العلاقات المصرية ـ الأفغانية «1922 ـ 1979م» (3)

- 3 يناير 2023 - 744 قراءة

العلاقات الثنائية بين مصر وأفغانستان

 

(1952 ـ 1979م)

 

شهدت العلاقات المصرية الأفغانية، بعد قيام ثورة يوليو 1952م، تطورا كبيرا، على جميع الأصعدة، بدأت بالمجاملات السياسية المعتادة بين الدول، ثم دخلت في مرحلة تنسيق المواقف القائمة على الإيمان بالمبادئ السياسية المشتركة، ثم التعاون المتعدد الأبعاد، الذي تم وسط حالة من الدفء الذي أخذ يميز العلاقة بين مسئولي القاهرة وكابل، الذي عكسته برقيات التهنئة المتبادلة بين البلدين في المناسبات المختلفة.(103) (للاطلاع على نص البرقيات يمكن الرجوع إلى الوثيقة رقم 12 بملحق الوثائق) كما أبرزه حرص الرئيسين محمد نجيب وعبد الناصر على حضور بعض المناسبات التي كانت تقيمها السفارة الأفغانية بالقاهرة، فقد حضر مثلا الرئيس محمد نجيب بنفسه يوم 27/5/1953م، حفل الاستقبال الذي أقامه "عبد الهادي داوي" سفير أفغانستان لدى مصر في دار السفارة الأفغانية بمناسبة العيد الوطني لبلاده، وقد رافقه في هذا الحفل الأستاذ محمود فوزي وزير الخارجية وفتحي رضوان وزير الدولة وعدد من الوزراء ورجال السلك السياسي العربي وكبار رجال الخارجية (104). كذلك حضر رئيس الرئيس جمال عبد الناصر حفل التكريم الذي أقامته السفارة الأفغانية بالقاهرة للأمير محمد نعيم نائب رئيس وزراء ووزير الخارجية يوم٢٥اكتوبر ١٩٥٤م.(105) وقد تجسد تطور العلاقات الثنائية بين مصر وأفغانستان، خلال هذه المرحلة، في تعدد وارتفاع مستوى الزيارات المتبادلة بينهما، وتوقيع عدد من اتفاقيات التعاون المشترك، وذلك على النحو المبين على النحو التالي:

الزيارات المتبادلة

تُعد الزيارات المتبادلة محورا مهما لتعزيز العلاقات السياسية والأخوية بين البلدين المسلمين، والتي أظهرت روح الود والتفاهم بينهما. فقد أجرى البلدان أكثر من إحدى عشرة زيارة علنية متبادلة بين المسئولين على اختلاف مستوياتهم، فيما بين عامي 1954 و1978م، كان نصيب أفغانستان منها تسع زيارات رسمية باتجاه القاهرة، ناهيك عن الوفود الأفغانية المتنوعة التي تزاورت مع القاهرة. وقد بدأت أولى هذه الزيارات، بالزيارة التي قام نائب رئيس وزراء أفغانستان ووزير خارجيتها محمد نعيم خان، بوصفها أول زيارة رسمية على هذا المستوى لمصر، خلال هذه الفترة، يوم 21 أكتوبر 1954م، استقبله خلالها نظيره المصري محمود فوزي، بحث خلالها مشكلة "بختونستان" التي كانت قائمة بين كابل وإسلام آباد، وطلب وساطة القاهرة في حلها.(106) كما استقبله الرئيس عبد الناصر، وتم التفاهم بينهما حول كثير من المسائل أهمها تنسيق المواقف والجهود الرامية لإنجاح مؤتمر باندونج الذي كانت تعول عليه أفغانستان في إرساء "قوة ثالثة" محايدة في العالم بين الكتلة الشرقية والغربية تعمل لصالح الدول المنتمية إليها. وقد أقام له الرئيس عبد الناصر مأدبة غداء في نادي ضباط الجيش،(107)

 

اقرأ أيضًا..

 

العلاقات المصرية ـ الأفغانية «1922 ـ 1979م» (1)

 

العلاقات المصرية ـ الأفغانية «1922 ـ 1979م» (2)

 

وفي هذا السياق، قام الرئيس جمال عبد الناصر بزيارة كابل في 30 أبريل عام 1955م،(108) زيارة تاريخية؛ فقد كانت تمثل المرة الأولى التي يقوم فيها زعيم عربي بزيارة أفغانستان في التاريخ. والتي حظي خلالها باستقبال وحفاوة رسمية وشعبية رائعة (109). وقد صرح عبد الناصر، عقب لقائه بالملك محمد ظاهر شاه ورئيس وزرائه محمد داود، بأنه رأى أن يقوم بالوساطة بين أفغانستان وباكستان للتخفيف من حدة التوتر الناشب بينهما حول مسألة بختونستان" واستطرد قائلا: "إنه قد وصل إلى نتائج طيبة للجهود التي بذلها في هذا السبيل". أثناء محادثاته مع الملك محمد ظاهر شاه والسردار محمد داود رئيس الوزراء. وقد أذاع راديو كابل أن أفغانستان على استعداد لقبول وساطة مصر لتسوية النزاع بينها وبين باكستان في حالة ما إذا قبلت الأخيرة مقترحات الرئيس جمال عبد الناصر(110).

وكانت مشكلة بختونستان أو بشتونستان من أهم القضايا التي واجهت سياسة أفغانستان الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي المسألة الخلافية ظهرت بين أفغانستان وباكستان، من جرّاء تقسيم شبه القارة الهندية بموجب خط ديوراند الحدودي (111) الذي أصبح، منذ عام 1893م، خطا فاصلا بين أفغانستان والهند، بطول 2640 كيلومتر، والذي لم تعترف به أي من الحكومات الأفغانية المتعاقبة، نظراً لأنه أدى تقسيم قبائل البشتون إلى نصفين، نصف في الموطن الأم أفغانستان، والنصف الآخر في المناطق الهندية، التي استقلت عام 1949م،باسم جمهورية باكستان الإسلامية. الأمر الذي أفضى إلى أزمة سياسية بين أفغانستان وباكستان، خاصة عندما أعلنت باكستان عام 1950م، تمسكها بملكية الأراضي التي تسكنها قبائل البشتون، ولا سيما التي لم تكن محددة تمامًا وتضمنها خط ديوراند، بينما شجعت أفغانستان قيام دولة بوشتونستان "بختونستان"؛ الأمر الذي أدى نشوب مناوشات حدودية مسلحة بين الجانبين، قررت بعدها باكستان حرمان أفغانستان من مرور تجارتها عبر موانئها وأراضيها، الأمر الذي انتهى إلى قطع العلاقات بين البلدين، بعد فشل الوساطات المصرية والسعودية المتعددة، كما أدى إلى توقيع أفغانستان اتفاقية تجارية مع روسيا تصدر بموجبها بضائعها عبر الموانئ الروسية (112)

وقد امتدت انعكاسات مسألة بختونستان على العلاقة بين السفارتين الأفغانية والباكستانية في القاهرة، الأمر الذي جعل "صادق المجددي" وزير أفغانستان المفوض لدى مصر بالاتفاق مع السفير الباكستاني بالقاهرة "حاجي عبد الستار سيت"، على ألا يهاجم كل منهما دولة الآخر وألا يثار النزاع بينهما في الأحاديث الصحفية. غير أن أفغانستان قامت بسحب المجددي؛ لعدم رضاها عن سياسته في مصر، وأرسلت بدلا عنه "عبد الهادي خان داوي" الذي تحدث بوضوح وعلانية عن طبيعة الخلاف بين دولته وبين باكستان حول "بجتونستان"، معرباً عن مدى إصرار بلاده على تحرير هذا الإقليم من الحكم الباكستاني. ومن ثم تجدد الصدام بين ممثلي باكستان وأفغانستان على أرض مصر حول هذه المسألة، وفي هذا السياق ضبطت حكمدارية بوليس مصر بعض المنشورات التي كانت تتضمن تعريضا بدولة باكستان، والتي طبعت في أحد المطابع المصرية بناء على رغبة السفارة الأفغانية بمصر، لإرسالها إلى المفوضية الأفغانية بجدة. (للاطلاع على خطاب وكيل وزارة الداخلية إلى وكيل وزارة الخارجية بهذا الشأن يمكن مراجعة الوثيقة رقم 13).

أما فيما يخص الوساطة المصرية، فقد أكد أنور السادات، الذي قام بزيارة رسمية لكابل في أبريل من عام 1955م، التقى خلالها بالملك محمد ظاهر شاه ورئيس الوزراء محمد داود (113)، أن "الوساطة بدأت منذ وصول الرئيس جمال عبد الناصر لكراتشي"، حيث أشار بقوله: إننا "قدمنا عدة اقتراحات، ثم قامت بعد ذلك المملكة العربية السعودية بالوساطة فسارت في نفس الطريق على أساس هذه المقترحات أي أنها أكملت الطريق ثم رؤي أن نستكمل هذه الوساطة معا"(114) ومن ناحية أخرى، كتب أنور السادات مقالًا ضافيًا في جريدة التحرير بتاريخ 12/7/1955م، تحت عنوان "رسالة إلى أفغانستان" استعرض فيه، بمشاعر فياضة من الود تجاه أفغانستان، النقاط الخلافية بينها وبين باكستان حول قضية بختونستان، واستعرض جهود حلها بين البلدين، بقوله: إن "أفغانستان أرادت أن يكون لها منفذا بحريا يكون في صورة بناء منطقة حرة في ميناء كراتشي وتكون مِلْكا لأفغانستان، يقابلها منطقة أخرى على ممر خيبر، فيتم تفريغ البضائع الأفغانية في الميناء وتُكدس في المنطقة الحرة التي للأفغان عليها السيادة. ثم ُتنُقل بالسكة الحديد، أو بأي طريقة أخرى إلى المنطقة الحرة التي على الحدود، وهذه أيضا تكون ملكا لأفغانستان". وأخيرا عرض لجهود الوساطة المصرية وأرجع سبب فشلها لرفض أفغانستان المقترحات المصرية "في اللحظة الأخيرة" رغم المرونة الواضحة التي أبدتها الحكومة الباكستانية في هذا الشأن(115).

أما الزيارة الأفغانية الثانية لمصر، فهي التي قام الأمير "محمد داود" رئيس وزراء أفغانستان، يوم 13 مايو 1957م، واستمرت لمدة خمسة أيام، والتي جاءت بناء على دعوة رسمية من القاهرة. وقد حظيت هذه الزيارة باهتمام مصري كبير(116) نظرًا لأنها جاءت من حيث التوقيت بعد انتهاء العدوان الثلاثي، كما أنها كانت تعد أول زيارة أفغانية لمصر على هذا المستوى الرفيع (117) وقد حظي رئيس الوزراء الأفغاني خلالها بحفاوة وتكريم من الجهات الرسمية والشعبية، والتقى كبار المسئولين المصريين، كما استقبله الرئيس جمال عبد الناصر، حيث أجريا مباحثات ودية (118) وزاره أيضا في مقر ضيافته بقصر القبة (119)

وقد توالت زيارات الرسمية الأخرى، فضلا عن زيارات الوفود الأفغانية المتعددة، على القاهرة، فيما بين عامي 1958 و1961م، حيث قام السيد "غلام محمد شيرزاد" وزير الاقتصاد والتجارة الأفغاني بزيارة للقاهرة، يوم 10 ديسمبر عام 1958م، استغرقت خمسة أيام، حضر خلالها المؤتمر الاقتصادي الآسيوي الأفريقي، واستقبله الرئيس عبد الناصر في حضور كل من عبد المنعم القيسوني وزير التجارة، ومحمود فوزي وزير الخارجية، وحسن عباس زكي وزير المالية (120).وفي مارس من عام 1958م، زار القاهرة أيضا السيد "فاروق سراج" رئيس اللجنة الأولمبية الأفغانية بدعوة من المجلس الأعلى لرعاية الشباب. وفي عام 1959م، زار القاهرة، أيضا، وفد من جامعة كابل، قام خلالها بزيارة المؤسسات الثقافية والعلمية والتعليمية من مدارس ومعاهد وكليات.(121)

أما أرفع زيارة أفغانية لمصر حينئذ، فهي التي قام بها الملك محمد ظاهر شاه بدعوة رسمية من الرئيس عبد الناصر، يوم 21 أكتوبر1960م، استغرقت تسعة أيام. وقد عكس الاستقبال الرسمي والشعبي "الرائع"(122) عمق العلاقة التي كانت تربط بين البلدين، "حيث كان في استقباله في مطار القاهرة الرئيس عبد الناصر كما استقبلته الجماهير استقبالا شعبيا رائعا على طول الطريق المؤدي إلى القصر الجمهوري بالقبة(123).وقد ذكر السفير المصري لدى كابل، في ذلك الوقت، "أحمد فريد أبو شادي"، أن الهدف المعلن للزيارة كان يتمحور حول "تدعيم الروابط السياسية بين البلدين وتعزيز سياسة الحياد الإيجابي التي ظهرت فوائدها في المجال الدولي وأصبحت لها خطورتها وأهميتها، وبخاصة في الأمم المتحدة"(124)

وقد ذكر الرئيس عبد الناصر، في الكلمة التي ألقاها خلال حفل العشاء الذي أقامه بقصر الطاهرة تكريما للملك ظاهر شاه يوم وصوله، مبررات الحفاوة الملموسة التي قوبل بها وعكست متانة العلاقات بين البلدين، عندما قال: "لقد عبر شعبنا اليوم في استقباله الحافل لكم عن عميق شعوره بالود والصداقة تجاه شعب أفغانستان العظيم. ولم يكن استقبال شعبنا لكم اليوم إلا صدى هذه الروابط التي ضمتنا منذ التاريخ البعيد؛ فجمعت بيننا على دين الله السمح الكريم". (للاطلاع على نص الكلمة يمكن الرجوع إلى الوثيقة رقم 14 بملحق الوثائق) وذلك للأسباب التي ساقها الرئيس عبد الناصر في كلمه أخرى ألقاها في احتفال الاتحاد القومي بملك أفغانستان، على النحو التالي:

أولًا: "تفاعل الفكر والشعور"

- "فلقد التقينا مع شعب أفغانستان الصديق في باندونج ونحن نضع الدعامات الأولى للتعاون الآسيوي الأفريقي".

- "كذلك التقينا على طريق عدم الانحياز، ونحن نحاول أن نصنع من التعايش السلمي بديلا بنّاء لسياسة التكتل".

- "ولقد كان من حظي شخصيا يا صاحب الجلالة أن أزور أفغانستان على طريق عودتي من باندونج، حيث أتيح لي أن أرى اللقاء الفكري والشعوري بين شعبينا يتحول إلى حقيقة مادية".(125)

ثانيًا: "روابط الكفاح من أجل التغلب على الاستعمار"

- "استطاع شعب أفغانستان أن يقضي على كل مؤامرات بريطانيا، واستطاع شعب الجمهورية العربية المتحدة أن يقضي على مؤامرات بريطانيا في مصر وفرنسا في سوريا"

- "حصل شعب أفغانستان على استقلاله الكامل وحصل شعب الجمهورية العربية المتحدة على استقلاله الكامل، ثم سرنا من أجل تثبيت هذا الاستقلال في أفغانستان وفي الجمهورية العربية المتحدة"(126).

ثالثًا: "الاتفاق الكامل بيننا في السياسة والعمل"

- "حينما أعلنت جمهوريتنا سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، وأعلنت مملكة أفغانستان سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز".

- "اتفقنا على أن نعمل من أجل تقرير مبادئ السلام، ثم اتفقنا على أن نعمل من أجل تقرير مبادئ الحرية وتقرير المصير، وكان هذا العامل من عوامل التضامن الآسيوي الأفريقي"(127)

رابعًا: تأييد أفغانستان الدائم على طول الخط للقضايا العربية".

- "إننا نعلم يا صاحب الجلالة موقفكم الكريم وموقف شعب أفغانستان الكبير، حينما واجهنا في منطقتنا العربية الغزو الصهيوني في سنة 48".

- كان موقف جلالتكم وحكومتكم وشعبكم موقف المؤيد التأييد التام الكامل لحقوق العرب في أرضهم وديارهم".

- حيث "لم تعترف أفغانستان بإسرائيل ولم تُقم معها أي علاقات رسمية وغير رسمية ولم تعترف بإسرائيل تجاريا وسياسيا وثقافيا". "ولازالت أفغانستان حتى اليوم تُصر على موقفها من عدم الاعتراف بإسرائيل وتصر على عدم التعامل معها بأي وسيلة من الوسائل" رغم الضغوط التي كانت تمارسها إسرائيل عليها.

- كما "ولا ننسى يا صاحب الجلالة موقف شعب أفغانستان الشقيق في تأييدنا حينما كنا نجابه هذه المعركة ولا ننسى جهود حكومتكم في الأمم المتحدة من أجل القضاء على العدوان ومن أجل رفع راية الحرية"(128) (للاطلاع على نص الكلمة بالكامل يمكن الرجوع إلى الوثيقة رقم 15 بملحق الوثائق)

وفضلا عما سبق، فقد عكس البيان المشترك الذي صدر في ختام الزيارة "مدى الاتفاق التام في وجهات النظر بين البلدين في جميع المسائل"، والذي أُذيع بالتزامن في كل من القاهرة وكابل، ونورد أهما ما جاء فيه على النحو التالي:

-تمسك الجانبين بمبادئ باندونج وميثاق الأمم المتحدة.

-تمسك الجانبين بالحياد الإيجابي ومعارضة التكتلات العسكرية.

-مناشدة العالم تأييد اقتراح دول الحياد لحل مشكلة نزع السلاح.

-الأمل بأن تتحقق لباقي شعوب أفريقيا حريتها واستقلالها لتأخذ مكانها في الكيان الدولي.

-التأييد الكامل لشعب فلسطين حتى يسترد حقوقه كاملة

-استنكار حرب الإبادة التي تشنها فرنسا في الجزائر.(129)

أوجه التعاون المصري الأفغاني:

أفضت الزيارات المتبادلة بين أفغانستان ومصر، خلال هذه الفترة، إلى تعزيز التعاون بينهما وتوقيع عدد من الاتفاقيات، أهمها:

التعاون في المجال الثقافي: يعد التعاون في المجال الثقافي أحد الروافد المهمة التي عززت العلاقات المصرية الأفغانية، ولعبت دورا ملموسا في إذكاء روح التفاهم ومد جسور التواصل الثقافي بينهما. وقد بدأت بوادر هذا التعاون بالزيارة التي قام بها محمد هاشم ميوندوال (130) رئيس المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية بزيارة رسمية للقاهرة في أكتوبر 1954م، بحث خلالها تأسيس مكتب أفغاني للصحافة والإعلام في مصر(131) والذي بدأ نشاطه فعليا عام 1956م، بإصدار مجلة شهرية باللغة العربية تحت عنوان "أفغانستان" فضلا عن نشرتين أسبوعيتين بالعربية والإنجليزية. وفي المقابل، تأسس المكتب الثقافي المصري في كابل(132) والذي تم تزويده بمكتبة ضخمة ضمت أكثر من ثلاثين ألف كتاب، كما كانت تُلقى فيه المحاضرات والبحوث الفنية والعلمية والثقافية. وقد أصدر المكتب الثقافي المصري كتابين أحدهما باللغة الفارسية عن قضية الجزائر وتطورها، والآخر عن مشكلة فلسطين.(133)

وقد عزز البلدان علاقاتهما الثقافية بإبرام اتفاقية ثقافية عام 1955م، وقعها في القاهرة السيد صلاح الدين السلجوقي سفير أفغانستان، نيابة عن الجانب الأفغاني، والدكتور محمود رياض وزير الخارجية نيابة عن الجانب المصري(134) والتي تبادل الجانبان بموجبها المنح الدراسية بين الجامعات والمراكز البحثية في البلدين، حيث ذهب المعلمون والخبراء والمثقفون المصريون إلى كابل، وأسهموا بجهدهم البارز في تربية الكوادر العلمية والفكرية الأفغانية، من أمثال: أحمد فؤاد الأهواني وزكي نجيب محمود، وعزمي إسلام، الذين تركوا تأثيرا ملموسا في قطاع عريض من المثقفين الأفغان، نذكر منهم، على سبيل المثال وليس الحصر، الدكتور محمد موسى شفيق، وزير الخارجة ورئيس الوزراء الأسبق، وغلام سرورهمایون، وعلي محمد زهما، والفقيه القانوني سيد بهاء الدين مجروح وزير العدل الأسبق، ومحمد إسماعيل، وغلام حسن مجددي الذي اضطلع بترجمة كتاب المنطق الوضعي لزكي نجيب محمود (135)

وفي هذا الإطار، يتعين علينا أن نشير أيضا إلى دور الأزهر الشريف في أفغانستان بوصفه مؤسسة دينية شاملة يتمتع خريجوها باحترام وتقدير كبيرين عند الشعب الأفغاني، حيث أوفدت كابل عددا من طلاب كلية الشريعة بجامعة كابل للدراسة في جامعة الأزهر، وهم الذين أصبح من بينهم، فيما بعد، روادا للحركة الإسلامية التي كانت قد بدأت في التنامي في نهاية الستينات من القرن العشرين، نذكر منهم: الدكتور محمد موسى توانا، ووفيّ الله سمیعي، وبرهان الدين ربّاني، وعبد الرحيم نيازي، وعبد رب الرسول سيّاف، وغلام محمد نيازي، وحبيب الرحمن، وصبغة الله مجددي، وعبد الحي حبيبي، الذين مثلوا الرعيل الأول الذي تعلم في جامعة الأزهر الشريف والجامعات المصرية الأخرى واستطاعوا التأثير في المجتمع الأفغاني كله، بما فيهم الكثير من نظرائهم من قادة الجهاد الأفغاني الآخرين من أمثال احمد شاه مسعود وگلبدین حكمتيار.(136) وفضلا عما سبق، فقد استعانت الحكومة الأفغانية بفريق من الخبراء المصريين من معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومينكان بالقاهرة، برئاسة المستشرق "سيرج دو بوركي"(137) لجمع وتصنيف وفهرسة ونشر المخطوطات من المكتبات الحكومية والخاصة ومكتبة جلالة الملك والمتحف القومي ووزارة المعارف(138) كما استعانت أيضا بالمعلمين المصريين في تدريس اللغة العربية بالمدارس الأفغانية، بوصفها لغة مُتممة للغتين البشتونية والفارسية.(139)

التعاون في المجال الاقتصادي: اشتمل هذا التعاون بين مصر وأفغانستان على التوقيع على اتفاقيتين للتعاون في مجال النقل الجوي، وأخرى في مجال التجارة والدفع. فقد تم التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاقية الأولى في القاهرة عام 1960م، ومثل فيها الجنبان المصري والأفغاني مديرا عام مصلحة الطيران المدني في كلا البلدين.(140) بينما تم التوقيع على الاتفاقية الثانية بكابل في نفس العام، حيث وقعها عن الجانب المصري الدكتور محمد بدوي الشيتي وكيل وزارة الاقتصاد، والسيد غلام محمد شيرزاد وزير التجارة عن الجانب الأفغاني. وكانت مصر، بموجب هذه الاتفاقية، تستورد من أفغانستان المواد الأولية والمكسرات والفواكه المجففة والطازجة والجلود والحبوب الزيتية والنباتات الطبية ومختلف أنواع الفراء، والسجاد اليدوي، وفي المقابل استوردت أفغانستان من مصر المواد الصناعية مثل المنتجات البلاستيكية والزجاجية والخزفية، والمواد الغذائية وحروف الطباعة والورق والتبغ والسجائر(141)

ولم ينحصر التعاون بين مصر وأفغانستان على هذه المجالات فقط، بل تعداها إلى تقديم القاهرة دعما مهما في مجال القضاء أيضا، حيث أرسلت عددا من الأساتذة والمستشارين القضائيين إلى أفغانستان للمساهمة في تدريب رجال السلك القضائي وأعضاء النيابة العامة.(142) كما أسهمت بعثة من رجال القضاء المصريين في صياغة الدستور الأفغاني الجديد الذي تم وضعه عام 1964م.(143) وفي المجال العسكري، ثم قام محمد نعيم خان وزير الخارجية أثناء أول زيارة له للقاهرة يوم 21 أكتوبر 1954م، بزيارة بعض المصانع الحربية ومدرسة المظلات المصرية(144) كما قام وفد عسكري أفغاني رفيع المستوى بزيارة القاهرة عام 1960م، برئاسة الجنرال "سيد حسن رئيس" هيئة أركان حرب الجيش الأفغاني. تلبية لدعوة المشير عبد الحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة، والذي قام بزيارة المنشآت العسكرية والمصانع الحربية، وميناء الإسكندرية وقناة السويس. والتقى بهذا الوفد الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر.(145) وقد قدمت مصر بعض المنح للجانب الأفغاني للدراسة بالكلية الحربية وكلية الشرطة. وفي عام 1977م، وقعت أفغانستان اتفاقية تعاون عسكري مع مصر جرى بموجبها تدريب الجيش الأفغاني وقوات الشرطة من قبل القوات المسلحة المصرية(146)

وقد واصل البلدان علاقاتهما الوثيقة، حتى تعرضا لعدد من المتغيرات الداخلية والخارجية التي أفضت إلى تطور دراماتيكي في نمط العلاقة المتميز الذي كان سائدا بينهما، فعلى الجانب المصري تعرضت القاهرة لنكسة قاسية عام 1967م، وعندها وقفت أفغانستان بجانب مصر، مثلما وقفت بجانبها أثناء العدوان الثلاثي عليها عام 1956م، ثم ما لبثت القوات المسلحة المصرية أن حققت نصراً مؤزرا عام 1973م، وعندها شارك الأفغان أيضا إخوانهم المصريين الفرحة، وقدموا الذبائح؛ شكرًا لله على فضله.(147) وعندما انتقل الرئيس عبد الناصر إلى جوار ربه، نعته أفغانستان حكومة وشعبا، ونعاه الملك محمد ظاهر شاه بقوله: "إن الشعب الإسلامي والشعب العربي لن ينسيا أبداً الخدمات الجليلة التي أداها هذا الرجل العظيم"(148)

أما على الجانب الأفغاني، فقد أخذت قوة النظام الملكي في البلاد تتضاءل تدريجيا، منذ نهاية الستينات من القرن العشرين، بسبب تردي الوضع الاقتصادي الذي تأزم بصورة أكبر عندما تعرضت البلاد لموجه جفاف رهيب فيما بين عامي: 1971-1972م، الأمر الذي أفضى إلى حالة من الاحتقان السياسي المتصاعد الناجم عن زيادة مشاعر الإحباط الاجتماعي، وعدم قدرة الدولة على التصدي بجرأة لحل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.(149) حتى قام السردار محمد داود، رئيس الوزراء السابق، بانقلاب سلمي ضد ابن عمه الملك ظاهر شاه، في يوم 17 يوليو 1973م، وذلك أثناء قضاء عطلته في إيطاليا، وألغى النظام الملكي، وأعلن النظام الجمهوري، ونصب نفسه رئيسا لها(150). وقد أعلنت جمهورية مصر العربية اعترافها الرسمي بهذا النظام الجديد يوم 25 يوليو 1973م، وأبلغ وزير خارجيتها، هذا الاعتراف إلى "محمد أكرم" السفير الأفغاني في القاهرة.(151)

وقد قام الرئيس محمد داود خان بزيارة مصر، ضمن جولة شملت السعودية والكويت، يوم 2 أبريل 1978م، في إطار مساعيها الرامية للانفصال تدريجيا عن الاتحاد السوفييتي وتعزيز علاقة بلاده مع العالم العربي ودول الجوار، واستكشاف علاقات أوثق مع الولايات المتحدة الأمريكية. وذلك في ظل أوضاع داخلية كانت تزداد احتقانا يوما بعد يوم، بسبب محاولته السيطرة على نشاط الجماعات اليسارية المعارضة التي كانت مدفوعة من المخابرات السوفييتية، والجماعات اليمينية، التي كانت مدفوعة من المخابرات الأمريكية بواسطة المخابرات الباكستانية.(152)

وقد عكست الكلمتان التي ألقاهما الرئيسان السادات وداود، خلال حفل العشاء الذي أقيم تكريما للرئيس الأفغاني بقصر عابدين، مساء يوم 6 أبريل، مدى التوافق التام في المواقف بين القاهرة وكابل؛ فقد استهل الرئيس السادات كلمته بوصف الرئيس محمد داود "بصديق حميم" الذي "تربطنا به وبشعبه أوثق الوشائج التي تقوم على وحدة الرؤية، والإيمان المشترك بالرسالة الخالدة التي يحملها الإنسان في سبيل إيجاد عالم أفضل، يسوده العدل والخير والسلام". ثم أكد فيها أيضا على أن لأفغانستان "في فؤاد كل مصري تقدير بالغ ومنزلة خاصة". وأعرب عن اعتزازه "بأن أبناء الشعب الأفغاني الشقيق يختارون مصر منهلا للعلم، ويتخذون من الأزهر الشريف والجامعات المصرية موردا للمعرفة، ومركزاً للتحصيل والبحث"(153) كما عبر صراحة عن موقفه الداعم للرئيس محمد داود؛ إزاء تصاعد الاحتقان الداخلي والضغوط التي كانت تمارسها موسكو على بلاده، بقوله: "إننا نتابع بكل التقدير والإعجاب سياستكم الوطنية الحكيمة التي ترسون دعائمها علي أسس راسخة من استقلال الإرادة الوطنية والاعتزاز بأصالة الفكر والعقيدة ... ورفض الارتباط والتبعية، وعدم الدخول في مناطق النفوذ، والحرص على الانتماء لعدم الانحياز فلسفة وسياسة ومنهجا". ثم أعرب السادات عن ارتياحه للبرنامج الإصلاحي الذي كانت تقوم بتنفيذه حكومة كابل، بقوله: إننا "ننظر بالارتياح إلى الجهود التي تبذلونها في سبيل تحقيق معدلات أعلي للنمو، ودفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية، من أجل رفاهية الشعب ورخائه، وتأمين مستقبل أبنائه".(154)

ومن ناحية أخرى، أشاد الرئيس السادات أيضا بموقف أفغانستان المساند والمؤيد لمبادرة السلام التي طرحها لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وبدأها بزيارة القدس عام 1977م، حيث وجه كلامه للرئيس داود، قائلا: "أيها الأخ والصديق العزيز: إننا نسجل لكم بالتقدير والعرفان وقوفكم المبدئي إلي جانب الحق والعدل وتأييدكم التام لحق الشعوب العربية في استرجاع أرضها المحتلة واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير والعودة، وإقامة كيانه الوطني على أرضه"... "وأود أن أكرر -في هذا المقام -إننا لا يمكن أن نقبل أي تسوية للمشكلة ما لم تكن قائمة على انسحاب إسرائيل انسحابا شاملا من جميع الأراضي العربية المحتلة دون استثناء وتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني".(155) (للاطلاع على النص الكامل لكلمة الرئيس السادات يمكن الرجوع إلى الوثيقة رقم 16 بملحق الوثائق)

وفي المقابل، أشاد الرئيس محمد داود، خلال الكلمة التي ألقاها في الحفل المذكور، بشجاعة الرئيس أنور السادات في الذهاب الى القدس، ولكنه حذر من أي خطوة يمكن أن تعرض التضامن العربي للخطر أو العلاقات الودية بين مصر وأفغانستان بشكل مفاجئ. وأكد في نفس الوقت دعم بلاده للقاهرة في المحافل الدولية، والمطالبة بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني(156). غير أنه لم تمض أيام قلائل على زيارة الرئيس محمد داود للقاهرة، حتى بدأت أفغانستان تشهد سلسلة من أخطر الأحداث في تاريخها الحديث والمعاصر، والتي بدأت بوقوع انقلاب دموي عنيف، بزعامة أحد قادة حزب الشعب الديمقراطي، الشيوعي يوم 27 أبريل 1978م، وراح ضحيته محمد داود وأفراد أسرته؛ ليسيطر الشيوعيون على حكم البلاد، برئاسة "نور محمد تره كي"(157) الذي أسفرت سياسته القمعية وإصلاحاته التعسفية(158) عن تصاعد وتيرة السخط في المجتمع أكثر من أي وقت مضى، وانقسام حاد بين جناحي الحزب الديمقراطي، الأمر الذي أدى في النهاية إلى إطاحة نور محمد تره كي وإجباره على التنازل عن الحكم يوم 16 سبتمبر 1979م، ليتولى الحكم من بعده "حفيظ الله أمين"، الذي ما لبث أن قُتل أيضا في انقلاب دموي أعنف في يوم 27 ديسمبر 1979م، بزعامة الشيوعي "ببرك كارمل" الذي دخل كابل في حماية القوات السوفييتية، التي بدأت بدورها غزوا عسكريا عنيفا لأفغانستان؛ أدخل البلاد في دوامة صراع مأساوي لم تنته أبعاده منذ ذلك الحين حتى وقتنا الراهن(159).

موقف مصر من تطور الأوضاع في أفغانستان:

كانت مصر أول دولة في العالم العربي والإسلامي تتحرك وتعلن موقفها الواضح من التطور المأساوي للأوضاع في أفغانستان منذ بدايتها. وستظل جميع المواقف التي اتخذتها القاهرة من هذه التطورات شاهدة، حتى اليوم، على متانة العروة الوثقى التي كانت تربطها بكابل ولا تزال. فكما استنفرت كابل المجتمع الأفغاني لمساندة الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، ودعته للتبرع لإخوانهم المصريين، وأيدت حقها المشروع في تأميم قناتها، وقادت تحركا قويا في المحافل الدولية لإدانة هذا العدوان والمطالبة بتعويض المعتدين عن الأضرار التي لحقت بمصر جراءه؛ استنفرت القاهرة، في المقابل، المجتمع المصري لمساندة الشعب الأفغاني ضد العدوان السوفييتي، والتبرع لمساندة إخوانهم الأفغان، وساندت المجاهدين الأفغان في حقهم المشروع في الدفاع عن كيان بلادهم وهويتها الإسلامية، وقادت تحركا ديبلوماسيا قويا في المحافل الدولية لإدانة هذا الغزو والعمل على إنهائه تماما.

لقد استنفرت القاهرة، جميع مؤسساتها للتعامل بقوة مع جميع مستجدات الموقف في أفغانستان على جميع المستويات. وقد اتسم رد فعل مصر بالسرعة والقوة إزائها؛ فقبل وقوع الانقلاب الشيوعي الأخير، وكانت نذر الغزو السوفييتي لأفغانستان وشيكة، سيما بعد أن أرسلت موسكو كتيبة مظليين إلى كابل في أوائل يوليو من نفس عام 1979م، أصدر مجلس الشعب المصري بيانا يوم 20 ديسمبر 1979م، أي قبيل أسبوع من التدخل السوفييتي في أفغانستان ووقوع الانقلاب الشيوعي بزعامة ببرك كارمل، استنكر فيه هذا العدوان.(160) ثم أصدر في اليوم التالي بيانا ناشد فيه برلمانات دول العالم بسرعة التحرك لمساندة الشعب الأفغاني في نضاله الرامي لوقف التدخل السوفييتي(161). كما عقد جلسة خاصة يوم 31 ديسمبر، عبر خلالها عن قلقه الشديد من تفاقم الأوضاع في أفغانستان، وكرر رفضه للتدخل السوفييتي في أفغانستان.(162) إذ لم تمض ساعات قليلة على إعلان راديو كابل وقوع الانقلاب الذي أطاح بحفيظ الله أمين، وتولي ببرك كارمل رئاسة أفغانستان، عندما صرح مصدر مصري مسئول للأهرام، عصر يوم 27 ديسمبر، بأن موقف مصر الثابت هو موقف المعارضة التامة لكل تدخل أجنبي في أي حركة وطنية، بالإضافة إلى موقفها الثابت في تأييد شعب أفغانستان الذي يكافح قوى الإلحاد المُدْعمة بتأييد خارجي"(163) وفي صباح اليوم التالي الموافق: 28 ديسمبر، أصدرت وزارة الخارجية بيانا رسميا، جاء نصه:

"تدين جمهورية مصر العربية بكل قوة وحزم التدخل العسكري السوفييتي في أفغانستان، الذي تعتبره خرقا صارخا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، التي تتعهد بعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، وأية محاولة جديدة لفرض نظام ماركس على شعب أفغانستان بهدف القضاء على هويته وشخصيته الإسلامية الأصيلة، وهو أمر لا تستطيع مصر السكوت عليه انطلاقا من مسئوليتها الخاصة تجاه الأمة الإسلامية، كما ترى فيه مصر محاولة لإضعاف حركة عدم الانحياز عن طرق سلخ أفغانستان عنها وإدخالها في المُعسكر السوفييتي"(164)

ثم قام الدكتور بطرس غالي وزير الدولة للشئون الخارجية، ظهر نفس اليوم باستدعاء السفير السوفييتي بالقاهرة "فلاديمير بوكولياكوف" رسميا، وطلب منه إبلاغ حكومته بأن القاهرة تدين التدخل السوفييتي في أفغانستان، وترفض سياسة الهيمنة السوفييتية على مصالح الدول الصغيرة. كما أعرب عن رفضه لتفسير السفير السوفييتي القائم على أن تدخل بلادة جاء بناء على طلب من حكومة كابل، وأنه استند إلى الاتفاقية التي وُقعت بين البلدين؛ حيث أكد له بطرس غالي أن رفض مصر لهذه التفسيرات السوفييتية، يقوم على الأسس التالية:

أ‌- أن هذا التدخل يُعد خرقا لميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول.

ب‌- أن هذا التدخل هو محاولة لفرض النظام الماركسي على شعب أفغانستان؛ ولذلك فإن مصر تدين التدخل انطلاقا من مسئوليتها تجاه الدول الإسلامية الشقيقة.

ت‌- أن هذا التدخل هو محاولة لإضعاف حركة عدم الانحياز(165).

ومن ناحية أخرى، أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بيانا، بتاريخ 19 ديسمبر، أدان فيه العدوان السوفييتي على أفغانستان، مؤكدا على أن الاعتداء على إحدى الدول الإسلامية يتطلب موقفا إسلاميا موحداً لمجابهته، ومن ثم ناشد المسلمين بالوقوف لمساندة الثوار الأفغان في نضالهم العادل، كما دعا إلى عقد مؤتمر لجميع الدول الإسلامية لبحث الموقف المتدهور في أفغانستان لتأييد ونُصرة شعبه الشقيق.(166) كما دعا الشيخ جاد الحق على جاد الحق، مفتي الديار المصرية المسلمين، يوم 29 ديسمبر، سائر الأقطار إلى المسارعة بنجدة مسلمي أفغانستان الذين يدافعون عن دينهم وأنفسهم وبلادهم، ويدافعون عن باقي البلاد الإسلامية شرور الشيوعية... وطالب المسلمين أن يهبوا يداً واحدة لنجدة إخوانهم المسلمين في أفغانستان الذين يتعرضون للإبادة ... وذلك بتوفير وسائل الدفاع والحماية لهؤلاء المدافعين عن بلادهم، ومدهم بما يحتاجونه من سلاح وعتاد وأموال ومقاتلين ..اقتداء بتعاليم الإسلام التي جاءت في قوله تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وفي قول الرسول "مَثلُ المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"(167) أما الأزهر الشريف، فقد استنكر بدوره أيضا العدوان السوفييتي الوحشي على شعب أفغانستان، يوم 9 يناير 1980م، في بيان قوي حذر فيه أيضا الشعوب من أبعاد المد الشيوعي وأخطاره التي تُهدد الدول الإسلامية. كما وجه الدعوة لملوك ورؤساء الدول الإسلامية لعقد اجتماع لاتخاذ موقف حاسم وموحد في مواجهة خطر الغزو السوفييتي الإلحادي. وأكد بيان الأزهر على أن الاتحاد السوفييتي حين يهاجم أفغانستان ويحاول إخضاعها لسيطرته وإرغامها على السير في فلكه، إنما يهاجم المسلمين جميعا في عقيدتهم وعزتهم وكرامتهم ومقدساتهم؛ فالمسلمون أمة واحدة وجسد واحد إذا أُصيب منه عضو تعرض الجسد كله للدمار.(168)

ومن جانبه، عقد المكتب السياسي للحزب الوطني الديمقراطي اجتماعا طارئ برئاسة الرئيس محمد أنور السادات، في أسوان يوم 6 يناير عام 1980م، لمناقشة إجراءات مواجهة الغزو السوفييتي الغاشم لأفغانستان، بوصفه حلقة أولى في مخطط السوفييت الأوسع لاحتواء العالم الإسلامي، وهو الأمر الذي لم يكن خافيا يوما على مصر، لأنها سبق وأدركت أبعاده مبكرا وسارعت بإلغاء المعاهدة المصرية السوفييتية، ثم قامت بطرد الخبراء السوفييت في اللحظة المناسبة. ومن ثم دعا المكتب السياسي إلى عقد مؤتمر قمة للدول الإسلامي لبحث هذا العدوان، كما ناشد كل مسلم في العالم أن يترفع فوق الخلاف والاختلاف ليتجه بجهده الموحد انتصارا لدين الله في هذا البلد الشقيق، قبل أن يفوت الوقت وتسقط أفغانستان المسلمة في براثن الشيوعية الدولية. ثم أصدر عدة قرارات وتوصيات مهمة، أهمها:

1- دعم جهود الأزهر الشريف لمواصلة دوره التاريخي نحو حماية العقيدة والدفاع عنها.

2- تنسيق جهود الاتحادات والنقابات المهنية والعمالية المصرية، مع أمانة الحزب الوطني في عقد الندوات الجماهيرية لتبصير المواطنين بأبعاد المخطط السوفييتي، وتنسيق الجهود الحزبية والشعبية كافة لتحديد الخطوات التي ينبغي اتخاذها لمساندة شعب مسلم يواجه إبادة جماعية من قوى وحشية تغتال حريته وتُهدد عقيدته.

3- إلغاء العلاقات السياسية على كل المستويات بين مصر واليمن الجنوبي وسوريا؛ لتأييدهما العدوان على أفغانستان.

4- الترحيب بخفض عدد أفراد البعثة السياسية والدبلوماسية للاتحاد السوفييتي في مصر.

5- تقديم التسهيلات للشباب الأفغاني من أجل التدريب العسكري

6- أن تدرس الحكومة اقتراح إنشاء جامعة الشعوب العربية والإسلامية.(169)

وفي هذا السياق، ناقش مجلس الشعب يوم 13 يناير قضية العدوان السوفييتي على أفغانستان الشقيقة، وحث الحكومة على تقديم كل الدعم والمساندة للثوار الأفغان في نضالهم، وأن تندد بالعدوان في جميع المحافل الدولية.(170)

أما على مستوى الدولي، فكانت تحركات مصر قوية ومتزامنة أيضا مع توجهاتها الداخلية السالفة الذكر؛ فقد كانت واحدة من بين ثلاث وخمسين دولة في العالم(171) طالبت بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث الموقف في أفغانستان، والتي انعقدت يوم 5 يناير 1980م، وانتهت، بعد مناقشات استمرت ثلاثة أيام، باستخدام الاتحاد السوفييتي حق الفيتو. وقد أدان خلالها الدكتور عصمت عبد المجيد مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة بقوة، الغزو السوفييتي لأفغانستان؛ مبديا استغرابه من تناقض موسكو بهذا التدخل مع مواقفها السابقة، وكيف تغزو قواتها بلداً آخراً؛ وهي التي سبق أن تقدم وفدها إلى الأمم المتحدة بتاريخ 23/8/1978م، بمشروع اتفاقية تنص في أول قراراتها على أن: "تتعهد الأطراف المتعاقدة أن تلتزم بشدة بعدم استخدام القوة أو التهديد بالقوة في مجال العلاقات المتبادلة، ضد وحدة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو بأي شكل يتعارض وأغراض الأمم المتحدة"، ثم أليست هي التي تقدمت أيضا بمبادرة، أثناء الدورة العادية العشرين للجمعية العامة، وتمت الموافقة عليه في قرارها رقم 2131، حينما أدرج مندوبها بنداً نص على: "أنه ليس لأي دولة الحق في التدخل بصورة مباشرة وغير مباشرة ولأي سبب كان في الشئون الداخلية أو الخارجية لأية دولة أخرى"(172). وقد استطرد الدكتور عبد المجيد قائلا: "مما يدعو للأسف أننا نجد أنفسنا مضطرين لأن نقرر أن الغزو السوفييتي لدولة أفغانستان الشقيقة ليس إلا مظهراً من مظاهر سياسة الهيمنة في هذه المنطقة الحساسة من العالم"، و"إننا نعتقد أن المجتمع الدولي والدول الإسلامية الخمسين بصفة خاصة عليها أن تعبئ كل الجهد للوقوف خلف النضال المشروع للشعب الأفغاني"؛ لأن "محاولة فرض نظام حكم ماركسي على شعب أفغانستان بهدف تدمير الشخصية القومية لهذا الشعب وكيانه الإسلامي الخالص، هي مسألة لا تستطيع مصر التغاضي عنها بحكم مسئوليتها الإسلامية". وبناء عليه، طالب عبد المجيد في ختام كلمته الأمم المتحدة بأن تتخذ الإجراءات الضرورية التي تتضمن مطالب مصر في هذا الشأن، وهي:

1- "الانسحاب الفوري والتام وغير المشروط للقوات المسلحة السوفييتية من أفغانستان".

2- "يتحتم على الاتحاد السوفييتي أن ينهي تدخله في الشئون الداخلية في أفغانستان".

3- "ينبغي احترام حق شعب أفغانستان السيادي في تقرير مستقبله واختيار نظامه الاجتماعي والاقتصادي الذي يراه بعيدا عن التدخل الأجنبي"(173)

وفي اليوم التالي، 6 يناير، وصل محمد حسني مبارك نائب رئيس الجمهورية إلى العاصمة الصينية بكين، فبحث مع رئيس الحزب الشيوعي الصيني "هوا كو فينج" أبعاد خطورة الغزو السوفييتي لأفغانستان، وقد عزا مبارك أهمية زيارته لبكين ومباحثاته في مع قادة الصين "إلى توقيت إتمامها، وأن هذه المباحثات تناولت تحليلا كاملا لتطورات الأحداث الراهنة وبالذات بالنسبة للشرق الأوسط والعدوان السوفييتي على أفغانستان".(174) كما أجرت القاهرة في نفس الوقت اتصالات رسمية مكثفة مع سفراء دول عدم الانحياز بالقاهرة وفي مقدمتهم السفير اليوغسلافي والهندي لبحث مسألة هذا الغزو.(175)

أما عن موقف الرئيس السادات نفسه، فيمكن القول إنه قد أكد في جميع خطبه وتصريحاته المختلفة، منذ بداية غزو أفغانستان، وحتى آخر يوم في حياته 6 أكتوبر 1981م، إدانته الكاملة للاتحاد السوفييتي ومساندته التامة للشعب الأفغاني والمجاهدين الأفغان، بل إنه أدان الحكومات الإسلامية الأخرى لتقاعسها عن القيام بواجبها تجاه المجاهدين الأفغان(176) وكم أعلن السادات في أكثر من مناسبة أنه سوف يقدم كل مساعدة ممكنة للمجاهدين الأفغان، لأن "كل شيء في أيدينا .. أسلحة .. أموال .. كل شيء.. كل مساعدة ممكنة يجب أن نقدمها لهم"، وأن "مصر سترسل مزيدا من السلاح والمال لدعم نضال الشعب المسلم في أفغانستان"(177) "وأقولها لكي تسمعها موسكو سوف نستمر في إرسال السلاح إلى ثوار أفغانستان حتى يدافعوا عن استقلالهم ويحرروا وطنهم"(178) "وإنه من منطلق مسئولية مصر عبر التاريخ سنعطي، بقدر الإمكان، كل ما يحتاجه الأفغانيون ... من الغطاء والطعام والملابس". كما أكد في مناسبة أخرى على أن "مصر ستظل بعون الله درعا لكل عربي، درعا لكل مسلم. وسنشارك شعب أفغانستان بكل ما نملك وهو قليل وسنشارك شعب أفغانستان اللقمة وسوف نبعث له السلاح (179)

وبعد مرور عام على الغزو السوفييتي، أعلنت مصر يوم السابع عشر من ديسمبر يوما للتضامن المصري مع شعب أفغانستان لتنظيم وسائل دعم المجاهدين، الذي حضره وفد كبير من قادة الثوار الأفغان للمشاركة في أعمال مؤتمره (180) الذي عقد يوم 23 ديسمبر 1980م، ومكث أعضاؤه في مصر خمسة عشر يوما زاروا خلالها الإسكندرية، وعقدوا لقاءات سياسية هناك يوم 25 ديسمبر، ثم استقبلهم الرئيس السادات في بيته بقرية "ميت أبو الكوم" وصلى معهم الجمعة هناك ونصحهم بضرورة تشكيل حكومة مؤقتة للمجاهدين بأسرع ما يمكن.(181) كما التقوا أيضا عددا من الشخصيات المهمة مثل رئيس مجلس الشعب ورئيس حزب العمل الاشتراكي وبعض النواب ورئيس الوزراء. ثم حضروا جلسة مجلس الشعب التي عقدت يوم 15 يناير، واستمعوا إلى مدى مساندة أعضاء المجلس للشعب الأفغاني(182) وقد عبر الدكتور فؤاد محي الدين نائب رئيس الوزراء خلال الجلسة عن موقف حكومته، قائلا: "إن الشعب الأفغاني شعب تنحني له الرؤوس والجباه وهو يتصدى للجنود العتاة من الاتحاد السوفييتي ... وقد كان صوت مصر عاليا خفّاقا مع أفغانستان في جميع المحافل الدولية ... وباسم شعب مصر وحكومته نؤكد استمرارنا على نفس النهج والطريق حتى يحقق الشعب الأفغاني نصره الكامل وتُرفع راية الإسلام كما كانت على أرضه عالية خفاقة؛ وذلك لأن الأفغان لهم فضل عظيم على شعبنا لن ننساه ونحن معكم حتى النصر". وفي المقابل، ألقى صبغة الله مجددي زعيم الجبهة الوطنية الأفغانية كلمة أمام مجلس الشعب، فشكر فيها النواب وشكر مصر حكومة وشعبا على مساندتها لهم، مؤكدا على أن المساندة الحقيقية وجدوها في مصر.(183)

وقد أصدر شيخ الأزهر، خلال مؤتمر التضامن مع الشعب الأفغاني فتوى مفادها أن كل مسلم يتعاون مع الروس على أرض أفغانستان المسلمة فهو على درجة من الخيانة لدينه بمقدار تعاونه معهم، وأن كل حكومة تقوم هناك تمُكّن لأّقدام الروس في أرض أفغانستان هي حكومة غير شرعية(184)

وهكذا استمر الموقف المصري المؤيد والمساند للمجاهدين الأفغان، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك على جميع المستويات السياسية والمعنوية، كما قدمت مصر مساعدات إنسانية كبيرة للمهاجرين الأفغان في مدينة بيشاور، وقامت بعلاج عدد من جرحى المجاهدين في مستشفيات الهلال الأحمر المصري بالقاهرة وطنطا. وظلت تساند القضية الأفغانية في المحافل الدولية وتدعو لانسحاب القوات الروسية من أفغانستان، حتى بدأ يتحقق فعليا يوم 15 مايو 1988م، واكتمل تماما يوم 15 فبراير 1989م، وبالتالي كانت مصر من أوائل الدول التي اعترفت بقيام حكومة المجاهدين برئاسة صبغة الله مجددي ومن بعده برهان الدين رباني، ومن ثم وافقت على إعادة العلاقات السياسية مع كابل، بعد مضي عشر سنوات من قطع العلاقات بين البلدين على قادة الانقلاب الشيوعي بزعامة ببرك كارمل.(185)

 

الخاتمة

 

توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج والتوصيات، نسوقها على النحو التالي:

أولًا: النتائج

-ساندت أفغانستان مصر في توجهاتها الداخلية والخارجية طيلة فترة الدراسة، فقد اعترفت باستقلالها عام 1923م، مساندتها في إلغاء معاهدة 1936م، ورحبت بقيام الجامعة العربية بزعامة مصر، واعترفت بثورة يوليو 1952م، وقيام النظام الجمهوري، وفي قرار تأميم القناة عام 1956م، وأثناء العدوان الثلاثي، وآزرتها أثناء وقوع نكسة 1967م، وشاركتها فرحة نصر أكتوبر المجيد عام 1973م، ورحبت بمبادرة الرئيس السادات الجريئة بزيارة القدس عام 1979م، لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.

- رفضت أفغانستان رفضا باتا الاعتراف بإسرائيل، على عكس إيران التي بادرت بالاعتراف الواقعي بها عام 1960م

-آمنت مصر وأفغانستان بمجموعة من المبادئ السياسية المشتركة، التي جسدت في مجملها دوافع كلا البلدين نحو توثيق علاقات التعاون وتنسيق المواقف السياسية فيما بينهما، وزيادة النشاط الدبلوماسي المتبادل بينهما

-ساندت أفغانستان القضايا والحقوق العربية على طول الخط؛ فقد ساندت القضية الفلسطينية وثورة التحرير الجزائرية، واعترفت باستقلال جميع الدول العربية.

-مثلت أفغانستان، بالنسبة لمصر، مدخلا بديلا لآسيا الوسطى عن إيران وتركيا اللتين ناصبتا القاهرة العداء بسبب رفضها حلف بغداد.

-مثلت أفغانستان، محور ارتكاز مصري لمنع إسرائيل من التسلل إلى آسيا.

-أجرى البلدان، فيما بين عامي 1954 و1978م، أكثر من إحدى عشرة زيارة علنية متبادلة بين المسئولين على اختلاف مستوياتهم، كان نصيب أفغانستان منها تسع زيارات رسمية باتجاه القاهرة، ناهيك عن الوفود الأفغانية المتنوعة التي زارت القاهرة.

-كان الملك أمان الله خان، أول ملك أفغاني يقوم بزيارة رسمية لمصر في التاريخ الحديث والمعاصر، عام 1927م وكانت زيارة الرئيس محمد داود خان آخر زيارة لرئيس أفغاني لمصر، خلال فترة الدراسة، عام 1978م

-كان الرئيس جمال عبد الناصر أول زعيم عربي يقوم بزيارة لأفغانستان في التاريخ الحديث والمعاصر، يوم 30 أبريل عام 1955م، وحظي خلالها باستقبال وحفاوة رسمية وشعبية رائعة

-كانت معاهدة الصداقة التي أبرمتها مصر وأفغانستان عام 1929م، أول معاهدة رسمية في تاريخ العلاقات بين البلدين.

-أبرمت مصر وأفغانستان أربع اتفاقيات، خلال فترة الدراسة، بدأت بالاتفاقية الثقافية عام 1955م، واتفاقية النقل الجوي، واتفاقية التجارة والدفع عام 1960م، وانتهت باتفاقية تعاون عسكري عام 1978م.

-كانت مصر أول دولة في العالمين العربي والإسلامي تتحرك وتعلن موقفها المندد والرافض للغزو السوفييتي ووقوع الانقلاب الشيوعي في أفغانستان في 27 ديسمبر 1979م.

-استنفرت القاهرة المجتمع المصري بأكمله لمساندة الشعب الأفغاني ضد العدوان السوفييتي، وناشدته التبرع لمساندة إخوانهم الأفغان، وقدمت كل ما في وسعها لمساندة المجاهدين الأفغان في ممارسة حقها المشروع في الدفاع عن كيانها وهويتها الإسلامية، وقادت تحركا قويا في المحافل الدولية لإدانة هذا الغزو ودعم النضال الأفغاني ضد الغزو.

-استمر الموقف المصري المؤيد والمساند للمجاهدين الأفغان، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك على جميع المستويات السياسية والمعنوية، كما قدمت مساعدات إنسانية للمهاجرين الأفغان في بيشاور وقامت بعلاج عدد من جرحاهم في مستشفيات الهلال الأحمر المصري بالقاهرة وطنطا، وظلت تساند القضية الأفغانية في المحافل الدولية وتدعو لانسحاب القوات الروسية من أفغانستان، حتى بدأ فعليا يوم 15 مايو 1988م، واكتمل تماما يوم 15 فبراير 1989م،

-كانت مصر من أوائل الدول التي اعترفت بقيام حكومة المجاهدين في أفغانستان برئاسة صبغة الله مجددي ومن بعده برهان الدين رباني، ووافقت على إعادة العلاقات السياسية مع كابل رغم أنها رفضت طلبات متكررة من الرئيس نجيب الله.

-تمتع الأزهر الشريف بمكانة موقرة في أفغانستان بوصفه المؤسسة الدينية الشاملة التي يتمتع خريجوها باحترام وتقدير كبيرين عند الشعب الأفغاني، وأصبحوا فيما بعد روادا للحركة الإسلامية في المجتمع الأفغاني والجهاد في ساحات القتال الذي أجبر القوات السوفييتية الغازية على الانسحاب من بلادهم.

ثانيًا: التوصيات

-زيادة التنسيق والتعاون بين البلدين الذي يمكن أن يزيد من مكاسبهما إزاء النظام الدولي الراهن.

-على مصر البحث عن صيغة أو منظومة جديدة لعلاقاتها، التي تمكنها من مواجهة التحديات والتعقيدات التي تواجهها المنطقة.

-تعظيم المصالح المشتركة سياسيا وثقافيا واقتصاديا بين القاهرة وكابل سوف يكون من العوامل المؤثرة على علاقات التقارب بين مصر وأفغانستان، ويعزز دور مصر في آسيا الوسطى على جميع المستويات.

-يتعين على مصر، بما لها من ريادة إسلامية منشودة، أن تعيد صياغة الواقع الثقافي الأفغاني بما يجعلها نموذجا مكملا لدورها المناظر في دول آسيا الوسطى.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.