هل أصبحت سورية ولاية إيرانية؟

- 10 سبتمبر 2024 - 188 قراءة

  • لعب حافظ الأسد الأب دورًا كبيرًا في دخول طلائع "الحرس الثوري" إلى منطقة بعلبك اللبنانيّة في العام 1982 بحجة مقاومة إسرائيل

 

  • أسست إيران عبر فيلق القدس ميليشيات الدفاع الوطني وهي على غرار "قوة الباسيج" الإيرانية بهدف مساعدة الجيش السوري

 

  • تشير التقديرات إلى أن "فيلق القدس" يجند نحو 65 ألفًا من عناصر الميليشيات الشيعية التي تعمل داخل سوريا

 

  • المرصد السوري لحقوق الإنسان: الميليشيات تتواجد في 55 قاعدة و515 نقطة عسكرية في سوريا

 

  • سعت إيران لتغيير التركيبة السكانية في سوريا عبر تنفيذ خطط وإجراءات بهدف تقليص عدد السنة في سوريا والخلاص من أكبر عدد من المسيحيين

 

  • يستغل الإيرانيون الأوضاع المأساوية التي يعيشها السوريون فيقدمون المغريات لتعلُّم اللغة الفارسية مجانًا بالإضافة إلى قسط ليس بالقليل من المساعدات المالية والإغاثية

 

 

دمرت الحرب الأهلية التي أعقبت اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011 جزءًا كبيرًا من سوريا، وتسببت في نزوح ملايين السوريين داخل البلاد وإلى البلدان المجاورة.

ولعبت إيران دورًا كبيرًا في إفشال الثورة الشعبية وتحويل الحراك السلمي لحرب أهلية ذات بُعد طائفي بعد وقوفها إلي جانب نظام الأسد ودعمه بالمال والسلاح والميليشيات ليس حبًا في الأسد ولكن طمعًا في سوريا التي تحتل مكانة محورية في مشروع إيران نحو الهيمنة الإقليمية، فعبرها تضمن طهران استمرار تأثيرها في محور "سوريا - لبنان – العراق" تحت قيادتها كقوة إقليمية كبرى مؤثرة في الشرق الأوسط.

لم تضيع إيران دقيقة واحدة كي تبادر إلى المشاركة في الحرب التي يشنها النظام على شعبه حيث باشرت في التدخل المباشر ثم أدخلت ميليشيا "حزب الله" في تلك الحرب تحت شعار حماية الأماكن المقدّسة الشيعيّة في الأراضي السوريّة، خصوصًا في محيط دمشق حيث مقام السيّدة زينب.

ربما أراد النظام الإيراني أن يرد الجميل لعائلة الأسد حيث لعب حافظ الأسد الأب دورًا كبيرًا في دخول طلائع "الحرس الثوري" إلى منطقة بعلبك اللبنانيّة في العام 1982 بحجة مقاومة إسرائيل التي اجتاحت لبنان صيف ذلك العام، فضلًا عن وقوف دمشق إلي جانب طهران في الحرب العراقيّة – الإيرانيّة التي استمرت بين 1980 و1988.

لعبت إيران دورًا كبيرًا في بقاء النظام السوري حتى الآن، فقد ساعدت العمليات العسكرية الإيرانية في تعزيز قبضة نظام الأسد جغرافيًا وسط وجنوب البلاد، كما ضاعفت عمليات النقل الجوي عندما سيطرت الجماعات التي تحارب ضد النظام السوري على الطرق البرية التي كانت تستخدم لشحن المعدات المقدمة إلى النظام السوري من قبل إيران، وتشمل النفط والمساعدات المالية والدعم المخابراتي والنقل الجوي للمعدات العسكرية، بما في ذلك الذخيرة والأسلحة الصغيرة والثقيلة والمدفعية، والمتخصصون الفنيون والضباط لتدريب وقيادة القوات السورية.

كما امتد الدعم العسكري للنظام السوري عبر الوجود الإيراني الميداني، فجرى تنفيذ عمليات عسكرية من خلال وحدات فيلق القدس الموجودة ميدانيًا في سوريا، وتدخلت قوات الحرس الثوري ميدانيًا بالعمليات البرية التي ساعدت قوات الأسد في تنظيم نفسها، كما قتل قادة رفيعو المستوى من الحرس الثوري داخل سوريا، مثل الجنرال حسين حمداني الذي قتل منتصف عام 2015

.

تأسيس الميليشيات

 

أما عن تأسيس ميليشيات عسكرية فقد أسست إيران عبر فيلق القدس ميليشيات الدفاع الوطني، وهي على غرار "قوة الباسيج" الإيرانية بهدف مساعدة الجيش السوري، وكذلك تجنيد المقاتلين الشيعة الإقليميين الذين يقدر عددهم ما بين 7 آلاف من عناصر "حزب الله"، ومقاتلين شيعة من أفغانستان وباكستان.

وتشير التقديرات إلى أن فيلق القدس يجند نحو 65 ألفًا من عناصر الميليشيات الشيعية التي تعمل داخل سوريا، فهناك كتائب "حركة النجباء"، وهي ميليشيات شيعية عراقية، و"كتائب البعث" وهي ميليشيات موالية لحزب البعث.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، تتوزع الميليشيات الإيرانية في كافة المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات السورية، بعدد لا يقل عن 65 ألف مقاتل، من بينهم 11 ألفا من الجنسية السورية، ونحو 18 ألفا من الجنسيات العربية والآسيوية.

ويقول المرصد السوري إن العديد من هذه الميليشيات يتواجد في 55 قاعدة و515 نقطة عسكرية في سوريا، وسبق لقائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي في 2020 أن أعلن أن عدد هؤلاء أكثر من 100 ألف عنصر في حوالي 70 ميليشيا.

وتستهدف إيران من تدريب تلك الميليشيات والمجموعات شبه المسلحة ووجودها داخل سوريا تحقيق أكثر من هدف، أولها تعزيز قوات الأسد بتوفير قوات إضافية للحرب، وثانيها ضمان استمرار وجود عسكري إيراني في سوريا في حال خسارة نظام الأسد، وقد تقدمت هذه الميليشيات شرقاً إلى النقطة التي يمكن أن تساعد فيها إيران على تشكيل ممر آمن للإمدادات من إيران إلى لبنان.

 

تغيير الهوية والديموغرافيا

 

لم تقدم إيران كل هذا الدعم العسكري حبًا في الأسد ونظامه، فإيران عندما قررت دخول سوريا كانت تهدف للسيطرة الكاملة عليها وتغيير ديموغرافية أرضها وتغيير هوية ومذهب شعبها وهو ما يتطابق مع تصريحات سابقة لمسؤولين إيرانيين منذ سنوات قليلة بأن "العواصم العربية بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء أضحت عواصم شيعية هواها إيراني".

الدعم الإيراني للنظام في سوريا توازي مع عملية تغيير شاملة قامت بها طهران داخل الأراضي السورية خصوصًا بعدما استطاعت تهجير أكبر عدد من السوريين من أرضهم خلال سنوات الحرب.

لم تكتف إيران بدعم النظام السوري بمليارات الدولارات بل قامت في الوقت ذاته بتغيير طبيعة مناطق سورية معينة من منطلق مذهبي وذلك لتكوين سوريا الجديدة أو المفيدة كما سبق ووصفها رأس النظام .

وسعت إيران لتغيير التركيبة السكانية في سوريا عبر تنفيذ خطط وإجراءات بهدف تقليص عدد السنة في سوريا والخلاص من أكبر عدد من المسيحيين حين تدعو الحاجة إلى ذلك.

كما تغلغلت داخل طوائف الشيعة العلوية والإسماعيلية واستبدلت رموز وقيادات تلك الطوائف بمرجعيات موالية لنظام الملالي، فصارت تلك المجموعات رهن أمر طهران وأداة من أدواتها.

 

الغزو الكامل

 

وفق أدبيات العلوم السياسية فإن الاحتلال يتنوع ما بين العسكري الذي تفرضه قوة السلاح وينتشر جنوده وميليشياته في الأراضي المحتله لقهر الشعب، أو يكون احتلال استيطاني وثقافي يلجأ للتهجير الديموغرافي لتغيير تركيبة السكان وفرض ثقافة المحتل أو احتلال فرض الوصاية أو الانتداب والتي لا تستطيع الدولة المحتلة فعل شىء دون الرجوع للمحتل.

وبالنظر إلي الممارسات الإيرانية في سوريا نجد أنها جمعت كل أنواع الاحتلال وربما فعلت ما عجزت أدبيات العلوم السياسية عن توصيفه، فأصبحت إيران هي المحتل العسكري صاحبة الوصاية والانتداب التي ترتكب عمليات إبادة وتهجير وتغيير ديموغرافي ومذهبي داخل سوريا.

 وبحسب تقارير تجتهد إيران في نشر اللغة الفارسية في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات التابعة لها، فتقوم بإنشاء الحسينيات والحوزات العلمية والمؤسسات الخيرية وتجعل معها مراكز لتعليم اللغة الفارسية كما فعلت في المناطق المدمَّرة في ريف دير الزور والرقة وريف حلب ومحافظة اللاذقية، حيث يستغل الإيرانيون الأوضاع المأساوية التي يعيشها السوريون فيقدمون المغريات لتعلُّم اللغة الفارسية، فالتعليم مجاني بالإضافة إلى قسط ليس بالقليل من المساعدات المالية والإغاثية. ومن أبرز تلك المؤسسات التي تغلغلت بقوة داخل المناطق السورية منظمة الرسول الأعظم، والثقلين، والجهاد للبناء.

 

اختراق التعليم

 

كما عمدت طهران إلى التغلغل داخل المجتمع السوري عن طريق التعليم النظامي والتوقيع على اتفاقات وتفاهمت مع النظام، بدءاً من مرحلة الابتدائي وليس انتهاءً بالجامعي، حيث سبق ووقعت وزارة التعليم التابعة لنظام الأسد في سوريا ووزارة التعليم الإيرانية مذكرة تفاهم لتبادل الخبرات والتجارب في المجالات العلمية والأكاديمية والتعليمية.

 ووفقًا للاتفاقية تقدم إيران تقديم خدمات فنية وتعليمية وتجديد مدارس بالإضافة إلى جهود تطوير التعليم، كما تشمل الاتفاقية تطوير نظام البحث العلمي، وتوفير متطلبات التعليم المهني المختلفة. يشمل الاتفاق 11 اتفاقية في المجالات التعليمية والثقافية والخدمية وغيرها، بما في ذلك مشاريع تعليمية تحت عنوان (التعليم قبل الجامعي)، ومشاريع سينمائية.

كما أقدمت طهران على إنشاء أفرع جديدة لجامعات إيرانية في سوريا، كان آخرها فرع لجامعة (تربية مدرس) لتُعدَّ بذلك خامس جامعة وكُليَّة تابعة للملالي في سوريا بعد أفرع جامعات: المصطفى والفارابي، وجامعة آزاد الإسلامية الإيرانية، إضافة إلى كلية المذاهب الإسلامية.

هذا بالإضافة إلى البعثات التعليمية المجانية حيث يقوم المركز الثقافي الإيراني بإرسال بعثات دراسية للطلاب السوريين إلى إيران على نفقة النظام الإيراني، ليستكمل الطلاب هناك عملية استلاب الهوية الدينية والوطنية.

 

السيطرة الاقتصادية

 

كما لعبت إيران على الملف الإقتصادي وانخرطت في المشاريع الزراعية والصناعية في سوريا، بما في ذلك مصانع للسيارات وبناء مصفاة للنفط في حماة وتصدير الغاز الطبيعي الإيراني إلى سوريا عبر تركيا.

في يونيو/حزيران 2015 صرح مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستفان دي ميستورا بأن المساعدات الإيرانية لسوريا، بما فيها العسكرية والاقتصادية، وصلت إلى نحو 6 مليارات دولار في السنة في حين أنها لم تتجاوز 3 مليارات قبل الحرب.

وتشير دراسات صادرة عن الكونجرس الأميركي إلى صعوبة قياس المعونات الإيرانية المقدمة إلى سوريا بدقة، ويعود ذلك جزئيًا لأنها تضم مجموعة من المساعدات الاقتصادية، فهناك عمليات لنقل النفط والسلع فضلًا عن المعونة العسكرية، وقد مددت إيران 6.6 مليار دولار في شكل ائتمانات لحكومة الأسد منذ عام 2013.

وتستقبل سوريا واردات إيرانية بما في ذلك النفط الخام والمواد الغذائية، مثل القمح والسلع المعلبة والمدخلات الزراعية والصناعية، كما وافقت على استثمارات إيرانية جديدة في قطاعات الاتصالات والزراعة والتعدين، كما تنافس الوجود الروسي على المصالح الاقتصادية في سوريا، وربما كان انشغال روسيا في الحرب مع أوكرانيا فرصة لتعزيز وجودها وروابطها داخل الاقتصاد السوري.

 

تحركات للمواجهة

 

وفي مواجهة التغلغل الإيراني في سوريا، تحركت قوي معارضة لفضح الممارسات الإيرانية وأعلن الائتلاف الوطني السوري المعارض في بيان رسمي له أواخر 2015 أن سوريا بلد محتل ليس من قوة انتداب غربية كما حدث في القرن الماضي بل هو احتلال من قبل قوات إيرانية.

كما طالب الائتلاف السوري في مذكرة قدمها للقمة العربية التي استضافتها القاهرة، للمطالبة بالمساعدة في تخليص سوريا مما سماه الاحتلال الإيراني، كما سبق وأطلق ناشطون سوريون حملة "دمشق لن تكون فارسية"، في إشارة لما وصفوه بأنه سيطرة إيرانية على العاصمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

  1. خريطة الميليشيات الإيرانية في سوريا، موقع سكاي نيوز عربية، 22 فبراير/شباط 2024.
  2. إخراج إيران من سوريا، جريدة العرب اللندنية، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
  3. إيران في سوريا... غزو الأرض والإنسان، مجلة البيان، 13 فبراير/شباط 2021.
  4. الائتلاف السوري: إيران تحتل سوريا، موقع العربية نت، 9 مارس/آذار 2015.
  5. كيف رسخت إيران وجودها في سوريا منذ بدء الحرب؟، موقع اندبندنت عربية، 12 مايو/آيار 2023.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.