• السجال عبر الشعارات والخطابات الاستهلاكية في إيران يُستخدم كـ "رافعة سياسية" وتموضع دبلوماسي فقط
• طهران تُصدر تصريحات استفزازية.. ولكنها لا تتصرف بأسلوب متهور من شأنه زعزعة أمن (إسرائيل) وأمريكا
• اللوبي الصهيوني في واشنطن للإدارة الأمريكية: الشعارات الإيرانية مجرد "ظاهرة صوتية" لا تأثير لها على الأرض!
• إيران الثيوقراطية ليست "خصمًا لا عقلانيًا" للولايات المتحدة و(إسرائيل) كما كان الحال بالنسبة للعراق وأفغانستان
يكشف كتاب "التحالف الغادر: التعاملات السرية بين (إسرائيل) وإيران والولايات المتحدة"، الصادر عام 2006 باللغة الإنجليزية، للأكاديمي السويدي من أصل إيراني تريتا بارزي، الكثير من الأسرار حول طبيعة العلاقات والاتصالات التي تجري بين (إسرائيل) وإيران وأمريكا، خلف الكواليس شارحًا الآليات وطرق الاتصال والتواصل بينهم، في سبيل تحقيق المصلحة المشتركة التي لا تعكسها الشعارات الرنّانة، ولا السجالات الإعلامية الموجّهة.
وتأتي أهمية الكتاب الذي تُرجم إلى اللغة العربية عام 2008 تحت عنوان "حلف المصالح المشتركة: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة"، من كون المؤلف وهو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "جون هوبكينز"، وُلد في إيران ونشأ في السويد، وحصل على الماجستير في العلاقات الدولية، ثم على شهادة ماجستير ثانية في الاقتصاد من جامعة ستوكهولم، لينال فيما بعد شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة جون هوبكينز في رسالة عن العلاقات "الإيرانية- الإسرائيلية".
اقرأ أيضًا...
ويستند الكتاب إلى أكثر من 130 مقابلة مع مسؤولين رسميين إسرائيليين، وإيرانيين وأمريكيين رفيعي المستوى ومن صنّاع القرار في بلدانهم. إضافة إلى العديد من الوثاق والتحليلات والمعلومات المعتبرة.
ضمن ما يكشفه من وثائق ومعلومات سرية موثقة، يؤكد المؤلف أن المسؤولين الرسميين الإيرانيين وجدوا أن الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأمريكية، تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق عام 2003 عبر الاستجابة لما تحتاجه واشنطن، مقابل ما ستطلبه إيران منها، على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد "صفقة متكاملة" تعود العلاقات الطبيعية بموجبها بين البلدين، وتنتهي مخاوف الطرفين. وبينما كان الأمريكيون يغزون العراق في أبريل/نيسان من ذلك العام، كانت إيران تعمل على إعداد اقتراح جريء ومتكامل، يتضمن جميع المواضيع المهمة ليكون أساسًا لعقد "صفقة كبرى" مع واشنطن.
وقتها، عرض الجانب الإيراني مجموعة مثيرة من التنازلات السياسية التي ستقدمها طهران، في حال الموافقة على هذه الصفقة الكبرى. وكان العرض يتناول عددًا من المواضيع منها: برنامجها النووي، سياستها تجاه (إسرائيل)، ومحاربة تنظيم "القاعدة". كما عرض الإيرانيون إنشاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة "أمريكية- إيرانية"، بالتوازي للتفاوض على "خارطة طريق" بخصوص ثلاثة مواضيع، هي: أسلحة الدمار الشامل، الإرهاب والأمن الإقليمي، والتعاون الاقتصادي.
اقرأ أيضًا...
ويرصد "بارزي" العلاقة الثلاثية بين كل من (إسرائيل) إيران وأمريكا، منذ عام 1948 وحتى توقيع الاتفاق النووي عام 2015، لينفذ من خلالها إلى شرح الآلية التي تتواصل من خلالها حكومات الدول الثلاث، وتصل عبر الصفقات السريّة والتعاملات غير العلنية إلى تحقيق مصالحها، على الرغم من الخطاب الإعلامي الاستهلاكي لـ "العداء الظاهر" فيما بينها، واللعبة السياسية التي تتّبعها هذه الأطراف الثلاثة.
ويعرض المؤلف، في تفسير العلاقة الثلاثية لوجهتي نظر متداخلتين في فحصه للموقف بينهم، وهي أولًا: الاختلاف بين الخطاب الاستهلاكي العام والشعبوي، وبين المحادثات والاتفاقات السريّة التي يجريها الأطراف الثلاث غالبًا مع بعضهم البعض. ثانيًا: الاختلافات في التصورات والتوجهات استنادًا إلى المعطيات "الجيو-استراتيجية" التي تعود إلى زمن معين.
ويعرض "بارزي" اللعبة السياسية التي تتّبعها الأطراف الثلاثة، في تفسير العلاقة بينها، مؤكدًا أن "ما نراه أو نسمع عنه من سجال عبر الشعارات والخطابات الاستهلاكية في إيران، يُستخدم كرافعة سياسية وتموضع دبلوماسي فقط. فهي تستخدم التصريحات الاستفزازية، ولكنها لا تتصرف بناءً عليها بأسلوب متهور وأرعن، من شأنه أن يزعزع أمن حلفائها (إسرائيل) وأمريكا، وعليه فيمكن توقع تحركات إيران، وهي ضمن هذا المنظور لا تشكّل خطرًا لا يمكن احتواؤه عبر الطرق التقليدية الدبلوماسية".
يخلص المؤلف إلى خلاصة مفادها أن طهران و(تل أبيب) بحاجة لتصوير صراعهما الاستراتيجي الظاهري، بأنه صراع أيديولوجي (ديني). فالهاجس الرئيس لدى صناع القرار في طهران، على صعيد السياسة الخارجية الإيرانية، كان وما يزال، منذ نهاية ستينيات القرن الماضي (عهد الشاه)، وحتى اليوم، مرورًا بعهد الخميني وخامنئي، هو الهيمنة على المنطقة، وأن تكون إيران ذات أهمية استراتيجية لدى واشنطن، بصورة تجعل طهران لاعبًا إقليميًا رئيسيًا في الشرق الأوسط.
اقرأ أيضًا...
ومنذ عهد الشاه، كانت طهران تدرك أن غايتها تلك لا يمكن أن تتحقق دون مراعاة البعد الأيديولوجي. لذلك لم يعترف الشاه رسميًا بإسرائيل، رغم الضغوط الأمريكية - الإسرائيلية عليه طوال أكثر من عقدين من العلاقات شبه الرسمية، ومن زيارات رؤساء وزراء الاحتلال الإسرائيلي إلى طهران، ديفيد بن جوريون، وجولدا مائير. فالشاه الأخير لإيران، محمد رضاه بهلوي، لم يكن يريد أن يخسر الشارع. ذاك الشارع ذاته، الذي استخدمه الخميني لاحقًا، للتعبئة والتجييش في خدمة مشروع الولي الفقيه للهيمنة على المنطقة.
وحسب "بارزي"، فإن إيران الثيوقراطية ليست "خصمًا لا عقلانيًا" للولايات المتّحدة و(إسرائيل)، كما كان الحال بالنسبة للعراق بقيادة صدّام حسين، وأفغانستان بقيادة "طالبان". فطهران تعمد إلى تقليد "اللاعقلانيين" من خلال الشعارات والخطابات الاستهلاكية فقط!
اقرأ أيضًا...
ويشير المؤلف إلى أن إيران حاولت مرات عديدة التقرّب من الولايات المتّحدة، لكن (إسرائيل) كانت تعطّل هذه المساعي دومًا، خوفًا من أن تكون هذه العلاقة على حسابها في المنطقة. ومن المفارقات الذي يذكرها الكاتب أيضا أنّ اللوبي الصهيوني في واشنطن كان من أوائل الذي نصحوا الإدارة الأمريكية في بداية الثمانينيات، بألا تأخذ التصريحات والشعارات الإيرانية المرفوعة بعين الاعتبار، لأنها مجرد "ظاهرة صوتية" لا تأثير حقيقيًا لها في السياسة الإيرانية!
ويقول د. ناجي الدهان، تعليقًا على الكتاب، إنه "بعد مرور أكثر من خمسة وثلاثين عامًا من الوعيد والتهديد المتبادل بين إيران من جهة، وأمريكا و(إسرائيل) من جهة أخرى، إلا أن هذه التهديدات بقيت حبيسة الشعارات والهتافات، في حين قاموا بضرب عدد من الدول العربية".
اقرأ أيضًا...
ويضيف: "بعد فترة من الوقت، نجد أن طهران، و(تل أبيب)، وواشنطن توقفوا عن التهديدات العسكرية المباشرة، وحتى عن الشعارات العدائية المتبادلة. عقب التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1)، في 14 يوليو/تموز عام 2015، بعد أكثر من اثنى عشر سنة من المفاوضات الماراثونية المتقطعة، أقدمت أمريكا على رفع اسم إيران من "محور الشر"، بالتزامن مع أحاديث عن حلف جديد بين واشنطن، وطهران، في حين أعادت بريطانيا فتح سفارتها في طهران، بعد أربع سنوات من إغلاقها، بالتزامن مع ظهور لافتة كبيرة في أحد شوارع (تل أبيب)، تبين العلم الإيراني إلى جانب العلم الإسرائيلي، كُتبت عليها عبارة "ستفتح هنا السفارة الإيرانية في (إسرائيل)"، وهي خطوات قابلتها طهران بسحب أشهر الشعارات الإيرانية "الموت لأمريكا - الموت لإسرائيل" من الساحات العامة ومساجد المدن. إن هذا هو حال العلاقات بين إيران، و(إسرائيل)، وأمريكا، عكس كل الشعارات"!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية