" اللبناني في تدريب الحركة. ووصفت الولايات المتحدة "عصائب أهل الحق" بأنها اليد المباشرة والفاعلة لـ "فيلق القدس" في العراق، إذ تدين بالولاء لإيران.

وأسس "سليماني" أيضًا "كتائب حزب الله"، إحدى الميليشيات الشيعية المناصرة لإيران. كما أسس "حركة حزب الله" النجباء، التي انشقت عن "عصائب أهل الحق" في أواخر 2012، وعملت تحت قيادة أكرم الكعبي، وهي ميليشيا شيعية تدين بالولاء للمرشد الأعلى الإيراني، وعلى علاقات وطيدة بـ "حزب الله" في لبنان، وقد كان لها دور في تجنيد مقاتلين شيعة عراقيين للحرب في سوريا.

واعتمدت إيران على "فيلق القدس" في تقديم الدعم العسكري لحلفائها، إذ استهدفت إيران من خلال تقديم مختلف أشكال الدعم العسكري تمكين حلفائها عسكريًا وأمنيًا لحين دمجهم سياسيًا في مراحل لاحقة في العملية السياسية داخل بلدانهم. وتجلى هذا الدعم في حالة "حزب الله" في لبنان منذ تأسيسه في الثمانينيات. أما في مساحات التأثير الإيرانية، فقد زادت أهمية الدعم العسكري بشكل كبير والاعتماد عليه بعد الانتفاضات العربية التي اندلعت في 2011، التي ضعفت وانهارت معها دول عربية مثل سوريا والعراق واليمن، فضلًا عن ظهور تنظيم "داعش" في سوريا والعراق.

واستخدمت إيران "فيلق القدس" كأداة عسكرية داخل الدول التي كانت تشهد صراعات مسلحة، في مسارين مرتبطين ببعضهما بعضًا، الأول: هو المساهمة في إنشاء ميليشيات عسكرية مؤيدة لها، والثاني هو التدخل العسكري المباشر بواسطة قوات "فيلق القدس".

وفي هذا الإطار، قام "الفيلق" بتسليح جماعة "الحوثيين" الإرهابية اليمنية، ودعمها عسكريًا، لكي تكون ساحة تصدٍ إضافية للدول التي تشكل تهديدًا استراتيجيًّا لسيطرة إيران على شبه الجزيرة العربية.

وعلى مدى سنوات، زوّد "الفيلق" جماعة "الحوثي" الإرهابية بأسلحة إيرانية متطورة، مثل الطائرات دون طيار، والصواريخ الباليستية والمضادة للدبابات والطائرات، طائرات دون طيار، والمروحيات متعددة المحركات، وصواريخ، وقذائف بمختلف أنواعها، ومدافع هاون، وبنادق قنص، وألغام بحرية، وقنابل حشوة متفجرة مشكلة ومقولبة لتركيز طاقة الانفجار على مكان محدد (توضع على القوارب المتفجرة المسيرة)، فضلًا عن التدريبات العسكرية، إضافة إلى المساعدة في المعركة البرية الدائرة على الحدود السعودية.

وبذلك، حولت إيران اليمن إلى حقل تجارب واختبار تشغيلي، من خلال الهجمات "الحوثية" المتكررة على أهداف في عمق السعودية واستهداف نطاقات البنية التحتية الاستراتيجية السعودية، والمطارات، والمنشآت النفطية، والمؤسسات الحكومية، وغيرها. تزوّد إيران الحوثيين بمعرفة واسعة وخبرة عملية في تشغيل أسلحة مختلفة خلال المعارك في مناطق مختلفة، وفي بعض الحالات، يشارك عناصر من الذراع الصاروخية لـ "الفيلق"، وكذلك عناصر من "حزب الله" اللبناني، في تشغيل أنظمة الحوثيين وتدريبهم.

 

أكذوبة "فيلق القدس"

 

يقول الكاتب عبد المنعم إبراهيم: في الوقت الذي صرخ سكان القدس، طلبًا للتضامن معهم ضد مصادرة منازلهم في حي الشيخ جراح، ينشغل "فيلق القدس" الإيراني بتدبير الاغتيالات للناشطين والصحافيين العراقيين الشرفاء في كربلاء والبصرة والنجف وبغداد، حيث تعرض الشباب المتظاهرون والمطالبون بخروج إيران من العراق للقتل في الشوارع على أيدي عملاء "الفيلق" في العراق.

ويضيف: إن "فيلق القدس" لا يعدو أن يكون مجرد غطاء سياسي يستخدم القضية الفلسطينية لممارسة أدوار تآمرية ضد الشعوب والأنظمة العربية، فهو غير معني ولا مكترث بما يحدث في القدس وفلسطين من مواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، ولكنه مهتم جدًا بدعم عملائه وميليشياته المسلحة في العراق وسوريا، ومهتم كثيرًا بتهريب الأسلحة والصواريخ والطائرات المسيرة والمتفجرات والألغام إلى الميليشيات "الحوثية" الموالية لإيران في اليمن.. بل ان إسماعيل قاآني قائد «فيلق القدس» أبدى إعجابه وافتخاره بالصواريخ التي يطلقها الحوثيون ضد السعودية.. كما لو كانت القدس تقع جغرافيًا في الرياض أو خميس مشيط أو مطار أبها أو حائل أو جدة أو الظهران!

وحدهم الواهمون في فلسطين والخليج والدول العربية كانوا يراهنون على "فيلق القدس" لتحرير القدس! وهم ظلوا ومازالوا يعتبرون إيران هي المدافع عن الحق الفلسطيني! بينما الحقيقة ان إيران أسست «فيلق القدس» لاحتلال الدول العربية، وتجنيد الخونة العرب في منظمات إرهابية للإطاحة بالحكومات العربية، وتهديد الأمن القومي العربي.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

 

  1. مسيرة تطوّر «فيلق القدس» الإيراني منذ عام 1979، موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، 3 يونيو/حزيران 2021.
  2. سقوط ورقة التوت عن أكذوبة «فيلق القدس»، موقع أخبار الخليج، 2 أبريل/نيسان 2022.
  3. مسؤول إيراني سابق يكشف أسرارًا عن نشاط فيلق القدس في ليبيا، موقع العربية، 1 يناير/كانون الثاني 2022.
  4. فيلق القدس وتحقيق الرؤية الإيرانية في اليمن، موقع مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 15 ديسمبر/كانون الأول 2021.

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.