مقدمة
تاريخ السياسـة الخارجية الإيرانيـة يقول أن لها مناطق اهتمام ذات أولوية، تبدأ بالجوار لتصل إلى مناطق أخرى أبعد، منها الوجود الإيـراني في القـارة الإفريقيـة، وبالرغم من أن ملف السياسة الخارجية في إيران هو ملف سيادي بالأساس، يضع خطوطه العريضة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، فإنه لا يمكن توقع حدوث تغير دراماتيكي في سياسة إيران الخارجية، لاسيما مع الخلفية المتشددة للرئيس إبراهيم رئيسي، والتي على الأرجح سيغلب عليها الشعارات الأيديولوجية، فيما ستظل البراغماتية والمصلحة الإيرانية حاضرة، بل وغالبة في تسوية ملفات السياسة الخارجية كافة.
المشكلة التي سيجري تناولها تتمثل في مساءلة مدى مواصلة السياسة الخارجية الإيرانية في عهد رئيسي في الاهتمام الخاص بإفريقيا، بعد فترة من تراجع الاهتمام الإيراني بها في عهد الرئيس السابق حسن روحاني، ومواصلة توسيع نطاق نفوذ إيران في القارة، خاصة منطقة ساحل شرق إفريقيا، والقرن الأفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي ترجو إيران من خلالها التأثير في حركة الملاحة في البحر الأحمر، ونقل الأسلحة إلى ميليشيا الحوثي في اليمن، وإلى دول أخرى، ووراثة النفوذ الأمريكي الآخذ في التراجع.
يهدف هذا البحث من خلال منهج وصفي، واسلوبا يعتمد بعضا من مدارس نظريات العلاقات الدولية مثل النظرية الواقعية الهجومية والنظرية ما بعد الاستعمارية للتعرف على نظرة السياسة الخارجية الإيرانية لإفريقيا في عهد رئيسي، وإلى أي مدى ستسير في الخط المرسوم لها في ظل تراجع النفوذ الأمريكي عن القارة، وهل سيخدم رئيسي الوجود الإيراني في إفريقيا ويعظمه ليستخدمه كورقة ضغط في مفاوضات إيران مع القوى الدولية، أم يغرق في حل مشاكله مع الجوار، وإلى مدى ستفلح إيران في توظيف تراجع الدور الإقليمي العربي في إفريقيا.
مدخل نظري
أختار الباحث أن يعالج موضوعه بمنظور الواقعية لأن تركيز النظرية الواقعية في العلاقات الدولية ينصب على دراسة النظام السياسي، لا الوحدات المكونة لهذا النظام، على افتراض أن هذه الوحدات تتصرف وفق ما تمليه عليها طبيعة النظام الذي تمارس فيه سيادتها من خلال القواعد التي يفرضها، وبذلك لا يكون لطبيعة النظام الداخلي للدولة سواء أكان ديمقراطياً أم ثيوقراطياً أم ديكتاتوريّاً أثراً كبيراً في سياسة الدولة الخارجية، وبذلك يمكن التنبؤ بسلوك دولة ما بالنظر إلى موقعها في هذا النظام على ما يقرره كينيث والتز .
يعتمد البحث النظرية الواقعية في العلاقات الدولية بمنظور "جون رورك" الذي يرى بشكل عام أن القوة تخلق الحق، أو على أقلِّ تقدير تضمن النجاح . والواقعية في نسختها الجديدة تُقسم من حيث حجم القوة التي يفترض بالدولة حيازتها إلى قسمين: الواقعية الهجومية (Offensive Realism)، والواقعية الدفاعية (Defensive Realism)، ويناسب هذا البحث منظور الواقعية الهجومية لـ"ميرشايمر" الذي يدعو الدولةَ إلى امتلاك أكبر قدر من القوة، والسعي لفرض الهيمنة إذا كان ذلك في متناول يدها . وقد يؤدي توحيد السياسة الخارجية الإيرانية خلال المرحلة المقبلة من عهدة رئيسي، وإنهاء الثنائية، لتعزيز "التوجه الهجومي" الذي باتت تسلكه إيران في جميع الملفات الخارجية .
يجادل مختصون أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ينتمي إلى المدرسة الإقليمية في السياسة الخارجية الإيرانية، وهي مدرسة تضع المستوى الإقليمي كنقطة انطلاق لمعالجة قضايا السياسة الخارجية الإيرانية، بخلاف مقاربة الرئيس السابق حسن روحاني، المنتمي إلى المدرسة الدولية في السياسة الخارجية الإيرانية، التي تؤمن بحل المشاكل أولاً مع القوى الكبرى والولايات المتحدة، ليتداعى ذلك إيجابا على مشاكل إيران في علاقاتها الإقليمية. ولذا كان رئيسي وأنصار المدرسة الإقليمية يوجهون سهام نقدهم لمقاربة الحكومة السابقة، باعتبارها تُضعف موقف إيران أمام القوى الكبرى بسبب مشاكلها الإقليمية، وحسب المنتمين لهذا الاتجاه، فـإن حل القضايا الإقليمية مع الجيران والمنافسين الإقليميين، يرفع کفّة البلاد في التعاطي مع الدول الغربية، حيث يرى رئيسي وفريقه في السياسة الخارجية في البوابة الإقليمية النافذة الأمثل لمعالجة الخلافات الخارجية، بالتزامن مع زيادة مصادر القوة للجمهورية أمام القوى الكبرى .
السياسة الخارجية الإيرانية.. الصناعة والمسار
الدخول في تلافيف طبيعة النظام السياسي الإيراني ينبىء أنها تقوم على مبدأ " البراءة والموالاة" وهو مبدأ ينبني على نبذ ما تطلق عليه إيران (الاستكبار) ومعاداته ومواجهته من ناحية أخرى، وموالاة المستضعفين على مستوى العالم وتقديم الدعم لهم، وهذا المبدأ دون شك يؤدي للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتغلغل داخلها والتحالف مع قوى سياسية داخلية، والدخول في صدامات مع قوى دولية وإقليمية . وهو ما يعني أن السياسة الخارجية الإيرانية تختلف عن نظيراتها في العالم بهذا المبدأ وتوابعه.
بعيداً عن مبدأ "الأمن القومي" المعروف فإن المصالح الوطنية تتمتع بدور مركزي في رسم معالم السياسة الخارجية الإيرانية، وبناء على ذلك يرى المجلس الاستشاري للسياسة الخارجية الإيراني أنه يجب استخدام الدبلوماسية الاقتصادية لا بوصفها مجرد جهاز من أجهزة البنية الهيكلية الإدارية وإنما باعتبارها منسِّقاً عاماً للعناصر الاقتصادية المؤثرة في العلاقات الإيرانية مع الأطراف المختلفة، يتم في ضوئها إعادة رسم الأولويات في العلاقات الثنائية بين إيران والبلدان الأخرى، كما يتم في ضوئها رسم أولويات الانضمام إلى التكتلات الدولية. ومن المفترض أن يكون نائب رئيس الجمهورية مُشرفاً على تطبيق الدبلوماسية الاقتصادية في حلتها الجديدة الشاملة .
والرئيس الإيراني ليس وحده هو صانع القرار في السياسة الخارجية ؛ فمنصب الرئيس الإيراني أشبه بمنصب رئيس الوزراء، ولذا فالسياسة الخارجية، من مهام أطراف أخرى في مقدمها المجلس الأعلى للأمن القومي، وهو الجهة المنوط بها تنسيق وتيسير عملية صنع القرارات بشأن الأمن والسياسة الخارجية وفقاً للدستور، حيث يمثل المجلس تطويراً لـ"مجلس الدفاع الأعلى الوطني" في دستور 1979، وبعد تعديل الدستور عام 1989 نصت المادة (176) منه على صلاحيات "المجلس الأعلى للأمن القومي"، والتي تتمثل في :
1- تعيين السياسات الدفاعية والأمنية للبلاد في إطار السياسات العامة التي يحددها المرشد.
2- تنسيق برامج الدولة في المجالات المتعلقة بالسياسة وجمع تقارير الاستخبارات، وتطوير الأنشطة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ذات العلاقة بالخطط (الدفاعية – الأمنية).
3- الاستفادة من الموارد المادية والفكرية لإيران لمواجهة التهديدات.
4- يتولى رئيس الجمهورية رئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي، وتتألف عضويته من رؤساء السلطات الثلاث، ورئيس هيئة أركان القيادة العامة للقوات المسلحة، ومسؤول شؤون التخطيط والميزانية، وممثلان عن المرشد الأعلى، ووزراء الخارجية والأمن والداخلية، والوزير المتخصص بالقضية محل النقاش، وأعلى مسؤولين في الجيش والحرس الثوري.
غير أن هناك من يرى أن لرئيس الجمهورية في إيران أثرا كبيرا في تحديد أجندة السياسة الخارجية وأولوياتها. ورغم التشكيك في مستوى تأثيره، تُظهر مواکبة الإدارات السابقة تغييرات جمة طرأت علی السياسة والعلاقات الخارجية بانتخاب کل من الرؤساء السابقين؛ فالقول بأن الرجل الأول في الجمهورية هو المرشد الأعلی ويأتي الرئيس ثانياً، لا يعني بأي حال من الأحوال غياب دور الرئيس؛ فالمرشد الأعلی حسب الدستور الإيراني، صلاحيته رسم السياسات العليا للبلاد، إلا أن رسم معالم تلك السياسات يمرّ عبر مؤسسات الدولة وعلی رأسها الحكومة والمجلس الأعلی للأمن القومي، وتؤثر فيه مؤسسات عدة کمجلس تشخيص مصلحة النظام، والبرلمان وغيرها .
كما تكشف الممارسة العملية للنشاط الخارجي الإيراني عن محدد مهم في صنع السياسة الخارجية الإيرانية داخليا وخارجيا وهو المحدد الطائفي؛ فقد وظفت إيران العامل الطائفي المذهبي في بناء أساس فكري تستند إليه سياستها الخارجية تجاه العالم، بغية إنشاء بؤر موالية لها في البداية، ثم العمل من خلالها علي التغلغل في المجتمعات، وهدم هويتها الوطنية، وبناء هويات فرعية تفسح المجال أمام استكمال المشروع الإيراني، معتمدة علي حزمة من النظريات الأساسية في البناء الفكري الديني للسياسة الخارجية . لكن إسباغ الطائفية بشكل أساسي على السياسة الخارجية الإيرانية، يحجب أكثر مما يكشف طبيعة سلوكياتها. لكن، وكما بات الشرق الأوسط أكثر طائفية منذ سقوط صدام حسين واندلاع الربيع العربي، انسحب الأمر نفسه أيضاً على السلوكيات الإقليمية الإيرانية. وقد قوىّ عود هذا العامل وصار أساسا للنفوذ الإيراني في المنطقة؛ فحين أصبح حلفاؤها في العراق وسورية واليمن ولبنان والبحرين في مهب التهديدات، ضاعفت طهران اندفاعتها نحو استراتيجية مناصرة الشيعة، كوسيلة لحماية مصالحها واستثماراتها الإقليمية. وهذا تجسّد بالدرجة الأولى في خطاب وسلوكيات جهاز الحرس الثوري، الذي يُعتبر المنظمة العسكرية الأبرز في إيران والأداة القيادية الأساسية في نشاطاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وكان الحرس، إضافة إلى انخراطه في نزاعات المنطقة وخارجها في إفريقيا وغيرها، باشر منذ ذلك الحين بوصف حلفائه ووكلائه على أنهم جبهة شيعية موحّدة لديها طموحات إقليمية .
تبدو السياسة الخارجية في الوقت الراهن ليست سَلَما لرجل، بل هي ساحة لمتشاكسين كثر، ولا يبدو في الأفق أي الملفات ستكون له أولوية التركيز ، تحسين العلاقات مع الجيران، أم مع الغرب أم مع إفريقيا، أم منطقة أخرى، برغم أن التركيز على تحسين العلاقات مع الجيران، أخذ حيزاً كبيراً من تصريحات رئيسي؛ سواء خلال حملته الانتخابية أو بعد فوزه بالرئاسة، وأكد أنّ ذلك يشكّل أولويته الخارجية، لكن العلاقة التداخلية والتشابكية بين المستويين من الأزمات الخارجية للبلاد (الإقليمية والدولية)، تجعل من الصعب معالجة مستوى من دون الآخر، وقد يضطر رئيس لاجتراح نهج متزامن ومتوازن مع المستويين من دون التركيز على واحد على حساب الآخر.
السياسة الخارجية الإيرانية في إفريقيا.. الاقتصاد وأشياء أخرى
الاهتمام الإيراني بأفريقيا لا يمثل ظاهرة جديدة؛ إذ يرجع إلى ما قبل عام 1979 بسنوات، حيث ترتبط كل مخططات إيران للتوسع الإقليمي بعبور المحيط الهندي لتثبيت أقدامها على سواحل شرق القارة الأفريقية والانطلاق منها للعمق الأفريقي لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية عديدة . ويمثل سعي إيران لتدشين وتوثيق علاقاتها الاقتصادية مع العديد من الدول الإفريقية ذات الثقل، حلقة جديدة في سلسلة محاولات إعادة تفعيل السياسة الخارجية خاصة في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية، والانطلاق بها نحو آفاق في القارة الإفريقية، مما يدعم القول أنها لم تزل تمثل السياسة الخارجية، لذلك تحرض إيران على إضفاء الطابع المؤسسي لتدعيم العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول القارة .
شهدت السياسة الإيرانية في أفريقيا موجتين رئيسيتين من التمدد ظهرت أولاهما خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد، كجزء من سياسة خارجية إيرانية روج لها باعتبارها تتبنى توجهات الانفتاح على دول الجنوب وفي مقدمتها الدول الأفريقية، كما روج لها باعتبارها تشكل تجربة "ناجحة" لاستخدام أدوات القوة الناعمة والشراكات الدولية العادلة القائمة على تحقيق المصالح المشتركة. ومع إخفاق الموجة الأولى من الانفتاح على أفريقيا في تحقيق العوائد المرجوة سواء على الجانب السياسي أو الاقتصادي، ومع تحول العديد من حلفاء إيران في أفريقيا إلى أعداء لها، تعود إيران مؤخراً للانفتاح على أفريقيا في موجة جديدة تتجسد الأداة الأهم فيها في صورة "خلايا نائمة" تسعى لاستغلال أوضاع الدول الأفريقية لتحويلها إلى ساحات حرب ضد أعداء إيران الإقليميين والدوليين .
لتقييم أبعاد الموجة الجديدة من المحاولات الإيرانية للتمدد في إفريقيا يمكن الوقوف على ثلاث ملاحظات أساسية، تتعلق أولاها باتساع النطاق الجغرافي للنشاط الإيراني وابتعاده عن شرق القارة الذي مثّل تقليدياً الساحة المفضلة للنشاط، وتتعلق الثانية باضطرار إيران للدخول في دورات تقارب وتباعد متتالية مع الدول الأفريقية التي تنتظر منها إيران أن تلعب دور "الوكالة" للمصالح الإيرانية في القارة وهو الأمر الذي يقابل كثيراً بالرفض أو القبول الحذر، وتتصل الملاحظة الأخيرة بالمشكلات الإيرانية الهيكلية التي حالت دون بناء شراكات مستدامة وفعالة في القارة الأفريقية، بالرغم من الاهتمام المكثف في العقدين الأخيرين بسبب تناقضات إيرانية داخلية على مستوى الأهداف والوسائل .
تعتمد إيران سياسة هجينة في نفوذها داخل أفريقيا بين المذهب الشيعي والاقتصاد والعلاقات الثقافية والدعم العسكري؛ فهي تلجأ حاليا إلى تطبيق فكرة "الجيوبوليتيك الشيعي" بسبب فشل مبدأ "تصدير الثورة"، وهي فكرة راكزة في السياسة الإيرانية منذ حرب العراق عام 2003 لاحتواء المساحة السنية الممتدة من الخليج إلى المحيط، ولتحقيق هذه الاستراتيجية تعتمد إيران على ثلاثة عوامل، هي:
في ظل الأوضاع المضطربة في عدد من دول وأقاليم القارة قد تسعى إيران لاستغلال هذه الساحة البديلة في تحقيق مكاسب نوعية، خاصة أن إيران لها شبكات من الوكلاء في إفريقيا يشاطرونها الهوية المذهبية مثل جماعة الزكزاكي في نيجيريا، وجيوب حزب الله في بعض الدول الإفريقية وغيرها، وقد تتحول هذه العلاقات المحودة حاليا إلى حركة شيعية متشددة عابرة للقوميات بقيادة إيران . لكن إيران تبدو بعيدة النظر، وبراغماتية في علاقاتها مع كل دولة من دول إفريقيا التي سعت إيران إلى توثيق علاقاتها معها، ولن تركز على المسألة المذهبية وحده، حيث تتمتع كل دولة من هذه الدول بمزايا مختلفة عن غيرها؛ فإريتريا مطلة على مضيق باب المندب، والسودان يربط بين شرق القارة وغربها بملتقى طرق حيوي يسهم في نشر التشيع مع الحركة التجارية والثقافية، أما دول غرب أفريقيا مثل نيجيريا والسنغال فتبدو متأهبة لتوطيد هذه العلاقات نظراً لوجود بعض الحركات الإسلامية المساندة للمذهب الشيعي، وهذه السياسة الهجينة تعني أن إيران مستمرة في الحفاظ على علاقاتها ونفوذها داخل أفريقيا بصورة تعبر عن رؤية استراتيجية قومية تخدم النفوذ السياسي والاقتصادي لإيران داخل القارة السمراء .
إن تشكيل حركة شيعية عابرة للحدود الوطنية وتعظيم المجالات الجيوستراتيجية للجيوبوليتيك الشيعي بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، أجبرت إيران على تسخير مقدراتها الوطنية لتحقيق وجود خارطة شيعية متمايزة عن الخارطة السنية في العالم الإسلامي، وعلى الرغم من النجاحات الكبرى التي حققتها الاستراتيجية الإيرانية في جغرافيا ممتدة من أفغانستان حتى شمال إفريقيا، وذلك بفعل محركات فعلها الاستراتيجي والعسكري والاقتصادي والأيديولوجي، إلا أنها واجهت تحديات كبرى عطَّلت الجيوبوليتيك الشيعي بعض الشيء، والتي يأتي في مقدمتها الدور الإيراني في تصاعد حدة الصراعات الطائفية والمذهبية، والمنافسة الجيوبوليتيكية لإيران في العالم الإسلامي، وعلى الرغم من أن المشروع السياسي الإيراني هو مشروع استراتيجي من حيث الشكل، إلا أن جوهره هو مشروع عقائدي يهدف إلى احتواء العالم الإسلامي بدوله ومجتمعاته، سعيًا لبناء المجال الحيوي الإيراني .
وللتحايل على العقوبات الأمريكية وغيرها، بدأت إيران في انتهاج سياسة جديدة لنشاطها في إفريقيا تقوم على الاستثمار في مجموعات من الشركات القائمة على المعرفة، وهذه الشركات عادة ما تكون منظمات خاصة تسعى لتسويق نتائج البحوث، لا سيما في الطب، وتحسين سلسلة التوريد الغذائي، والميكنة الزراعية، وتعظيم انتاج المحاصيل. ولأن هذه الشركات الصغيرة تنتمي إلى القطاع الخاص ويرتبط مجال عملها بالمنتجات الإنسانية، فهي أقل تعرضا للعقوبات، وقد اكتسب دور هذه الشركات في الالتفاف على العقوبات الإيرانية أهمية أكبر منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي 2015، بجانب عدم استعداد الاتحاد الأوروبي لتعويض إيران عن خسائرها الاقتصادية،ونظرا لأن أفريقيا تكاد تكون سوقا غير مستغلة في هذه المجالات وتعتمد العديد من البلدان الأفريقية على الخدمات المستوردة في الطب والأغذية والزراعة، فيبدو أن هناك فرصا متزايدة لإيران للاستفادة من تلبية احتياجات أفريقيا، وهي تسارع حاليا لاهتبالها؛ فقد تم في يناير/كانون الثاني 2021 افتتاح "بيت إيران للابتكار والتكنولوجيا" في كينيا، في مستهل سعي إيراني إنشاء منطقة اقتصادية في البلاد في غضون عامين، ووقعت جامعة طهران للعلوم الطبية اتفاقية مع المركز الأفريقي للتنمية الصحية في غانا، للتعاون في مجال تكنولوجيا النانو الطبية، كما بدأ مكتب متخصص لتصدير منتجات التكنولوجيا الحيوية الإيرانية العمل في أوغندا في يونيو/حزيران 2021، وقال السفير الإيراني في جمهورية الكونغو الديمقراطية أن ثاني أكبر دولة أفريقية ستكون أولوية بلاده التالية، داعيا الشركات الإيرانية الناشئة والشركات القائمة على المعرفة للحضور إلى الكونغو الديمقراطية .
كما تواترت معلومات عن خطة مدتها 3 أعوام، ستزيد صادرات إيران إلى إفريقيا إلى 1.1 مليار دولار تحوي دعما للصادرات الإيرانية إلى أفريقيا بحوالى 200 مليون يورو، وهذه علامة واضحة على عودة ظهور استراتيجية إيران في أفريقيا، وجهودها لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع القارة، حيث كانت سياسة إيران الخارجية تاريخيا تجاه إفريقيا مدفوعة بمبدأ النفعية وطموحات تصدير رؤيتها الثورية للعالم. لكن تبني إيران لسياسة محورية في إفريقيا كان أيضا استجابة لتلبية حاجتها إلى مقاومة العقوبات والعزلة، بواسطة بناء شراكات مع الدول، والجهات الفاعلة شبه الحكومية، وغير الحكومية في القارة .
سيظل الأمن والسيطرة على الممرات المائية هاجسا مصاحبا للتوجه الإيراني في إفريقيا، بالتوازي مع الاقتصاد والشأن المذهبي؛ فقد أبدت إيران مثلا اهتماما متزايدا بدول القرن الإفريقي في الفترة الأخيرة، وذلك في سياق فتح المزيد من دوائر التعاون مع مختلف التجمعات لتأسيس وجود إيراني مادي علي الأرض، وبحري فعال في البحر الأحمر يقود لقناة السويس. لذا، عملت جديا علي تقوية علاقاتها بالدول الإفريقية المطلة علي البحر الأحمر، من بينها السودان، وإريتريا، وجيبوتي والصومال وإثيوبيا. وفي الحالة السودانية ساهمت السياسات الأمريكية تجاه هذا البلد بوصمه بالإرهاب ومحاصرته اقتصاديا وسياسيا، في أن يرتمي في الحضن الإيراني والصيني وغيره بحثا عن حليف يقارع معه العقوبات الأمريكية ويخفف من غلوائها عليه وعلى نظامه.
ولتبرير وجودها في إرتريا مثلا، وهي بلد له سواحل طويلة على البحر الأحمر، ومقابل للساحل اليمني والسعودي، صرحت إيران بأن وجود بعض قواتها العسكرية والبحرية علي موانئ إريتريا هو لمكافحة عمليات القرصنة، ومن أجل حماية الممرات المائية البحرية لتأمين السفن التجارية. والحقيقة أن لإيران أهدافا مبيتة غير معلنة متعلقة بمصفاة تكرير البترول وحماية السفن. ومن بين تلك الأهداف، تمركز إيران في أهم ممرين مائيين في العالم، مضيق هرمز، وباب المندب .أما الوجود الإيراني في الصومال فيتمثل في توطيد الروابط مع شريك محلي، يتسلح بالدعم الإيراني في المجالات الهادفة والمؤثرة في المستقبل، وكذلك الاحتفاظ بالعلاقة مع الجماعات المسلحة الصوفية، واستخدامها في الوقت المناسب، وهو ما يعرض الصومال ليصبح يوما ما ورقة قد تستخدمها إيران لحفظ التوازن دوليا، فضلا عن البوارج الحربية الإيرانية المستقرة في المياه الصومالية لحماية السفن التجارية الإيرانية.
أزال إبرام الاتفاق النووي الإيراني عام 2015م -المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة- الحرج عن عدد من القادة الأفارقة للبحث عن فرص أفضل للتعامل مع إيران، مما حد بإيران للمسارعة في تعزيز مشاركتها مع إفريقيا، وسعِت في الوقت نفسه إلى بناء "عمق إستراتيجي" في جميع أنحاء القارة لتعزيز النفوذ الإيراني. لكن انسحاب الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي، وأعادة نظام العقوبات ضد إيران في عام 2018 جعل إيران تسارع للحفاظ على العلاقات مع الدول الإفريقية. ورداً على ذلك، دعا المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إلى سياسة "محور إفريقيا" للتحايل على العقوبات والإفلات من شِراكها .
عموما يبدو في الأفق أن علاقات إيران الخارجية في عهد الرئيس الجديد رئيسي ستشهد تغييرات ما، وقد تنحو نحو الاتسام بالمزيد من التشدد والعداء، في ضوء احتمال الاتجاه إلى تبني إجراءات تكتيكية تساهم في ذلك، ربما من أجل تحقيق الأهداف التي لطالما أعلن عنها المحافظون في إيران بداية من المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي إلى الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضايي، الذي تحدث عن ضرورة "الوحدة الكبرى لجميع القوى الثورية وتشكيل حكومة من الثوريين"، إلى صادق خرازي رئيس حزب "نداي ايرانيان" الذي عارض كثيراً تولي رئيس جمهورية إصلاحي في إيران . كما يتوقع أن تشكل القضايا الاقتصادية المحور الرئيس في تحديد أجندة إيران السياسية خلال عهد إبراهيم رئيسي، وقد يدفع "تدهور الاقتصاد في البلاد بحكومة رئيسي نحو تخفيف التوترات الخارجية".
كما تؤكد شواهد الأحداث أن قارة أفريقيا ستظل في دائرة السياسة الخارجية الإيرانية في إطار محاصرة أعدائها؛ فالتمدد الإيراني في أفريقيا هو جزء من تطويق إسرائيل، إلى جانب غايات اقتصادية وسياسية أخرى لإيران ؛ فالسنغال الواقعة في غرب أفريقيا مثلا هي نقطة أخرى مهمة، إذ تتمتع داكار في الأعوام الأخيرة بعلاقات وثيقة مع طهران، وهي نوع من المحور الدبلوماسي الإيراني في أفريقيا، وتجري معظم الأنشطة الثقافية والسياسية والدبلوماسية الإيرانية في أفريقيا عبر داكار. وخلال رئاسة محمود أحمدي نجاد، تبرّعت طهران بخط إنتاج سيارات "سمند" لتوسيع نفوذها في البلاد، لكن على الرغم من استثمار 100 مليون دولار، ظل خط الإنتاج غير نشيط، بسبب عدم قدرة الشبكة الكهربائية في السنغال على توفير الطاقة المطلوبة .
لكن تحتاج إيران أيضا لمراجعة وتقوية تطلعاتها ونفعيتها الثورية -وليس رؤيتها الإستراتيجية الشاملة- كدافع وراء سياساتها في إفريقيا، حتى لا تقع في المستنقعات الموحلة في كل أنحاء القارة، كما يبدو أن إيران ورغم وجود الطويل في إفريقيا تفتقر للفهم الكافيروالعميق لإفريقيا وتعقيداتها، وهو ما ينجم عنه غالباً "تبني نهج مجزأ وتجريبي لبسط نفوذها في القارة" .
أفريقيا في عقل رئيسي.. الاقتصاد أم الأيديولوجيا ؟
يظهر جليًا أن إبراهيم رئيسي نشط منذ وقت مبكر من ولايته في دفع الملف الإفريقي؛ ففي يومه الثالث في المنصب دعا إلى زيادة التعاون مع أفريقيا واعترف بقدراتها المادية والبشرية. وفي 6 أغسطس/ آب 2021، ألقى رئيسي الرسالة نفسها، وزاد عليها أن تعزيز العلاقات سيكون أولوية في السياسة الخارجية لبلاده، وأن حكومته ستُفعَّل بجدية جميع إمكانات التعاون مع الدول الأفريقية، وذلك أثناء اجتماعه مع رئيس الجمعية الوطنية لغينيا بيساو، سيبريانو كاساما، الذي انتقد العقوبات الأمريكية ضد إيران. وفي 24 يناير/كانون الثاني 2022، أصدر رئيسي تصريحات مماثلة خلال اجتماعه مع وزير خارجية توجو، روبرت دوسي، الذي عارض أيضا العقوبات. وفي 22 فبراير/شباط 2022 التقى رئيسي نظيره الموزمبيقي، فيليب نيوسي، وأعرب له عن استعداده لتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري مع موزمبيق وغيرها من البلدان الأفريقية، فضلًا عن تزويدهم بقدر أكبر من نقل التكنولوجيا والمعرفة التقنية، وفي كلٍ من الاجتماعَيْن ومثل أسلافه، أدان رئيسي استغلال الغرب لموارد القارة السمراء، وزعم أن إيران كانت تعد صديقًا حقيقيًّا وشريكًا فعليًّا في مساعدتها على تحقيق الرفاه والتنمية والاستقلال والتقدم .
قد تكون اجتماعات رئيسي وتصريحاته مع المسؤولين الأفارقة، على النقيض من التصور الشائع، أنها لم تكن جزءا من مشروع هيمنة لتوسيع النفوذ الإيراني في أفريقيا؛ بل شكَّلت جهداً لإعادة ضبط العلاقات مع القارة بعد أن أمضى سلفه حسن روحاني (2013-2021) ثماني سنوات في تجاهلها، وخلال الفترة الماضية من حكمه التقى رئيسي فقط بمسؤولين من دول ذات أهمية تجارية من المستويين الثاني والثالث من حيث التجارة الثنائية، على الرغم من أن لهم أهمية تاريخية ودبلوماسية وإستراتيجية أخرى. لكن السؤال هل سيميز رئيسي نفسه عمليا عن سلفه من خلال إعطاء الأولوية لأفريقيا واستعادة العلاقات مع الحلفاء القدامى وكبار الشركاء التجاريين الذين قطعوا العلاقات مع إيران في عام 2016.
يمكن تفسير اجتماعات رئيسي وتصريحاته مع المسؤولين الأفارقة كمحاولة لإعادة العلاقات بعد أن أهملها سلفه روحاني باستمرار، برغم أن تصريحات روحاني وخطاباته أشارت مراراً إلى أفريقيا على أنها "أولوية قصوى"، إلا أنه كرَّس جهداً قليلاً لتنفيذ هذه السياسات في الممارسة العملية، وأعطى الأولوية لتحقيق انفراج وتقارب مع الغرب. ويتضح إهمال روحاني لأفريقيا في عدم قيامه أبدا بزيارات رسمية إلى القارة، ونادرا ما دعا مسؤوليها لزيارة إيران، وانعكس عدم اهتمام روحاني بأفريقيا سلبا على مستويات التجارة الإيرانية مع القارة، وخلال فترة رئاسته بين عامي 2014 و2018، وصلت تجارة إيران مع أفريقيا جنوب الصحراء إلى أدنى مستوياتها بنسبة 0.19% في عام 2015 بوصفها نسبة مئوية من إجمالي تجارتها، ولم تتجاوز أبداً 1%، حتى بعد توقيع خطة العمل المشتركة الشاملة وتخفيف العقوبات اللاحقة .
من المحتمل أن رئيسي يطمح إلى إعادة العلاقات بين إيران وأفريقيا على خلفية إهمال بلاده لأفريقيا وفقدان الحلفاء القدامى وكبار الشركاء التجاريين في القارة في عهد روحاني. وحتى الآن، يبدو أن هذا الجهد قد حقَّق تقدمًا محدودًا، إذ التقى رئيسي بمسؤولين أفارقة من دول ذات أهمية تجارية من الدرجة الثانية والثالثة فقط من أجل التجارة الثنائية، وهي موزمبيق وتوجو وغينيا بيساو، وليس دول ذات أهمية من الدرجة الأولى مثل السودان وجيبوتي والصومال، وكلها قطعت العلاقات مع إيران في عهد روحاني. وعلى الرغم من أن موزمبيق وتوجو وغينيا بيساو يمثلون أهمية أقل بوصفهم شركاء تجاريين، فإن لهم أهمية تاريخية ويوفرون قيمة إستراتيجية، ذلك أن موزمبيق ليست شريكًا تجاريًّا رئيسًا، لكنها قد تصبح كذلك مرةً أخرى في المستقبل. وخلال فترة حكم بهلوي بين عامي 1963 و1978، كانت موزمبيق تاسع أكبر شريك تجاري لإيران في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكانت تمثل 3.63% من إجمالي متوسط تجارتها السنوية مع القارة، وبعد الثورة الإيرانية عام 1979، كانت موزمبيق حليفاً مهماً للجمهورية الإسلامية. وفي عام 1986، قام الرئيس خامنئي بجولة شملت موزمبيق وثلاث دول أخرى في شرق أفريقيا (تنزانيا وأنجولا وزيمبابوي) للحصول على دعم دبلوماسي خلال الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، وتقديم المساعدة التنموية من خلال وزارة جهاد البناء، وتسويق المعدات العسكرية الإيرانية والسلع المصنَّعة الأخرى. وخلال رئاسة أحمدي نجاد بين عامي 2008 و2009، أرسلت وزارة الجهاد الزراعي الإيرانية مندوبين إلى موزمبيق و12 دولة أفريقية أخرى لتقديم مساعدات زراعية وتنموية .
في 13مايو/ أيار 2022 أكد ابراهيم رئيسي لنظيره السنغالي مكي صال في اتصال هاتفي أن إيران كانت وستكون شريكاً موثوقاُ لجميع الدول الأفريقية، مشيرا إلى أن طهران وداكار تتمتعان بعلاقات جيدة مع بعضهما البعض، لكن هذا المستوى من العلاقات ليس كافيا ويجب الارتقاء به إلى المستوى المناسب، وقال:" القارة الأفريقية إحدى الركائز الأساسية لسياسة إيران الخارجية، ونحن على استعداد تام لتوسيع العلاقات مع القارة الأفريقية وخاصة السنغال، ولتنمية العلاقات بين الجنوب والجنوب، ولا توجد قيود في هذا الصدد". وثمن الرئيس السنغالي مكي صال الاهتمام الخاص الذي توليه إيران للقارة الإفريقية، وتاريخ العلاقات الودية بين البلدين، ووصف العلاقات الحالية بين البلدين بأنها أقل مما ينبغي، وقال:" نحن مستعدون لأي تعاون لتحسينها، ولبلادنا تعاون جيد مع بعض الشركات الإيرانية .
من المؤكد أن إفريقيا ستكون صاحبة نصيب وافر من سياسة الدبلوماسية-الاقتصادية التي أعلنتها حكومة رئيسي منذ مجيئها؛ خاصة أن إفريقيا تمثل بيئة مناسبة للاستثمارات الإيرانية في إطار منافسة أقل حدة عن غيرها في مناطق أخرى مثل آسيا. فضلًا عن أن السياسة الاقتصادية هناك تتوازى مع أهداف الدبلوماسية السياسية التي تتخذ من أفريقيا منطقة لتمدد النفوذ الإيراني. وتأكيدًا على اهتمام حكومة رئيسي بأفريقيا فقد رأس نائب الرئيس الإيراني، محمد مخبر، فريق عمل خاص بالترويج للصادرات الإيرانية إلى أفريقيا؛ حيث تعتزم إيران زيادة تجارتها مع الدول الإفريقية إلى حوالي 5 مليارات دولار سنويًّا، حيث تظل الأسواق الإفريقية الخيار الأفضل للصادرات الإيرانية، خاصة أن هذه الأسواق لن تتشدد في البحث عن المعايير القياسية؛ بل ستقبل أي منتج رخيص يلبي احتياجاتها، ولذلك تضع حكومة "رئيسي" هذه الأسواق هناك ضمن أولوياتها الاقتصادية. وقد كشف عضو لجنة البرنامج والميزانية في البرلمان الإيراني، مجتبي رضا خواه، أن حجم صادرات إيران إلى أفريقيا قد بلغت نحو 800 مليون دولار العام الماضي، رغم ظروف وباء كورونا، ما يدل على أهمية القارة الأفريقية في برنامج إيران الاقتصادي .
وقد أعلن مدير مكتب الشؤون العربية والأفريقية بمنظمة التنمية التجارية الإيرانية، فرزاد بيلتن، في نوفمبر 2021، عن نمو قيمة وحجم الصادرات السلعية إلى أفريقيا 23% و36% على التوالي في 7 شهور فترة 21 مارس/ آذار حتى 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2021. وأكد "بيلتن" أن غانا تبوأت المرتبة الأولى في قائمة الدول الإفريقية المستوردة السلع الإيرانية بقيمة 252 مليون دولار، تلتها جنوب إفريقيا بنحو 105 ملايين دولار، والجزائر نحو 66 مليونًا، وكينيا 45 مليونًا، ونيجيريا 23 مليون دولار. وأضاف أن تنزانيا استوردت سلعًا بقيمة 40 مليون دولار، والسودان 13 مليونًا، والصومال 12 مليونًا، وموزمبيق 7 ملايين، ومصر نحو 6 ملايين دولار، بينما وصلت واردات إيران من دول إفريقيا إلى 31 مليون دولار في الشهور السبعة المذكورة بنمو 39%.، وقد شملت وجهات التصدير الإيرانية الرئيسة في القارة الأفريقية مصر والسودان وكينيا وجنوب أفريقيا وتنزانيا وجيبوتي وموزمبيق والمغرب ونيجيريا والصومال والجزائر وتونس، حيث تُصدِّر إيران بشكل أساسي البيوتان والبيتومين والصلب والفازلين واليوريا والكلنكر والإسمنت وسبائك الحديد والهيدروكربونات إلى هذه الدول الإفريقية، وتستورد من أفريقيا البرتقال والفوسفات والأسماك والتبغ والبقوليات وألواح الصلب والشاي وحبوب الكاكاو.
يبدو أن حكومة رئيسي تستعيد سياسة الرئيس الأسبق أحمدي نجاد، وتضع أفريقيا ضمن أولوياتها الخارجية، رغم انتهاج خارجيتها سياسة التوجه شرقًا، وذلك لأنها تمثل فرصة لخروج إيران من عزلتها التي فرضتها عليها العقوبات الغربية؛ حيث أن موقع أفريقيا على الممرات المائية التجارية الحيوية، ومجاورتها للقوى المعادية لإيران مثل إسرائيل، واستمرار ارتباط إفريقيا بالقوى الاستعمارية الغربية يجعل لدى إيران مزيد اهتمام بأفريقيا كمنطقة وجود لتأمين مصالح إيران التجارية ومناكفة أعدائها، وإزعاج القوى الغربية. كما أن طبيعة إفريقيا النامية تمثل فرصة للاقتصاد والتجارة الإيرانية، وهو ما يجعل أفريقيا محط اهتمام إيراني .
نظرا لميل إدارة "رئيسي" لتوسيع العلاقات مع الجهات الفاعلة غير الغربية، فمن المرجح أن تدعم وجودا إيرانيا أكبر في أفريقيا. وفي حين أن العقوبات ليس لها تأثير يذكر على الشركات المعنية، فمن المرجح أن يكون توسعها في القارة أولوية للإدارة الجديدة، لكن برغم أن استثمارات إيران في أفريقيا تصل إلى مئات الملايين من الدولارات، لكن هذه الاستثمارات -حسب مراقبين- "ليست بهدف إقامة مجتمعات صناعية واقتصادية، بل لإقامة جماعات مذهبية وقومية وسياسيين فاسدين في غالبية الأحيان".
عند التأمل في طبيعة النظام السياسي الإيراني بمؤسساته المتعددة، ومراكز قواه باتجاهاتها المختلفة؛ يمكن استنتاج محددات قد تسهم في رسم سياسة رئيسي المتوقعة خلال مدة وجوده في الحكم، وتتمثل في :
في مطلع أغسطس/ آب 2021، وفي حفل أداء اليمين الدستورية للرئيس الجديد في مجلس الشورى الإسلامي أكد رئيسي أن إيران تقف إلى جانب الشعوب المظلومة أينما كانت في أي مكان حول العالم، وهذه هي رسالة الجمهورية الإسلامية ، كما أكد رئيسي في أكثر من مناسبة أن تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية من أولويات السياسة الخارجية لبلاده، وأن ايران تدعم استقلال وتنمية الدول الافريقية، وستتابع بقوة تطوير التعاون مع الدول الافريقية في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية، خاصة وأن دول القارة تزخر بالموارد الطبيعية والمعادن والموارد البشرية، وأن طهران ترغب في تمتين العلاقات مع هذه الدول في شتى المجالات بما يخدم المصالح المشتركة. وقد انتقد رئيسي في لقاء مع مسؤول إفريقي سياسة الدول الغربية في التعامل مع العالم بالنزعة الاستعمارية على مر التاريخ، وأنها تحاول استغلال الدول الإفريقية و اليوم تسعى وراء تحقيق مصالحها في هذه الدول، لذلك فان مساعي الشعوب الإفريقية لنيل الاستقلال له قيمة، وأن نجاحها يتوقف على التأكيد على الهوية الوطنية والثقافية ومواجهة المطامع الاستعمارية، والدول الإفريقية تمتلك امكانيات يمكن توظيفها لتحقيق التنمية الوطنية .
تعبر مثل هذه التصريحات من الرئيس الإيراني عن مناصرة لدول القارة السمراء؛ لكنها تكشف عن أهداف إيران من هذا الوجود داخل أفريقيا؛ حيث ترغب في تنصيب نفسها بديلًا للقوى الغربية، كما استغلَّت إيران الفراغ الثقافي والاجتماعي، وحتى السياسي، الذي أحدثه البعد العربي نسبيا عن الساحة الإفريقية، وذلك عبر الاستفادة من أحد أهمّ مبادئ ثورتها المتمثل في "نصرة المستضعَفِين" في شتى بقاع العالَم، فوجدت في بعض دول إفريقيا، أرضاً خصبة لنشر المَذْهَب الشِّيعِيّ، الذي يمثِّل أحد أهم استراتيجياتها، في هذه القارَّة. كما سعت إيران من خلال عَلاقاتها في دول مثل نيجِيريا والسنغال وبقية الدُّوَل الإفريقية إلى تحقيق أهداف أخرى مثل تصدير الثورة، والخروج من العُزْلة الدولية المفروضة عليها قبل الاتِّفاق النووي وبعده، وتحقيق بعض المكاسب الاقتصادية، بجانب ممارسة نشاط استخباراتي في القارة عبر إرسال عناصر من الحرس الثوري والمخابرات إلى عدد من الدُّوَل الإفريقية على هيئة رجال أعمال ومستثمرين لتنفيذ أعمال استخباراتية ضدّ الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدُّوَل العربيَّة التي لها مشاريع ومصالح في إفريقيا .
تركز إيران مع الدول الكبرى في إفريقيا مثل جنوب إفريقيا، والتي ستستمر علاقات إيران معها على الصعيد الاقتصادي نظرا لمعدلات النمو الاقتصادي الكبيرة التي تمتلكها؛ حيث عُقد في مايو/أيار الماضي الاجتماع العاشر للجنة المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية بالبلدين، بحضور مساعد وزير الخارجية الايراني للشؤون السياسية علي باقري كني، ومساعدة وزيرة خارجية جنوب افريقيا کاندیت ماشغو دلامیني، التي قالت:"نحن نسعى من أجل أن تتمكن إيران عن طريق جنوب افريقيا من إقامة علاقات اقتصادية وتبادل تجاري بصورة أفضل من الماضي مع الدول الإفريقية"، وصرحت بأن الاجتماع الـ 15 للجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين سيعقد في بريتوريا خلال فصل الخريف القادم، داعية الى تبادل وجهات النظر والتشاور المستمر حول التطورات المهمة في إفريقيا والاحداث الاقليمية والدولية .
من متابعة بعض أنشطة وتصريحات وزير الخارجية في حكومة رئيسي حسين أمير عبد اللهيان، يبدو أنه أكثر حرصا على إعطاء الأولوية للعلاقات الدبلوماسية مع الدول المجاورة وآسيا ، لكن الجولة الإفريقية التي قام بها عبــد اللهيــان فــي أغســطس 2022 وضمـت مالـي وتنزانيـا وزنجبـار، عكست تحولا مهما واهتماما إيرانيا بالقارة، باعتبارها الجولـة الأولـى لرأس الدبلوماسية الإيرانية في إفريقيـا منـذ توليـه حقيبـة الخارجيـة، وتزامنت مع انصرام عام من عهدة رئيسي في السلطة.
حفلت زيارة عبد اللهيان للدول الإفريقية المذكورة بهموم الدبلوماسية الإيرانية الدائمة وعلى رأسها العامل المذهبي، حيث تشير بعـض التقاريـر الغربيـة إلى أن ثمـة تحـركات تقـوم بهـا طهـران في مـالي منـذ عـدة سـنوات لبنـاء المعاهــد الدينيــة الشــيعية في باماكــو، علــى غــرار مدرســة مصطفـى الدوليـة، في محاولـة منهـا لتشـكيل قاعـدة يمكـن مـن خلالهـا توسـيع نفوذهـا في المنطقـة، كما أن تنزانيــا المحطة الثانية في الجولة الإفريقية لعبد اللهيان تعــد مــن الــدول التــي شــهدت خــلال الســنوات الماضيــة نشــاطاً شــيعياً ملحوظــاً عبــر بنــاء المــدارس والحســينيات والبعثــات الدراســية، حيث لا تعــارض تنزانيــا الأنشــطة التبشـيـرية للمذهب الشيعي، بــل علــى العكــس تقــدم الدعــم لهــا .
وكان الاقتصاد حاضرا بقوة في جولة عبد اللهيان الإفريقية، وربمـا هـذا مـا يفسر الوفــد الكبــير المرافــق لعبــد اللهيــان في جولتــه، والـذي تألـف مـن مسـؤولين حكومييـن ورجـال أعمـال مـن الـشركات الاقتصاديـة والتجاريـة الكـبرى في طهـران، حيث تسعى طهران للالتفـاف عـلى العقوبـات الاقتصادية الغربيـة والتخفـيف من وطأتها، حيث يبدو أن إيران تتحـرك حاليـاً تحسـباً لأي تعثـرات ممكنـة في مفاوضات البرنامج النووي، وبالتــالي تبحــث عــن منافــذ جديــدة لدعــم اقتصادهــا المنهــك، لــذا تســعى إلى تعزيــز علاقاتهـا مـع الـدول الإفريقيـة، ودول غـرب إفريقيـا بشـكل خــاص، وهــو مــا تعكســه تحــركات طهــرات لفتــح معــرض للتكنولوجيــا الفائقــة في باماكــو خــلال الفــرة المقبلــة، بهــدف عــرض المنتجــات الإيرانيــة المتقدمــة، وفتــح أســواق جديــدة لهــا في غــرب أفريقيــا. ويتســق ذلــك أيضا مــع مــا أشــارت إليــه بعــض التقاريــر أن طهــران تخطــط لفتــح ســبعة مراكــز تجاريــة جديــدة في إفريقيـا، بحلـول نهايـة عـام 2023. وتعمـل طهـران علـى زيـادة حجـم التبـادل التجـاري بـينها ودول إفريقيـا مــن 1.2مليــار دولار حاليــاً إلى 2.5مليــار بنهايــة العــام الجــاري، و 6 – 5 مليــارات دولار في عــام .202. كما شــهدت زيــارة عبــد اللهيــان لمــالي انعقــاد أول دورة لــ" اللجنــة المشــركة الإيرانيــة – الماليــة للتعـاون"، ترأسـها وزيـرا خارجيـة البلديـن، والتـي تسـتهدف تعزيـز التعـاون الاقتصـادي بـن الجانبيـن. وفي تنزانيا أكــد عبداللهيــان سـعي بـلاده لزيـادة عـدد الـشركات الإيرانيـة في تنزانيـا، واســتعدادها للاســتثمار في عــدة مجــالات، أبرزهــا التعديــن والزراعــة ومصايــد الاسـمـاك وتربيــة الحيوانــات، وتم على هامش الزيارة انشــاء "اللجنــة الاقتصاديـة المشتـركة" بهـدف متابعـة المشروعـات المشـتركة بيـن البلديـن.
وظل الهم الاقتصادي مع هموم أخرى حاضرا في زيارة عبــد اللهيــان لجمهورية زنجبار شبه المستقلة؛ حيث أكد اســتعداد بــلاده لتقديــم أشكال الدعـم كافة لزنجبـار، خاصـة في مجـال النفـط والغـاز، كما برز هدف جيواستراتيجي لإيران في زنجبــار ذات الأهميــة الجيواســراتيجية الكبــيرة بالنســبة لطهـران، التـي تسـعى لتوسـيع نطـاق حضورهـا في المحيـط الهنـدي، في ظـل الحضـور الإيـراني الراهـن في بعـض دول جزر المحيط الهادي على غـرار جـزر القمـر العضو في جامعة الدول العربية. حيث تهتم إيــران بتعزيز تمركزها في وسط إفريقيا والمحيط الهادي بالتموضــع في تنزانيــا وزنجبار، لتعزيز نفوذها في طـرق الملاحـة الدوليـة، لاسـيما مـع قـرب تنزانيـا وزنجبـار مـن قنـاة موزمبيـق التـي تمثــل بــؤرة اهتمــام دولي راهــن كبديــل محتمــل لطــرق الشـحن والتجـارة في البحـر الأحمـر، حيـث تسـعى إيـران إلى اســتخدامها كورقــة ضغــط لإحــداث اضطرابــات في التجــارة العالميــة في أوقــات الأزمــات .
من التصريحات والمواقف المتفرقة لرئيسي وأصحاب الشأن في الحكومة الإيرانية، يبدو أن سياسة إيران الخارجية في عهد رئيسي ستواصل اهتمامها الخاص بإفريقيا، ومحاولات توسيع نطاق نفوذ إيران في القارة، وستعتمد إيران سياسة مختلطة في نفوذها داخل إفريقيا تجمع بين المذهب الشيعي والاقتصاد والعلاقات الثقافية والدعم العسكري، مع الاستجابة للهواجس الأمنية حول الممرات المائية وحركة التجارة في البحار والسواحل الإفريقية، حيث تبين مدى تأثير الهوية المذهبية على مقاربة إيران لعلاقاتها الخارجية، وبرز ذلك بشكل واضح في روابط إيران مع الجماعات غير الدُولتية مثل جماعة الزكزاكي في نيجيريا، وبعض جيوب التصوف الإفريقي، وقد تلجأ إيران لتسييس التشيُّع بإضفاء الطابع السياسي على بعض الجيوب الشيعية، والدفع نحو تشكيل حركات سياسية بتوُّجهات مغايرة لتوُّجهات النظم الحاكمة مع ربطها مباشرة بإيران، وصولا لمرحلة إدماج هذه الميليشيات الشيعية في الجيوش الرسميَّة . لكن برغم ما سبق فإن معظم دول إفريقيا لا يزال الحضور الإسلامي فيها سنيا في الماضي والحاضر، ما يعني أن الخوف من التشيع سيظل هاجسا وعائقا أمام توسع النفوذ الإيراني في إفريقيا بكل أشكاله.
يحرص النظام الإيراني دائمًا على توظيف منصب رئيس الجمهورية كواجهة عاكسة لما يريد النظام تمريره من رسائل للخارج؛ ففي حين كان المرشد الأعلى يتبع دائما النهج الثوري، ويعتمد خطابات تميل للاسترشاد في المقام الأول بالاعتبارات الأيديولوجية، إلا أنه في ذات الوقت كان يسمح لخطابات رؤساء الجمهورية ووزراء الخارجية أن يكون لها التأثير في التصورات الخارجية والمحلية تجاه سياسة إيران الداخلية والخارجية، لذا يمكن القول أن عهد رئيسي سيشهد ازديادا في حالة الانسجام بين الرئيس وحكومته والبرلمان ومجلس الأمن القومي، مما يعزز فرص التوافق في ما يخص عددا مقدرا من الملفات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها إفريقيا.
كما ستفتح عودة التيار المحافظ إلى السلطة بعد ثماني سنوات من حكم الإصلاحيين مساحات كبيرة للتقارب والتنسيق اللصيق بين الحرس الثوري والرئيس إبراهيم رئيسي، وهو ما يعني أن الحرس الثورى سيكون له حضور ما في إفريقيا، حيث أن المهمة الحالية لفيلق القدس هي أن يكون له تأثير دائم في القارة، خاصة منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي ترجو إيران من خلالها التأثير في حركة الملاحة في البحر الأحمر، ونقل الأسلحة إلى ميليشيا الحوثي في اليمن، وإلى دول أخرى، ووراثة النفوذ الأمريكي الآخذ في التراجع، وقد تظهر أدوار جديدة وغير تقليدية لفيلق القدس كأحد أهم أذرع إيران للتسلل إلى إفريقيا، ولذا نلحظ زيادة اهتمام إيران بأفريقيا أكثر منذ اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في العراق في يناير 2020، حيث تتزايد مخاوف المسؤولين السياسيين الأفارقة وغيرهم من أن تنتقم طهران لمقتل سليماني في نهاية المطاف عبر استهداف المصالح الأميركية أو المتحالفة معها في القارة السمراء .
كما أن إيران ستكون أشد حرصا على بقاء نفوذها في اليمن من أجل الوصول إلى إفريقيا، برغم أن الوصول إلى إفريقيا لن يكون متيسّراً، إلا في ظل بقاء إيران في اليمن وسواحلها، والجزر الأرترية، لتكون خطاً آمناً لطهران لنقل القوات والأسلحة إلى إفريقيا، ما يعني أن تلويح إيران بالتقارب مع جيرانها وعلى رأسهم السعودية قد يكون له ما بعده، ويبدو أنها ستطرح صيغة تقارب تحول دون نفض يدها من اليمن، أو على الأقل تتعهد بألا تصل الأسلحة الحوثية إلى العمق السعودي.
يحتاج رئيسي لكي يتوغل في إفريقيا برفق، أن يجنح للتخفيف من حدة الخطاب المعادي للإمبريالية لمنح الدول الإفريقية المرونة الدبلوماسية ورأس المال الجيوسياسي لمتابعة علاقات أوثق مع إيران، دون استعداء الغرب والمخاطرة بفقدان مساعداته واستثماراته وتجارته، بجانب المضي قدما في التنفيذ الحرفي لمذكرات التفاهم والاتفاقيات الثنائية الأخرى مع الدول الإفريقيةالتي أصيب بعضها بخيبة أمل من وعود إيران الجوفاء وبُخلها بتنفيذ الالتزامات التي قطعتها على نفسها.
ليس من المؤكد -حتى الآن- ما إذا كان رئيسي سيعطي الأولوية لأفريقيا؛ فهو مثلا قد زار جنوب أفريقيا ودول أفريقية أخرى حينما كان مرشحًا رئاسيًّا في مايو/أيار 2017، على عكس سلفه الذي لم يزر إفريقيا أبدا، لكن التواصل الدبلوماسي الذي أطلقه رئيسي مع أفريقيا يمكن النظر إليه كمحاولة جادة لإعادة العلاقات مع القارة، والذي قطع معظمها بسبب إهمال سلفه والتعاون والمساعدات من بعض الدول العربية مثل السعودية والإمارات وغيرها، ولكن الوقت والنشاط الاقتصادي والدبلوماسي القادم لرئيسي وحملة الملف الخارجي لطهران هو ما سيحدد إلى أي مدى توجد إمكانية في حدوث اختراق في استعادة وبناء العلاقات مع الحلفاء القدامى والجدد وكبار الشركاء في القارة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية