«المقاومة».. وجهان لـ «محور» واحد.. السياسي الثوري والطائفي القبيح (4)

- 25 ديسمبر 2021 - 346 قراءة

• طهران حصدت جملة مكاسب من وراء «محور المقاومة» بوصفه تجسيدًا لعمقها الاستراتيجي في الشرق الأوسط
• إيران طورت مفهوم «المقاومة» من محور إلى تحالف إقليمي داعم لمركزها التفاوضي في الملفيّن النووي والصاروخي
• فصائل «محور المقاومة» تتصف بالمرونة من حيث قدرتها على تقليل أو زيادة وجودها حسب «مقتضيات الحاجة»
• «فيلق القدس» قاد معارك الميليشيات الشيعية القادمة من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان لصالح النظام السوري
• «حزب الله» نفذ مهامًا عسكرية استشارية في اليمن والعراق.. وأجرى عملية برية طويلة الأمد في سوريا
• بقاء بشار الأسد في الحكم اضطر القوى الفاعلة للاعتراف بالوضع القائم.. وانتصار إيران وتحالف «المقاومة»
• النظام الإيراني أوجد لنفسه فرصًا على المستوى الإقليمي اتسمت بالمرونة.. وأسهمت في تنويع خياراته
• الفهم الدقيق للتحدي الذي فرضته إيران من خلال «محور المقاومة» يفسر لنا قوة مواقفها الإقليمية والدولية

 

يتسم «محور المقاومة» الذي أنشأته إيران في بعض الشرق الأوسط، بمجموعة من الخصائص المهمة، التي أسهمت في تحقيق مكاسب إقليمية عديدة لصالح طهران في المنطقة العربية، وفي الشرق الأوسط بشكل عام، بحيث نجحت إيران في الخلط - ببراعة- بين الوجه السياسي الظاهر «المقاوم» للهيمنة الأمريكية، والوجه الطائفي البغيض، الخفي، لهذا «المحور». 
ومن أهم هذه الخصائص:

النهج شبه العسكري: هو نهج عملياتي فعال، أثبت قدرة إيران على إجراء عمليات عسكرية أكبر من المعتاد، وبأقل تكلفة ممكنة، ولا يكون له أثر ملموس يمكن أن يصبح دليلا على تورطها فيها. ولقد مكن هذا النهج إيران من تحقيق فعالية تشغيلية كبيرة بشأن استراتيجياتها لبناء العمق الاستراتيجي لها في المنطقة.
المرونة في الحركة: إذ تتصف فصائل محور المقاومة بالمرونة؛ من حيث قدرتها على تقليل أو زيادة وجودها، حسب مقتضيات الحاجة. الأمر الذي اكتسب محور المقاومة الاستدامة والقدرة على بناء القوة وتعزيز الولاء لصالح إيران لدى الشركاء. وفي هذا الإطار قام فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بتدريب الفصائل الفاعلة المحلية، وتقديم المشورة لها وإعادة تأهيلها. 
القدرة على الانتشار عبر الحدود: إذ تعلمت إيران والميليشيات التابعة لها كيفية تنفيذ ومواصلة العمليات العسكرية في دول أخرى. فقد نفذ حزب الله، على سبيل المثال، مهام استشارية في اليمن لصالح الحوثيين، وفي العراق مع قوات الحشد الشعبي، وأجرى عملية برية طويلة الأمد في سوريا. كما قاد فيلق القدس وحزب الله والميليشيات الشيعية القادمة من العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان عمليات عسكرية لصالح النظام السوري.
القدرة على التشغيل البيني: تمتلك إيران حاليًا مجموعة متنوعة من المليشيات ذات المهارات القتالية والخبرات العسكرية في تنفيذ العمليات المشتركة على جبهة واحدة، أو جبهات متعددة في آن واحد. ومن ثم أثبتت، على سبيل المثال، قدرات قتالية فائقة أثناء العمليات القتالية في حلب بسوريا، وفي تكريت بالعراق، وعمليات تطهير الجبال والصحراء الواقعة بغرب وشرق سوريا على التوالي، فضلا عن شن هجمات خارجية على السعودية من داخل اليمن.

 

اقرأ أيضًا:
«محور المقاومة».. إيقاظ الفتنة النائمة (1)
«محور المقاومة».. ركيزة العمق الإيراني (2)
أعضاء «محور المقاومة».. أذرع وعملاء وخونة (3)

 

إيران.. جملة من المكاسب
حصدت إيران جملة من المكاسب من وراء محور المقاومة، بوصفه التجسيد الحقيقي للعمق الاستراتيجي التي خلقته بمنطقة الشرق الأوسط. وذلك كما نوضحه على النحو التالي:
الأول: أوجدت إيران لنفسها فرصا جيوسياسية على المستوى الإقليمي اتسمت بالمرونة والديناميكية، أسهمت بدورها في تنويع خياراتها السياسية، فضلا عن زيادة قدرتها على المناورة والحصول على تنازلات لتعزيز نفوذها الإقليمي، نظرا لما يلي:
1- عززت إيران استراتيجيتها الدفاعية؛ للحد الذي تقلصت معه مخاطر شن هجوم عسكري تقليدي مباشر على أراضيها.
2- زادت من وزنها النسبي بالمنطقة، وعززت قدرتها على التأثير الاستراتيجي، من خلال إدارة المليشيات والتنظيمات الموالية. 
3- أصبحت إيران أقرب إلى توفير طرق برية لتوطيد نفوذها الإقليمي، وتعزيز قدرتها على نقل القوات والأسلحة إلى حلفائها.
4- رفعت مستوى وعي الأقليات الشيعية بالمنطقة بحقوقها وبات بعضها شريكا أيديولوجيا لها وبعضها الآخر حليفا سياسيا.
5- حوّلت جماعات "ما دون الدولة" إلى قوة مساندة لاستمرار نفوذها الإقليمي، كما استخدمتها وسيلة للترويج للتشيع.
6- حولت هيمنتها الأيديولوجية على ركائزها الإقليمية إلى عملية سياسية ومؤثرة، تؤهلها للعب دور وسيط مستقبلي مؤثر في الأزمات الإقليمية الكبرى؛ الأمر الذي يكسبها هيبة سياسية.
7- طورت مفهوم المقاومة من مجرد محور إلى تحالف إقليمي داعم لمركزها التفاوضي حيال ملفها النووي والصاروخي.
8- فتحت أسواقا جديدة لمنتجاتها، بما يعزز اقتصادها الوطني، ويزيد من قدرتها على الالتفاف على العقوبات.
الثاني: كونت إيران تحالفا يحقق الأمن الجماعي المتبادل بينها وبين حلفائها، ولديه القدرة على ردع المناوئين لها استنادا إلى القدرة على الحركة العابرة للحدود. وهذا ما يعد أحد أهم مكاسبها. فقد كان من الطبيعي، في ظل ديناميات العلاقة بين إيران ومكونات محور المقاومة من حيث الدور والخطط والمهام، والمكاسب الإقليمية، أن يرتقي مفهوم هذا المحور إلى مرحلة التحالف، من حيث التوازن بين تهديدات الأعداء (إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية) وبين متطلبات الأمن الجماعي والدفاعي المتبادل، ومن حيث الإدراك الكامل للتهديد الخارجي المشترك والوحدة الأيديولوجية، وذلك نظرا للعوامل التالي:
1- عززت إيران قدراتها على فرض طوق إقليمي طائفي حول ثروات دول الخليج وابتزازها في هذا الإطار.
2- حولت جماعة أنصار الله باليمن من مجرد جماعة محلية إلى قوة تتحدى السعودية، وتستنزف قواها، وتحطم هيبتها الإقليمية.
3- جعلت الحشد الشعبي بالعراق رهنا لإرادتها، إلى الحد الذي يمكنها استخدامه في زعزعة استقرار دول الخليج، وقتما تشاء.
4- جعلت من تحالفها مع سوريا إحدى التحديات الفعالة للدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط.
5- طورت قوة حزب الله اللبناني ليتحول من مجرد قوة محلية، إلى ركيزة إقليمية من ركائز محور المقاومة.
6- عززت قدراتها العسكرية، عبر تطوير ديناميكية محور المقاومة من الدفاع إلى الهجوم، للحد الذي يهدد الأمن القومي العربي.
الثالث: طورت إيران دوافعها من مرحلة الدفاع عن حلفائها وشركائها الإقليميين، إلى مرحلة الردع والهجوم على مناوئيها. كما جعلت القوى الفاعلة تتحسب من نشوب حرب إقليمية، أو على أقل تقدير التحسب من الانتقام، حال تعرضها أو تعرض أي من حلفائها الأساسيين لعمل عسكري. نظرا لما يلي:
1- ضمنت إيران لنفسها، من خلال ارتباط الشركاء والتزامهم الأيديولوجي تجاهها، ركائز عسكرية في كل مناطق المقاومة.
2- أكسب الصراع حلفائها شرعية سياسية وعسكرية وتفكيرًا إقليميًا جديدًا، خاصة بعد تفوقهم على خصومهم. 
3- أفشلت التحالف الإقليمي المعادي لها بقيادة السعودية، بالتزامن مع تأزم العلاقات القطرية والتركية مع دول الخليج ومصر.
الرابع: خلقت إيران مسار ولاء لدى الأقلية الشيعية بأفغانستان وباكستان وربطتهم بنفوذها ومعاركها بالعراق وسوريا واليمن. بما يعني أنها نجحت في الربط الجيوسياسي بين الأقلية الشيعية الأفغانية "فاطميون" والباكستانية "زينبيون" وبين نفوذها الإقليمي. كما أنه بإمكانها استخدام مقاتلي فاطميون في تعزيز المكون الشيعي داخل الدولة الأفغانية، وتشكيل مستقبلها وفق مصالحها الخاصة. كذلك يمكنها تحويل مقاتلي زينبيون إلى أداة لتنفيذ أهدافها في باكستان، أو للمساومة مع الهند إذا نقلتهم إلى إقليم كشمير.
إن الفهم الدقيق للتحدي الإقليمي الذي فرضته إيران من خلال محور المقاومة، وتطور استراتيجيته من الدفاع إلى الهجوم، يفسر لنا قوة مواقفها الإقليمية والدولية، استنادا إلى مكاسبها العسكرية والأمنية في العراق وسوريا واليمن. كما يشير أيضا إلى أنها أتمت المرحلة الرئيسية الأولى من بناء العمق الاستراتيجي بمنطقة الشرق الأوسط، وكانت الأكثر عدوانية وتهديدا للاستقرار الإقليمي.
ولعلنا ندرك مدى هذا التحدي، إذا علمنا أن الولاء الأيديولوجي لها بالعراق يستهدف في جوهره تقويض سيادة هذه الدولة العربية، وخلق ثغرات فيه تمهد لها سبل الانقضاض على مفاصله. خاصة أنها لا تزال تعرقل مساعيه نحو تحقيق الاستقرار والتنمية، من خلال بعض المليشيات، التي نجحت في تحويل بعضها إلى قوة قادرة على فرض نفوذها بالدولة العراقية، ودمجت بعضها الآخر بمؤسساته الرسمية. مثل مليشيات الحشد الشعبي التي تهيمن عليها شخصيات موالية للحرس الثوري، وتتلقى أوامرها من قيادتها التنظيمية وليست الحكومية، وكثيرا ما خالفت الأوامر الحكومية بزعم أنها تتعارض ومصالح طهران؛ الأمر أدى إلى تآكل سلطة الدولة العراقية لحساب إيران والقوى الموالية لها. 
وبعبارة أخرى، أصبحت إيران تتحكم في العراق، منذ عام 2006م من خلال الحشد الشعبي بما له من ثقل سياسي وعسكري وأمني وإعلامي واقتصادي، وارتباط أهم فصائله بها، وهذا ما يجعل منه جيشاً رديفاً للنظام الإيراني، الذي يمكن أن استخدامه أداة للتدخل في شؤون الدول العربية الأخرى وزعزعة استقرارها. كما أن سيطرة الفصائل المسلحة، مثل سرايا السلام، وكتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وفيلق بدر على مناطق معينة ببغداد وبعض المحافظات ذات المكون الشيعي، يزيد من فرضية تهديد استقرار العراق، إذا دبت الخلافات بينها. بدليل إن هذه الفصائل سبق وخاضت صدامات مسلحة فيما بينها بجنوبي العراق. 
ومن ناحية أخرى، أسهمت إيران، بالتنسيق مع روسيا، في إحباط جميع محاولات الإطاحة بنظام الحكم السوري؛ بوصفه الشريان الجيوستراتيجي الرئيسي لإيران في الشرق الأوسط، وبالتالي بقي الرئيس بشار الأسد في الحكم، واضطرت القوى الفاعلة للاعتراف، ضمنيًا أو رسميًا، بالوضع القائم بدمشق، وهذا ما يعد في حد ذاته انتصاراً لإيران وتحالف محور المقاومة.
أما فيما يخص الحرب الجيوسياسية التي تؤججها إيران باليمن، والتي تؤثر على أمن منطقة الشرق الأوسط، فقد أفشلت إيران محاولات السعودية لإضعاف مليشيات أنصار الله الحوثية والفضائل التابعة لها. واستدرجتها لخوض حرب استنزاف تركت تداعيات سلبية على أوضاعها الداخلية والخارجية، كما دمرت صورتها الذهنية المحافظة أمام الشعب اليمني. كما نجحت في رفع القدرات الحوثية على إدارة المعارك والتعامل مع المواقف القتالية الصعبة والمعقدة، ودفعهم لتطبيق معادلات الردع باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز ضد المواقع العسكرية، وضرب منشآت أرامكو في بقيق وخريس بشرق السعودية، واستهدفت مطارات الرياض وجدة والطائف وخميس مشيط وجيزان ونجران وأبها بصواريخ باليستية.

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.